أن إطلاق سراح المعتقلين والمعتقلات، خطوة في الاتجاه الصحيح بغض النظر عن من أتخذها، سواء كان رئيس النظام عمر البشير، أو بإقتراح من صلاح قوش، الذي ربما يكون قد تعلم من الحياة وتجاربه، أن الاوطان لا تبنى بالقهر والبطش والقبضة الأمنية. . ! بل الاوطان تبنى بالصدق ووضوح الرؤية والانفتاح على الآخر في إطار الوطن الذي ليس حكراً او ملكاً لأحد، وهو ملك للجميع، بالتالي من حقهم ان يتمتعوا بالحرية والكرامة الانسانية والعيش الكريم ويمارسوا حقوقهم المدنية والسياسية، وهذه حقوق أساسية كفلتها كل الشرائع السماوية والقوانين الانسانية المعاصرة. إذن بهذا الفهم، نقول: أن إطلاق سراح المعتقلين والمعتقلات حق اصيل وليس منحة أو مكرمة من احد، والنظام عليه ان لا ينتظر من المطلق سراحهم او ذويهم او احزابهم ان يقولوا له شكراً، لان الناس جميعا ولدوا أحراراً ومن حقهم ان يعيشوا احرارا من الجوع والخوف والقهر . بجانب ان المعتقلين والمعتقلات المفرج عنهم، لم يرتكبوا جرما يستدعي ايداعهم السجون والمعتقلات، كل الذي فعلوه هو انهم خرجوا تضامنا مع شعبهم الذي اكتوى بالضائقة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها البلاد، بسبب انفراد النظام بالقرار لمدة تجازوت الربع قرن، فكان حصادها تردياً وخراباً على المواطن والوطن، لذلك على السلطة الحاكمة ان تقرأ الاوضاع الداخلية والخارجية اقليميا ودوليا قراءة صحيحة، وتتجه نحو البحث عن حلول حقيقية للازمة الوطنية بعيداً منطق الانفراد بالقرار، ودفن الرؤوس في رمال الوهم والغرور الّذي جعلها تتجاهل مطالب الشعب والقوى السياسية في اجراء إصلاح سياسي حقيقي يقود الى استعادة الديمقراطية، والإقلاع عن نهج الاستبعاد والاقصاء والتسلّط والعشوائية التي أدت الى اتساع الفجوة بين السلطة والشعب، وبين الأغنياء والفقراء، الامر الذي أدى إلى زيادة اعداد المهمشين سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. . ! ومغالاة في مظاهر التدين الشكلي دون التزام حقيقي بجوهر الدين. . ! وتقهقر دور الثقافة والمثقفين، وإنحسار تأثيرهم في المجتمع ، كما ساهمت وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية المقروءة والمرئية في تقديم صُورَة غير حقيقية عن المعارضة، وإظهارها بصورة مشوهة والاستهانة بها وعدم الاعتراف بحقها في التعبير والمشاركة في جهود البحث عن حلول تخرج البلاد من ازمتها التي لن يخرجها منها صلاح قوش، ولا الف صلاح قوش آخر. . ! إن الذي يخرج البلاد من ازمتها هو تغيير النهج والممارسة، والبحث الصادق والجاد عن حلول حقيقية تمكن البلاد من تجاوز الواقع الذي يحياه ويكابده الشعب، والذي هو ليس قدراً محتوماً عليه لا يمكن الفكاك منه، بل ربما كان الخلاص من هذا الواقع هو السبيل الوحيد للانطلاق نحو بناء وصياغة مستقبل يليق بالشعب السوداني والأجيال القادمة. وقد سبقتنا على هذا الطريق دول وشعوب ومجتمعات استطاعت ان تتجاوز واقعها المؤلم والتحديات التي كانت مفروضة عليها وبنت دولها ومجتمعاتها الحديثة. وربما كان علينا ان نتطلع للاوضاع في بعض دول أفريقيا التي قررت مغادرة واقع الازمة والصراع واتجهت نحو واقع الحل عبر تحكيم العقل والانفتاح على الآخر والالتزام بالديمقراطية والحرية، فلنأخذ العبرة من رواندا وبورندي وجنوب افريقيا وزمبابوي وإثيوبيا. وإن نظرنا بعيداً، فهناك الهند التي يعيش على ارضها خليط غير متجانس من الأعراق والديانات والانتماءات الاثنية المختلفة، الا انها استطاعت ومنذ استقلالها في أواخر أربعينيات القرن الماضي، ان تقيم تجربة فريدة ومتميزة في الديمقراطية لانها ببساطة استندت على المواطنة باعتبارها القيمة السياسية والاجتماعية التي تشكل حجر الزاوية في بناء الدولة الديمقراطية الحديثة. اذا كانت التجارب الناجحة لشعوب العالم تؤكد ان الواقع الذي ترزح تحته بلادنا ويعانيه شعبنا ليس قدراً محتوماً فإن خبرات الشعوب التي تغلبت على مشاكلها وحققت الاستقرار ، تعد ملهماً لنا علينا الاستفادة منه في مواجهة التحديات والعقبات والعراقيل التي تعترض طريقنا نحو بناء الدولة الوطنية الحديثة، بمزيد من الإنفتاح والصدق مع الذات والآخر للخروج من الازمة، الذي فيه كسب للجميع. ختامًا، التحية للمعتقلين والمعتقلات الذين ظلوا صامدين، وقد خرجوا مرددين: حريّة، عدالة، سلام ، الثورة خيار الشعب. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.