المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    بيان هام من السفارة السودانية في تركيا للسودانيين    "بناء الدولة وفق الأسس العلمية".. كامل إدريس يدعو أساتذة الجامعات للاسهام في نهضة البلاد وتنميتها    مونديال الأندية.. فرصة مبابي الأخيرة في سباق الكرة الذهبية    نبيل عبد الله: قواتنا بالفرقة 14 مشاة صدّت هجومًا من متمردي الحركة الشعبية بمحطة الدشول    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    بلاغ بوجود قنبلة..طائرة سعودية تغيّر مسارها..ما التفاصيل؟    أكثر من 8 الاف طالب وطالبة يجلسون لامتحانات الشهادة الابتدائية بسنار    كيف تغلغلت إسرائيل في الداخل الإيراني ؟!    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    أردوغان: الهجوم الإسرائيلي على إيران له أهداف خبيثة    "خطوة برقو" تفجّر الأوضاع في دارفور    الصادق الرزيقي يكتب: الدعم السريع وشهية الحروب التي فُتحت في الإقليم    أنباء عن اغتيال ناظر في السودان    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    الترجي يسقط أمام فلامنغو في مونديال الأندية    فيكم من يحفظ (السر)؟    افتتاح المرحلة النهائية للدوري التأهيلي للممتاز عصر اليوم باستاد الدامر.    في السودان :كيف تتم حماية بلادنا من اختراق المخابرات الإسرائيلية للوسط الصحفي    من الجزيرة إلى كرب التوم..هل دخل الجنجويد مدينة أو قرية واستمرت فيها الحياة طبيعية؟    هيمنة العليقي على ملفات الهلال    الحرب الايرانية – الاسرائيلية: بعيدا عن التكتيات العسكرية    نشاط مكثف لرئيس الوزراء قبل تشكيل الحكومة المرتقبة    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    شاهد بالصور والفيديو.. الفنان حسين الصادق ينزع "الطاقية" من رأس زميله "ود راوة" ويرتديها أثناء تقديم الأخير وصلة غنائية في حفل حاشد بالسعودية وساخرون: (إنصاف مدني النسخة الرجالية)    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    عناوين الصحف الرياضية السودانية الصادرة اليوم الأثنين 16 يونيو 2025    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    شاهد بالفيديو.. كشف عن معاناته وطلب المساعدة.. شاب سوداني بالقاهرة يعيش في الشارع بعد أن قامت زوجته بطرده من المنزل وحظر رقم هاتفه بسبب عدم مقدرته على دفع إيجار الشقة    رباعية نظيفة .. باريس يهين أتلتيكو مدريد في مونديال الأندية    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    المباحث الجنائية المركزية بولايةنهر النيل تنجح في فك طلاسم بلاغ قتيل حي الطراوة    من حق إيران وأي دولة أخري أن تحصل علي قنبلة نووية    أول دولة عربية تقرر إجلاء رعاياها من إيران    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    بالصور.. زوجة الميرغني تقضي إجازتها الصيفية مع ابنتها وسط الحيوانات    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    فجرًا.. السلطات في السودان تلقيّ القبض على34 متّهمًا بينهم نظاميين    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    محمد دفع الله.. (صُورة) تَتَحَدّث كُلّ اللُّغات    في سابقة تعد الأولى من نوعها.. دولة عربية تلغي شعيرة ذبح الأضاحي هذا العام لهذا السبب (….) وتحذيرات للسودانيين المقيمين فيها    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    تراجع وفيات الكوليرا في الخرطوم    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    وزير المالية السوداني: المسيرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود "إماراتية"    "الحرابة ولا حلو" لهاني عابدين.. نداء السلام والأمل في وجه التحديات    "عشبة الخلود".. ما سرّ النبتة القادمة من جبال وغابات آسيا؟    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذ تقدمت مصر في كرة القدم وتخلف السودان؟ ... بقلم: خالد موسي دفع الله
نشر في سودانيل يوم 01 - 02 - 2010


[email protected]
ظل فيلم (ذهب مع الريح) الذي أنتج في النصف الأول من القرن الماضي ،يحمل لقب أفضل ما أنتجته هوليوود، رغم ظهور فيلم تيتانك، وفيلم القرين Avatar الذي أستغرق أنتاجه أكثر من خمس سنوات ونجح في توظيف أرقي التقنيات الألكترونية ، مما جعله يحطم أعلي الأرقام القياسية في تاريخ مبيعات السينما العالمية بدخل يقارب الثلاثة مليار دولار.ولعل هذا التميز يعود الي الرواية الأنسانية الرائعة التي كتبتها ميرغريت ميتشل عام 1936 والتي جسدت فيها تعقيدات الحرب الأهلية في الولايات المتحدة.وظل أحد أبطال القصة روت بتلر الذي محض قومه النصح بتدبير أمر الحرب متهما بالخيانة، لأن الواقعية أضطرته ليعلن أن جيش الجنوب سيخسر الحرب، للثقة الزائدة، والجهل المسف والعنتظة الفارغة.
