لن يكون يوم 9 يوليو 2011 يوماً عادياً في تاريخ السودان بأي حال من الأحوال لأنه قد شهد أكبر حدثين سودانيين على الاطلاق ، الحدث الأول هو إعلان وفاة جمهورية السودان الأولى التي كانت تضم شمال وجنوب السودان والتي تم اعلان ميلادها في عام 1956 بعد تحررها من الاستعمار الانجليزي وقد انتهى عزاء الوحدويين السودانيين بانتهاء مراسم الدفن ومن المؤكد أن تلك الوفاة قد نجمت عن هزيمة المشروع الوحدوي بسبب الصراع الحاد بين المشروع الحضاري الاسلامي الذي تبنته حكومة الشمال ومشروع السودان الجديد الذي تبنته حكومة الجنوب، أما الحدث الثاني فهو الاحتفال الصاخب للسودانيين الجنوبيين ، بقيادة الحركة الشعبية، بمولد جمهورية جنوب السودان العلمانية وسط حضور عالمي واعتبار ذلك انجازاً جنوبياً خالصاً تحقق بفضل نضال شعب جنوب السودان وتصويت أكثر من 98% من الجنوبيين لصالح الانفصال ، والاحتفال الصامت لمعظم السودانيين الشماليين، بقيادة حزب المؤتمر الوطني، بميلاد جمهورية السودان الثانية واعتبار ذلك انجازاً شمالياً خالصاً سوف يعفي الشماليين من تحمل التكاليف الباهظة لفاتورتي الحرب والسلام في جنوب السودان، أما الأمريكان فقد أكدوا عبر مقال في صحيفة نيويورك تايمز أن استقلال جنوب السودان هو انجاز أمريكي خالص وذهب كل فريق بما لديهم فرحون! لقد وقعت عدة مفارقات أثناء نقل المراسيم الاحتفالية باستقلال جمهورية جنوب السودان ، تمثلت المفارقة الأولى في إعلان استقلال جنوب السودان عن الشمال من داخل ضريح الراحل السوداني العظيم الدكتور جون قرنق على الرغم من أن الرجل كان من أنصار السودان الجديد وليس السودان الانفصالي ، أما المفارقة الثانية فقد تجسدت في اختيار منتخبات كينيا وليس منتخبات السودان الشمالي لأداء مباريات ودية مع منتخبات جمهورية جنوب السودان احتفالاً بهذه المناسبة ولا عزاء للرياضيين الشماليين، أما أكبر المفارقات فقد حدثت في تلك اللحظة التي انهمكت فيها معظم تلفزيونات العالم في نقل مراسيم الاحتفال باستقلال جنوب السودان فقد انشغلت قناة زول السودانية في تلك اللحظة بالذات في تقديم برنامج طبخ أعقبته بمسلسل عربي ولا عزاء لكل المشاهدين السياسيين! من المؤكد أن البكاء على لبن الوحدة المسكوب لن يجدي نفعاً بعد وقوع فأس الانفصال على رأس جمهورية السودان الأولى وانشطارها إلى نصفين، وأن جمهورية السودان الثانية وجمهورية جنوب السودان مطالبتان بعدم التحول إلى دولتين فاشلتين عبر الانهماك في الأعمال العدائية المتبادلة لأن المصالح المشتركة بين الجاريين السودانيين كمياه النيل والنفط والتداخل الاجتماعي أكبر بكثير من القضايا الخلافية بينهما كقضايا الحدود والديون وابيي ، كذلك على أهل شمال السودان الالتفات إلى تعزيز الديمقراطية الحقيقية والتركيز على التنمية الاقتصادية في الشمال ، أما أهل الجنوب فعليهم أن يدركوا أن استقلال الدول لا يتم برفع الاعلام فقط وأن اكتمال سيادة دولتهم الوليدة وقبولها كعضو دائم في الأممالمتحدة يتطلب خوض معركة دبلوماسية عالمية والحصول على اعتراف باستقلال دولتهم من ثلثي عدد الدول الأعضاء في الأممالمتحدة ، وفي الختام لا يملك المرء سوى أن يبارك لشعب جنوب السودان جمهوريتهم الجنوبية السودانية الوليدة ويبارك لشعب شمال السودان جمهوريتهم السودانية الجديدة لأن الشعبين ما زالا مصرين على الاحتفاظ بإسم السودان العظيم رغم تمزق قلب الأم السودانية الرؤوم التي شهدت انفصال ابنها الجنوبي عن ابنها الشمالي في ذلك اليوم السوداني المشهود! فيصل علي سليمان الدابي/المحامي 55619340