تحتفل البلاد، اليوم الاثنين، بالعيد رقم 62 لاستقلال السودان. ستة عقود كاملة انقضت منذ أن أنزل الزعيم الأزهري العلمين الإنجليزي والمصري، ورفع بدلا عنهما العلم السوداني، معلنا بذلك تدشين مرحلة جديدة في تاريخ دولة وليدة اسمها السودان. الآن وبعد كل هذه السنوات التي انقضت، وبعد كل هذه التجارب الوطنية في الحكم وتحقق السيادة، يحق للسوداني أن يقف – قريبا من سارية العلم الخفاق – وأن يتساءل ما الذي تحقق؟ وعند أي المحطات مضى به قطار "الاستقلال" ثم توقف؟ أم أنه ما يزال يمضي في "الدرب الأخضر"؛ درب الوعود الحالمة والأمنيات الباذخات بوطن يفاخر بمنجزاته الأمم! يحق للسوداني أن يطرح أسئلته متحسرا، وهو يدرك مسبقا إن الإجابات ستأتي عكس ما يرجو، وأن ما تمناه خلال كل هذه العقود ذات السنوات الثقيلة لم يتحقق منه شيئا. يروى أن صحيفة أجنبية عاصرت لحظة استقلال السودان، استطلعت – حينها – أحد الشباب المتحمسين والمنفعلين باللحظة التاريخة الفارقة. ومن ضمن الأسئلة التي وجهت لهذا الشاب: كيف ترى السودان خلال سنوات ما بعد الاستقلال؟ فأجاب: سأقدم لكم الدعوة بعد سنوات قليلة لتوثقوا بأنفسكم الطفرة الحضارية التي سيحدثها السودانيون في بلادهم، سنشيد ناطحات السحاب، وسنملأ مخازن الغلال بالحبوب، وسنزود العالم أجمعه بالغذاء. القصة على عهدة الرواي، ولا أعرف إن كانت حقيقية أم أنها موضوعة، لكنها في الصميم تعبر عن حالة الفشل المريع والذريع التي آلت إليها الدولة السودانية بعد سنوات طوال من "العك" و"اللت" والعجن" السياسي الذي هزم كل محاولة صادقة للتغيير والإنجاز والارتقاء بالبلاد. السودان، في عيد استقلاله ال 62، ورغم حالة التقلص الجغرافي التي أصابته وما يتضمنه ذلك من تقلص في الثروة وموارد التنمية عامة؛ ورغما عن حالة "اليأس" العامة التي تطوق الجميع، ورغما عن الانهيار الاقتصادي الشامل الذي لا يبدو أن له مخرجا في المنظور القريب؛ برغم كل هذا الفشل العريض إلا أن السودان لا يزال هو ذلك البلد الغني بموارده، البلد الواعد بأرضه وناسه وموقعه الجغرافي، وكل الذي يحتاجه في هذه المرحلة والمراحل المقبلة هي تلك "القيادات" السياسية الواعية، المتجردة من أمراض النفس والكيان الضيق والانتماء الزائف، فالتجارب من حولنا تكشف أن دولا وصلت إلى ما هو أسوأ من حالنا الآن إلا أنها وبعزيمة أبنائها نهضت من "الرماد" وحلقت من جديد بين الأمم المتقدمة، وما تجربة دولة "رواندا" ببعيدة عن الأذهان. اليوم، يحق لنا كسودانيين أن نحتفل بعيد استقلال بلادنا، وأن نحيي ذكرى كل الأبطال على مدار التاريخ السوداني، الذين أسهموا في تحقق ونيل هذا الاستقلال بتضحية ونبل، فهم من منحونا هذا البلد "العظيم". يحق لنا كسودانيين في هذا اليوم أن نستذكر كل التضحيات السابقة، وأن نسعى في مقابل ذلك لمحاسبة ومساءلة كل من فرط في قيم ومبادئ هذا الاستقلال، كما يجب علينا أن نعمل من جديد وبجدية وصرامة على استعادة روح "الوطنية" التي يبدو أنها أهدرت على مدارج اليأس والاحباط ومكبات الفساد النتنة. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.