رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يتفقد مستشفى الجكيكة بالمتمة    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    المريخ يتدرب بجدية وعبد اللطيف يركز على الجوانب البدنية    شاهد بالصورة والفيديو.. على أنغام أغنية (حبيب الروح من هواك مجروح) فتاة سودانية تثير ضجة واسعة بتقديمها فواصل من الرقص المثير وهي ترتدي (النقاب)    شاهد بالصور.. بأزياء مثيرة للجدل الحسناء السودانية تسابيح دياب تستعرض جمالها خلال جلسة تصوير بدبي    شاهد بالصور والفيديو.. حسناء سودانية تشعل مواقع التواصل برقصات مثيرة ولقطات رومانسية مع زوجها البريطاني    شاهد بالفيديو.. حسناوات سودانيات بقيادة الفنانة "مونيكا" يقدمن فواصل من الرقص المثير خلال حفل بالقاهرة والجمهور يتغزل: (العسل اتكشح في الصالة)    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب مصري يقتحم حفل غناء شعبي سوداني بالقاهرة ويتفاعل في الرقص ومطرب الحفل يغني له أشهر الأغنيات المصرية: (المال الحلال أهو والنهار دا فرحي يا جدعان)    مخاطر جديدة لإدمان تيك توك    محمد وداعة يكتب: شيخ موسى .. و شيخ الامين    خالد التيجاني النور يكتب: فعاليات باريس: وصفة لإنهاء الحرب، أم لإدارة الأزمة؟    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    إيران : ليس هناك أي خطط للرد على هجوم أصفهان    قطر.. الداخلية توضح 5 شروط لاستقدام عائلات المقيمين للزيارة    قمة أبوجا لمكافحة الإرهاب.. البحث عن حلول أفريقية خارج الصندوق    هل رضيت؟    زيلينسكي: أوكرانيا والولايات المتحدة "بدأتا العمل على اتفاق أمني"    مصر ترفض اتهامات إسرائيلية "باطلة" بشأن الحدود وتؤكد موقفها    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    بعد سرقته وتهريبه قبل أكثر من 3 عقود.. مصر تستعيد تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني    خلد للراحة الجمعة..منتخبنا يعود للتحضيرات بملعب مقر الشباب..استدعاء نجوم الهلال وبوغبا يعود بعد غياب    المدهش هبة السماء لرياضة الوطن    نتنياهو: سنحارب من يفكر بمعاقبة جيشنا    كولر: أهدرنا الفوز في ملعب مازيمبي.. والحسم في القاهرة    إيران وإسرائيل.. من ربح ومن خسر؟    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    ملف السعودية لاستضافة «مونديال 2034» في «كونجرس الفيفا»    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسلام والاقتصاد الأخلاقي ... تحدي الرأسمالية قراءة - أسامة بابكر حسن


[email protected]

هذا عنوان لكتاب صادر في 2006 من دار كمبردج للنشر والتوزيع، تأليف الأكاديمي الدكتور تشارلس تريب، المحاضر في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية في جامعة لندن، وهو متخصص في تاريخ الشرق الأوسط والشرق الأدنى خصوصاً العراق، وتنصب أغلب دراساته حول الحكومات والمجتمعات الشرق أوسطية، إضافة إلى اهتمامه بالفكر السياسي الاسلامي.

