بعد توقيع اتفاقية أديس أبابا واختياره نائبا لرئيس المجمهورية قام أبيل ألير بجولة في الاقليم الجنوبي مبشرا بالسلام وطالبا من الناس الالتفات الي العمل ونبذ الفرقة والشتات والتعصب القبلي من أجل حياة أفضل، فقد جاءهم من سبأ بنبء عظيم وخير عميم وعهد جديد وغد سعيد، وكان ذلك أملا وحلما مستعصيا طالما ترقبوه فالسلام يعني لهم الأمان من الخوف، والخوف عدو الانسان التاريخي منذ أن كان في الغابة صيدا وصيادا، لكن الانسان في الغابة كان أحسن حالا لأنه كان يعرف أعداءه ويستطيع التحوط منهم والتفوق علي الأظافر والأنياب بعقله وأصابعه المرنة لاستعمال السلاح، وربما نشأت المجتمعات البشرية الأولي من خلفية الخوف والحاجة الي الأمن والأمان، وقد تعلم الانسان كيف يحمي نفسه من غضب الطبيعة ويسخرها لمنفعته، واسترق الحيوان وأسر الحيوانات المفترسة التي كانت تتغذى علي لحوم أسلافه وصنع لها الأقفاص في متنزهاته الفرجة، وانتصر علي الأمراض التي كانت تفتك به كالجدرى والطاعون ويستطيع الانتصار علي الأيدز والسرطان والايبولا والملاريا، لكنه فشل في التخلص من الخوف علي نفسه ورزقه وحريته، وليس للانسان الآن عدوا سوى أخيه الانسان وهو عدو أشد مكرا وخداعا وخبثا وبطشا وهمجية لأنه لا يأكل لحم أخيه الانسان انما يمتص دمه ويسرق عرقه ويمارس فيه السخره ولا يريده قويا فيتمرد ولا ضعيفا فيموت وجوع كلبك يتبعك. في غرب الاستوائية: المعروف ان المورو في غرب الاستوائية مزارعون ينتجون طعامهم بأيديهم ويبيعون ما يفيض عن حاجتهم لشراء مستلزماتهم الضرورية ولا يعرفون مهنة سوى الزراعة، والمورو كغيرهم من المزارعين في كل زمان ومكان تعلموا من التجربة ان لانتاج المحاصيل مواسم ومواقيت وان الطبيعة أمهم الرؤوم كثرا ما تخذلهم أو تغضب عليهم، لذلك فهم يجتهدون في تخزين الحبوب وحفظها ووقايتها من التلف والحشرات لتأمين أنفسهم ضد المجاعة، وربما تعلم الانسان ذلك من النمل والنحل والفيران، ويشتغل المورو بزراعة الذرة والبفرة والسمسم والفول السوداني والموالح والموز والباباى و اللوبيا والعدس البلدى ويعرفون بأفضل أنواع العسل الطبيعي بالاضافة الي تربية الماعز والبط والدجاج، ويستغلون أوقات الفراغ في صيد الأسماك والطيور والحيوانات البرية، ولو أن الزراعة في بلاد المورو وجدت قليلا من الاهتمام لأمكن ادخال كثير من المحصولات ذات القيمة النقدية والتصديرية العالية كالبن والشاى وزيت النخيل والمطاط الطبيعي، ولأصبح مستوى المعيشة في بلاد المورو أفضل من أى منطقة أخرى في الريف السوداني لتوفر الموارد الطبيعية، وفي الهند توفر الحكومة للمزارعين الآليات التي تعمل بطاقة الانسان أو الحيوان لانتاج حاجتهم من السلع المصنعة كالسكر وزيت الطعام وبيع الفائض في الأسواق المحلية، وقد استطاعت الهند بشهادة المنظمات الدولية اخراج 300 مليون نسمة من دائرة الفقر أى ما يساوى عشرة أضعاف سكان السودان. الموراوى الغصيح: في مندرى في حشد جماهيرى خاطب أبيل ألير المواطنين طالبا منهم الاهتمام بالزراعة لأنها الترياق الفعال ضد المجاعات التي تفتك بالناس في الاقليم الجنوبي، لكن هذا الكلام استفز الموراوى الفصيح لأنه كلام في غير محله ولا يكون الكلام مفيدا في غير موضعه ولكل مقام كلام، لأن الزراعة مهنة المورو الوحيدة التي ورثوها من أجدادهم وهم لا يعرفون مهنة سوى الزراعة، وماذا يفعل الموراوى اذا لم يحرث الأرض ويزرع الزرع ويتعهده بالرعاية والحماية من الطيور والحيوانات البرية؟ وهم لا يعرفون المجاعات، بل ان انتاجهم من الطعام يفيض عن حاجتهم ولا يوجد للفائض سوقا لعدم توفر وسائل المواصلات الي أسواق الأقاليم الأخرى في الجنوب والشمال، ولا يحتاج المورو لأفندى من أولاد المدارس والجامعات يأتيهم من الخراطيم لحثهم علي فلاحة الأرض وخدمتها، ومثل هذا الكلام يقال في ملكال وبور وأعالي النيل وبحر الغزال ومناطق الرعاة الذين يهتمون بتربية الماشية ويهملون الزراعة فتعصف بهم المجاعات، ولا شك ان كلام الموراوى الفصيح أستفز رجال الأمن وأثار غيظهم واعتبروه تطاولا وقلة أدب وتجاوزا لحدود اللياقة واستهانة بالسلطة، وهيبة السلطة تتحقق بثقة الناس فيها ولا تتحقق بالخوف منها والاحترام شعور متبادل فلا يكون الاحترام الا مقابل احترام الناس واحترام عقولهم، ولم يكن في وسع رجال الأمن التدخل فقد بدا أبيل راضيا ومعجبا بفصاحة الموراوى ووجاهة منطقه، وقد كان رجال الأمن يعملون في ظروف عصيبة وبالغة الدفة والحساسية فأى اهمال أو تقصير قد تترتب عليه نتائئج عكسية لأن قضية الحرب والسلام كانت معلقة بنجاح تللك الجولة التاريخية. وأعداء الديموقراطية ودولة المواطنة والمنتفعون من الحرب يتربصون باتفاقية السلام لافشالها. الحساسية الأمنية: يبدو أن جرأة الموراوى الفصيح وسماحة أبيل ألير وسعة صدره واعجاب الحاضرين وتصفيقهم شجع موراويا آخرا فرفع أصبعه طالبا الكلام لكن أبيل ألير اعتذر لضيق الوقت وطلب منه اللحاق به في المحطة التالية ليكون أول المتكلمين، وجاء ذلك بردا وسلاماعلي رجال الأمن، لكن كلام الموراوى الفصيج مر بسلام فماذا يدور في رأس هذا الموراوى؟ وقد يستغله دعاة الفتن والصراعات وأعداء السلام والنتفعون من الحرب، واتفق رجال الأمن في ان الحل الوحيد الممكن هو اعتقاله ومنعه من حضور اللقاء الجماهيرى المقرر صباح اليوم التالي في قرية كاريكا، وهكذا أمضي الموراوى المسكين يومه في حراسة شرطة مندرى، ولا شك أنها أسوأ حالا من حراسات شرطة العاصمة القومية، والحاسة الأمنية كثيرا ما تتحول الي حساسية أمنية زائدة فتقع التجاوزات وتتراكم الملفات المغلقة، وقد تنشأ من ذلك مضاعفات أمنية كان من الممكن تفاديها، وقد ينتج ذلك من ضغوط القمة علي القاعدة، وقد تحدث التجاوزات بسبب التنافس بين الأقران علي الترقيات والحوافز، ويتصرف كثير من رجال الأمن وكأنهم عمال في مصنع يحاسبون بالانتاج، ويسيء الكثيرون استخدام السلطة وينقصهم الانضباط والمسئولية المهنية والأخلاقية، ونظرا للسلطة التقديرية التي يمارسهر رجال الأمن فان اختيارهم وتأهيلهم عملية في غاية الدقة والأهمية، ومن الخظأ الاعتماد علي مستوى التعليم وان كان ذلك ضروريا لأن كثيرا من الناس بطبيعتهم البشرية وتركيبتهم المزاجية لا يصلحون لمثل هذه المهام الوطنية الططيرة، ويتجلي ذلك في غطرسة الشرطي وصلف الموظف العام، وأذكر ان مدى االاستجابة للاستفزاز كان مادة أساسية في اختبار رجال الشرطة المستجدين. في غرب الاستوائية: المعروف أن المورو في غرب الاستوائية مزارعون ينتجون قوتهم بأيديهم ويبيعون ما فاض عن حاجتهم في الأسواق المحلية لشراء مستلزماتهم الضرورية كسائر المزارعين في الشمال وفي كل زمان ومكان، وقد تعلم المزارعون من التجربة ان لانتاج المحاصيل مواسم ومواقيت وان الطبيعة أمهم الرؤم كثيرا ما تخذلهم أو تغضب عليهم لذلك فهم يجتهدون في صناغة حفظ الحبوب وحمايتها من التلف والحشرات والفيران لتأمين أنفسهم ضد المجاعات، وربما تعلم المزارعون ذلك من النمل والطيور والفيران، ويختص المورو بزراعة الذرة والبفرة والسمسم والفول السوداني والعدسي واللوبيا والموالح والباباى ويعرفون بأجود أنواع العسل الطبيعي ويشتغلون في أوقات الفراغ بصيد الاسماك والطيور والحيوانات البرية بالاضافة الي تربية الماعز والدجاج والبط، ولو أن الزراعة في منطقة المورو وجدت القليل من الاهتمام لأمكن توطين الكثير من المحصولات ذات القيمة النقدية والتصديرية العالية كالبن والشاى والأنناس وزيت النخيل والكاوكاو والمطاط الطبيعي ولآصبح مستوى المعيشة في بلاد المورو أفضل بكثيىر من أى منطقة أخرى في الريف السوداني لتوفر الموارد الطبيعية، وفي الهند توفر الدولة الأدوات والآلات التي تعمل بطاقة الانسان أو الحيوان ليتمكن المزارع من انتاج حاجنه من السلع المصنعة كالسكر وزيت الطعام والمربيات وبيع ما يفيض عن حاجته في الأسواق المحلية، وقد استطاعت الهند بشهادة المنظمات الدولية انقاذ ثلاثمائة مليون نسمة ما يساوى عشرة أضعاف سكان السودان من دائرة الفقر المدقع. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.