لا يتجادل عاقلان فى ان الاوضاع فى السودان تسير سيرا متسارعا نحو التصعيد والاشتباك الذى يختلط فيه الحابل بالنابل فى ظل الاحتقان والغبن الذى اصبح محركا اساسيا للعديد من الاشكالات والمخيف فى الامر تمدد واتساع دائرة النعرات والعصبيات العنصرية ولم تعد عروبة اللسان ووحدة القبلة هما الوعاء الجامع ،فاضحت القبلية هى المحرك للمشهدين السياسى والاجتماعى مما يعتبر تراجعا وانكماشا فى مساحات الوعى ولسنا بصدد الخوض فى تحميل جهة بعينها مسئولية ما يجرى لانه لا يفيد كثيرا ولكنا بصدد التعامل مع هذه الظواهر المرضية والبحث عن معالجات تجنبنا شرور التشظى والتطاير وابطال مفعول الخطط الاجنبية التى تسعى الى تقسيم السودان الى مجموعة من الكيانات فالمشروع الغربى تعدى مرحلة التخطيط وشرع فى التنفيذ بعد ان تهيات الظروف والمناخات ، ومع قناعاتى الراسخة بان القوى الخارجية لن تتدخل الا اذا توفرت بعض الاسباب التى تبرر تدخلها ولست من انصار تحميل كل الاوزار للمؤامرات الخارجية وان العالم باسره مجموعة من الاشرار ،فالنخب السياسية تلعب دورا محوريا فى التدخلات الخارجية حينما يغيب صوت العقل ويصبح التصلب فى الراى سيد الموقف!ولكى لا يكون حديثا بلا ارجل ساركز على بعض الظواهر فى المشهد الراهن واول تلك المشاهد :- ( الحوار السياسى بين الحزب الحاكم والاحزاب الاخرى ) فالحوار فى شكله العام يطرح الازمات التى تحيط بالبلاد طرحا عاما وغير متعمقا ، كما تتباين فيه الرؤى حول امهات القضايا مما يوحى بان طرحها ليس من اجل التوافق على كونها قضايا ومن ثم البحث الجاد عن حلول عمليه لها فالمشاكل لم تتنزل من السماء وانما هى قضايا من تبعات الخلاف والتنافس الحزبى ضمن اطار ما يمكن تصنيفه بالمكايدات السياسية ،حتى وان لم تعترف بعض الاحزاب وتقر صراحة بعلاقاتها بتلك المشاكل وخير شواهد على تلك العلاقات الباطنية ما حدث فى دارفور والتى كانت مسرحا لتصفية الخصومات السياسية بين الاحزاب وفى قناعتى ان حل مشاكل السودان 00بكل بساطة ليس خارج الحدود بل ان كل الحلول فى الداخل متى ما توفرت الارادة والمصداقية اللهم الا اذا كانت الارادة والمصداقية نحتاج الى استيرادها من الخارج وتناست اطراف الصراع ان الاطراف الخارجية تضيف الى الاشكاليات تعقيدات اخرى عبر استقطابات لاغراض تخص الخارج واجندته ومن الملاحظ ان التدخل الخارجى يستخدم اطرافا محلية يناصرها بحجة رفع الظلم والاصلاح فالشواهد فى عالمنا العربى كثيرة كالمشهد العراقى والمشهد الليبى الراهن والماثل للعيان مع اختلاف مبررات وحجج القوى الخارجية ولكن القاسم المشترك فبها هو وجود مجموعات استقوت بالخارج حينما تباعدت حلول الخارج وما نود تاكيدة ان حلول مشاكل السودان فى الداخل وان البحث عن حلول خارجية هو مضيعة للجهد والمال كما انها ليست مستعصية فالمؤتمر الوطنى بيده كثير من مفاتيح الحل ، فاعتماد منطق التجزئة والمقطوعية يصعب من امكانية الحل الشامل واختزال الحوار على احزاب بعينها وقيادات بعينها لعمرى يزيد القضايا تعقيدا على تعقيداتها الراهنة مع تقديرنا لتلك الاحزاب وقياداتها الا ان الواقع يفصح عن ميلاد تيارات اعلنت عن نفسها وتجاهلها لن يحل المشكلة والتعامل مع الاحزاب والتيارات السياسية بعقلية الكيمان ولغة الموازين لا يفيد فى هذه المراحل الحرجة فالاقصاء والحجر يقود الى مزيد من المواجهات وقد يدفع للاستنصار بالخارجى فقد شبعنا وارتوينا من الاقصاءات والاختزالات والمشهد الثانى هو الوضع الاقتصادى والسياسى :- فالاقتصاد والسياسة هما توأمان لا ينفصلان فكل منهم يؤثر فى الاخر بدرجات متفاوتة فالازمة الاقتصادية تستصحبها ازمات سياسية ولا يتجادل عاقلان فى ان الاوضاع السياسية تحتاج الى اصلاحات جذرية تبدا من عمليات البناء لتنظيمات مجتمع مدنى حقيقية بعيدة كل البعد عن الحكومات مع التزام كل الاطراف بالابتعاد عن التدخل فى هذه المواعين ولتكن التجربة الراهنة والتى عملت على افساد وتسميم الحياة السياسية مما كان عاملا دفع ببعض الاحزاب الى العنف المسلح حتى وان كان تحت ستار مسميات حركات مسلحة فالاقتصاد يتطلب اعادة النظر فى تكدس ثروة المجتمع لدى قلة وتحول الاغلبية الى فقراء يعيشون تحت خط الفقر لتفادى الاضرار التى حدثت فى المجتمع من تفشى واسع للعديد من الامراض الاجتماعية كانفراط العقد الاجتماعى للاسر والاعتداء الصارخ على القيم والعادات الاصيلة فى المجتمع من امانة وتكافل اجتماعى وترابط اسرى الخ المطلوبات مؤتمر جامع يتم فيه تحديد المستهدفات والمطلوبات على ان يركز على الاجندة الوطنية وكشرط لضمان نجاحة لا بد ان يدخل الجميع لهذا المؤتمر بملابس الاحرام وان تخلص النوايا من اجل اعادة التشكل لكل مكونات الوطن وينبغى ان نعترف ان السودان الشمالى بعد انفصال الجنوب هو الاخر فى مرحلة تشكل واعادة بناء تشارك فيها كل المكونات ، فالمؤتمر الجامع هو اولوية قبل التفكير فى الدستور واقتسام كعكة السلطة ، انها دعوة للبحث عن مخرج للازمات بطريقة ترضى الجميع نوجهها للعقلاء ، كما لا نرى ضرر ان تعقب هذا المؤتمر مؤتمرات تخصصية اخرى تعنى بشأن وضع دستور دائم واخرى لمعالجة قضايا الاقتصاد والاجتماع يحيى العمدة