اقترب الطاهي المكلف من الدار. كان حراس من الجند واقفين. حيا هامساً وأعرب عن هويته. أفسحوا له فدخل. قاده رجل من الفناء إلى غرفة كبيرة. دفع الرجل بباب الغرفة وتأخر. تقدم الطاهي داخلاً. ولكنه لم يلبث أن أجفل. تماسك ثم تقدم. كانت هناك سيدة مهيبة قد استوت جالسة على السرير النحاسي الضخم. بارعة الحسن ذات جلال وفخامة تبدو وقد تجاوزت الأربعين، ذهبية اللون، واسعة العينين، ذات ضفائر غليظة ترتمي على كتفيها. كانت تتزين بكثير من الحلي الذهبية.. أساور ضخمة وقرطين مستديرين يتدليان أسفل الخدين. ردت تحيته باقتضاب فهدأ روعه. وأخذت تتحدث معه في الشأن الذي جاء من أجله. وفي تلك الأثناء كانت هناك وصيفة تحمل مروحة من ريش النعام وتقف إلى جانب السرير الذي تتناثر فوقه المطارف والحشايا. حين كان الطاهي المكلف يصف ذلك المشهد خلته يقرأ في صفحة منتزعة من كتاب ألف ليلة وليلة أو نص مكتوب عن إحدى الكنداكات في زمان مملكة مروي القديمة. أو كأنه يعيد على مسامعنا ما كتبه الرحالة بروس حين زار شندي في القرن الثامن عشر ووصف الملكة ستنا. ذلك الوصف الذي جسده الرسامان جحا وعلي عثمان حين رسما المرأة السودانية في ذروة أمجادها التاريخية. وكما عبر المجذوب: "المرأة التي تغنت الحقيبة بأوصافها ومحاسنها". كانت تلك هي الملكة آمنة اتي حلت ضيفة على منزل العمدة محمد التوم – عمدة مدينة كوستي - في عام 1928 بأمر من سلطات المركز. وقد تم إخلاء الدار وتهيئتها بالصورة التي تليق بمقامها السامي الرفيع. كانت رهينة المحبس ويقوم على حراستها نفر من الشرطة ريثما تجري معها التحقيقات تمهيداً لمحاكمتها بالتهم الموجهة إليها. عاش الطاهي المكلف العم أحمد ود القور حتى عام 1982 ليروي لنا ذلك المشهد الفريد ولولا تلك السانحة لذهبت به الأيام وانطوى إلى الأبد. حدثني العم ود القور كيف أن السلطات الحكومية أسندت إليه مهمة الطبخ لهذه الشخصية الأسطورية. كان لا يزال شاباً ممتلئاً بالحيوية والعنفوان. فكان يحضر يومياً لإعداد الطعام الفاخر لجلالة الملكة. وكانت وجباتها في الغالب تتكون من الدجاج وأفراخ الحمام ولحم الضان والحساء والخضروات. وبعد الفراغ من مهمته عصراً يستأذنها في الخروج فتمد يدها إلى كيس قريب من وسادتها وتناوله جنيهات ذهبية دون أن تعدها فيأخذها وهو يتمتم بعبارات الشكر ويخرج ليعود في صبيحة اليوم التالي فيتكرر المشهد ثانية. وظل على هذا المنوال حوالي ثلاثين يوماً حتى تم ترحيلها إلى مكان سجنها. وتحدث ضاحكاً بأنه لم يضيع تلك الثروة بل شيد بها داراً في الحلة القديمة بالطوب الأحمر وادخر ما تبقى حيث انتفع به خلال سنوات ماحلة. كنت التقي بالعم ود القور أحياناً حين أكون جالساً في مكتب صديقنا واستاذنا الراحل محمد ميرغني بركة عليه الرحمة.