سودانياتٌ قبلَ قرار ٍبقابل ِالأوْطاَن "صحو الشعب الجبار" من أناشيد الموسيقار محمد الأمين * السبت: 2 يوليو 2011 عناؤنا هذا الأسبوع في معترك السياسة الخارجية علي امتداد عالمنا القريب، وموجاته المضطربة التي تخفي ورآءها إصطخابا أعتي، وصراعا محتدما. في الصورة إندفاع قيادة الإنقلابيين الإسلاميين نحو محاور دولية نائية، عقب جولةٍ ماليةٍ في ماليزيا، وزيارةٍ مشبوبةٍ بمكاره أمنية وإقتصادية حرجة، إلي محور إيران الزاخر بمصارعة الغرب، ومحور عسكري-إستثماري مستجد مع الصين، عملاق الصفقات البراقماتية الصارخة في علاقات الدول الصاعدة بالعالم الثالث. قالت وكالة شنهوا التي تديرها الدولة "إن الإتفاقات شملت التجارة والثقافة ودارفور". ولكن وزير الخارجية السوداني أشار إلي التوقيع علي " قلةٍ من الإتفاقات الإستراتيجية الأخري". ولِمَا لم ينطق الوزير الهمام بأن هذه صفقات سلاح وحماية بالفيتو مقابل إحتكار النفط والتعدين؟! علق هونغ لي، متحدثا بإسم الخارجية الصينية، علي إنتقادات المجلس الدولي لحقوق الإنسان والنشطاء الحقوقيين علي تحدي بلاده القرار الجنائي الدولي بإعتقال عمر البشير، قائلا بأن الصين ترفض "مثل هذه الإنتقادات. الزيارة جزء من علاقات البلدين الثنائية العادية. الصين ليست عضوا يلتزم بقانون إنشاء المحكمة. وللصين تحفظات في شأن إتهام الرئيس البشير." ولقد كان علي الناطق بإسم دولة المليار إنسان أن يعلم أن ثمن الحريات والحقوق لشهيدٍ واحدٍ من حروبات حليفه أغلي من كل مليارات الدولار؛ وأن قانون روما للمحكمة الجنائية 2007 جزءٌ لا يتجزأ من القانون الدولي الذي أنعم علي بلاده بحق الفيتو، وتسند مواثيقه وإتفاقاته بعضها بعضا في الفقه القانوني للمنظمة الدولية. لم يصدر بيان مشترك – كما تفعل الدول المستقيمة – عقب الزيارة الرابعة لرئيس الإنقلابيين الإسلاميين لحليفه السياسي الأشبع، وشريكه التجاري الأربح، جمهورية الصين الشعبية. إنما صدر بيان مقتضب عقب التوقيع علي إتفاقات مستجدة تحت واجهة مؤسسة الصين الوطنية للبترول. وكان الأحري توقيع الإتفاقات في وزارة الدفاع وجهاز الأمن الصيني. فالإتفاق صفقة لم تتحول منذ 1994، عام إقتران النظامين الصيني والسوداني – وكلاهما إستبدادي إنفرادي: النفط إلي ما يشبه النصف مقابل السلاح والفيتو. علاقة الشريكين الحربيين دفع فيها الشعب السوداني أبهظ الغرامات مُفتريا عليه بصداقة حربية تجارية رسمية لا شعبية بين جمهورية الصين الشعبية وحكومته الإستبدادية: إستطالة عمر أسوأ ديكتاتورية تحارب شعب السودان في تاريخ وطننا الحديث، ومعها كل الموبقات المهلكات: فرض الحرب، قمع الشعب، فقدان سيادة الوطن، والخلوص إلي محور مُهين من التبعية السلاحية والحماية الدبلوماسية، ولو كانت الخروق إبادة السودانيين في دارفور الجريحة، وإرعاب الشمال بقتل المزارعين المساكين في كجبار وبورتسودان علي أعقل تظاهر، وموالاة إذلال الإنسان السوداني الحبيب الكريم بإستلاب ثقافاته، و"تصيين" مصنوعاته. ومع كل هذا الخرق الأهوج للحقوق والحريات، طرد إنسانه الجنوبي من العمل في ديوانه الشمالي مع إغراق الأسواق بالأجانب من كل حدبٍ وصوب فيما يحتج النائب البرلماني السابق سليمان حامد (الميدان: يوليو 2011). ولما نذهب بعيدا، فالصين التي لم تجد أيام عزلتها الدولية أصدقاء ينصرون