تأتي زيارة الرئيس البشير لجمهورية الصين الشعبية بعد ستة عشر عاما من زيارته الأخيرة التي كانت في عام 1995 بعد ما رمت الصين بثقلها في عملية الاستثمار في السودان في مجال النفط في الوقت أن السودان كان يعاني من مقاطعات اقتصادية و مضروب عليه الحصار من كل دول الجوار لم تبالي الصين في ذلك الوقت بالموقف الدولي الذي كان ضد السودان لأنها كانت تبحث عن مصادر جديدة للطاقة و استطاعت الصين أن تجد لها موطأ قدم في القارة الإفريقية بسبب السياسة التي تتبعها حيث أنها لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول و لا تفرض سياسة معينة خلافا للولايات المتحدة التي تتدخل في السياسات الداخلية و تتحدث عن قضية الديمقراطية و الحرية و حقوق الإنسان و الشفافية رغم هذه أيضا تخضعها الولاياتالمتحدة للمساومات السياسية . بعد عام 1995 بدأت الصين بفاعلية أكبر توسع استثماراتها في السودان حيث بلغت 6 مليار دولار و اغلبها في مجال النفط و البنيات الأساسية و التعمير و بعد توقيع اتفاقية السلام الشامل كانت الصين تعتقد سوف يستتب الأمن و السلام و الاستقرار الاجتماعي في السودان و تستطيع أن تتوسع في مجالات التنقيب و الاكتشافات و لكن كانت مشكلة دارفور قد تفجرت و أخذت أبعادا دولية حجمت الأحلام الصينية خاصة في منطقة دارفور ثم تصاعدت المشاكل بين الشريكين و أصبح الانفصال واقع لا محال بعد جراء عملية الاستفتاء التي صوت فيها الجنوبيون بشبه إجماع للانفصال و قيام دولتهم و سوف تكون أغلبية آبار إنتاج النفط في دولة جنوب السودان 80% مما يحتم علي الصين أن تنتقل إلي الجانب الأخر. كانت الصين تقدم نصائح متواصلة لحكومة الإنقاذ في فتح أبواب الحوار مع القوي السياسية و محاولة احتواء القضايا المتفجرة دون التعامل معها بردات فعل غاضة تؤدي إلي نتائج عكسية ليس في مصلحة الحكومة و لكن قيادات المؤتمر الوطني و علي رأسهم الرئيس البشير كانت انفعالاتهم و غضبهم كان هو الغالب في إدارة الأزمة و أخيرا تفجرت قضية أبيي و جنوب كردفان و رغم أن دعوة الرئيس البشير لزيارة الصين كانت قد وجهت له منذ عام 2007 عند زيارة الرئيس الصيني هو جين تاو للسودان إلا أن الصين استعجلت الدعوة و طلبت من الرئيس الحضور قبل عملية انفصال الجنوب. أخطرت الصين من خلال مندوبها في الأممالمتحدةالولاياتالمتحدة إنها دعت الرئيس السوداني البشير لزيارة الصين في الفترة من 27 - 30 يونيو بهدف طمأنة البشير عن مواصلة الاستثمارات في السودان و إيجاد حلول سلمية للقضايا المعلقة بين الشريكين و كشف عددا من المشروعات التي تريد الصين إقامتها في عدد من مناطق السودان و قد أتصل الرئيس الصيني مباشرة بالرئيس البشير و أخبره أنه لن يواجه أية متاعب قد تعترض طريقه للصين ذهابا و إيابا و أن الصين قد وجدت وعودا من الولاياتالمتحدةالأمريكية و بالتالي طمأن المؤتمر الوطني علي سلامة الرئيس و وافق البشير تلبية الزيارة بعد حضوره مؤتمر عن الإرهاب في إيران و ذهاب الرئيس البشير إلي إيران دون خوف أن تعترض طائرته نتيجة لطمأنة الصين له و لولا هذه الطمأنة لما ذهب إلي إيران. يبقي السؤال لماذا احتج أعضاء من الكونجرس في الولاياتالمتحدة علي زيارة الرئيس للصين و انتقدت الصين باعتبار أن الرئيس البشير مطالب لدي المحكمة الجنائية الدولية رغم هناك اتفاق بين الحكومتين الصينية و الأمريكية ؟ أرادت الولاياتالمتحدة أن تبعد شبهة أنها موافقة علي الزيارة و قد تم إخطارها و هي لا تريد احتجاجات من قبل المنظمات الأهلية حتى لا تثير الرأي العام علي الحكومة الأمريكية و السبب الثاني تريد أن ترسل رسالة لأوروبا أنها علي موقفها من قضية المحكمة الجنائية لذلك حددت سبب اعتراضها أن الرئيس مطالب من المحكمة الجنائية ثم جاء رد الصين علي لسان مبعوث الصين الخاص للسودان ليو قوي جين حيث قال أن الصين غير ملزمة بالخضوع لإملاءات المحكمة الجنائية الدولية لآن الصين ليست عضوا فيها و ليست عضوا في نظام روما و تحتفظ برأيها حول إجراء المحكمة ضد البشير و رغم هذه الانتقادات لكن هناك اتفاق بين الدولتين بعدم اعتراض الرئيس السوداني. إذن ما هي أسببا الزيارة التي يراد بها طمأنة البشير و وقف الحرب الدائرة في جنوب كردفان و حل مشكلة أبيي؟ لقد اتفقت الولاياتالمتحدة مع حكومة الجنوب علي أن يتم عبور نفط الجنوب عبر الشمال و تحديد نسبة من ريع النفط لحكومة الشمال ثم فتح الحدود للرعاة من قبيلة المسيرية للذهاب لبحر العرب و فتح الحدود في زمن الخريف أيضا لقبيلة دينكا أنقوك للذهاب للشمال علي أن تكون هناك إدارتين واحدة في أبيي الجنوبية تابعة لحكومة الجنوب و إدارة شمالية تابعة لحكومة الشمال علي أن يكون هناك تنسيق بين الإدارتين من أجل حفظ الأمن و مباشرة مراقبة أعمال الرعي هذا في جانب أبيي أما في جنوب كردفان تريد الصين أن يحدث استقرارا و سلاما لآن أبحاثها الجيولوجية قد أكدت هناك كميات وفيرة من النفط في تلك المنطقة تعادل ما سيفقده السودان كما أن الصين قد توصلت أن هناك كميات كبيرة جدا من اليورانيم في جنوب دارفور إضافة لكميات من النفط و كلها تحتاج إلي استقرار في المنطقة و كان البروفيسور يونو داي هيو استاذ التربة و الجيولوجيا في جامعة شنغهاي قال إلي " The Economic Observer " حول الاستثمارات الصينية في إفريقيا أنها مبشرة في المستقبل خاصة أن الأقمار الاصطناعية الصينية في مجالات التربة و الجيولوجيا قد بينت أن أفريقيا ما تزال واعدة في مجالات الطاقة و خاصة السودان قد بينت الصور عبر الأقمار الاصطناعية و الأبحاث الجيولوجية أن هناك كميات غفيرة جدا من النفط و مادة اليورانيوم في غرب السودان و هي الطمأنة التي قصدتها الصين للرئيس البشير. معروف أن الصين تملك الآن 11 مفاعل نووي و هي تحتاج لضعف الطاقة الموجودة في الصين الآن و هي قد تعاقدت مع كل من روسيا و فرنسا لبناء تسعة مفاعلات نووية جديدة من المفترض أن ينتهي بنائها عام 2020 و كل هذه المفاعلات النووية تحتاج لكميات كبيرة من مادة اليورانيوم و هناك ضغوطات كبيرة من قبل الولاياتالمتحدة لمعرفة لتطورات الصناعية الصينية في المجالات العسكرية و خاصة في الأسلحة الإستراتيجية و ترصد الولاياتالمتحدة كميات اليورانيوم التي تستهلكها الصين و معروف أن الصين تستورد 80 % من احتياجاتها في مادة اليورانيوم من استراليا حليفة الولاياتالمتحدة و بالتالي تحاول الصين أن تبحث عن مصادر أخري لمادة اليورانيوم لكي تخرج من دائرة الرصد الأمريكي و هي تأمل أن يكون السودان هو ذاك المصدر خاصة أن الأبحاث أكدت أن السودان غني بهذه المادة و لكن عملية الاستثمار تحتاج إلي استقرار في المنطقة و بالتالي تحاول الصين أن تتحدث مع الرئيس البشير أن يسلك جانب الحوار الوطني من أجل السلام و الاستقرار الأمر الذي يخرج السودان في القريب من أزمته الاقتصادية التي سوف يواجهها من جراء انفصال الجنوب و فقده نسبة كبيرة من النفط. لكن هل يستجيب الرئيس البشير للنصائح الصينية و أن يجعل من السودان منطقة سلام و استقرار أم بعد عودته مباشرة يعتلي أقرب منبر و يفجر صراعا جديدا في منطقة أخري من السودان ؟ ننتظر لنرى و الله الموفق