السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك    دبابيس ودالشريف    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    الديوان الملكي السعودي: خادم الحرمين الشريفين يغادر المستشفى بعد استكمال الفحوصات الروتينية    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    د. مزمل أبو القاسم يكتب: جنجويد جبناء.. خالي كلاش وكدمول!    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    الخارجية الروسية: تدريبات الناتو في فنلندا عمل استفزازي    السوداني في واشنطن.. خطوة للتنمية ومواجهة المخاطر!    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    مدير شرطة شمال دارفور يتفقد مصابي وجرحى العمليات    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    عن ظاهرة الترامبية    سفير السودان بليبيا يقدم شرح حول تطورات الأوضاع بعد الحرب    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشمس لا تغيب عن "الانتشار" الأمريكي
نشر في سودان سفاري يوم 13 - 11 - 2011

في الأسابيع القليلة الماضية، واجه الرئيس الأمريكي باراك أوباما انتقادات على نطاق واسع في فضاء الإنترنت، بسبب قراره إرسال قوات محاربة إلى إفريقيا، رغم فشل حربي أمريكا في العراق وأفغانستان، وأزمتها الاقتصادية - المالية التي أطلقت شرارة حركة احتجاج عبر المدن الأمريكية على غرار حراك الربيع العربي .
الرئيس الحائز على جائزة نوبل للسلام أبلغ الكونغرس الأمريكي بقراره في رسالة قال فيها أنه قرر إرسال “عدد صغير من قوات قتالية أمريكية مجهزة بالأعتدة للانتشار في وسط إفريقيا لكي تقدم مساعدة إلى قوات إقليمية . ." تقاتل ضد جماعة “جيش الرب للمقاومة" التي ترتكب منذ سنوات فظاعات بشعة في أوغندا وجوارها .
وقد أوضح أوباما أنه “بشرط موافقة كل دولة مضيفة، سوف تنتشر عناصر من هذه القوات الأمريكية في أوغندا، وجنوب السودان، وجمهورية إفريقيا الوسطى، وجمهورية الكونغو الديمقراطية" . كما أوضح الرئيس الأمريكي أن هذه القوات ستعمل بصفة “مستشارين" عسكريين .
ولاحظ كثيرون من الكتاب الذين علقوا على قرار أوباما أن حرب فيتنام بدأت هي أيضاً بإرسال حفنة من “مستشارين" عسكريين وانتهت بتدمير بلد، ومقتل ملايين من سكانه، وتلقي أمريكا هزيمة قاسية .
ولاحظوا أيضاً أن “جيش الرب للمقاومة"، بزعامة جوزيف كوني المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، هو بالتأكيد عصابة رهيبة، ولكن من المؤكد أيضاً أنه لا يشكل أي تهديد للأمن القومي الأمريكي، خصوصاً أن قوات الدول الإفريقية المعنية قد وجهت ضربات عنيفة لهذه الجماعة التي باتت تختبئ في الأدغال ولم تعد تضم أكثر من بضع مئات من المقاتلين .
وإذا كان البيت الأبيض قد وصف إرسال هذه القوات الأمريكية إلى إفريقيا بأنه “مهمة إنسانية"، فإن المنتقدين رأوا في قرار أوباما أبعاداً أعمق بكثير من ذلك .
في موقع “انفور ميشن كليرينغ هاوس"، رأى الكاتب والناشط السلمي الأمريكي ستيفان لاندمان أن أحد أهداف هذا “التدخل" الأمريكي هو استهداف نفوذ الصين المتعاظم في إفريقيا، نتيحة لحاجة الاقتصاد الصيني إلى الموارد، خصوصاً النفط والغاز .
وكتب يقول: “روابط الصين الاقتصادية مع أوغندا تتسارع باطراد على جميع الجبهات، ما جعلها أحد أكبر المستثمرين الأجانب في هذا البلد" . وأشار إلى أن هذا ينطبق أيضاً على بلدان أخرى في إفريقيا، بما فيها جمهورية الكونغو الديمقراطية الغنية بالموارد .