حقها في الأسرة الدولية خلا السودانيين وقليلا من الشعوب الحرة الأخري، منذ ثورتها الإشتراكية إلي الستينيات من القرن الماضي، ما كان يجب عليها أبدا كونها سليلة حضارة إنسانية حكيمةٍ وشقيقةٍ في كتب التاريخ لحضارات نيلنا العريقة، أن تنسي فضل السودانيين في مساندتها والوقوف الحازم مع حركة التحرر الوطني المجيدة للإعتراف بدولتها وعضويتها في الأممالمتحدة، وتمتعها بحق الفيتو الذي لم تنشط في رفعه أيام محنة شعبنا الراهنة إلا للدفاع عن جلادي السودان – موطن السودانيين أنفسهم الذين ارتضت مقابل إحتكار الخام بيع صداقتهم الحقيقية بالوقوف إلي جانب أمانيهم ونضالاتهم لتحقيق الوحدة الوطنية بالديمقراطية الدستورية. عاد طريد العدالة الجنائية الدولية بعد أن أكرمت الصين وفاده، ولم تأبه في سبيل إحتكاراتها المادية بمسح مدن كاملة وقوميات من الوجود في مناطق التنقيب وما حوت من ديار الأهالي في الجنوب ودارفور منذ أطلت صناديق مالها إلي الآن. كم أخذت؟ وكم أعطت؟ ومَنْ أعطت؟ ربما يصبح هذا الحلف المُشرّب بالظلم "يوماً عَبُوسَا قمْطريرَا"، حساباً عسيراً، وفضيحة عالمية مُريعة... ما نراه، إستطالة سياسات العزلة السياسية والإستبداد بالسلطة من قومسنجية الدولة في العلاقات الخارجية لحكومة السودان الراهنة، قياما علي تجويع الأمة لتشحيم الحزبية الضيقة. معلوم ما أحدثه ذلك العنت السلطوي علي السودانيين وبلادهم من أزمات دبلوماسية ومالية وأمنية بالداخل والخارج في الوقت الحاضر؛ وما سيورثه في القابل من شقاق وتناحر للإنفراد بالقرارعُنوة، وضيق أفق السياسات قمعا بالإجبار في الداخل، وحمل السودان محاور دوليةٍ شتْراء بالإستقطاب، والإستدعاء طغوي. إستدعت دولتا المحور الصيني-الإيراني رئيس حكومة السودان لا ليُنصح بالتصالح مع الشعب السوداني، والتوبة عن حربه، وإعادة كل حق لمستحقيه بما في ذلك كراسي الحكم المنهوبة ببطش السلطة. وإلا، فأين بيانه؟! عاد الرئيس الطريد مزهُوا منشرحا "بالإتفاقات الإستراتيجية الأخري"، السرية التي امتنع وزير خارجيته والناطق الصيني معا دون إعلانها، صفقات الدبابات والطائرات المقاتلة والصواريخ لمحاربة أهلنا في جنوب كردفان. وفضح رئيس الحرب أمرها، آمرا الجيش السوداني المقهور بتمشيط المقاومة الشعبية لديكتاتوريته في كل ركن وقرية، والقبض علي المناضل عبد العزيزالحلو، الوالي منهوب الحق من طريد العدالة الدولية والوطنية، سارق الولاية أحمد هارون. فيا سبحان الله! ويا لفداحة المظالم حين يقبض علي زمام الأمور نظام باطشٌ، جاهلٌ، ظالم، يعينه تاجرٌ شبقٌ طامع. بالغرب تقدمٌ في مُراجعة الحرب في الخارطة ثورانُ المنطقة العربية في صراع مكشوف بين الشعوب والأنظمة، يقابله غليانٌ في الشارع الأوروبي يجتاح دول الجنوب، خاصة البرتغال ويونان وإسبان. يفاقم من حدة الفوارق في البيت الأوروبي بين شماله الألماني-البريطاني-الفرنسي الغني بتصدير المال والصناعة، لجنوبه المستورد السادن في تعمق الأزمة الإقتصادية وتزايد الفقر والبطالة. تداعيات حرب الناتو بين أعضائه المحاربين تلقي بظلالها علي العالم من حولها، نفورا مثيرا من التوسع في الحرابة ونفقاتها الباهظة من قبل الكنغرس الأمريكي، مركز الديمقراطية الدستورية، تشجيعا للتصالح مع الطالبان، وتقييدا، علي تفهم للإدارة، دون رغبةٍ في التمدد في