فات علي رجال الأمن ان أبيل ألير مثقف سوداني أصيل، وقبل أن يشتغل بالسياسة كان قاضيا كبيرا ومحاميا شهيرا، وان القضاة والمحامين الذين أفنوا شبابهم في خدمة العدالة أشد الناس حرصا علي احترام الحقوق العامة والخاصة وقواعد ومتطلبات العدالة، وان ذلك موضوع دراستهم في الجامعة وان طغت عليهم المسئولية السياسية وهي أيضا مسئولية وطنية وأخلاقية، لكنها تتأثر ولا تؤثر في حسهم المهني الذى يشكل مواقفهم وسلوكهم الاجتماعي ولا يمكن الفصل بين القانون والقيم الأخلاقية، لكن ذلك لا ينفي أن منهم أباليس من شياطين الانس الذين يتاجرون بعقولهم وضمائرهم ومسئوليتهم الوطنية والمهنية والأخلاقية، فقد فات علي رجال الأمن أن الوعد الذى حصل عليه الموراوى السجين من نائب رئيس الجمهورية أمام الجماهير أصبح نافذا تلقائيا وحقا لا يمكن التراجع عنه، وان تنكر أبيل ألير لوعده أشد ضررا بقضية الحرب والسلام من أى كلام يقوله ذلك الموراوى الأمي، وقد جاء أبيل ألير ليستمع الي الناس وهم أدرى بمشكلاتهم الحياتية ولا مجال في منظور رجل كأبيل ألير لما يسمي باللقاءات التنويرية في النظم الشمولية حيث يتحدث المسئولون والناس يستمعون، ولو أن رجال السياسة ومنذ لاستقلال كانوا يستمعون بقدر ما يتكلمون ويحسون بآلام الناس ومتاعبهم ويتجاوبون مع ميولهم وتوجهاتهم ويهتمون بقبولهم واحترامهم ويستجيبون لآمالهم وتطلعاتهم الي حياة أفضل ويعترفون بسيادة الشعب ومرجعيته وحاكميته لما كانت الحرب التي فرضوها عليه خمسين عاما وملايين الضحايا والأرامل والأيتام والنازجين والمشردين في الأرض، ولما أجهضوا اتفاقية أديس أبابا بعد عشر سنين من السلام في الجنوب واتفاقية كوكادام واتفاقية الميرغني قرنق واتفاقية مشاكوس واتفاقيات جيبوتي والقاهرة وأبوجا والدوحة وموضوعها الديموقراطية ودولة المواطنة والسلام والأمن والاستقرار، ولما انتهي ذلك الي انهيار الثقة في الطبقة السياسية والنخب السودانية التي لاتعترف بأن العهد كالصلاة كان كتابا موقوتا، فلم يكن للناس في السودان كلمة في قضايا الحرب والسلام، والأمن والاستقرار شرط في التنمية المستدامة، ويقول أرسطو ان الأمن والرخاء والفراغ شرط في ازدهار وتطور الحياة الاجتماعية، وفوجيء رجال الأمن بأبيل ألير في كاريكا يقتتح اللقاء الجماهيرى طالبا من الموراوى الذى رفع أصبعه في مندرى أن يتقدم الي المايكرفون ويقول مايريد، وهكذ أجبر رجال الأمن بارسال عربة لاحضاره من حراسة الشرطة في مندرى، لكنه رفض الكلام وبعد الحاح من أبيل ألير قال انه رفع أصبعه في مندرى فأدخلوه الحراسة فماذ يحدث له الآن اذا فتح فمه؟ وقد أضر ذلك بقضية التغيير وكان كبوة من كبوات جياد الأمن لكن واقعنا الآن لا يحتمل الكبوات والأخطاء،وعندما كان الأمير نقد الله رئيسا للتجمع بالداخل كان يرى ان المقاومة المسلحة في الخارج لا جدوى منها بدون العمل الجماهيرى بالداخل. الانقاذ في الميدان: الآن بعد أربعين عاما من انهيار اتفاقية أديس أبابا أصبح في مقدور القيادات السياسية والأمنية العليا في الخرطوم متابعة الأحداث لحظة بلحظة وتلقي التقارير وارسال التعليمات، لكن الانقاذ نظام اخطبوتي متعدد الأذرع والرؤس لأنها كرش فيل لا تعرف قشة مرة ولكل قشة في كرش الفيل نغمتها ورائحتها وان كان ذلك يخرج من عادم واحد، والاتقاذ شركة استعمارية تذكرني بشركة الهند الغربية، والمؤسسون قادة الجبهة الاسلامية الذي يمتلكون تسعين في المائة من عدد الأسهم