في السفْسطة الحديثة يقال أنه إذا تعذّر إدانة السبب يُفترض الرجوع إلى مسبّب السبب ومن ثم إدانته أوالقضاء عليه. بمعنى أنه في حال عدم مقدرتنا على مجاراة الاسباب الظاهرة ومحاسبتها علينا الرجوع الى فاعل الاسباب أو جاعلها.وهذه النظرية رغم مايشوبها من ضعف إلا انها قد تمدنا كسودانيين بطرائق الوقوف على الحال الذي نعيشة منذ ربع قرن تقريباً. فعندما صُوّبت فوهات البنادق والدبابات والمكائد صوب الخرطوم بإسم (ثورة الإنقاذ الوطني)إيذاناً بالانقلاب على إرادتها أنذاك،كان السودانيين يعيشون في غفوة حالمة يحيكون أمانيّهم العذراء ببرودٍ تام دون أن يشوب ذهنهم كدر الإنقلابات والمجازر والمجاعات أوغيره.كما انه- ونحن نحكي عن الشعب السوداني بُعيدالانقلاب - لم يتوقع في أسوأ كوابيسه أن يمتطي سرجاً تيتلياً هكذا بلا وجهة.وسرج (التيتل) هنا إشارة للسلطان(كسوفرو) الذي أمتطى ظهر (التيتل) بإيعاز من أحدى الحبوبات فقطع به (التيتل) ألآف الكيلومترات بسرعة البرق مما أودى بحياة الملك تقطيعاً وتفتيتاً وفعل به (التيتل) مافعل.والقصة معروفة والتي جرت رحاها في مملكة دارفور.والحال كذلك منذ أن وجد السودانيين انفسهم على ظهر ثورة الانقاذالوطني أو الجبهة الاسلامية العربية في إسمه الحقيقي يمشي بهم بإتجاه السقوط عاما بعد عام،ويوماً بعد يوم، وتتساقط أحلامهم ساعة بعد ساعة. من جهة الايجاب؛ السودانيين وقتئذٍ لم ينسجوا في أرقّ أمانيهم البنفسجية التربّع في هذا المقام المستنير من الإدراك السياسي بفعل السياسات التي إنتهجتها الحكومة سيئة الذكر هذه.! لذلك صارت كيفية محاربة العدو لدى الحكومة بمثابة شكل آخر لصناعة العدو نفسه.فكلّما أطلقتْ الحكومة طلقة واحدة بإتجاه العدو،ولّدت عدواً جديداً.والحال في كل الإتجاهات،فكلما تفوهت بكلمة خلقت كلمات جديدة في المقابل.وهكذا؛كلما أصبح صبحٌ جديد؛إزداد السودانيين دراية سياسية وبعدا عميقاً من حكومتهم.وبمرورالايام والسنوات صنعت الجبهة الاسلامية من الشعب السوداني عدوها الاكبر والأول،والعكس. في الوقت الذي لم تكن في حاجة إلي هذا العدو مطلقاً.وبطبيعة الحال عندما برز في الأفق هذه المنفعة العكسية في مضمار الشعب والمتمثل في نضوجه السياسي بفعل سياسات النظام نفسه؛تجاوز عن مخاطر سرج (التيتل) الذي إمتطاه رغماً عنه.وأقبل على قضاياه المشتركة بصورة أكثرحضوراً لذلك العقل الجمعي للشعب السوداني اليوم أضحى خلاف عقله الجمعي قبل عقدين أويزيد عندما كان حضوراً في الميادين الاحتجاجية والثورات التغييرية،فرغم انه الان أبعد من الإلتقاء من اي وقت مضى في بلورة صورة جمعية كتلك تفيه عناء البحث عن الخلاص بسبب تأثيرات النظام؛إلا انه يبدو أكثر حساسية بحاجاته العامة.وتلك حسنة في ذاتها أن يلتفت الناس إلى حقوقهم وواجباتهم العامة ولو بهكذا طرق. فبروزكيفية صناعة المعرفة السياسية والحقوقية لدى السودانيين أضحت هيّنة ممّا سهّل من مهمة تطويع (التيتل) والسيطرة عليه دونما إحداث أضرار بجسد الشعب السوداني.ربما نبالغ كثيراً إذا قلنا ان النظام وسيّئاته بمثابة حسنة في حق السودانيين في نهاية الامر.إذ ان الموضع المعرفي الذي إعتلاه الشعب السوداني بفعل سياسات النظام القذرة جعلته في مقدرة من امره وعلى مقربه من قول كلمته وإن لم يحن بعد،فأضحى- الشعب السوداني- أكثر طموحاً وحراكاً من أي وقت مضى،فتعاظمت تطلعاته التغييرية والتعبيرية رغم تباعد هذه التطلعات في الوقت الذي يمضي النظام على خطى ثابته في جانب إنتاج المعرفة السياسية والاستنارة في العقل الجمعي للسودانيين عندما يبرهن يوماً بعد يوم أنه الاكثر فساداً ووحشية.ولاتوجد الان حيلة للنظام لإيقاف هذا التدفق المعرفي الذي يجتاح السودانيين سياسياً لأن ذات الممارسات اللااخلاقية لديها هي التى انتجت هذه المعرفة فطفح الكيل وخرجت الامور عن السيطرة وإنقلب السحر على الساحر.وما الحركات الاحتجاجية القائمة والنابتة والحركات المسلحة والأحزاب رغم هوانها؛إلّا نتيجة عكسية ومنطقية للخروج عن السيطرة مع تزايد المعرفة العكسية. فعلى نظام الجبهة الاسلامية أن يجني مافعله وغرسه في العقل السوداني جرّاء تعريفه بحجم فساده وأخلاقه المنحط أصلاً. أما بخصوص النظرية السفسطائية الحديثة التي تقضي بمحاسبة صانع الاسباب والقضاء عليه تكون قد أحسنت صنيعاً في حال وضعت الاعتبارات المعرفية المكتسبة من الجبهة نفسها لدى الشعب السوداني في قائمة إنجازاتها. فضيل عبدالرحمن محمد أحمد فضيل عبدالرحمن محمد أحمد