مناصرة الأنظمة الإستبدادية، مع مراجعة دور أمريكا في هجوم الناتو علي دولة ليبيا. يصاحب هذه المراجعات الحيوية، الإستعداد لبرامج الإنتخابات القادمة. ومن الأسباب الظاهرة، إبتدار إحترام النواب لرغبة الناخب الأمريكي في تفضيل "الضربة الخاطفة" الناجزة علي حرب مطولةٍ غير طائلة، وتطمينه بقرب الخلاص من الأزمة المالية، واستعادة القبضة الدولية في سوق التنافس المالي والتجاري مع أوروبا الصناعية وآسيا التجارية. عادت الحرب التدميرية للجماهيرية علي مناصريها الأوروبيين تأزما في المالية الإيطالية؛ تعارضا في الشارع البريطاني بلغ صداه إنتقادات موجعة لحكومة المحافظين المحاربة؛ نقدا لاذعا من روسيا لمروق تصرفات الناتو علي القرار الدولي بحماية المدنيين الليبيين، وهل كانت نيران المتمردين حاصدة للعسكريين وحدهم حتي لا يحميهم القرار منها؟! عجبا! جاءت الحرب خلافا عريضا لم يقف عند حده الدبلوماسي الأريب بين كتل الأفارقة المنقسمة بين إستقرار الأنظمة الزائف بتسلط الدولة، وقبول تغييرها بالسلطة الشعبية - صراعا امتد عبر الحدود في جلسات الإتحاد الإفريقي المنعقد في مدينة مالابو، في غينيا الإستوائية المجاورة للكمرون والقابون غرب القارة، ناطقة الإسبانية، من أصغر دول القارة، ومن أشدها خرقا للحقوق. وهاهنا يا صاحبي، علي مسافةٍ من شمالها الغربي، غينيا بيساو، أرض أميلكار كابرال (1924-1973) الثائر الوطني التقدمي، ورفيقه جيفارا الثوري محارب إستغلال الإستعمار الشعوب وإحتكاره الأجنبي ثرواتها. غينيا كوناكري، أرض النبيل أحمد سيكوتوري، وغينيا بيساو، بلاد أصيلة من أقوي أقطار إفريقيا وطنية وحماسا لوحدة القارة الأم بتاريخها الثوري المجيد للتحرر والتقدم الإجتماعي, حربا علي التفتت ومكائد الإستعمار. فما أبعد الفارق بين إفريقيا التحرر الوطني، وتحرر إفريقيا اللاوطني! في الصورة ضغوط الشارع الفرنسي الصاحي علي حكومة الفرنجة الحربية المهاجمة، للنأي ببلاده مُنشئة مبادئ حقوق الإنسان، عن تسييس قرار مجلس الأمن الخاص ب"حماية المدنيين"، والتورط من بين كل قرنائها في الناتو بتركيز المعارك لضرب وحدة الجماهيرية ودولتها وقابلها بكل عنتٍ وإصرار، في نفس الوقت الذي تتعالي فيه مساعي المصالحة والسلام بين أهل الدار وأهلهم الأفارقة في الإتحاد الإفريقي. نقول إن أهل القارة أولي بدارها. ومتي أشرك الأوربيون الأفارقة في حل مشاحنات قارتهم وحروباتها التي لا يهدأ لها حال: حربان عالميتان؟! نعم لسيادة القارة، وعلي القذافي أن يُذعن الحرص علي سيادة القارة، لا سيادة حكامها أو حماية طيشهم، هو الدافع الحقيقي لرفض الإتحاد الإفريقي في غينيا الحرة الإنصياع لقرار المحكمة الجنائية الدولية بإعتقال قائد الجماهيرية معمر القذافي. وفي رأينا أن سمو السيادة القارية، في مواجهة العدوان الأوروبي الصارخ علي ليبيا، مرحبا بها وحبابا. فهي بالضبط ما ينص عليه ميثاق الوحدة الإفريقية 1963 (المبادئ، المادة الثالثة) – ميثاق نكروما وسيكوتوري ولوممبا وناصر ونايريري وكنياتا وماديبوكيتا وماندلا وبن بلا. ولن يفوت علينا نشطاء حقوقيين أن نجهر في وجه القذافي بأن يكف عن محاربة معارضيه بالقوة، إن كان حقا قائدا جماهيريا، وأن يخضع للمحاسبة العادلة أمام شعبه خارج كرسي السلطة، وأن يذعن للمساءلة الكاملة أمام اللجنة الدولية لتقصي