وعشرة في المائة للبرجوازية السودانية وهي كقارون رجل الأعمال اليهودى الذى انحاز الي الفرعون ضد موسي للاستفادة من فضول السلطة، وأى اتفاق مع الانقاذ يحتاج الي اتفاق غير ممكن داخل الانقاذ بدليل ان الاتفاقيات كانت حبرا علي ورق وحبالا بلا بقر، وليس في الانقاذ معايير وقيم مركزية حاكمة وهي أشبه بكونقدرالية أيدولوجية وقبلية وجهوية والحشاش يملأ شبكته، وكل مسئول ينطلق من من مصالحه الخاصة ومزاجه الخاص وحالته النفسية ومفهومه الخاص في غياب المؤسسية ودولة القانون وغياب المسئولية الوطنية والأخلاقية، لكن التمكين يرتبط بالزمان والمكان بمعني الوطن، وأصبح الوطن في كف عفريت يكون أو لايكون، فقد تحترق العظمة التي عليها يتصارعون وقد تتفتت الكيكة ولا يتبقي منها شيء يؤكل وينتفي الزمان والمكان ويصبح السودان في خبر كان ، والسودانيون الآن يشكون من الضياع ويتخوفون ويحسون بالأخطار التي تحيط بهم لكنها شكوى الجريح الي الغربان والرخم، وخير مثال لمأساة الشعوب السودانية المغلوب علي أمرها ما قاله مبارك القاضل لتبرير مشاركة حزبه الأمبوبي في السلطة بخدمة جماهير الحزب، والأحزاب مؤسسات قومية موضوعها السودان والسودانيين وليس نقابات واتحادات مهنية، وكان مبارك الفاضل رجل الجبهة الاسلامية في حزب الأمة بدليل أنه عندما كان وزير الداخلية في حكومة الصادق المهدى منع وفدا من أساتذة جامعة الخرطوم من السفر الي أديس أباب لمباركة اتفاقية كوكادام التي وقعها الصادق المهدى وعارضتها الجبهة الاسلامية، ولماذا كان الصادق المهدى زاهدا في تأييد اساتذة جامعة الخرطوم وهم محل ثقة الرأى العام في السودان سؤال أجاب عليه الصادق المهدى بالتحالف مع الجبهة الاسلامية. التاريخ يعيد نفسه: نحن الآن كما كنا بعد انهيار اتفاقية أديس أباب بعد عشر سنين من السلام في الجنوب، وكما كنا في نهاية القرن التاسع عشر شتاتا متنافرا من القوميات والقبائل استطاع الاستعمار البريطاني أن يصنع منه أمة ووطنا كان أكبر الدول في أفريقيا والشرق الأوسط مساحة وأغناها بالموارد الطبيعية وأكثرها رخاءا وازدهارا وعلما ومعرفة، ولدى أعداء الديموقراطية ودولة المواطنة الذين يخافون علي مصالحهم وسلامتهم الشخصية من القوة مايكفي لاشعال مزيد من الحرائق في السودان، وكانوا يلتقون مع تلاميذهم في الجنوب الذين أغراهم البترول في دولة مستقلة فقد كانوا وزراء بتاع لعب وبتاع حيوانات، ويبدو صلاح قوش الآن أقوى رجل في السودان فهل يستطيع تفكيك الشركة الاستعمارية والتحالف القائم بين الفساد والتورط والمصالح الخاصة والهوس الغلو الديني؟ لكن القوة نسبية ولم تكن أميركا في فيتنام وأفغانستان قوة مطلقة لأن المطلق هو الله فاطر السموات والأرض، وصلاح قوش تلاحقه لعنة أهله في أمرى والحامداب الذين كان شريكا في نفيهم من شاطيء النيل الي صحراء الملتقي ووادى المقدم وهو أمارى من المناصير وزورى في بلاد الشايقية وقد شاهدت قصره في قرية التكر شمال الخزان فكم لديه من القصور في الداخل والخارج والحسابات الدولارية في بنوك شرق آسيا والصين؟ وتلاحقه عمولات البترول التي لاحقت نميرى وبهاء الدين وشريف التهامي فهل يستطيع التطهر بالوفاء ليد سلفت ودين مستحق، مداخلة: في الحلقة الأولي زاغت مني الفقرة الثانية فأعدت طباعتها ولا أعرف كيف ولماذا زاغت وتكررت في التص النهائي قأنا اعتمد علي امكانياتي الفنية المتواضعة. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.