استعداد الناس (للغيرة) يبدأ منذ الطفولة، ويستمر عبر مراحل العمر المختلفة.. وهي وإن كانت عامة إلا أنها نسبية، تختلف من شخص إلى آخر، ومن مرحلة زمنية إلى أخرى.. ورغم التباين في مسببات الغيرة،إلا أن هناك شبه اتفاق على أن من أبرز مسبباتها، شعور الفرد بحقه في امتياز معين يحاول شخص آخر أن يحصل عليه، أو أن يشاركه فيه.. وإن كانت الغيرة في الغالب تعبيراً عن المحبة، فهي تولد عادة من الاهتمام الشديد.. ولأحد الفلاسفة قوله: (من لا يعرف الغيرة لا يعرف الحب) ولعل طبيعة المرأة العاطفية عزيزي القارئ تفضح الكثير من انفعال الغيرة الذي قد ينجح الرجل في إخفائه، فالمرأة كما يقول العقاد اشقي بغيرتها لأنها أحوج إلى الحب وأعظم استغراقاً فيه وأخوف من الفقد والهجر.. وفي ضوء ذلك فإن غيرة المرأة يفترض أن تقابل بقدر من التسامح فالغيرة التي تعلنها المرأة أحياناً كثيرة قد تكون محاولة شعورية أو لا شعورية منها تتحسس من خلالها مكانها ومكانتها في قلب الزوج لتطمئن أنها لا تزال وحدها هناك كما اعتادت أن تكون. قال الشاعر العربي : علي بن عبد الله بن جعفر) عن حبيبة صدته: ولما بدأ لي أنها لا تحبني .. وأن هواها ليس عني بمنجل.. تمنيت أن تهوى هواي.. لعلها تذوق صبابات الهوى فترق لي.. ومشكلة هذا الشاعر أنه يود الانتقام بالمثل ويتمنى لمن رفضته أن تلاقي ما يلاقيه من عذاب عن طريق وقوعها في حب من يرفضها وطبعاً التفسير الأقرب هو يشير إلى أن هذا الشاعر يغار، لأنه رقيق الحاشية وعلى شئ من التحضر فهو أيضاً ليس كجميل بثينة الذي يغار عليها كثيراً ويعترف بذلك دون خجل، فقد كان يغار عليها من (مصعب بن الزبير) في مكة وبينه وبين منازل ( بثينة) مئات الأميال.. وطبعاً جميل بثينة في هذا الموقف وريث شرعي لثقافة استقر إجماعها أن (حب بلا غيرة هو حب كاذب).. بل نجد أن تلك الثقافة كانت تربط الغيرة بالكرم والفخر والأنفة حيث كانوا يقولون: (لا كرم لمن لا يغار) وهم ينسبون على هذا الصعيد مأثرة لقيس بن زهير الذي تزوج في غير قومه فقال لزوجته محذراً منذ اليوم الأول لزواجه: (أنا غيور... فخور .. أنف) ولكني لا أنف حتى أضار ولا أفخر حتى أفاخر ولا أغار حتى أرى.. ولا نعرف سادتي إن كان قد رأى أم أن الدنيا جنبته ذلك الموقف الصعب لكنه أصبح من الأمثلة التي تضرب عربياً لتبرير الغيرة على نساء العرب.. ولكن أين المنطق في الغيرة بين قوم قال شاعرهم: (أغار عليك من الناظرين.. فلو استطيع طمست العيونا).. أما عن تصنيف المرأة العربية في الغيرة نجد الآتي: * المرأة المصرية هي أكثر العربيات غيرة وهذا يعني أنها أصدق حباً وشغفاً وولعاً بالزوج والحبيب.. * المرأة القطرية غيورة ولكن غيرتها معتدلة أي (لا تغير حتى ترى)..* السعودية تغار كثيراً ولكن بصمت محير وغير معروف النتائج..* المرأة اليمنية لا تغار حتى إذا رأت..* المرأة البحرينية تتمنى من زوجها أن يهوى هواها ليذوق صبابات الهوى..* المرأة الكويتية تغار بعنف لدرجة القتل العمد..* الامارتية تغار ولكن بطريقة دبلوماسية سيئة رائعة..* السورية لا تغار بل يغيرون منها وذلك لأنها ( مكملة) والكمال لله وحده.. * اللبنانية تغير ولكن بطريقة (علمانية).. أما في المرتبة الأخيرة ( السودانية ، حيث تغار بعنف وقوة ولكنها تحبس غيرتها في قلبها حتى تموت بانتفاخ في البطن أو جلطة في المخ وأحياناً بسكتة قلبية وتارة بالاشمئزاز في الحجاب الحاجز أو (الأبوريا) والسودانية أحبائي تردد دائماً هذه الكلمات.. ( غير ليه عشان يعرف أنا بحبو وبموت فيه.. سجم الرماد الليخمو وأنا بنتك يا..) ست أبوها.. من أطرف ما قرأت في هذا المجال قول إحداهن: لا شيء يزعج المرأة مثل زوجها إذا كان غيوراً.. ولا شئ يؤلمها مثله إذا لم يكن غيوراً).. خارج السرب: أخيراً وبعد انتظار طويل وعناء وتعب، أرسلت معتمدية امدرمان عدد ثلاثة (قلابات) حجارة و(كراكة ) إلى موقف الشهداء امدرمان، وهذه الخطوة تبدو ايجابية لحد ماء، ونحلم بالمزيد في ظل معتمدنا الشجاع الهمام الشيخ الوقور / أبو كساوي، ولكننا لا نريد أن ينطبق علينا المثل (وقف حمار الشيخ في العقبة).. سيدي الشيخ الوقور (أبو كساوي) أفعلها وتوكل.. هذا كله مع حبي وأشواقي.. جمال السراج E-mail:[email protected]