ستينيات القرن الماضي كانت الجرائد والمجلات المصرية لاتزال هي الأكثر انتشاراً في كل العالم العربي.. وكانت الأهرام تُصنّف ضمن أكبر عشر جرائد في العالم. وكان الصحافيون المصريون كُتّاباً ممتازين ولكلٍ نكهته وأسلوبه ومدرسته، وكانوا أساتذة بمعنى الكلمة.. وكانت كتاباتهم راقية وممتعة ومفيدة وجميلة. ومن الغريب أن ذلك حدث في عهد شمولي وهو عهد ثورة يوليو في مرحلتها الناصرية التي كانت من ملامحها غياب الديمقراطية. والآن فإن حرية الصحافة في عهد الرئيس مبارك أكثر كثيراً مما كانت عليه في عهد الرئيس عبدالناصر.. وعدد الصحف والمجلات أكثر. ورغم ذلك كانت الصحافة المصرية في عهد عبدالناصر أفضل وأكثر انتشاراً وأقوى تأثيراً. ويُرجع البعض ذلك إلى ضخامة الدور المصري في محيطه الإقليمي في ذلك الوقت من ستينيات القرن العشرين، وربما كان ذلك صحيحاً إلى درجة ما.. وثمّة سبب آخر لا علاقة له بحرية الصحافة ولا بطبيعة نُظم الحكم، ونحسب أن المصادفة أو أن الحظ هو الذي سمح بوجود كُتّاب موهوبين عظام في تلك الفترة من تاريخ مصر. لقد كان كُتّاب الصحافة المصرية في ذلك الوقت من ستينيات القرن الماضي هم أئمة وعمالقة الكتابة العربية ليس في القرن العشرين وحده، وإنما في كل القرون. فكان الذين يكتبون هم الدكتور طه حسين، والعقّاد الذي مات سنة (64 أو65) وتوفيق الحكيم، ونجيب محفوظ، والدكاترة زكي نجيب محمود، لويس عوض، وحسين فوزي، ويوسف إدريس. وكان هناك كامل الشناوي، وعبدالرحمن الشرقاوي، ومحمد حسنين هيكل، وأحمد بهاء الدين، ومحمد زكي عبدالقادر، وجلال الحمامصي، ومصطفي أمين، وموسى صبري، وأحمد حمروش، وفتحي غانم، وأنيس منصور، وصلاح حافظ، وأحمد الصاوي محمد، وإحسان عبدالقدوس.... الخ ووسط هذا الكم الهائل المتفوق عاش الكاتب الصحافي محمود السعدني واستطاع أن يصنع له اسماً وخلّد نفسه بحوالي أربعين كتاباً وكان أحد ظرفاء مصر الكبار، وعرفنا ظرفه من خلال متابعتنا لكتاباته. ويقول الذين عرفوه عن قرب إنه ما كان لمجالسه وجلساته مثيل على امتداد بر مصر. فقد كان متحدثاً بارعاً ممتعاً ساخراً جذاباً. وعندما كان رئيساً لتحرير مجلة صباح الخير كان كل الناس يحرصون على قراءتها واقتنائها وكان يحمل تقديراً عالياً للرئيس عبدالناصر إلى درجة أنه في منفاه بلندن في السبعينيات أصدر مجلة سماها (23يوليو) رغم أنه سُجن في العهد الناصري وسُجن أيضاً في عهد السادات وما أكد ما انطلق من لسان السعدني وما صدر من قلمه في مهاجمة الرئيس السادات والاستهزاء به والتشنيع عليه. رحم الله الكاتب العربي الكبير المصري حتى النخاع الأستاذ (المعلم) محمود السعدني.