.. أن ينقضي العام السابع والخمسين منذ أن نلنا استقلالنا في العام 1956 وهو استقلال لم يكن منحة ولا عطية مجانية، بل نتاج نضال طويل وتاريخ مهرة الدماء والمهج أن ينقضي العام سبعة وخمسون، ويكون احتفالنا هذا العام بطعم مختلف وإحساس مختلف، صحيح الزمان هو ذات الزمان المعتاد في الأول من يناير من كل عام، لكن المكان مختلف وللمكان مدلولاته ومعانيه وإشاراته، ومدينة الروصيرص الفتية هي المكان الذي شهد احتفالات البلاد بأعياد الاستقلال، وهي تحتضن انجازاً يجسد معاني الاستقلال وأهدافه بتعلية الخزان، هذا الانجاز الكبير الذي صادف أو خطط له أن يصادف احتفالاتنا بأعظم مناسبة تاريخية تعني كل السودانيين بمختلف توجهاتهم وانتماءاتهم وميولهم، لأن من صنعوه لم يكونوا أفراداً ولا فصيلاً خارج دائرة الوحدة السودانية، والأزهري الزعيم الراحل، والسيد علي الميرغني، والسيد عبدالرحمن المهدي جميعاً يتشاركون النظر إلى السارية، بعد أن رفعوا العلم خفاقاً في رسالة كنت ولا زلت أرجو أن يفهمها من جاءوا بعدهم ليماسوا السياسة بنظرية الأنا أو الاقصاء، دعوني أقول إنه لا أحد مهما كان بعيداً أو قريباً من دائرة الحراك السياسي، وأقصد قرباً بالانتماء للنظام الحاكم، أو بعداً عنه في المعارضة لم يشعر بالفخر والإعجاب لما تحقق أمس في النيل الأزرق، تلك التي أراد لها الخونة والعملاء أن تكون بؤرة للصراع، وساحة للاعتراك، وحفرة من نار.. لكنها بأيدي المخلصين ظلت رغم أنفهم النيل الأزرق مصدر الخير وأمل المستقبل، وخزائن الماء التي لم ولن تنضب، ولعل الاحتفال في الروصيرص بهذا الحضور العربي والأفريقي الفخيم يدحض ما يروج له من الشائعات التي تصور السودان وكأن الحرب تتنازعه، والخلاف يقطعه إرباً إرباً، فألقمهم هذا الانجاز حجراً أرجو أن يسكت أفواههم إلى ما لا نهاية. .. في كل الأحوال لا استطيع أن أنكر أن خدراً جميلاً أصابين وسد الروصيرص يقف شامخاً كأنه إنسان السودان على طول العصور جسارة وقوة وتحمل لضربات الزمن.. فالتحية لكل من وضع طوبة في المشروع الكبير ولكل من أسهم بفكره أو بقطرة عرق وإن شاء كل عيد زي ده!! كلمة عزيزة استطاعت صالة اسبارك سيتي ان تنظم أمس واحدة من أجمل سهرات رأس السنة التي حضرتها في السنوات الخمس الأخيرة، حيث كان الدخول غاية في النظام والترتيب، والشباب المسؤولون عن ذلك لم تفارق الابتسامة وجوههم، رغم (المحاججة) من بعض مشتريي التذاكر، وهي بالطبع عادة سودانية ماركة مسجلة، ولعلها المرة الأولى طوال «رؤوس السنين الماضية» نتناول عشاء محترماً كان بالفعل يتناسب مع قيمة التذكرة، ويشهد الله أننا في واحدة من السنوات دفعنا 300 جنيه للكرسي وتناولنا عشاء «أخير منه البوش» فالتحية لمن نظموا هذه السهرة وتحية خاصة للرجل المهذب الدكتور محمد نور منظم الحفل، وهو رجل خلوق وابن بلد من طراز فريد.. لكن مالم يقل عن التنظيم روعة، كان الحضور الباهي للفخيم صلاح بن البادية الذي وكالعادة أدهشنا بصوت رويان يتدفق شباباً وجمالاً، يستحق أن أوصفه بالصوت «اب ياقوت الجنن البنوت» قياساً على أغنيته «خاتمي اب ياقوت الجنن البنوت» ولعل من يأتي بعد صلاح لابد أن يضع يده على قلبه ويتساءل كيف استطيع أن أفك أسر السامعين من صوت صلاح بن البادية، فكانت الإجابة أنا قدرها وقدود عند الرائعة ندى القلعة التي أطلت وكما العادة زي فلق الصباح في الدقائق الأولى من اليوم الجديد، وامتلكت المسرح حضوراً وجمالاً وروعة، وحولت الصالة إلى باحة فرح بلا حدود.. على فكرة ظللت وندى على تباعد منذ شهور بسبب وجهات نظر بيننا مختلفة، لكن هذا لم يغير رأيّ أبداً أن ندى صاحبة صوت رائع، وهي غول مسرح، ولم يغير رأيّ في أنها صاحبة قلب أبيض، حيث نزلت من المسرح واتجهت نحو المائدة التي أجلس عليها وأسرتي، وعانقتني في محبة وأخوة لأن ندى تعلم أنني أحبها وأحب الخير لها. كلمة أعز .. من يريد أن يعرف سر روعة النيل الأزرق عليه أن يعرف أن السر في جنرالها الأستاذ حسن فضل المولى، الرجل المتواضع المحترم الذي لا يفوت أحداً بالسلام أو التحية ولا يعرف (الطنقعة) وقلة الذوق.