كان بركة قد تقاعد في أوائل سنوات الثمانين واتخذ مكتباً له في المنطقة الواقعة شمال السوق. كنا نلتقي فيه أحياناً مع عدد من الأصدقاء. حين كان ود القور رئيساً للطباخين في داخلية مدرسة كوستي الأميرية الوسطى في أوائل سنوات الستين كنا طلاباً فيها. كما كان الأستاذ بركة معلماً يدرسنا اللغة الإنجليزية. كنا في القسم الخارجي إلا أننا نعرف ونصادق جميع عمال المدرسة بمن فيهم طاقم المطبخ.. ود القور ومحمد ويحيى. كشف لنا ود القور ذلك النهار أنه عمل طاهياً للملكة آمنة وروى لنا ما رآه وما اتيحت له معرفته. لم يكن حديثه ذاك جديداً على اذني فقد سمعت أطرافاً من اخبار تلك السيدة العجيبة من بين القصص والحكايات وأحداث التاريخ التي كانت ترويها لنا الوالدة التي كانت تتدفق ينبوعاً من الحديث في تلك الليالي السعيدة. وما زلنا مدينين لها – عليها الرحمة والمغفرة – فقد ظلت مصدراً أساسياً في تكويننا المعرفي والوجداني، وطاقة ديناميكية شحذت ذواتنا وحددت توجهاتنا. كانت قصة الملكة آمنة وما زالت جزءاً من تاريخ المدينة وما زالت الذاكرة تستعيدها كلما ساقتنا الظروف قرب دار العمدة ود التوم في الطرف الجنوبي لحي المرابيع. كما كنت قد قرأت – ما لا أذكره الآن – ما كتبه الدكتور مصطفى مبارك مصطفى عن الملكة آمنة وما اشتجر بينه وبين الراحل الطيب محمد الطيب من سجال حول هذا الشأن. ومصطفى باحث وقاص ظل يبدي اهتماماً عظيماً بمدينة كوستي التي نشأ وترعرع بين ربوعها في حي المرابيع الذي استضاف الملكة يوماً، وإن كان ذلك قبل ميلاده بسنوات. ومعظم القصص القصيرة التي كتبها مصطفى مبارك تدور أحداثها في تلك المدينة التي أحبها. وأذكر أن الطيب محمد الطيب أشار أيضاً إلى ان مصطفى لا بد أن يكون قد استقى كثيراً من المعلومات من عمه الإداري الشهير مكاوي سليمان أكرت الذي كان عليه الرحمة كنزاً من المعارف والمعلومات. أما المستر جاكسون مفتش مركز حلفا فقد قدم صورة أخرى للملكة آمنة. رآها في الحبس حين قدم منقولاً إلى المركز. كانت تقيم في دار مكونة من ثلاث غرف تقضي فيها عقوبتها بالسجن. كتب عنها انطباعات عابرة في كتابه "السودان.. أيام ومسالك" لم يحاول أن يتناول قضيتها ويغوص في تفاصيلها. ذلك على الرغم من أنه أدرك أنها شخصية مختلفة لا تماثلها امرأة أخرى من نساء بلادها. امرأة تتميز بالجرأة والشجاعة ذات جبروت وسطوة. قال إنها كانت تخيف جميع سكان تلك المنطقة حتى أنها أمرت بطرد جميع سكان قرية أثيوبية كانت في الجوار. وصف حالها عند اعتقالها حين اطبق عليها مستر مكلارين وجنوده يحاصرون دارها ذات ليلة. ظلت رابطة الجأش رغم الاضطراب الذي ساد منزلها والخوف الذي اعترى اعوانها. أصرت على ارتداء حذائها بكعبه العالي وجواربها الحريرية. لم تكتف بذلك بل رفضت التوجه مع مكلارين حتى وضعت شيئاً من البودرة على أنفها واعتمرت قبعتها. سلوك أوروبي، لا ريب أنها اكتسبته من أوساط أرستقراطية الأمهرة خلال اقامتها في اثيوبيا. فقد كانت قرينة خوجلي ود الحسن الذي هاجر آباؤه إلى الحبشة خلال أيام المهدية. وينحدر أسلافه من المتمة. قال جاكسون أن خوجلي كان يتظاهر بالاستقامة في العمل التجاري ويبدي استعداده