في تقديمه للكتاب يقول تشارلس تريب، أن هناك صوراً متباينة تهيمن على الذهن عند الأخذ في الاعتبار موقف المسلمين من الرأسمالية، فحادثة تفجير برج التجارة العالمي في نيويورك في عام 2001، أصبحت تشكل أحد رموز القرن الحادي والعشرين، لما تمثله من رفض عنيف على هيمنة القوة الرأسمالية في قلب السوق الرأسمالي، كما أن هذه الضربة جاءت مصبوغة بطابع ديني يتمثل في كون منفذوها يعتقدون بأنهم ينفذون التوجيهات الإلهية، إضافة إلى هذه الصورة المتباينة لموقف المسلمين من الرأسمالية، هناك صوراً أخرى أقل حدةً ولكنها جوهرية ظلت موجودة في الساحة العالمية منذ السبعينات من القرن الماضي، سجلتها الصحافة الاقتصادية بكثافة، وهي ظاهرة النمو الكبير والسريع للبنوك الإسلامية، وفتح صروح لها أو لتسهيلاتها المصرفية في مؤسسات هي بؤبؤ عين الرأسمالية التقليدية مثل "سيتي بنك" و" جيس انترناشيونال"، وقد بُررت هذه المبادرة بأنها متميزة حسب المقتضيات الشرعية للدين الاسلامي. إلا أن الحالتين، حالة البنوك الإسلامية وحالة البنوك التقليدية (الرأسمالية)، تختلفان اختلافاً جذرياً كونهما تشكلان أوجهاً للشراكة بين المسلمين مع عالم صاغته الرأسمالية الصناعية، إضافة إلى أن كلا الطرفين يدين الآخر بخلافات جدلية خلال الخمسين سنة الماضية، خصوصاً المفكرين المسلمين الذين صاغوا إجابات متناقضة ومشوشة حول فعل وتفاعل المسلمين في العالم وأن من المسلمين من يعني له الفعل والتفاعل مع العالم التضحية الذاتية بعمل عنيف ضد الآخر أو الربح الذي تقره الأخلاق الشرعية فقط. هناك العديد من المؤلفات في هذا الصدد تم جمعها بشكل خاص، إلا أن هذه الحالة لا تقتصر على المسلمين فحسب ناهيك عن القول بإمكانية أنها تمثل جوهر الإسلام الحق، فالمسئولين عن هذه المسارات المتضاربة والمشوشة للفعل والتفاعل الاسلامي مع العالم كثيراً ما يعتقدون أنهم يستخلصون آرائهم في نطاق القواعد الإسلامية الأصيلة، ولكن في واقع الحال فإن مخرجاتهم تسهم فيها البنية الاقتصادية والسياسية التي هم شركاء بالفعل والتفاعل فيها.

يحاول تشارلس تريب في هذا الكتاب تقصي الردود المتباينة والمشوشة للمسلمين حول الرأسمالية وكيفية التبرير لها من صميم المعتقد الاسلامي، ولماذا يتعامل المفكرون المسلمين مع الرأسمالية بوجوه تأتلف حيناً وتختلف أحياناً، إضافة إلى ذلك فهو يحاول فهم الذين لم تتح لهم فرصة التعرف على الإسلام ولكنهم يرون في أنفسهم معياراً لتقديم الهداية والمثال للمسلمين الآخرين من خلال محاولتهم لمجابهة الرأسمالية الصناعية، إضافة لكل ذلك فهناك العديد من الدراسات التي أجريت لتوضيح، على سبيل المثال، " العدالة الإسلامية" بتناول أوجه الحياة التجارية، والمؤسسات المالية، وعلاقات الإنتاج والأسواق الداعمة لاقتصاد رأسمالي (markets underpinning a capitalist economy)، إضافة إلى العديد من الإسهامات الأصيلة لدراسة المواجهة بين الفكر الاسلامي التقليدي وتقاليد الحداثة الأوروبية الأولى، إلا أن الصادر من هذه الدراسات يعتبر زهيداً من ناحية تقويم الردود الإسلامية على الرأسمالية كظاهرة اجتماعية واقتصادية. وهنا تجدر الإشارة لتعريف الاقتصادي فيرناند براودل ((Fernand Braudel للرأسمالية القائل: بدأ استخدام مصطلح الرأسمالية كفكرة سياسية، ثم استخدمت أول ما استخدمت من قبل بعض النقاد الذين نقموا على مسارها خلال التطور الصناعي عندما بدأت تخرج عن مجالها الذي كان يقتصر على التجارة والمال لتستعمر كل أوجه الحياة الاجتماعية والاقتصادية، , وأنها تعتمد في جوهرها على سلسلة حوارت أو إقصاءات تأسست خلال عمليات طويلة لفهم التملك والعمل ثم بدأت القيام بعملية دمج قسري لأدوات النظم القانونية والسياسية، مما أثار سخط ونقد العديدين لها خلال مسيرتها". الاستدلال الثاني على سبيل المثال للمفكر الاقتصادي بيير جي برودوه، الذي وصف الرأسمالية بأنها نظام اُسس على الملكية الفردية حيث رأس المال هو مصدر الدخل ولا ملكية فيه للذين يثمرونه بجهدهم العملي. وكظاهرة تاريخية منذ القرن السابع عشر أصبح تنظيم الحياة الاقتصادية يعتمد على النظام الرأسمالي الذي ظل يتلون بأشكال عديدة من فترة لأخرى، كأن يتجسد في أنظمة الإنتاج الصناعي الجماعي، أو شبكات المؤسسات المالية، أو الشركات، وبالتالي فان معظم الأقطار خضعت في وقت محدد، بوجه أو بآخر، للمشروع الرأسمالي، مثل، السلوك تجاه العمال، أو تجاه دور الدولة أو تجاه البيئة وإرهاقها بإنتاج كميات فائضة من الموارد. وتعتبر الطرق التي اتبعتها مناطق مختلفة في العالم تعرضت للنظام الرأسمالي والتحول في اقتصاداتها هي الطرق التي شكلت رفض أو تكيف الناس مع الرأسمالية، وقد أدت هذه الحالة لحدوث جدل طويل في المدارس الفكرية الاقتصادية والاجتماعية حول الطبيعة الأساسية للرأسمالية. يعزي الكاتب الرأسمالية إلى أنها نظام حياة اقتصادي يتميز بثلاثة عوالم هي: (الخيال) و(الإنتاجية) و(المؤسساتية)، فخيالياً ارتبطت الرأسمالية بمنطق الأولوية لمصلحة الفرد, وحسابات نهايات المصالح، والتفاضل والتكامل النفعي. كما أنها من جهة أخرى تتشكل بأنماط تخيل رأسمال المال واحتمالاته، سواء من حيث المواد الخام أو الموارد المالية أو المعدات أو الإنتاج النهائي، ممثّلة كسلع، بدون روابط أخلاقية، قادرة على أن تكون ملكية خاصّة، خاضعة للحساب ومقيمة طالما أنها تساهم في عملية إنتاجية تُقاس بهامش الربح. وفي المقابل يتولد ذلك بالاستهلاك المتطور والتركيز على تلبية حاجيات الفرد وربط ذلك بعوامل التخيل العقلاني والمستهلك الغيور على النمو الاقتصادي. تاريخياً، نجحت القوة الهائلة للمشروع الرأسمالي من خلال إهتمامها بالبحث عن الأسواق والأرباح، وتمكنت من إبداع المنتجات من خلال التطور التكنولوجي السريع، وتكثير السلع، وجميعها ركائزاً للإقتصاد الرأسمالي، إلا أن هذه العمليات ولدت الابتكار المؤسسي ونقلت المؤسسات السابقة مثل الأسواق والمؤسسات المالية والنظم القانونية والحدود الإقليمية، وبذلك تمكن النظام الرأسمالي من فرض رؤيته من خلال إرث وأنظمة معيارية مختلفة، مع تشجيعه للتكيف الذي يعتبر سمة تاريخية لتطور رأس المال في العالم.

قدرة الرأسمالية على التجدد إثر الأزمات هو أحد عناصر حيويتها الفريدة وهي بذلك تربك المفكرين في العالم الاسلامي ومفكرين آخرين من غير العالم الاسلامي ممن يرون في الأزمات عنصراً للدمار الذاتي. وفي الواقع توجد العديد من سمات وعناصر الرأسمالية منذ بعيد، حيث ظهرت بعضها وأثبتت معقوليتها منذ البداية ولكن في النطاق الأخلاقي والقانوني فقط في أوروبا الغربية وبالارتباط بنظرية معرفة متميزة إلا أن الاستثناء يكمن في المدى الذي تمكنت فيه خلال الثلاثمائة عاماً الماضية من دمج سماتها وعناصرها المتفرقة وتكوين لب لهذه العناصر لتلعب دور المحرك الدافع لحركة التاريخ الاقتصادي بطريقة غير مسبوقة وهذا ما لم يقدر عليه هؤلاء المفكرون، ولا يزال للرأسمالية الكثير لتأسيس صلات مع مظاهر الثقافات المحلية، بالتالي فإن قوتها الكامنة تتمثل في احتواءها على ممارسات من الأخلاق والقيود الاجتماعية السابقة وعزل كل ذلك ومن ثم توليفه بطرق أكثر إقناعاً وقبولاً لمشروعها (ينسب الكاتب هذا القبول إلى تدرج الإلفة مع الأشياء، والذي يعتبره جزءً من سنن تبدل التاريخ في مواقف الناس تجاه التبادل والسلع والأرباح وتطورها حسب تطور كل فترة من فترات التاريخ). فعلى سبيل المثال، توجد السلع منذ أن بدأ الإنسان نظام المبادلة أو المقايضة Barter system، ولكن في نطاق الرأسمالية فان عمليات خلق السلع بدأت ومرت بفترات تطور من خلال خصيصة مضامين لتسيطر على الحياة العالمية بطرق تبدأ بالعمالة وتنتهي بخلق الأفكار والعلاقات الاجتماعية كسلع. وقد تحقق ذلك من خلال السوق أقدم مؤسسة لرأس المال والذي أصبح حالياً مؤسسة مسيطرة تشكل الخيال الاجتماعي العالمي وتشجع خلق سلع أكثر وتفرض بطرق محددة أسس أنواع التبادل.