الحقائق بقيادة الفقيه الدولي شريف بسيوني، التي سمح لها القذافي بالتحقيق في بلاده عن كل الإنتهاكات من كتائبه ومن المتمردين علي الدولة؛ فإن وُجد مخطيئا، عليه أن يرتضي المحاكمة الجنائية الدولية ويذعن كأي إنسان متهم لإدعاءات المدعي العام للمحكمة الدولية، ويمثل أمامها للدفاع عن نفسه. وكفي علي أبناء ليبيا تدمير أوطانهم، ناهيك بمناشدة الأجنبي تمزيقها. "خيرُكُم خيرُكُم لأهلِه"، يقول المصطفي الأصفي رحمة العالمين من ربنا الأعلي. نحس باللجوء إليه، ولسان حال الليبيين دولة وشعبا، بعد تدميرهم بلادهم بأنفسهم، حماقات شهرين حربا أهلية أغبي، عادت خرابا وبيلا علي أغلي ما حققوا أربعين عاما منشآتٍ وبنايات؛ نضالات شعبهم جيلين. ماهي بمجد فردٍ، أيا كان منصبه. فما أشد إضرار الفرنجة بهم إذ يوالون – مع تملص الناتو من مسايرتهم – تعبئة القتال بأحدث مصانع السلاح بين أهل البلاد لتوسيع الدمار، وحشد المغانم. نحن السودانيون أعلم الأفارقة بحاصل الحرب، وقد دارت بيننا ستين عاما إلا خمسا. وهل دار بائعُ الموت يوماً لإحياء مُشتري؟! وفي الشرق تأرجح في الحكمة خروج الصين، المحافظة المتحذرة علي مصالحها المادية، فوق كل شئ، عن صمتها المريب، "تحذرٌ" من إنزلاق المنطقة لأخطار مهددةٍ، فيما لو تواصل خروج الناتو عن حدود القرار الدولي. يصعب جدا أن نعتبره دعاءا حقيقيا للسلام، أو إكتراثا أصيلا بحقن الدماء. فالنظام الصيني لم يشرع بعد في تغيير تركيبة حكمه وتطويرها بالديمقراطية الدستورية. نعم، حقق زيانق زامين (1998-2007) قائد الصينيين عهدا بعد ماو زيتونق [الشهير بماو] برؤيةٍ حصيفةٍ ثاقبة خروج المارد الإستثماري من قماقم إقتصاد الدولة، الغنية بحجم إنسانها المنتج المسكين، الفقيرة برأسمالها المحدود وعلاقاتها الممنوعة، إلي عالم المال والنفاذ الدولي الرحيب. لم يحذو قائد الصين الحصيف حذو السوفيت: لم يُذع إيديولوجية حاكمة في الخارج إبان الحرب الباردة؛ ولم يبع قطاعا مملوكا للدولة في الداخل حين تخفف من حضانة الدولة للملكية الخاصة، عربونا للمشاركة في رأسمالية العالم؛ ولم يَخض حربا مهلكة طويلة مع جار أو بعيد. لكنه شدد قبضة الدولة علي تحرق شبابها لمناهج الحياة في الغرب السارح، وحدد في غلظةٍ علي القوقل تغلغله الخاطف في أعماق الصين بالحاسوب الآلي. يُحسن قادة الصين الهجمة القاصمة. ويمارس حزبهم حكمة قدمائهم الأقدمين، كما حكماؤنا الذين لا يسمع إنقلابي رأيهم: "ألا يفش غبينته فتخرب مدينته". علي تحولات السلف زيانق زامين، سار الخلف. لكن زعماء الصين لم يكفوا أيدي البطش بخصوم سياساتهم. ينتقمون من الصينيين المعارضين في صمتٍ قاتل، يقمعونهم بهدوءٍ قاس. ولا يهتز لهم جفن إذا حرق كُهان التبّت المحتلة أجسادهم الناحلة إحتجاجا. ولهذا، لن تتفق مع خروقاتهم حقوق الإنسان منظمة تهمها الحقوق والحريات علي امتداد العالم، تماما كما لن يَكف ناشطوا حقوق إنساننا أبدا عن فضح لاإنسانية أجهزة الحرب والأمن والإقتصاد والتعليم الخاضعة للإنقلابيين الإسلاميين، وإدانة جنونهم في محاربة شعبنا وتعكير صفو حياته، والإزدراء الإجرامي بقابله. الواقع، أن تقارب القيادة الصينية مع حكام الديكتاتورية الراهنة في بلادنا ليس صدفة ولا فرصة. إنه حلفٌ مكتوبٌ، وسعيٌ مقسوم، وتشابهٌ في قمع الخصوم. والطيورعلي أشكالها تقع. نعلم