[email protected] على غرار نظرية ديكارت "أنا افكر إذن أنا موجود" يقول عشاق الكتابة "أنا أكتب إذن أنا موجود"ا في نهايات عام ستة وتسعين، وعندما اشتد المرض على الأديب الكاتب الصحفي المرحوم الأستاذ مصطفى أمين، كان في قمة نشاطه الكتابي. ولم تثنه الظروف الصحية عن مواصلة الكتابة بل كان يقول لأفراد أسرته وأصدقائه وقرائه الذين يلتقونه إن المرض قد زاده قوة ومنعة على الكتابة. وهكذا كان شأنه عندما كان سجينا أيام عبدالناصر ولم يكن يسمح له بالكتابة في السجن إلا مرتين في الشهر يكتب فيهما لأسرته. أما الكتابة الصحفية فغير مسموح له بها البتة. بل كانت أية محاولات للكتابة تدخله في سين وجيم مع حراس السجن ورجال الأمن ولما كان دائما يقول إن الكتابة بالنسبة له مثل الهواء فهذا يعني أنه عندما كان في السجن لم يكن يتنفس سوى مرتين في الشهر. وبالتالي فهو بدون ممارسة الكتابة ليس في عداد الأحياء وكثيرا ما عبر مصطفى أمين عن أن شعوره بالحياة والكينونة يأتي من ممارسة الكتابة، يقول : إن مصطفى أمين ناقص كتابة يساوي صفرا وكذلك كثيرا ما عبر عن أن شعوره بالحياة وصيرورته فيها ينبعث من المعاناة التي يلاقيها بسبب الكتابة. وأن الصدمات والكدمات والكوارث التي تجابهه في طريق الحياة تزيده عزما وإصرارا على الإنتاج والإبداع الكتابي وقبل أن يثني المرض وَحْي قلم كاتبنا المرموق مصطفى أمين عن الكتابة، وبينما هو يجابه بدايات المعاناة التقى المفكر الأديب المعروف مصطفى محمود ولامه أمين على عدم تفقده والسؤال عنه فرد عليه مصطفى محمود بأنه كلما قرأ مقالا لأمين اطمأن على صحته وأجزم على أنه بخير. فضحك مصطفى أمين وأكد على هذه الحقيقة. ثم أردف قائلا إنه سيبقى منافحا ومكافحا من أجل الكتابة ولن يخرس صوت قلمه إلا الرحيل الأخير والذي شاء الله أن كان بعد أشهر قليلة من لقائه بمصطفى محمود وإطلاقه هذه العبارة أما مصطفى محمود فقد قدم تسعة وثمانين مؤلفا في العلم والفكر والفلسفة والدين واللغة في حياة تضج بالمشكلات الأسرية حيث تزوج ثم طلق .. ثم تزوج مرة أخرى ثم طلق للمرة الثانية ولكنه كان يسعى كالنحلة من أجل الكتابة والإنتاج العلمي الغزير، ولم تعترض سبيلَه مشكلتُه الأسرية التي قال عنها عبارته الشهيرة للرئيس أنور السادات عندما أراد تعيينه وزيرا: أنا فشلت في إدارة أصغر مؤسسة وهي الأسرة فكيف بي سأنجح في إدارة وزارة كاملة. فأنا مطلّق مرتين !!!ا أضف إلى معاناته الأسرية جرجرة المحاكم له ورجال الأمن في كل مرة يُصدِر كتابا. ولعل محاكمته بسبب كتاب "الله والإنسان" أيام عبدالناصر وأزمة كتاب الشفاعة وتكفير الأزهر له بسببهما كانت من أبرز ما تعرض له وأثر عليه نفسيا ومع كل هذا ظل قراء مصطفى محمود يقرأون إنتاجه الغزير والثرَّ وأغلبهم لا يعرف عن الحجم الحقيقي لمعاناته، وكان يقول لهم دائما إن لحظة توقفه عن الكتابة هي لحظة توقف عقله. وهذا هو بالفعل ماحدث حيث كانت آخر كتاباته عام ألفين وثلاثة هي التي سبقت إصابته بالجلطة الدماغية. وبعدها عاش عزلة نفسية حتى رحيله عام ألفين وتسعة رحم الله المصطفيين العملاقين أمين ومحمود وأحسن إليهما بقدرما قدما للبشرية طالما عاشا حياتهما من أجل الكلمة والأدب والثقافة والفكر وطالما كانت الكتابة بالنسبة لهما النفس والروح والعقل والوجود كله قالوا الكاتب يعاشر الكلمة معاشرة الحبيبة ويرعاها كالأم ويحنو عليها كالطفلة، يراقب كبرها ليستمتع بخضوعها بين يديه، يأمرها فتطيع وتأمره فيلبي