يقول تشارلس تريب في كتابه (الإسلام والاقتصاد الأخلاقي: تحدي الرأسمالية) إن أنشطة التبادل (Exchange) هي التي تميز الهيمنة الرأسمالية عن غيرها حيث تمثل الأفكار جزء من شبكة معقدة لتخيل العالم وتقييمه لإنتاج مشاريع تجارية ونظم قانونية ودولاً تفرض القانون، وتعتبر هذه العناصر نسبية فيما يتصل بردود المسلمين على الرأسمالية لأن القوانين الحاكمة للتبادل العادل مركزية بالنسبة لكثير من المدارس الفقهية الإسلامية، وفي الواقع بإمكان المرء دحض الرأي القائل بأن تجاوب المدارس الفكرية الإسلامية الكبرى المعاصرة تجاه الرأسمالية ناشئ من الخوف حيال التبادل اللاشرعي أو الغير عادل، مما يؤدي لتأسيس العديد من الاستراتيجيات المصممة لتدجين المبادئ الرأسمالية أو محاولة تأصيلها إسلامياً وجعلها جزءً من بنية النظام الإقتصادي الإسلامي يعززه بدلاً من تقويض مصداقية المعاملات كلها.

وبالنسبة للعديد من المفكرين المسلمين يظل التساؤل حول مدى توافق المعاملات الرمزية والمادية وما إذا كانت هناك آليات كافية يمكن إيجادها لترجمة المرغوب إلى مكروه Like into unlike والعكس الصحيح بخصوص التركيز على الجدل حول المال تحديداً، لأنه يرتبط في المدارس الإسلامية الفقهية بالمخاوف والمحظورات، فالخوف من أن المال مستقل من الأشياء التي تمنحه القيمة جعلته يمتلك حرية التعويم وسلطة لا أخلاقية تمثل تهديداً كبيراً على النظام الاجتماعي وأخلاقيات المجتمع. لذلك ليس مستغرباً أن يتم خلق قيود في النظام المالي في الفكر الاسلامي والعديد من الأنظمة الأخلاقية التقليدية الأخرى للتحكم في التبادل التجاري ومحاولة إحكامها إلى القضايا الواقعية. هذا الخوف زاد حدة التساؤل بشأن المواضع التي تتم فيها التبادلات وطبيعة المتداول وهذا هو الجزء الحاسم في تاريخ ووعود الرأسمالية، ولكنه الجزء المثير للخوف والقلق بالنسبة للمفكرين المسلمين والنظم الأخلاقية التقليدية الأخرى، ففي النظام الرأسمالي لا يعتبر السوق هو الموقع الوحيد لتبادل السلع، ولكنه المؤسسة العليا والرمز المسيطر لمعظم المعاملات الاجتماعية. لقد أصبح المال والبحث عن الربح مقاييساً لكل شيء مكملة لدائرة معاملات النقد الحر، وهي عملية ليست للقيود الأخلاقية أي دور فيها سوى التدبر.

