العزيز الأستاذ مصطفى البطل تحياتى... أولاً، ما سقته من مقال، ينبئ عن إحترافية عالية فى صنع الكتابة، ودقة متناهية فى نقل الوقائع، مع الإنتباه العميق لما تريد مما تكتبه، فكتابة المقال صنعة يظنها البعض إلهامات تتنزل على الكاتب من السماء تنزيلا، فيصبح أحدهم بين يوم وليلة، كاتب راتب تستجديه الصفحات، بعد أن لم يكن يتصفح وريقة على منضدة فى مطعم عام وهو فى إنتظار من لا يجئ. ولا أعرف سيدى أهى الصدفة المحضة أم القدر الخدوم المحتوم، أم دفعك للمعلومات دفعاً بإتجاه ما تريد من نتائج هو الذى جعل مثلاً، فيصل القاسم حاصلاً على الدكتوراة فى الأدب الإنجليزى، فى الوقت الذى بدا يتستر على ترجمة كلمة(regret)، وفهم مغزاها عند أهلها بشكل مغاير لما أراد قائلها حتى تصبح(apology) التى لم يقلها بيريز أصلاً، وهل هو القدر أم الصدفة التى جعلت الإدارة الإسرائيلية تتابع تطورات الموقف وتوضح بجلاء إفتراء الأتراك، وتخذل أردوغان وتهزم مشروعه الإهتبالى للتعتصم، لصالح الحقائق ولو كره الغاضبون... هناك ملاحظة أخرى يبدو أنك أشحت عنها وجه القارئ بقصد، وهى ماهية السبب فى عدم تكرم صحيفة الأيام بنشر الجزء الثانى من المقال الذى إفتتحت به قولك، ولا أظن أنك تجهله، وهذا مبحث آخر فى دنيا إنتقائية الصحافة بالرغم من إستقلاليتها ونزاهة القائمين عليها من الأغراض البائنة، ودورها فى تشكيل وعى المجتمع وفق ما تشتهى سفن التجهيل بحجة الحفاظ على المكتسب، أو عدم إثارة الفتن، أو غيرها من الأسباب الموغلة فى التهاون بالمعلومة وفائدتها وفداحة الخسائر فى حال حجبها أو تشويهها. ملاحظة ثانية: عدم توغلك فى الحديث عن الدور التركى فى تشويه الإسلام، والإنتهازية السياسية التى يتبعها القادة الأتراك للوصول لما يبغون من مناصب، والأمثلة على ذلك كثيرة، تبدأ من حملات الخلفاء العثمانيين الإستعمارية على الدول العربية والأفريقية، والإضطهاد الذى مارسه الأتراك على الشعوب( وشعبنا منهم) وتعاونهم مع المستعمر فى نهب خيرات الأوطان وتكريس الفوارق بين بنى البشر على أسس عرقية وإقتصادية، والتى لا ولم تنته عند التلون الذى مارسه أردوغان نفسه ليصل إلى ما وصل إليه، فهو حسب موقع ويكيبديا الإلكترونى أُتهِم فى عام 1998 بالتحريض على الكراهية الدينية التى تسببت في سجنه ومنعه من العمل في الوظائف الحكومية، ومنها الترشيح للإنتخابات العامة، وبحسب الموقع نفسه فإن هذه القضية لم تثنِ أردوغان عن الإستمرار في مشواره السياسي بل نبهته إلى كون الإستمرار في هذا الأمر قد يعرضه للحرمان للأبد من السير في الطريق السياسي كما حدث لأستاذه نجم الدين أربكان فاغتنم فرصة حظر حزب الفضيلة لينشق مع عدد من الأعضاء منهم عبدالله غول ويؤسس حزب التنمية عام 2001( مزيد من التفاصيل توجد فى الموقع المذكور). كل ذلك ينسى فى (لحظة غزل)، من رجل خَبِر ما تُريده النفوس المهزومة، وعرف من أين يدخل على القلوب الضعيفة، ليكسب التأييد الذى يؤهله للفوز فى الإنتخابات مرة أخرى، يُنسى لأن الشعوب مستلبة الإرادة، ولأن المواطن ينتظر المعجزة التى تهزم أعداءه، هكذا تربينا، وهكذا تكرست لدينا روح النوم فى العسل، فقد سادت أيام نشر الرسوم الكاريكاتيرية الشهيرة حكاية مهولة تتحدث عن إنقطاع رئيس تحرير الصحيفة الدنماركية إلى نصفين وهو خارج من منزله، بسبب موافقته على نشر تلك الرسوم، وكانت السعادة تغمر الكثيرين أيامها بسبب تلك الأخبار المفرحة، ولم تجهد المؤسسات المأذونة نفسها بإصدار بيان أو كلمة تقول فيها أن هذا وما شابهه يدخل فى حكم الباطل الصريح، والأمثلة كثيرة على ما يدخل فى باب الهرج والمرج والتصريحات الكاذبة والكذب العلنى من القيادات والزعماء، دون مراجعة من أحد ودون تأنيب أو تشذيب لما قد يجئ. أريد أستاذنا العزيز أن أهنئك على تتبعك الدقيق(tracing)، للخبر ومآلاته حتى أكتسى مرافعة رشيقة فى حق الشعوب المخدوعة، وأريد كذلك أن أغبطك على تبيانك النضير للإختلاف فى السلوك والإنفعالات ومعايير الأخلاق بين الشرق والغرب والذى يُحدِث فى كثير من الأحيان الخلط الذى نراه فى مواقف هنا وهناك(وما يسمى بالنظر المباشر فى العين (Eye Contact) من المستلزمات الأساسية للمخاطبة الفاعلة فى البيئات الأكاديمية والسياسية والثقافية، والإخفاق فى مباشرة وإظهار هذا السلوك يصنفه الغربيون على أنه ضعف فى ملكات ومهارات المخاطبة العامة يستوجب التقويم)، فالسباب الذى كاله الزيدى لجورج بوش ما كان ليذهب أدراج الرياح لو لم يكن قول كريم أو أقله كلام بلا معنى فى ثقافة بنى جلدة الرئيس الأمريكى السابق، وأيضاً رمية الحذاء تنال نفس التقدير، مع أنهما( رمية الحذاء ولفظة بن الكلب) فى ثقافة العرب من أشد أنواع التعبير عن الإهانة والوضاعة لمن يتلقاهما.