أن ليس لديكتاتورية الإسلاميين من ثقافة السودانيين السياسية شئ. وليت لهم مع ذلك نذرٌ قليلٌ من حكمة الصينيين: لم يُعرف عن أفندية دولتهم بعدُ فسادٌ شائع؛ لم يبع حزبهم قطاعا مملوكا للدولة لتسمين الكروش؛ ولم يُشعلوا حربا مدمرة لوطنهم للإحتفاظ بحالة الطوارئ ونهب القروش، التي لم تعجز تقارير الشفافية الدولية عن عدها بالبلايين المقنطرة، إحدي وعشرين عاما متصلة. زيارةُ هي، أم إستدعاء نعود الآن إلي تصريحات الصين المكتومة صوتا خافتا مبحوحا للناتو بالتعقل في محاربة ليبيا. وصوتها المعدوم في رفض حرب حكومة السودان لشعبنا الطيب في دارفور بتحريم إتفاقات السلاح مقابل النفط، وإدانة سياساتها العدوانية الدائمة بإهدار أمن المواطنين في أبيي والنيل الأزرق وجنوب كردفان. وما تنم عنه تصريحات القادة الصينيين من حرص علي "عدم قلقلة المنطقة" دون أن تلعب دورا شجاعا ناقدا وناهيا عن خروقات دولتها هي وحلفائها، لا يدعو للعجب لشدة حب حزبها "الشيوعي" الحاكم للمال "حُبا جَما"، تماما مثل حليفها الإنقلابي "الإسلامي"، وولعها بإستثماراتها المالية وخططها التوسعية في القارة الإفريقية، لا سيما مناقبها النفطية والمعدنية. وهذا يا صاحبي محور ملاحظات المراقبين للعلاقات الصينية-الإفريقية عامة، والعلاقات السودانية-الصينية خاصة. رأينا أن "زيارة" رئيس الإنقلابيين الإسلاميين للصين، ولإيران، لم تكن إختيارا ولا طوعا بعد أن أيقنت الجماعة الحاكمة أن الغرب لا يود أن يذهب معهم لأبعد من نقطة تأمين السلام علي حدود دولة الجنوب، والتوقف عن تهديدها بالحرب والتحرش بالمناطق المجاورة للحدود. شروط الغرب للتصالح واضحة: إن فعلت حكومة السودان ما طلب منها، تنال إزالة الديون، وتُفتح لها خزائن الإعتمادات الفاخرة التي لم يترك عرابو المستثمرين الإنقلابيين، حمدي ورفاقه، مصرفا ولا متجرا في الغرب لنيلها، عقب وعود الرئيس أوباما والديمقراطيين بإعادة العلاقات الدبلوماسية والتجارية بين الدولتين لطبيعتها، شرط الخضوع التام لعلاقات السلام وحسن الجوار مع دولة الجنوب المستقلة. فإن لم تفعل حكومة السودان، بقيت علي قائمة الإرهاب والإنعزال. عليه، بفتح نيران الحرب بقيادة طريدي العدالة الجنائية الدولية من جديد، أوصدت الابواب مرة أخري. كانت زيارة قائد الإنقلابيين للصين وإيران إستجابة مجبرة أكره نظامه نفسه عليها عقب فشل مغازلات رأسماليته الإستثمارية لأمريكا والغرب، وعجزه عن مواكبة تحركات الإسلاميين في الساحة الدبلوماسية تحت مظلة النجاح الوطيد للقوي الإسلامية في تركيا في الحكم، بمنهج التعايش السلمي الرشيد مع المعارضة العلمانية وإعتناق الجميع الديمقراطية الدستورية؛ الإنفتاح التاريخي العميق مع الشرق؛ التآخي مع الإتحاد الأوروبي والغرب عامة؛ وتشجيع الحوار بين الولاياتالمتحدة وقوي الإسلاميين في مصر والخليج للعمل علي توجيه العمل السياسي ناحية التداول السلمي للسلطة، بمعايير الديمقراطية الدستورية؛ وشروع ممالك المغرب والأردن والخليج في التكيف بحصافةٍ مع متطلبات التغيير السياسي والإداري في المنطقة. خلاف ما تسير حركة الإسلاميين الدوليين عليه بقيادة تركيا الآسيوية-الأوروبية المسلمة وحلفائها في الشرق، تبدو تحركات الإنقلابيين الإسلاميين المتخلفة في وطننا، وزيارة قيادتهم لإيران والصين، تلبية متوقعة لإستدعاءٍ صارم لقيادة الدولة السودانية من القادة الإيرانيين والصينيين 1) لتجميد توجه السودان نحو الغرب، وتوسيعه نحوهما في الشرق؛ و2) لتثبيت علاقات السودان إقتصاديا وسياسيا مع دولتي الشرق الطامحتين للسيطرة. وهناك هدف تحت الطاولة لا يجب أن يفوت علي مراقب: تفويت الفرصة علي الغرب لمناصرة دولة الجنوب والمعارضة الديمقراطية في الشمال علي تأسيس الديمقراطية الدستورية وتثبيتها في بلاد السودان، إنطلاقا من الجنوب. ومن هنا هلع الشريكين الحربيين النفطيين، إيران والصين الآخذين بخناق السودان وحكومته المستضعفة دوليا، المنتقمة من شعبها محليا. لما أصيبت مصالح الصين بالجزع يقينا من إنبعاج الحزمة الإستثمارية في ليبيا، وتزحزحها بحرب الحكومة الفاجرة للسيطرة علي النفط والمعادن في جنوب كردفان ودارفور والجنوب عيانا بيانا، مما ألجأ الضحايا لمجلس الأمن الدولي، وأقصي الوطنيين يكاد نهائيا عن أي دور فاعل في معالجة قضايا الأوطان. إذأَ، ما مستقبل العلاقات السودانية-الصينية حال تغير الأوضاع السياسية في السودان – وهو أفقٌ لا يخفي علي الصينيين تشوفه. والكل هنا في الديار أهلٌ له وعاملٌ من أجله؟ 23 ديسمبر 2004، نشر بيتر قودمان، كاتب الشؤون الخارجية في الواشنطن بوست، مقالا تفصيليا عن العلاقات السودانية-الصينية بعنوان "الصين تستثمر إستثمارا كثيفا في صناعة النفط السوداني – بجينق [بكين] تمون السلاح لضرب القرويين". نأخذ حقائق وآراء هامة من المقال الذي شارك في إخراجه آميلي واكس في الخرطوم، كولم لينج في نيويورك، وجاسون كاي مراسل خاص في شنغهاي. ذلك أنه بعد مضي سبعة أعوام علي نشر المقال، ترسخ ما جاء به من تحليل وثيق وتنبوء علمي صحيح لما يجري اليوم من حقائق وأحداث بالفعل. فلنعرج سراعا علي التقرير لقارئنا الكريم. يقرأ تقرير الغربيين في Washington Post "إن تحول الصين من مجتمع زراعي شاحب إلي قوة مفتاحية في إقتصاد العالم أفرخ شهية عارمة في إستحواذ المواد الخام، وابتعث شركاتها وراءها مناطق بعيدة في أصقاع الدنيا - بما فيها دوٍلاً تتجنبها بقية الدول. ولقد ظلت علاقة الصين بالسودان عميقة بوجه خاص، بما يدل علي أن علاقات الصين التجارية تكثف بالمقابل هموم حقوق الإنسان خارج حدود الصين، وتواصل صدامها مع سياسات الولاياتالمتحدة ومصالحها". "السودان أكبر مشروع نفطي للصين ماورآء البحار. والصين أكبر مصدر يورد السلاح للسودان، طبقا لوزير سابق في حكومة السودان. الدبابات صنع الصين، والطائرات المقاتلة، والسلاح الآلي، وقاذفات الصواريخ إستعّرت بها الحرب الأهلية السودانية... وأخرجت بها مليشيا العرب التي تدعمها الحكومة أهالي دارفور من أوطانهم". النفط هم الصين الأكبر "وّقعَت الصين في أكتوبر 2006 صفقة نفطية بقيمة 70 بليون دولار مع إيران. ويمكن للروابط الناهضة بين البلدين أن تعّقد جهود الولاياتالمتحدة لعزل إيران دبلوماسيا، أو أن تضغط عليها للتخلي عن طموحاتها لإمتلاك السلاح الذري. وتثابر الصين علي نيل النفط من أنجولا. وفي حالة السودان، أكبر أقطار إفريقيا، تتمتع الصين بشراكةٍ مربحةٍ تساوي بلايين الدولارات في إستثمار عوائد النفط والسلاح – علاوة علي الحماية الدبلوماسية لحكومةٍ تتهمها الولاياتالمتحدة بإرتكاب الإبادة في دارفور، وتدينها منظمات حقوق الإنسان علي مجازر ممنهجة للمدنيين