يسيطر هذا النموذج من العقلانية والأخلاقيه في العالم، ما يؤكد أنه نموذج للعالمية العقلانية، وانتصاراً واضحاً لتحرير 'الطبيعة البشرية' لتصبح الوكيل الذي سيستنسخ المشروع الرأسمالي.تساعد القوة المشتركة لهذه العمليات في شرح القوة المتواصلة للرأسمالية وقدرتها على إفحام الأفكار المنادية بأخلاقية الاقتصاد الموجودة قبل الرأسمالية، ويرجع ذلك جزئياً للتصور أللإنساني للرأسمالية التي تعتمد بقوة على جعل العمالة نفسها سلعة تتقوى بها، ومن ناحية أخرى نظراً لقدرتها على حمل الكثيرين بالفعل والتفاعل في إطار اختصاصاتها لإذابة وإعادة تأسيس جميع العلاقات الاجتماعية وجميع السلع وجميع الخدمات حسب شروطها. رغم أن البعض يهاجم الرأسمالية لكنهم يعلمون أن إمكانياتها للتحول تعجب الكثيرين، وهذا ما يوضح ازدواجية المعايير لدى المنظرين المسلمين بشأن الاقتصاد الأخلاقي ممن يعتبرون الرأسمالية تهديد وجودي، بينما يراها آخرون فرصة للمسلمين لإعادة وضع بصمتهم في تاريخ العالم الحديث، ومن أمثلة الذين هاجموا الرأسمالية هجوماً منطقياً الاقتصادي المصري طلعت حرب (1900م)، حيث صوبنقده فقط على سيطرة غير المسلمين على آليات الرأسمالية والاستفادة منها على حساب الآخرين، أما الآخرون فقد إنصب جل نقدهم حول إيجاد اقتصاد أخلاقي بديل للرأسمالية ولكنهم يحاولون تأسيسه من نموذج ماضوي بصبغة حديثة، وقد دفع ذلك العديد من المسلمين إلى بذل الجهد في العالم الاسلامي لابتكار حوار القوة المتساوية لكسر دائرة (السوق-التبادل-الربح- رأس المال) المسيطرة على الحياة الاجتماعية والتي يرون أنها تملي على الناس ثقافة تبادل المنافع في ظل النظام الرأسمالي. ولكن حالة هؤلاء تبدو في كثير من المناحي مثالية ووعي أخلاقي يقتصر على الفرد ولا قدرة لهذه المثالية الاقتصادية على التعامل الواقعي مع البنية الرأسمالية وآليات المشروع الرأسمالي لتكون بديلاً له، وهم مازالوا يقدمون مجرد افتراضات وقيم ونتائج ترتبط بالرأسمالية كظاهرة تاريخية، وتبقى الحقيقة سواء كان الفرد مسلماً أو غير مسلماً فانه في كثير من جزئيات حياته الاقتصادية يتفاعل ويتعامل مع الأنشطة الرأسمالية السائدة دون محاولة الشعور بمدى أخلاقية آلياتها أو عدمه كما يفعل كثيرون من منظري الفكر الاقتصادي الأخلاقي من مسلمين وغيرهم مع أنهم يستخدمون آليات النظام الرأسمالي دون تقديم آليات بديلة أو نظام اقتصادي بديل. أحد نماذج التبادل هو نظام تحويل النقد الذي يطلق عليه (حوالة) Promissory Note والذي يمارسه في بريطانيا العديد من المهاجرين المسلمين من الهنود والباكستانيين والبنجلادشيين، ويعتمد على الثقة بين الأفراد وشبكات مالية عالمية ومحلية ، ومن خلال هذا النظام يعتقد المهاجرون أنهم يتجنبون المؤسسات المصرفية الرسمية المهيمن عليها من قبل الاقتصاد الرأسمالي العالمي، وتكثر هذه الممارسة من مهاجري جنوب آسيا تحديداً، وهي حالة من حالات رفض المسلمون للنظام الرأسمالي العالمي، بل لا تقتصر هذه الحالة على المسلمين فلقد لوحظت أيضاً في غيرهم. لذلك يأتي هذا الكتاب كدراسة تركز على فهم الرادين على الرأسمالية باقتصاد أخلاقي، ويوضح الكتاب أن للرأسمالية أيضاً نواحي أخلاقية من خلال المنظور الاسلامي الواعي ذاتياً، وذلك لأن بعض المنظرين بالاقتصاد الأخلاقي من المسلمين أو غيرهم يربطونه بحماية الهوية الإسلامية ومصالح المجتمع الاسلامي من خلال مخيال في عالم لا ينفصل فيه النمو المادي والتقني والانجازات الإنسانية والقوة الاقتصادية عن مبادئ الإسلام، ولكن حسب مخيال البعض هناك تصادم معها، كما يوضح للآخرين الذين ينظرون لنوعية العالم القادم ويحاولون التفاعل معه ايجابياً وحث المسلمين على ذلك، ويأتي دمج هاتين الرؤيتين من الرغبة في تحدي القبول اللاعقلاني للطريقة التي يقوم عليها العالم حالياً، كما أنها تحذير للناس من اختلال القوة المتأصلة في أشكال الهيمنة التي ينتهجها النظام الرأسمالي.