بدوره، لاحظ المعلق الروسي بوريس فولخونسكي، في تعليق عبر إذاعة “صوت روسيا"، أن السياسة الخارجية الأمريكية تجاهلت إفريقيا إلى حد بعيد طوال عقد أو أكثر، حيث كانت منشغلة ب"الشرق الأوسط الكبير"، ولم يكن لدى الإدارات الأمريكية المتعاقبة الوقت والموارد، والسلطة والنية للتعامل مع مشكلات “القارة السوداء" . وجاءت الصين، وحديثاً الهند، لتملأ الفراغ، وهما تواقتان للحلول محل أمريكا باعتبارهما الشريك الرئيس لإفريقيا .
ويذهب الباحث في معهد “كاتو" الأمريكي دوغ باندو إلى أبعد من ذلك، إذ لاحظ أنه مضى أكثر من عشر سنوات منذ أن كانت الولايات المتحدة تنعم بالسلام، وقال إنه إذا حقق أوباما ما يريد، فسوف تمضي سنوات عديدة قبل أن تتوقف القوات الأمريكية عن القتال في مكان ما من الكرة الأرضية .
ولاحظ أيضاً أن تفكك الاتحاد السوفييتي ترك أمريكا باعتبارها القوة المهيمنة عالمياً، فجعلت واشنطن الحرب شيئاً مألوفاً، وأصبح القصف والغزو واحتلال دول أخرى، مجرد مبادرة سياسية يطلقها رؤساء من كلا الحزبين الكبيرين . وهكذا ذهب جورج بوش الأب إلى الحرب في بنما والعراق (إثر غزو الكويت) . وتدخل الرئيس بيل كلينتون في الصومال، وهايتي، والبوسنة، وكوسوفو، في حين قام جورج بوش الابن بغزو أفغانستان والعراق . ثم استمر أوباما في حرب أفغانستان، قبل أن يتدخل في ليبيا، والآن في أوغندا .
وأشار الباحث إلى أن ما يدعو للدهشة أن هذه النزاعات لم يكن لها صلة تذكر بالأمن القومي الأمريكي .
تمدد عسكري مفرط
في موقع “أنتي وور"، كتب الناشط الليبرالي الأمريكي لي رايتس مقالاً نقدياً جاء فيه:
مرة أخرى، أمر الرئيس أوباما جنوداً أمريكيين بالذهاب في مهمة خطرة من دون ضرورة . وقد أبلغ الكونغرس بصورة متكتمة أنه أرسل 100 من جنود القوات الخاصة إلى أوغندا لمساعدة حكومات في وسط إفريقيا على مكافحة جيش متمرد كان يعيث فساداً في المنطقة طوال أكثر من 20 سنة . وبهذه الطريقة بدأت حرب فيتنام، حين أرسلت قوات خاصة ل “مساعدة" حكومة بالكاد كان يمكن اعتبارها ديمقراطية في التعامل مع ثوار . وبعد عشر سنوات، ومقتل أكثر من 58 ألف أمريكي ومئات آلاف غير معروفة من الفيتناميين، تعلمنا درسناً قاسياً: الحرب تتصاعد بسهولة كبيرة بوجود جنود أجانب ما كانوا مضطرين للقتال أو الموت .
والآن، يبدو الرئيس أوباما مصمماً على أن يكرر التاريخ بدلاً من أن يتعلم من ماضي أمريكا . وحسب التقارير الصحافية، فإن البنتاغون (وزارة الدفاع الأمريكية) شحنت بالفعل إلى المنطقة أعتدة عسكرية بقيمة 45 مليون دولار، بما فيها أربع طائرات بلا طيار .
وهذا النوع ذاته من الطائرات الآلية سبق أن استخدم لقصف أهداف في فلسطين، واليمن، وليبيا" ومن يعلم في أي مكان آخر .
هل أمريكا تحتاج حقاً حرباً أخرى في هذا الوقت بالذات؟ إننا لا نستطيع تحمل حتى الحروب التي نخوضها أصلاً .
وما يزيد الأمور سوءاً هو أن الكونغرس سهّل وساعد في خوض مغامرة تدخلية أخرى في الخارج . ففي مايو/أيار ،2010 أقر الكونغرس، والرئيس وقع، بدعم كبير من كلا الحزبين، قانوناً يفرض على السياسة الخارجية الأمريكية أن “تقبض على جوزيف كوني وكبار قادته أو تزيحهم في ميدان القتال" . . “وأن تسرّح وتنزع أسلحة بقية مقاتلي جيش الرب للمقاومة" وأكثر من ذلك، وجه القانون الرئيس بوضع خطة واستراتيجية من أجل “القضاء على التهديد" .