للعاهل الأثيوبي بدفع ألف أوقية من الذهب إذا تم ضبطه في إحدى المخالفات. بعث خوجلي ود الحسن بزوجته لتقيم داخل الحدود السودانية. اتخذت إحدى القرى مقراً لها واعترفت الحكومة السودانية بوجودها حين عينتها عمدة يمتد سلطانها في رقعة واسعة تجاوزتها هي بنفوذها وسطوتها وأحكمت سيطرتها على الأهلين المساكين. وصف جاكسون استقبالها لمفتش المركز الإنجليزي حين كان يزورها فتحيطه بمظاهر الفخامة والترف وتقيم سرادقاً فاخراً تفرشه بأنواع من السجاد النادر تتناثر عليه أرائك انيقة جاءت بها من أثيوبيا. وقال إنها كانت تتحدث العربية وتفهمها بشكل جيد إلا أنها كانت تصر على التحدث بالأمهرية حتى تتعرف على مضيفها بشكل وطيد. كانت تتظاهر بأنها ممثل للحكومة إلا أنها في الواقع كانت وكيلاً لأعمال زوجها الذي وصفه جاكسون بالوضاعة والمكر حيث استطاع تفادي الوقوع في يد السلطة لسنوات طويلة. ولما أحس أن الأرض باتت تميد تحت قدميه حتى بعث بزوجته إلى داخل الحدود السودانية للتوسع في تجارة الرقيق التي استطاع من خلالها أن يجمع ثروته الطائلة. لقبها بالست ولم ترد كلمة الملكة فيما كتب. لقب الملكة كان متداولاً في الأوساط السودانية أما الإنجليز في تقاريرهم فكانوا يكتبون الست آمنة. وصفها جاكسون بالمجرمة إلا أنه لم يستطع تجاهل مظاهر العظمة الملوكية التي كانت تحيط بها نفسها ولا الضجر الارستقراطي التي كانت تعبر عنه بضيقها وتبرمها من جفاف الطقس في حلفا. كان جاكسون قد عمل إدارياً في حكومة السودان منذ أوائل القرن العشرين. وقد أحب هذه البلاد وكتب عنها بشغف وحماس. وقد تنقل ما بين أمدرمان والحلفاية والكاملين وسنار ومناطق الشلك والنوير في جنوب السودان. وقد رسم صوراً قلمية نادرة. وفي عام 1929 تم نقله مفتشاً لمركز حلفا حيث وجد الملكة آمنة سجينة في تلك المدينة. وأفسح لها فيما بعد صفحتين في كتابه "سودان.. ديز آند ويز". وقد صدرت طبعته الأولى في أبريل عام 1954 ولم يترجم حتى الآن. وقد صدرت له مؤلفات أخرى هي، "عثمان دقنة" "وسن النار" "والعاج الأسود والأبيض" "والنوير في أعالى النيل" "والسودانيون المقاتلون" "وغردون باشا" (وهو الوحيد الذي تمت ترجمته إلى العربية). ما زلت الهج بالشكر لابن شقيقتي الأستاذ صديق مصطفى أبو قرجة الذي أتاح لي فرصة قراءة هذا الكتاب من بين كتب أخرى عن السودان حملها إلىّ عند حضوره من الولاياتالمتحدة في إجازته الأخيرة. في أوائل عام 1928 وقع حادث قتل في منطقة تقع جنوب غرب مركز كوستي. أفضى ذلك الحادث إلى تطورات أدت إلى كشف أمور خطيرة كانت تجري في تلك المنطقة. فالرق كان قائماً كأن لم يمر أكثر من ربع قرن على إلغائه بموجب اتفاقية عام 1899. تلك الاتفاقية كانت قد الغت الاتجار في البشر إلا أنها سمحت بتدرج تحرير الرقيق المنزلي لاعتبارات اجتماعية. وقد توقفت بالفعل تلك التجارة البغيضة ولم تبرز مشكلات بهذا الشأن حتى انكشف المستور في تلك المنطقة. دفعت سلطات مركز كوستي بشرطتها إلى