تحت هذا العنوان نشر أمين حسن عمر خطبة استثنائية في مناخها النفسي استحضر لها أرواح من أغلق حصيلته على قاموسهم و جنح فيها جنوحهم إلى التنظير التوجيهي و تنميق العبارة و محاكاة أنساق الحكمة بما يخبر عن علو المنبر الذي كان عليه أثناء إلقائه تلك الخطبة في تصوره حيث فتحها قائلا :- ( ما أراه من مهرجانات ووثائق تأييد للأخ رئيس الجمهورية ، يسر ويحزن فى آن واحد. ) ثم فصل ما يسر مؤكدا على الالتصاق الحزبي (المحازبة) مع الرئيس على حد تعبيره - و ذلك قبل أن يلخص دواعي الرضا و السرور لشعور المتحمسين بأنه: ( يبرز تقديرا إيجابيا للأخ رئيس الجمهورية ونحن المحازبين له يسعدنا ذلك ففضله فضلنا ومجده مجدنا . ومن الانصاف إعطاء الرجل التقدير الذى يستحق فهو صاحب مبادرات مشهورة ومذكورة ومشكورة فى جانب الانحياز للسلام وللحوار والوفاق بالحسنى. ومواقفه على الأصعدة الوطنية والقوميةوالاسلامية لا يلاحى فيها الا ممارى ) . ثم شخص ما يحزن أسفا على : ( ان التقدير للدستور والقانون والتواثق والتعاهد يتراجع بصورة محزنة لدى هؤلاء المتحمسين . كأنهم لا يعلمون انه لا نهضة لأمة تعلى شأن أفرادها مهما سمق شأنهم فوق مقتضى القانون والدستور وفوق المواثيق والعهود. ) ثم طفق يطلق الحكمة و الموعظة الحسنة قائلا :- ( زماننا هو زمان التغيرات المتلاحقة والمتغيرات المتسارعة ) و استطرد : ( فكم من نظام حكم أو حاكم ظن انه يخلد بنفسه أو بحزبه أو بنسله فخيبت الحادثات أمانيه وظنونه وبددت أوهامه وحيرت فهومه، فإنما يخلد الزعماء عبر الحقب وتبقى ذكرى الأحزاب عبر الأزمنة ، بمنجزاتها وكسوبها لا برموزها وشخوصها.) غير أنه بعد ذلك - إذا تجاوزنا حكاية ( الفهوم و الكسوب ) هذه - عمد إلى الثلج الذي كان قد بدأ تكسيره في الفقرة التي عدد فيها ( ما يسر ) معاودا تكسير الثلج مرة اخرى .. قال : ( أما اخانا الرئيس فنعلم ان ما يخالج أنفسنا يخالج نفسه وما يساور افكارنايساوره ، ولذلك فإن حسن ظننا به انه يمد لهؤلاء المتحمسين مدّا ولكنه عزم أمره على حكمة ورشد، فلا بأس من إظهار التأييد فإن خير الأئمة من تحبونهم ويحبونكم وتدعون لهم ويدعون لكم ولكن تدبير امر البلاد والعباد لا يكون بالمشاعر الطيبة والعواطف الجياشة فحسب بل بالعزم والحزم وظننا به انه أؤتى من ذلك ما يعصمه عن الانسياق ) . إذن فلماذا يا أخي؟ ؟ لماذا الحزن و الترهيب من تغيير الدستور إذا كان الرئيس على كل ما وصفت .. فالدستور هو المخطئ هنا و الدستور في هذه الحال يكون الأولى بالتغيير طالما أن القصد من تشريعه حاصل بوجوده . فما أعجب ذلك التنزيه المفاجيء للدستور عن التعديل و التغيير و التعطيل ؟ .. إلا إذا كانت الخطبة موجهة إلى الصبية و نحوهم من من لا يعلمون شيئا عن دساتير السودان منذ أن كانت مجرد ( أوامر دستورية ) قبل ستين سنة ثم مؤقتا بعدها بعشر سنوات ثم بدأت الرحلة مع التعديلات السنوية إلى ما سمي مجازا بالدستور الدائم 1973و لكنه لم يدم و ما كان له أن يدوم و قد كان شيخك آنذاك رئيسا للمجلس الوطني و كان له بالمرصاد حيث دعا إلى دورة انعقاد طارئة في مارس 1998 فعدل و أضاف و حذف و أعاد صياغة ما يفترض أنه دائم بل و ما كان انتقاليا 1988 ثم أجازه ثم - و أنت وزير وقتها في 2005 ثم 2016 ثم كان الدستور الجديد 2017 . ناهيك عن ما وقع من تحوير و تأويل على تفرعات و تفاسير بنوده من تجاوزات سافرة على قوانين و لوائح الخدمتين المدنية و النظامية كل ذلك لأجل خلخلة مفاصل هيكل الدولة العميقة و تمكين كوادر التنظيم و إقصاء الكفاءات و ( إعادة صياغة الشخصية السودانية كما تقولون . لقد بدأ عهدكم هذا فعليا قبل تنفيذ السيناريو و الوصول إلى سدة الحكم بست سنوات تحت مظلة مايو باعتراف شيخكم واضع الدستور و الذي انسلختم عن ولايته - فلماذا كل هذه الغيرة على اليوم على ما وضعه - و كيف حدث هذا الانتقال المريع من مربع ( القرآن دستورنا ) إلى جحر ( الدستور قرآننا ) كما يفهم من قولك : ( فالأمة التى تحترم نفسها وتقدر ذاتها لا تعدل دستورها لأجل ان يبقى فلان أو يذهب فلان وإنما تعلم ان بنود الدستور هى عهود على الاستقامةعلى معانى ومبادىء و و ... إلى آخره ..) واقع الأمر يا أخي هو الأمر الواقع و الذي وقع فيه التنظيم بكل تمظهراته - في شر أعماله - و بدت له إرهاصات الطلاق حيث لم يعد هناك بد من فك الارتباط بين التنظيم و النظام برغم أنها عملية لا تقل خطورة عن جراحة الفصل بين التوأم الملتصق - كان بمقدورك أيها الفيلسوف أن تعصر زيت خطبتك هذه كلها في رسالة تقول فيها :- ( سيدي الرئيس - أحبتي المتحمسين : أنا معكم في الحالتين و السلام عليكم و رحمة الله .) . فإن تقعير اللغة و نجر المفردات على ما في ذلك من أخطاء لغوية و نحوية و إن صحت بالالتفاف - كل ذلك لا يعدو أن يكون إلا محاولة يائسة لاستخدام ( سحر البيان ) و الذي لم يعد ساريا في زماننا هذا خاصة في الشأن السياسي فالحقيقة على الأرض أكسبتنا مناعة فائقة ضد هذا السحر التقليدي البائس . و لا يغرنك إذا كان قد سرى في أوصال أمانات فئات و الموالين على حرف و ضعاف الذاكرة فإن ذاكرة الشعوب تاريخها و التاريخ لا تغتاله الخطب . عبد القادر الكتيابي عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.