لم أجد أبلغ من هذا المشهد لوصف التدهور المريع الذي ظلت تعانيه كرة القدم في السودان ،فهذه اللعبة الساحرة لم تعد مجرد جلد مملؤ بالهواء يتقاذفه أثنين وعشرين لاعبا في المستطيل الأخضر ، بل صارت ثقافة كاسحة، وصناعة معقدة تجاوزت الهويات والأنتماءات والحدود الجغرافية للدول، وأصبحت هوية عولمية ممتدة وعابرة للثقافات واللغات والقارات، بل لعلها تجسد العولمة في أزهي تجلياتها إذ لم يعد الأنتماء الي نادي برشلونة ، والأستمتاع بلمسات ميسي الساحرة يحتاج الي أقامة في أروبا أو جواز سفر إسباني، بل تستطيع من داخل حواري أمبدة أن تشارك مشجع البارسا ذلك الأنتماء وتلك المتعة الساحرة بفعل الوسائط الأعلامية الحديثة التي جعلت من العالم قرية صغيرة بالفعل. لقد شاهدنا كيف أستطاعت كرة القدم أن تصهر كل الولاءات والأنتماءات ، وأن تكون أحد أقوي ممسكات الهوية الوطنية،ففي الوقت الذي أندلعت فيه أرهاصات فتنة طائفية في صعيد مصر ، بعد حوادث العنف في نجع حمادي بين المسلمين والأقباط، وأشتعال حرب التصريحات والملاسنات في أروقة مجلس الشعب، توحد كل الشعب المصري بجميع طوائفه خلف منتخب الفراعنة لتحقيق الأنجاز الثالث علي التوالي في كأس الأمم الأفريقية، وأستطاع هذا الأنتصار التاريخي أن يغير من المشهد الأجتماعي والسياسي داخل مصر، حيث أستعلي الجميع فوق جراحات الخلاف والفتنة الطائفية ، وصار الأنتماء الي الهوية الوطنية المصرية الجامعة هو الأكبر والأعلي. في الحوار الممتع الذي أجراه موقع (Goal) الدولي علي الشبكة العنكبوتية قال مدرب الفريق القومي السوداني السابق قسطنطين الذي قدم أستقالته مؤخرا، إن الشعب السوداني يتنفس كرة قدم، وأن الشعبية الكاسحة للعبة في السودان تمثل أحدي الظواهر المميزة في القارة، فالمشجعون يدخلون الأستادات قبل ساعات طويلة من المباراة، ويؤازرون فريقهم بطريقة مبتكرة وجميلة، كما أن السودان يمتلئ باللاعبين الموهبين ولكن لا أحد يطيق الصبر ، وتقديم التضحية والوقت والمال اللازم لبناء فريق المستقبل، الجميع يريدون نتائج آنية وسريعة. وقال إن أزمة الفريق القومي السوداني طيلة الفترة الماضية هي حصرأختيار اللاعبين من فريقي القمة ، مما يهمل مواهب اللاعبين الأخري في المدن والنجوع والأقاليم المختلفة. لهذا السبب قال قسطنطين إنه أتجه الي أختيار لاعبين من كل مدن وأركان السودان المختلفة حتي يستوفي الفريق هويته القومية ، والتركيز علي لاعبين صغار السن لبناء فريق المستقبل، بدلا من الأعتماد علي لاعبين شارفوا علي نهاية مشوارهم الكروي. لقد أهدي المدرب حسن شحاتة درسا في فن التخطيط والتدريب بأصراره علي أختيار لاعب الأتحاد السكندري محمد ناجي (جدو) الذي كان مفاجأة البطولة ، حيث تعرض المعلم لهجوم عنيف من النقاد الرياضيين لتجاوزه أختيار لاعب الزمالك الكبير ميدو وأصراره علي اللاعب المغمور جدو. وأستطاع جدو بموهبته، وثقة مدربه أن يتوج مصر بكأس أفريقيا للمرة الثالثة علي التوالي وأن يحرز لقب هداف البطولة الأفريقية. عندما حاول مدرب الفريق القومي السابق قسطنطين أن يختار لاعبين مغمورين من مدن