ويتناول الكتاب بالدراسة، آراء بعض الكتاب المسلمين ويصفهم بأصحاب وعي ذاتي، وأنهم يشعرون بنفس الشعور الذي يشعر به كتاب مسيحيين اشتراكيين، واشتراكيين مثاليين Utopian Socialists وماركسسين ويلتقون جميعاً في محاولة تحديد هوية " عدم العدالة" الرأسمالية، ولكن دون تجاهل أنها واقع معاش على المستوى العالمي والإقليمي والقطري والجماعي والفردي. ويذهب الكتاب إلى أن بعض المفكرين المسلمين المعاصرين تبنوا مساراً نقدياً للرأسمالية أكدوا فيه آراء ورؤى نقاد آخرين، رغم أن تبنيهم هذا يأتي في كثير من الأحايين مغايراً للمدارس الفقهية الأصلية، مما جعل ردود المسلمين على النظام الرأسمالي متنوعة تعكس تنوع المجتمعات المسلمة المعاصرة وتفاعلها في/مع العالم. جميع الذين ينتقدون الرأسمالية بغض الطرف عن دينهم أو مذهبهم يستخدمون في أدبياتهم نفس المصطلحات وإن كانوا يبدلونها حسب بيئة كل منهم لكنها تتحد في المضمون، كما أن كل منهم يحاول ترجمة هذه الأدبيات ضد الرأسمالية بطريقة تتلائم مع مخيال المجتمع والاهتمامات الموضوعية المرتبطة بظهور الرأسمالية الصناعية الحديثة نفسها. هذا المنطق الجدلي أثر في منظومة الردود على الرأسمالية وبنية بدائلها من ناحية الخيال والممارسة. إضافة لذلك فان العديد من الكتاب الذين تمت الإشارة لأفكارهم في الكتاب، ينظرون الى الرأسمالية نظرة مثالية بالتركيز على سلوكها ممارستها ونمؤها خلال فترة تطورها، لذا فان دفاعهم ينصب حول اتهام الافتراضات ليكتسب نقدهم صفة طبيعية ومحببة لدى المتلقي. فالعديد من المفكرين والكتاب المسلمين حاولوا إحداث تحول في الطريقة التي يُقيم بها الناس المعاملات الاجتماعية ليحذروهم من الثمن الذي يدفعونه بسبب عدم اشتراكهم فكرياً وعملياً في نقد النظام الرأسمالي الذي يصورونه بأنه لا يضع قيمة لهويتهم أو للقانون الأخلاقي الطبيعي السامي Sublime nature of the moral code، إلا أن الكيفية التي يفكر بها كثيرون من المنظرين المسلمين ضد الرأسمالية جعلت الفرد المسلم منغلق في كثير من الأحيان في التفاعل مع معطيات الحياة المادية أو (نظام الربح الموجه للحياة الاقتصادية Profit-oriented system of economic life، أما البعض الآخر فيحاول بطريقة أوسع وضع آليات خيالية حول كيفية توحيد مجموع المجتمع لقطع المسار التاريخي الكاسح للرأسمالية Capitalism historical trajectory، وهؤلاء مازالوا ينظرون إليها كنظام اقتصادي مستعمر للعالم رغم أنهم يستخدمون أدواتها الاقتصادية المختلفة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.