مكان الحادث الذي كان ضحيته رقيقاً قتله سيده. فكشفت التحقيقات عن وجود عدد كبير من الرقيق كان يصل إلى ذلك المكان من داخل المناطق الحدودية. وقادت التحقيقات إلى أن هناك سيدة تدعي آمنة يلقبها الأهالي بالملكة تدير تجارة غير مشروعة من داخل مملكتها الصغيرة. كانت تبسط نفوذاً على الأهالي البسطاء وتستغل بؤسهم وسذاجتهم بالتصرف في أبنائهم ببيعهم إلى وسطاء أو مشترين قادمين من مناطق النيل الأبيض.استمر الحال لسنوات عديدة حتى تم الكشف عن ذلك النشاط الخطير. كما كانت تمارس نشاطاً تجارياً آخر للتغطية على تجارتها الآثمة فتقوم بتعدين الذهب بعد الحصول على التبر من الوديان ومساقط المياه المتدفقة من الهضبة الأثيوبية.وتصنع جنيهات من الذهب عليها ختمها تحاكي بها جنيهات الذهب الإنجليزية. نشطت سلطات مركز كوستي واندفعت شرطتها في البوادي الجنوبية والجنوبية الغربية للبحث عن ضحايا تجارة الرقيق. فاضطربت المنطقة وأخذ مالكو الرقيق في اخفائهم في الغابات والوديان وبمختلف الأساليب. وعلى الرغم من ذلك تم القبض على عدد من الآثمين فأودعوا السجن في مدينة كوستي. وتم تحرير عدد كبير من الرجال والنساء من ربقة العبودية فخرج بعضهم من سلطان سادتهم وأقامت لهم الحكومة مستوطنات لايوائهم. وكانت الحكومة قد أنشأت لجنة عرفت بقلم تحرير الرقيق واسندت رئاستها للمستر آركل الذي جاء إدارياً ثم ما لبث أن تحول إلى عالم آثار قدم خدمات جليلة وفتح طريقاً للدراسات الأثرية في السودان. شاهد الناس في تلك الفترة مستر آركل يزور القرى حاملاً أوراق الحرية متحدثاً عن ضرورة القضاء على استعباد الناس حيث لا فرق بين أسود وأحمر وأبيض. ولكن كثيراً من هؤلاء الأرقاء رفضوا استلام تلك الأوراق باعتبارهم أحراراً يقيمون مع سادتهم السابقين بكامل ارادتهم كأهل لهم. وأقامت الحكومة مستوطنات للأرقاء السابقين أو الأحرار الجدد مثل أُسودا وأم هباب وبابنوسة. وتجمع غيرهم في قرى اطلقوا على بعضها أسماء بذيئة للإساءة لهؤلاء السادة. وقد أطلق الأهلون عليهم "رقيق أركن" يقصدون مستر أركل الذي أشرف على تحرير الكثيرين منهم. وتم اعتقال عدد كبير من المالكين الذين ينتمون إلى ثلاث من القبائل التي تقيم في بادية النيل الأبيض. ولم يستطع البعض منهم تحمل ظروف السجن القاسية فماتوا وهم الذين اعتادوا على حياة الدعة. يتناولون كميات من الحليب والزبدة والقشدة بالإضافة إلى لحوم الطرئد كالزراف والغزلان والأرانب ودجاج الوادي التي كانت تعج بها غابات المنطقة في ذلك الزمن البعيد. وفي تقرير كتبه مدير مديرية النيل الأبيض في 15 مارس 1929 إلى السكرتير الإداري جاء "أنه في وقت مبكر من عام 1928 تم في المركز الجنوبي للمديرية اكتشاف عدد من الأرقاء من قبائل البرتا المستوردين حديثاً من اثيوبيا ونتج عن ذلك استعادة 500 رأس رقيق وأطفالهم، وبينهم عدد كبير جرى استيراده منذ الحرب. وصدرت أحكام بالسجن على بضع مئات من الضالعين في تجارة الرقيق. وجرى تبيان طرق