السودان المختلفة تعرض لأبشع أنواع النقد نسبة للتعصب الأعمي لبعض نجوم فريقي القمة، وطالب بعض كبار الصحفيين الرياضيين الذين يكتبون بعقلية المشجع المتعصب برحيله الفوري. ولعل السبب الأساسي في تخلف لعبة كرة القدم في السودان حسب رأي قسطنطين هو غياب التنظيم والتخطيط السليم، والحرب المستعرة في قمة الجهاز الأداري لكرة القدم حيث يخوض الجميع معارك سياسية طاحنة حسب وصفه ضاربين بالمصلحة القومية عرض الحائط من أجل تحقيق مكاسب شخصية محضة، ويخضع الأتحاد العام للأسف لأبرز الأمراض المقعدة بالأنجاز والنجاح ، ألا وهي سيطرة مؤسسة الرجل الواحد. ولا أستطيع أن أفهم، كيف يستطيع بروفيسور الفلسفة بجامعة الخرطوم ورئيس الأتحاد العام لكرة القدم تطوير الرياضة واللعبة في السودان وهو يلغي بجرة قلم جهاز الناشئين المنوط به تفريخ اللاعبين والنهوض بمستوي اللعبة في السودان. لقد تجاهل الدكتور شداد توجيهات الرئيس عمر البشير بأعادة النظر في تجديد وتنشيط جهاز الناشئين وأدخال المدارس السنية، وظل مستمسكا برأيه بمحاربة الأشبال والناشئين تحت دعاوي أنتشار التزوير. وأستخدم الدكتور شداد أسوأ أنواع الأبتزاز التكتيكي تحت شعارات أهلية الرياضة في السودان لمنع تدخل الجهاز التنفيذي، إذ يحارب الجميع في الداخل بقوانيين الفيفا لأنفاذ أجندته الفردية لأدارة الأتحاد العام، و يحاجج الفيفا بالقوانيين الوطنية في السودان.وظل يرواغ ويلعب علي هذين الحبلين،حتي لا يفرض عليه أحد رأيا، مكرسا لزعامته الفردية في الأتحاد. إن الحادبين علي نهضة الرياضة في السودان لا يتشرفون بزعامة رياضية لا تؤمن بأهمية الأستثمار في المستقبل ، بل وتسعي لقتل المواهب بتعطيل جهاز الناشئين والبراعم، ولعل من حسن الحظ أن القانون الجديد يضع سقفا للدورات التي يتقلد فيها الشخص رئاسة الأتحاد العام، لذا فأن شداد سيغادر غير مأسوف عليه، نذكر له حسناته وأنجازاته، ولكن لن نستطع أن نغفر له خطأه التاريخي الفادح بحله لجهاز الناشئين، حيث أستطاع أن يغل يد الدولة من التدخل للأصلاح مهددا بأستخدام قوانيين الفيفا التي تحرص علي أهلية الحركة الرياضية.ونرجو أن يتخير أهل الرياضة شخصية قيادية تؤمن بالتخطيط السليم، والأستثمار في المستقبل ، وأعادة تأسيس جهاز الناشئين والمدارس السنية، وتأهيل البني التحتية والأساسية للرياضة، في أطار من المؤسسية والشفافية،وبعيدا عن التكتلات والأجندة الشخصية، لا أن تسعي لأبتزاز الداخل بقوانين الفيفا، ولا تحاجج الفيفا بالقوانين الوطنية.حسنا فعلت ولاية الخرطوم بأبتدار مشروعها الرائد بأعادة تأسيس جهاز الناشئين متجاوزة خرافات الأتحاد العام، ونتمني أن تحذوا بقية الولايات حذوها دون الألتفات الي تهديدات رئيس الأتحاد في ظل النظام الفيدرالي السائد الذي يكفل لها ذلك الحق. يعود العامل الأساسي للنهضة الكروية في مصر الي الأهتمام بالمدارس السنية، حيث يوجد الآن أكثر من 340 ألف لاعب ناشئ مسجل في المدارس السنية في مصر، وتشكو الأجهزة من قلة البنيات الأساسية والميادين لأن العدد المؤهل للأنضمام الي هذه المدارس أكثر من 10 مليون لاعب.