وإزاحتهم بالقوة من أرض أسلافهم، لإجلائهم من مناطق إنتاج النفط الرابض تحت ديارهم. منح القطر منتجعا آمنا لأسامة بن لادن آنفا، وتضعه واشنطن في قائمة الدول الداعمة للإرهاب، وتحّرم علي شركاتها الإستثمار فيه". "علاقة الصين مع السودان جزء من إنطلاقها لمد التجارة والنفوذ عبر القارة الإفريقية، مما يُبرز سعي الصين الجهيد لتأمين الطاقة، ورغبتها في عقد العمل أينما وُجد للإحتفاظ بالنفط. من كازاكستان إلي الشرق الأوسط، إنتهت مساعي مسبقة إلي الفشل بطرحها جانبا من جبابرة الشركات متعددة الجنسيات. تبدو اليابان مقبلة علي خام سيبريا الذي كانت الصين آملة في إستثماره؛ وقد أطاحت حرب العراق التي قادتها الولاياتالمتحدة بإتفاقات الصين النفطية، لا ريب. تنامت الضغوط لإيجاد مصادر جديدة للنفط مع انتفاخ الصين في المركز الثاني لأكبر مستهلكيه الدوليين، وتقلص الإنتاج في حقولها المحلية. زادت واردات الصين بنسبة 6% لسد إحتياجها النفطي في الحقبة الماضية إلي ما يقارب ثلثه اليوم، ويقدر إرتفاع الوارد إلي 60% بحلول عام 2020، حسب إحصاءات رسمية". خلص التقرير الهام إلي "أن الصين تواجه منافسة أجنبية" في راي جن فنجيينق، خبير في معهد علاقات الصين الدولية المعاصرة القائم في بجينق والموصول بأمن الدولة: "شركات الصين عليها أن ترتاد الأماكن للنفط حيثما لا توجد الشركات الأمريكية والأوروبية. السودان يمثل هذه الإستراتيجية عمليا". "تملك مؤسسة الصين الوطنية للبترول – أكبر مساهم بمفردها – 40% من مؤسسة النيل المتحدة من عدة شركات تهيمن علي حقول نفط السودان، في شراكة مع مؤسسة الطاقة السودانية وشركات من ماليزيا والهند. ومن مقعدها الدائم في مجلس الأمن الدولي، أضحت الصين حليف السودان الدبلوماسي الأول. في أشهر مضت، قارب المجلس إتفاق أصواته علي سلسلةٍ من القرارات للضغط علي حكومة السودان التي يتحكم فيها العرب لحماية القبائل الإفريقية في دارفور، وإنهاء دعم المليشا بتهديد الحكومة بفرض الجزاءات علي مبيعات نفطها. هددت الصين بإستعمال حق الفيتو للحيلولة دون إجازة التصويت، وتعمل علي تخفيف التهديد الخاص بالبترول". يمتلئ تقرير الواشنطن بوست بالأدلة علي "إستراتيجية الصين التجارية السياسية العسكرية" في بلادنا السودانية. "للصين تقليد طويل من علاقات الصداقة مع السودان" أخبر وانق قوانقيا، سفير الصين في الأممالمتحدة في مقابلة آنذاك في نيويورك. أيد تهديدات الصين بالفيتو. ولكنه إستبعد مطلقا إقتراحات بأن مصالح النفط عامل في الأمر، مفترضا أن القرارات سوف تزيلُ حافز حكومة السودان علي التعاون. الصين نفسها مُنتقدة في مسائل حقوق الإنسان – ولها نزعة فلسفية ضد الضغوط الخارجية. ولكن الخبراء في الدبلوماسية الصينية يقولون إن مصالح النفط لعبت دورا في تصرفات بيجينق في الأممالمتحدة". "بترول السودان يشكل عُشر كمية البترول الكلي الذي تستورده الصين" يقول شهو ويلي، مدير دراسات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في جامعة شنغهاي للدراسات الدولية، الموصول بوزارة الشؤون الخارجية: "فإذا فقدنا هذا المورد، كيف يمكن لنا أن نجد سوقا آخرا ليحل محله؟ علي الصين أن تزن مصالحها". إنفصال الجنوب إستعادة لديمقراطية الشمال تمثل عملية فصل الجنوب عن معوقات الديمقراطية الدستورية في الشمال سانحة تاريخية وثقلا إستراتيجيا هاما في عمق المنطقة الإفريقية والعربية قاطبة. الجنوب السوداني الديمقراطي الدستوري شوكة حوت في حلق التغول الإيراني الأيديولوجي في القارة الفتية، نقطة التفتيش الرئيسة لإستثمارات الصين في أعماق القارة الغنية، والحارس الدائم للحفاظ علي القابل المأمول في التغيير الجاري لعلمنة شمال القارة والشرق الأوسط سياسيا وإقتصاديا وتوصيله لأواسط القارة وأعماقها - يري باحثون ومراقبون. نعم. تغص حلوق السودانيين بالمرارة من إنفصال الجنوب ولو كان بإستفتاءٍ شامل لا تدع نتيجته مجالا الآن للمراجعة والتشكيك. وما دّم القرابة بمآء. ولكن سير الأمور علي أرض الواقع المرير، لا يجب أن يمنع التفكير في الحاضر. ولا أن يحول دون مد البصر والتبصر في القابل. وعلي ما بسطنا من بحثٍ وتحليل في حلقاتٍ عديدةٍ ماضية، يتمتع مفكروا الجنوب وساسته وزعماؤه في مختلف الأوساط الرسمية والشعبية بالتبصر في سير الأمور وعواقبها. وبعبارةٍ قاطعة، لم تنكر الحركة الجماهيرية السودانية العريضة في شمال الوطن الكبير وجنوبه تمسكها بالأمل الوحدوي الرصين، لأنه القابل السعيد بكل ما يحمل من آمال وأحلام في تمتع السودانيين جيلا عن جيل بالحقوق الجوهرية والحريات الأساسية، بلا تمييز بين البشر، دولة من دويلات، أو ولايات، أو أقاليم جغرافية بإدارات وبرلمانات مستقلة تحت راية السودان، الوطن الواعد بالديمقراطية الدستورية المتحضرة، المجربة في غرب العالم وشرقه، والتي سبق السودانيون كثيرا من قرنائهم العرب والأفارقة في ممارستها في حكوماتٍ ثلاث، منتخبة ديمقراطيا. لم تفشل تلك الحكومات الجماهيرية لإعتناقها المبادئ الديمقراطية؛ ولكنها لم تستكمل فكرة ولا عملا إستيعاب الهامش الذي يمثل ثلاثة أرباع البلاد، ويتخلخل ثلثها الباقي. ولم تفلح في كبح جماح صفوتها الحاكمة في تداول السلطان. خطفها العسكر. واستولي علي دولتها من لا يُحسن حربا ولا يَحيا سلما. الديمقراطية الدستورية، "مستقبل السودانيين الراسخ" في عقيدة زعيم الوحدة والسلام محمد عثمان الميرغني؛ "راجحة وعائدة" في شعار الزعيم الديمقراطي الصادق المهدي. وهي هدف قوي الإجماع الوطني، والحركة الشعبية التي تحكم الجنوب اليوم فصيلٌ حيٌ من فصائلها التي يعكف المناضل الوطني فاروق أبوعيسي حشد معنوياتها. والمطلوب تفعيل برنامج التجمع الوطني الديمقراطي الرزين، الأداة المحققة لمواصلة النضال الجماهيري السليم لتأمين دولة الجنوب وتحضير دولة الشمال، علي أسس صحيحة من التواصل والمشاركة اللصيقة. الوحدة أفق شعب السودان النيل الجاري، وإنسانه الساعي، وحيوانه ومرعاه، ومعدنه ومصفاه. هذه الحيوات أكبر من كل إتفاقات السلام، أو إعلان الحكومات، أو فرض الإنفصال بقرارات التخلف قصُر النظر عن مصالح الشعوب وأصول الحضارات. ولئن فشلت إدارات السودان في ربط قناطر الوحدة علي أصلب عَمَدٍ، وأقوي صَبٍ بتمتين روابط الحركة الجماهيرية المستقلة بين السودانيين في جزئي القطر، فإن السودانيين طوال عهود النضال للتحرر من الإستعمار، وما بعدها من عهود التحرر من إشكالات ما بعد الإستقلال، لم يتخلفوا عن إستطلاع أسباب الخلاف، والعمل علي إحداث التقارب، وضم ضلوع السودان في غرب البلاد وشرقها لمركز التنمية في قلب أوسطِها النابض. وغداً يومٌ جديد ________________ *الأيام: متابعات يوليو 2011