قوافل الرقيق من الحبشة وكشف شعابها ومخابئها، وأرسلت المعلومات للمديريات الأخرى، خاصة مديرية الفونج. ولضمان تسجيل كل الأرقاء المسترقين حديثاً، تقرر تسجيل كل السود المنحدرين من صلب الرقيق. كما تقرر إصدار أوراق الحرية لكل من يتطلب وضعه نوعاً من الحماية ولكل شخص آخر يطلبها". أما مدير مديرية الفونج فقد كتب إلى السكرتير الإداري في 24 فبراير 1929 يقول "يبدو أن الوطاويط على جانبي الحدود قد استجابوا للأمر لكن ما هو جدير بالإشارة حقاً أن كل حالات الاسترقاق لم تشمل أشخاصاً يقيمون في السودان. كان كل الأرقاء من أثيوبيا إضافة إلى ذلك فتجارة الرقيق بجملتها كانت في أيدي عائلة خوجلي. ولم تحدث أية حادثة ذات أهمية من "الشيخ تورا قور" أو الشيخ حمدان أبو قور؟ تم اعتقال الست آمنة وقدمت للمحاكمة وأدينت وألقيت عموديتها، وانسحب أقاربها إلى أثيوبيا، كما تم اعتقال الوطاويط المتورطين وأرسلوا إلى كوستي للمحاكمة، وهرب آخرون إلى أثيوبيا وانفضح أمر عمدة بلوارا وجرد من العمودية. وبشكل عام يمكن القول، دون مبالغة أن تجارة الرقيق قد انقضت. خرجت شرطة مركز كوستي إلى البادية الجنوبية للمركز حيث الرعاة يجوسون الفلوات بقطعان الماشية. كانوا يبحثون عن افادات تعزز الاتهامات المتعلقة ببيع الرقيق. عثروا على شابين يرعيان قطيعاً من الماشية. استجوباهما فقاد الحديث إلى الكشف عن جريمة ظلت غامضة لاكثر من اثني عشر عاماً. ففي حوالي عام 1916م خرج علوان وعساكر (من قبيلة سليم) يصحبهما الختيم بانديه (وهو تعايشي) إلى المنطقة الحدودية بين السودان والحبشة لشراء أسلحة نارية. ولما كان علوان يملك من المال اكثر من صاحبيه فقد اشترى رقيقاً (صبيين وفتاة). وفي الطريق تآمر الإثنان على علوان فقتلاه على مرأى من الأسرى الصغار. باع القاتلان الولدين لرجل من الجمع يدعي إبراهيم الشاهر والفتاة لأحد شيوخ العليقة. انتابت الشكوك ذوي القتيل علوان وذهبوا يقتفون أثر الرحلة الدامية. ولم يعثروا على دليل فأبلغوا سلطات مركز كوستي التي باشرت تحقيقاً مع عساكر وباندية. ولم تجد دليلاً قاطعاً فأطلقت سراحهما وظل البلاغ مفتوحاً حتى عام 1928 حين عثرت الشرطة على الغلامين يرعيان أبقار الشاهر. فاعترفا بما رأياه من جريمة. وجيء بالفتاة بخيتة من قرية العليقة لتعزيز شهامة الغلامين والتعرف على المتهمين اللذين لم يلبثا أن أدينا ونفذ فيهما حكم الإعدام. وكان أحدهما قد عمل شرطياً في أعقاب ارتكاب الجريمة وحتى قبيل حدوث تلك التطورات الدرامية. لم تشأ بخيتة أن تتوجه إلى مكان آخر عقب ابلاغها بتحريرها ولم تأبه لذلك. بل توجهت عائدة إلى العليقة لتستأنف حياتها في تلك القرية. فقد الفتها والفت الشيوخ الطيبين الذين أولوها رعابة حسنة ومحضوها عطفاً واحساناً. تميزت بخيتة بجمال بارع وقوام لادن حتى اطلق عليها الناس في القرية لقب الفريع. تزوجت وانجبت وعاشت طويلاً حتى شهدت احفادها جزءاً من نسيج الأعراق السودانية بنموذجه الإنساني المدهش.