إن الناظر لتجربة مصر الرياضية، وتميز رصيدها في كتاب الأنجازات الكروية الأقليمية والقارية يعود في الأساس الي التخطيط السليم والأستثمار في المستقبل،فهذا الفريق الفائز بالكأس الأفريقية للمرة الثالثة علي التوالي تصفه الصحافة المصرية بأنه من أفضل الأجيال الكروية التي مرت علي تاريخ مصر، لأنه كان في الأساس الفريق القومي للشباب الذي خاض منافسات كأس العالم للشباب بأيطاليا تحت قيادة مدربه المعلم حسن شحاتة. وتعود روح الأنسجام كما قال نجم الفريق محمد زيدان الي الرفقة الطويلة بين المدرب واللاعبين منذ منافسات كأس العالم للشباب،مما يعني أن عوامل الأستقرار والأستمرار من أكبر العوامل المحفزة لهذا الفوز الكبير. وكذلك روح الأنضباط والطاعة لتوجيهات المدرب التي لا يتدخل فيها أحد، فقد ظل رئيس المجلس الأعلي للرياضة الأستاذ حسن صقر وهو بمثابة وزير الرياضة متابعا ومرافقا للفريق، مقدما الدعم المادي والأدبي والمعنوي دون التدخل في الجوانب الفنية للمدرب، وقد فرض المدرب حسن شحاتة عقوبة أدبية ومالية علي نجم الفريق محمد زيدان عندما رفض مصافحة بديله اللاعب جدو عند أستبداله في مباراة الكاميرون في دور الثمانية، فتدخل كابتن الفريق أحمد حسن متشفعا للاعب الذي قدم أعتذاره للمدرب مما دفع بعودته مجددا الي تشكيلة المنتخب، وقد صرح بعدها المدرب حسن شحاته أن الأنضباط والألتزام الأخلاقي هما أهم أسس الأختيار للمنتخب،وقد فهم البعض أن هذا التصريح يتضمن تعريضا بلاعب الزمالك محمد ميدو الذي لم يحظ باللعب للمنتخب لتفلته وعدم أنضباطه.ونتيجة لهذه التصريحات قادت الصحف الأيطالية هجوما عنيفا علي حسن شحاته حيث أتهمته بالتمييز الديني في أختيار لاعبي المنتخب.هذا يعني أن فرض روح الأنضباط تسري علي الجميع دون تطاول علي المدرب مهما بلغت نجومية اللاعب وحاجة الفريق لمجهوداته. في المقابل يبرز موقف كابتن الفريق القومي هيثم مصطفي الذي أعتذر عن اللعب أمام مالي في المبارة الفاصلة المؤهلة لنهائيات كأس الأمم الأفريقية بدعاوي المرض، ولكنه خاض في اليوم التالي مباراة فريقه الهلال في الدوري المحلي، مما يوضح الفارق الجلي بين أنخفاض روح الولاء للفريق القومي وعلو روح الأنتماء للنادي المحلي.