والأمر الأخير الذي أصدره أوباما ليس سوى استمرار للسياسة الخارجية التدخلية والإمبريالية التي ساندها الرؤساء وأعضاء الكونغرس في كلا الحزبين السياسيين الكبيرين . ومرة أخرى، أرسلوا أمريكيين للتعرض للأخطار في أرض أجنبية باسم “المساعدة الإنسانية" و"الأمن القومي" .
ويمكننا هنا استشفاف نمط . ففي أوغندا كما في ليبيا، أو أي مكان آخر ترسل النخب الحاكمة في أمريكا جنوداً شباناً إليه، تغلف المهمة بستار عاطفي من الروح الوطنية، والمساعدة الإنسانية، والضرورات الأمنية .
ولكن إلى أي مدى يشكل هؤلاء المتمردون في إفريقيا تهديداً للأمن القومي للولايات المتحدة؟ وفقاً لمصادر عسكرية أوغندية، فإن هذه المجموعة تضم الآن ما بين 200 و400 مقاتل، وهذه القوة مبعثرة وتعاني انقسامات . فهل هذا حقاً تهديد للأمن القومي للولايات المتحدة؟ مثل هذا الادعاء سخيف .
و"جيش الرب للمقاومة" قد يكون عصابة من سفاحين أشرار لا يرحمون، وزعيمهم جوزيف كوني قد يكون رجلاً شريراً جداً . ولكن يمكننا التجرؤ والقول إن هذه المسألة ليست من مسؤوليتنا . وأمريكا لا تستطيع اجتثاث كل شر في العالم . نحن لا نستطيع أن نفعل ذلك، ويجب ألا نحاول . ولدينا هنا داخل بلدنا ما يكفي من المشكلات التي يتعين التعامل معها .
وبالتأكيد يجب ألا نضحي بأعز دمائنا في هذا النزاع على أمل أن ينتصر أهون شرّين: يجب ألا ندعم أي شر إطلاقاً .
في القرنين التاسع عشر والعشرين، كان الاستعماريون وإلامبرياليون البريطانيون يعلنون بغطرسة أن “الشمس لا تغيب أبداً عن الإمبراطورية البريطانية" واليوم، يمكننا القول بحزن إن الشمس لا تغيب أبداً عن الجيش الأمريكي . لقد تمددنا أكثر بكثير من طاقتنا ونحن نحاول تطويق العالم بقوات، وذلك بثمن اقتصادي وبشري مدمر . لقد آن الأوان لكي نواجه حقيقة أن أمريكا لا تستطيع ببساطة تحمل أعباء إمبراطورية عالمية .
أوباما يبز بوش
في موقع “اكزماينر"، كتب الصحافي الأمريكي مايكل هيوز، المتخصص في استراتيجيات السياسات الخارجية، مقالاً يقول فيه:
على الرغم من فوزه بمنصبه على أساس برنامج انتخابي يعارض الحرب ويدعو إلى “التغيير"، فإن عسكرة السياسة الخارجية لإدارة الرئيس أوباما قزّمت إمبريالية جورج بوش وعصبته من المحافظين الجدد، من دون أن تبدو في الأفق نهاية للتصعيد الذي تمارسه اليوم دولة الأمن القومي في أمريكا، حيث اعتنق أوباما ووسع نطاق عقيدة “الحرب الوقائية" .
وقد كان يفترض أن يدشن أوباما عهد “القوة الذكية"، بعد أن وعد بإبقاء أمريكا بعيدة عن الحروب “الغبية"، وخوض غمار حروب “الضرورة" فقط وليس الحروب “الاختيارية" . غير أن إدارته ستنفق على الدفاع 895 مليار دولار في عام ،2011 أي 40% أكثر مما انفقته إدارة بوش في ذروة إنفاقها العسكري عام 2008 .
وحسب “معهد ستوكهولم للسلام الدولي"، فإن الولايات المتحدة تنفق الآن على القوة العسكرية بقدر ما تنفقه كل بقية العالم تقريباً - وست مرات أكثر من البلد الذي يخصص ثاني أكبر ميزانية للدفاع، وهو الصين .
