حسمت الولاياتالمتحدةالأمريكية موقفها وأعلنت مساء الجمعة 6 أكتوبر الحالي رفع العقوبات عن السودان رسميا مما وضع حدا للتوقعات التي جعلت الخرطوم تترقب هذا القرار بقلب واجف وقلق تكاد تسمع صريره، هذا القرار بعد نحو 20 عاما قبل الموعد المضروب في 12 أكتوبر الحالي.. كبريات وكالات الأنباء مثل رويترز وفرانس برس نقلت القرار الذي جاء بعد التحقق من تحسن في ملف حقوق الإنسان وتقدم في مواجهة الإرهاب.. المواطن السوداني البسيط كان أكبر ضحية لقرار العقوبات؛ فقد زادت من عدد السكان تحت خط الفقر، الأمر الذي شجع زيادة حالات الاتجار بالبشر والهجرة السّرية والاتجار بالمخدرات والتطرف والإرهاب.. وخطت البلاد خطوات واسعة نحو تصنيف الدولة الفاشلة، والعاجزة عن ضبط حدودها الأمر الذي شكل تهديداً حقيقيا للأمن الإقليمي والدولي. وأصاب الدمار كل مقومات البنية التحتية للتنمية؛ فانهارت مؤسسات اقتصادية عريقة مثل الخطوط الجوية السودانية التي حرمت من الحصول على قطع الغيار والصيانة الدورية لطائرتها.. وتعرضت السكك الحديدية لخسائر بالغة بسبب تلك العقوبات وفقدت 83% من بنيتها التحتية، وتمثل السكك الحديدية قطاع النقل الرخيص ذي الفائدة الاقتصادية لصغار المنتجين. كذلك تأثّر أكثر من ألف مصنع بشكل مباشر بالعقوبات بسبب عدم حصولها على قطع الغيار أو البرمجيات الأمريكية، وشمل ذلك الأجهزة الطبية والأدوية، فقد أوقفت التدابير الاقتصادية الأمريكية الأجهزة الطبية التي تصنعها شركة جي إي الأمريكية، وغيرها من ذات التصنيع الأوروبي. هذا بالإضافة إلى حرمان الباحثين والطلاب وأساتذة الجامعات، من الزمالات والمشاركة في البحوث والدوريات العلمية. وكانت العقوبات عقبة كأداة في طريق قطاع التعليم العالي والتقني ومنعته من مواكبة التكنولوجيا. وهز قرار العقوبات الثقة في التعامل مع المؤسسات المالية الدولية والإقليمية والدول المانحة مما أفقد السودان موارد متوقعة كانت كفيلة بسد الفجوة الخارجية. ويقدر بعض الخبراء إجمالي الخسائر المباشرة خلال عقدين من الزمان بنحو 500 مليار دولار. أي بمعدل 25 مليار دولار سنويا، مع العلم أن حجم صادرات السودان في موازنة العام الماضي 2016 لم يزد على نحو 3 مليارات دولار. لن تبيض دجاجة رفع العقوبات ذهبا، فلربما يكون لرفع العقوبات أثر محدود بالنسبة للاقتصاد السوداني في المدى المنظور، مع توقع ظهور آثاره الإيجابية في مدى أطول. لأن استثمار قرار رفع العقوبات يتطلب استعداد حكومة الخرطوم لإجراء حزمة إصلاحات سياسية واقتصادية.. إذ أن العقوبات قد تكون أحد الأسباب، وليست السبب الوحيد، في تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية. ففي حالة إيران لم تكن العقوبات التي كانت مفروضة عليها مسؤولة إلا عن 20% فقط من مشاكل اقتصاد البلاد. فحالة الاضطراب السياسي والأخطاء السياسية، كان لها دور أساسي في تأزم الأوضاع الاقتصادية التي يعاني منها السودان حالياً. صحيح أن ملف مكافحة الإرهاب وتعاون الخرطوم في هذا الصدد كان له قدح مُعلى في قرار رفع العقوبات، إلا أن العامل الاقتصادي شكل جانبا مهما في دفع الإدارة الأمريكية نحو إصدار قرار رفع العقوبات وظلت دوائر عديدة تلفت نظر الإدارة الأمريكية إلى ثروات السودان التي تحول العقوبات بينها وبين الشركات الأمريكية. لعل رفع العقوبات يبدو في أحد وجهي الحقيقة رفعا لحمل ثقيل ظل السودان ينوء بحمله، أما الوجه الثاني للحقيقة فيتمثل في أنه تحد عظيم أمام الحكومة. ويتكئ هذا التحدي على أمر مهم جدا وهو كيف يحافظ النظام الحاكم على ورقة التوت ولا تنكشف عورة التنازلات السياسية لواشنطن ان لم تنكشف بعد، حفاظا على الحد الأدنى من المرتكزات الفكرية التي برر بها النظام في أول عهده استيلاءه على السلطة.. فلا يجب المضي أكثر في منزلق البراجماتية السياسية، فكوبا وإيران اللتان رفعت عنهما العقوبات لم تقدما لواشنطن أي تنازلات أيدولوجية. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.