لعل أهم الفوارق الكبيرة بيننا وبين كرة القدم في مصر، هي أن الأنتماء الي الفريق الوطني يعلو علي أنتماءات الأندية المحلية،فالفريق الوطني المصري لا ينافسه في الولاء الوطني أي نادي محلي سواءا كان أهلي أو زمالك أو غيرهما، بينما في السودان لا يستنكر أحد علو روح الأنتماء الي الهلال أو المريخ علي الولاء الوطني للفريق القومي. ولعل هذا الخلل يعود الي فشو روح العصبية التي تغلب الولاءات القبلية الصغري علي الأنتماء الي الهوية الوطنية الجامعة. وقد صدق المحلل والناقد الرياضي الكبير عبدالمجيد عبدالرازق الذي أكد خلو الصحف الرياضية من خبر مباراة الفريق القومي مع نظيره المالي في المباراة النهائية المؤهلة لنهائيات كأس الأمم الأفريقية، بينما تصدرت منشتات الصحف الرياضية أخبار الهلال و المريخ ونتائج منافسات الدوري المحلي.
لقد شاهدنا الهجوم الأعلامي المصري الشرس عقب مباراة مصر والجزائر بالخرطوم، ورغم تجانف الأعلام المصري عن الموضوعية ، إلا أنه عكس حقيقة هامة ، هي أنه لا يقبل الهزيمة بأسم مصر، ولا يقبل الأستهزاء بها أو التقليل من شأنها، لأنه ببساطة لا توجد في أدبياته قصيدة بعنوان (ملعون أبوكي بلد). وقد دعت هذه الشوفونية الأعلام الرياضي المصري الي أجترار وتلفيق قصص غير واقعية عن أعتداءات جزائرية دموية متوهمة ضد فريقهم ومشجعيهم. لقد أستطاع الأعلام المصري بذكاء أن يخرج المباراة من المستطيل الأخضر، إذ لم يتحدث أحد عن ملابسات المباراة في التسعين دقيقة التي جرت داخل الملعب،وتم نقل المعركة وتصويرها كأنها أعتداء علي شرف وكرامة مصر. وبطريقة غير مباشرة هيأ الأعلام المصري الشارع الرياضي لأستضمار روح الثأر، وصور مباراة مصر والجزائر في أنجولا كأنها معركة لرد الشرف والكرامة الوطنية،فنال ما أراد وتجلي ذلك في الهزيمة التاريخية للمنتخب الجزائري في كأس الأمم الأفريقية أربعة صفر. في المقابل للأسف ، نحن نقبل وبل بعضنا يحتفي بهزيمة فريقنا القومي إذا غلبت علي تشكيلته لعيبة أحد فريقي القمة. لقد شاهدنا الجمهور المصري في الحواري والمدن والميادين العامة والمقاهي يشجع، ويهتف ويغني ويؤازر فريقه كأنه يشاهد المباراة حية من داخل الأستاد، مما يجعل اللاعبين يستشعرون أهمية الفوز ومضاعفة الجهد.. لقد فازت مصر بكأس الأمم الأفريقية بلاعبين من الدوري المحلي، حيث لا يوجد في صفوف المنتخب سوي لاعب واحد محترف في الدوري الألماني وهو محمد زيدان، ولاعب آخر في الدوري السعودي، وأستطاعت بهؤلاء اللاعبين أن تسحق وتقهر أكبر وأعتي الفريق الأفريقية التي تضم أسماء لامعة من المحترفين في الأندية الأروبية، ونجحت في تعويض الفارق المهاري والتكتيكي، بالتصميم والأرادة، وحب الوطن حيث يقف من خلف الفريق شعب يشجع منتخبه منتصرا أو مهزوما، ويشجعه في الحواري، المقاهي والمدن والنجوع دون شرط طالما يلعب بأسم مصر . عندما فازت مصر علي الكاميرون بعد مباراة ملحمية وتأهلت الي دور الأربعة ، خرج أحد المواطنين المصريين من كافتريا البيت المصري بأم درمان، وهب رافعا علم بلاده وهاتفا بحب مصر..ومن ثم أعتلي ركشة، مرفرفا بعلم بلاده والدموع تنهمر من عينيه فرحا بطريقة هيسترية وسط دهشة السودانيين الذين تبادلوا الأبتسامات الصامتة..