وفي الوقت الراهن، الولايات المتحدة لديها على الأقل 1000 قاعدة عسكرية حول العالم، كثير منها قواعد موروثة عن الحرب الباردة - كما لو أن انسحاب أمريكا من ألمانيا سيغري روسيا بتوسيع دائرة نفوذها . وقد عبّر عن هذا الموقف أندرو باسيفيتش (بروفسور العلاقات الدولية في جامعة بوسطن والضابط المتقاعد في الجيش الأمريكي) بقوله بإيجاز جامع في كتابه “واشنطن تسود": “هذا الوجود العسكري العالمي يبدو في الظاهر أساسياً للدفاع عن الحرية الأمريكية حتى في أماكن يكون فيها التهديد الفعلي للحرية الأمريكية غير مباشر أو وهمياً" .
وخلال أول سنتين من ولايته، صرح أوباما بعدد من ضربات الطائرات الآلية يزيد بنحو أربع مرات عما صرح به بوش خلال كل ولايتيه الرئاسيتين - رغم واقع أن بروفسور القانون الدولي سابقاً لابد أنه يدرك أن ضربات الطائرات الآلية تنتهك القانون الدولي . هذا عدا واقع أن أوباما عجز عن إيجاد بدائل مقبولة لغرف الاستجواب والمحا كم العسكرية في غوانتانامو .
لقد وضعت “الحرب على الإرهاب" الزورانية (البارانويدية) في عهد بوش أمريكا على مسار عسكريتاري كما لم يحدث أبداً من قبل في تاريخها، حيث أرسلت قوات لترابط عبر الكرة الأرضية من أجل تحويل “قوس عدم الاستقرار" - الذي يتكون من كل بلد تقريباً في ما كان يعرف سابقاً ب “العالم الثالث" - إلى “قوس حرية" .
ومع نهاية عهد بوش، كانت البنتاغون تنشر قوات ووحدات عسكرية في 60 بلداً حول العالم، عملت بنشاط في عدد كبير من المهمات، التي شملت (حسب المؤرخ والكاتب والصحافي الأمريكي) نيك تيرس:
“عمليات سرية لقوات خاصة وأجهزة استخبارات، وإطلاق هجمات بطائرات بلا طيار، وبناء قواعد وسجون سرية، وتدريب وتسليح وتمويل إنشاء قوات أمنية محلية، والمشاركة في مجموعة متنوعة أخرى من الأنشطة العسكرية، بما فيها المشاركة في حرب شاملة" .
ومن الواضح أن إدارة أوباما تتبنى فكرة أن مراقبتها عن كثب لهذا العدد الكبير جداً من الأماكن التي ينشط فيها إرهابيون إنما تبرر زيادات ميزانية الدفاع . وفي عام ،2010 كانت الولايات المتحدة تقوم بمثل هذه الأنشطة في 75 بلداً، من أمريكا الجنوبية وحتى آسيا الوسطى، وهي تخطط لزيادة هذا العدد إلى 120 بنهاية العام الحالي .
وأوباما لم يفتقر للإرادة من أجل تغيير الوضع القائم في واشنطن الذي يسيطر عليه هاجس الدفاع فحسب، بل هو رفض أيضاً الإقرار بأن استراتيجية الحرب الأمريكية في أفغانستان كانت مفلسة . كما أنه ورّط الولايات المتحدة في ليبيا، ليطبق بذلك على الأرض نظرية “الحرب العادلة" التي أعلنها في خطاب قبوله لجائزة نوبل للسلام (1) . وقدمت إدارته العملية العسكرية في ليبيا على أنها عمل “وقائي" لمنع مجزرة بحق المدنيين على أيدي “المجنون" معمر القذافي .
وهل كان التدخل في ليبيا ضرورياً؟
إن تصريح الرئيس بهذه الحرب دفع بتفسير الدستور إلى حدود بعيدة، حيث اخذ الفريق القانوني في البيت الأبيض يجهد نفسه لإعادة تحديد ما تعنيه “الحرب" . وهذا التدخل كان، على أقل تقدير، متناقضاً مع الموقف الحازم الذي أعلنه أوباما خلال حملته الانتخابية عندما قال: “الرئيس لا يملك سلطة بموجب الدستور للتصريح من طرف واحد بهجوم عسكري في وضع لا يتطلب وقف تهديد فعلي أو وشيك للأمة . . من الأفضل دائماً إبلاغ الكونغرس والحصول على، وافقته قبل أي عمل عسكري" (2)
وبينما تواجه الولايات المتحدة أسوأ أزماتها الاقتصادية منذ سنين، ها هو رئيس ديمقراطي مستعد لتخفيض مخصصات البرامج الاجتماعية ولكنه لم يكن خلاقاً في تخفيض الإنفاق الدفاعي بقدر ما كان في تبرير استخدام القوة العسكرية .