لقد أعترتنا غضبة مضرية عندما وصف بعض المحللين العرب أنجازات فريقي الهلال والمريخ ووصولهما الي درجات متقدمة في دوري الأبطال في القارة الأفريقية بأنها صحوة عابرة وظاهرة طارئة سرعان ما تندثر وتتراجع لعدم توفر مقومات الأستمرار والنجاح. ولعل في ذلك التحليل بعض الصواب لأن نهضة كرة القدم لا تعتمد فقط علي إستجلاب اللاعبين المحترفين، والأنفاق علي الفريق لخوض منافسات موسمية ، بل يعود ذلك كما ذكرنا الي التخطيط السليم طويل المدي، وتأهيل البنيات الأساسية والأستثمار في المستقبل بأنشاء المدارس السنية، أما النجاحات العابرة بشراء اللاعبين وأستجلاب المدربين الأجانب، والأنفاق علي الأعداد والمنافسات الموسمية لا يعدوا أن يكون علوقا للشدة أو تجميلا للعجوز الشمطاء بخضاب الحناء. وبالطبع فأن الرياضة جزء من منظومة الأنشطة الحياتية الكلية للمجتمع ، فأذا حدثت نهضة في الجوانب الأقتصادية، والأجتماعية والفنية والثقافية فأن الرياضية حتما ستنهض وتتطور أيجابا في محيط هذا الدفع العام، كما يربط البعض بين تطور الرياضة والقيادات الأدارية التي يفرزها المجتمع لتولي النشاط الرياضي، فكلما كانت القيادة الأدارية ذات أرتباطات تاريخية باللعبة كلما نجحت في الأداء ، وأحراز الأنجازات الرياضية ،فقد كان الكابتن صالح سليم رئيسا للنادي الأهلي وهو لاعب سابق في النادي ، كما يتقلد الآن الكابتن محمود الخطيب منصب نائب رئيس النادي، ولا يوجد أحد جاء لأدارة النادي من سوق أمبابة أو العتبة. وقد قدم الكابتن وسعادة السفير علي قاقرين في المقابلات التوثيقية الرائعة التي أجراها معه الأستاذ عمر الجزلي في برنامجه الشهير (أسماء في حياتنا) نصائح غالية للجيل الحالي من اللاعبين ، خاصة في علاقة الأحترام المتبادلة بين الأداري واللاعب ، حيث ذكر أنه لا يتذكر وجوه كثير من أداريي ورؤساء نادي الهلال، لأنه لم يجرؤ أن يحدق في وجوه أولئك الأداريين تقديرا وأحتراما.
لقد أنقدح في صدري أن السودان هو أمة في طور التكون والتخلق، وأن صيرورة التكون هذه تعتريها بعض التشظيات والجراحات،خاصة في طور الأنتقال من العصبيات القبلية الي الهوية الوطنية الجامعة. إن تطوير الرياضة يصب في تعضيد ممسكات الهوية الوطنية الجامعة، لأن الأنتماء القومي للرياضة قادر علي صهر التباينات والأثنيات والعرقيات والقبليات في أطار من التنافس القومي الشريف..فكما تجاوزت مصر أرهاصات الفتنة الطائفية لأحداث نجع حمادي بفوز الفريق الوطني المصري بكأس الأمم الأفريقية للمرة الثالثة علي التوالي، فأن الرياضة في السودان إذا قدر لها أن تنهض وتحرز أنجازات مرموقة علي المستوي الأقليمي والقاري، سوف تسهم في تعضيد ممسكات الهوية الوطنية الجامعة والتخفيف من غلواء العصبيات القبلية والأنتماءات الصغري و تغليب المصلحة القومية والهوية الوطنية الكبري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.