وقد وجدت دراسة لجامعة ماساشوستس في 2009 أن الإنفاق الدفاعي ليس فعالاً في توفير وظائف مثل صناعات أخرى . وأظهرت الدراسة أن إلانفاق العسكري يوفر 12 ألف وظيفة في المليار الواحد من الدولارات، مقارنة مع 17 ألف وظيفة في انفاق مليار على الاقتصاد الأخضر، و20 ألفاً في إنفاق مليار على الرعاية الصحية، و29 ألفاً في إنفاق مليار على التعليم .
وقد تحدث الرئيس دوايت ايزنهاور (تولى الرئاسة من 1953 إلى 1961) عن هذه المقارنة المأساوية في ما يتعلق بتعزيز القدرات الأمريكية لنشر القوة العسكرية في الخارج على حساب تلبية احتياجات المواطنين قائلاً: “إن المشكلة الأساسية في موضوع الدفاع هو إلى أي مدى يمكنك أن تمضي، وتواصل الطريق قبل أن تدمر من الداخل الشيء أو الأشياء التي تسعى لحمايتها من القوة الخارجية" . والنقطة التي حرص على التشديد عليها أكثر في عام ،1953 كانت قوله: “كل مدفع يُصنع، وكل سفينة تدشن، وكل قذيفة تطلق، هو في المحصلة النهائية سرقة من اولئك الذين يجوعون ولا يجدون طعاماً، وأولئك الذين يعانون من البرد ولا يجدون ثياباً، إن هذا العالم المسلح لا ينفق مالاً فحسب، وإنما ينفق أيضاً عرق عماله، وعبقرية علمائه، وآمال أبنائه . . ولكي نفهم ذلك، يكفي أن نعرف أن ثمن القاذفة الحديثة الواحدة يكفي لبناء مدرسة حديثة في أكثر من ثلاثين ولاية أمريكية، كما يكفي لإنشاء محطتي طاقة كهربائية يخدم كل منها مدينة يبلغ عدد سكانها 60 ألف نسمة . ويكفي كذلك أن نعرف أننا ندفع من أجل شراء مقاتلة واحدة مبلغاً من المال يعادل ذلك الذي ندفعه من أجل شراء نصف مليون كيس من القمح، وأننا ندفع من أجل شراء مدمرة حربية واحدة مبلغاً من المال يكفي لبناء منازل تتسع لثمانية آلاف شخص . . هذه ليست طريقة للحياة على الإطلاق" .
وفي خطابه الوداعي الشهير عام ،1961 حذر ايزنهاور من إصدار شيك على بياض إلى المؤسسة الدفاعية، قائلاً: “في الهيئات الحكومية، علينا أن نحذر من امتلاك المجمع العسكري - الصناعي نفوذاً غير مسوغ . علي أن أقول صراحة أن هناك الآن مجموعة صناعية عسكرية مالية سياسية وفكرية تمارس نفوذاً غير مسبوق في التجربة الأمريكية . ومع أننا نتفهم الظروف التي أدت إلى نشأة هذه المجموعة، فإننا لا بد أن نحذر من وصولها إلى مواقع التأثير المعنوي والسياسي والعملي في القرار الأمريكي، لأن ذلك خطر شديد على المجتمع الأمريكي قبل أن يكون خطراً على غيره" .
هوامش
(1) في ذلك الخطاب، قال أوباما “إن مفهوم الحرب العادلة يرى أن الحرب لا تكون مبررة إلا إذا توفرت فيها شروط معينة: إذا تم خوضها كملاذ أخير أو دفاعاً عن النفس، وإذا كانت القوة المستخدمة متناسبة، وإذا أُبقي المدنيون، كلما كان ذلك ممكناً، خارج دائرة العنف" . وهذه الفقرة كانت بمثابة انتقاد ضمني لسياسات سلعة جورج بوش .
(2) الرئيس أوباما أمر بالمشاركة في عملية ليبيا من دون إبلاغ الكونغرس مسبقاً، وبالتالي من دون الحصول على موافقته، حسبما ينص الدستور الأمريكي . وقد أثار قراره ولا يزال الكثير من الجدل .
المصدر: الخليج البحرينية 13/11/2011


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.