أظهرت صور متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي عشرات الطلاب من إقليم دارفور يؤدون امتحانات الأساس – النقل إلى الثانوي – وهم يفترشون الأرض تحت هجير الشمس. فتيات وفتيان يبدو عليهم الانهماك في الإجابة عن أسئلة الامتحان، وكل منهم يحاول اتخاذ وضعية تريحه في الجلوس وتسهل عليه الإمساك بالقلم وتثبيت ورقة الأسئلة وورقة الإجابة ومن ثم كتابة الحلول المفترضة، وقريبا منهم يقف المعلمون "مراقبو الامتحانات"، الذين تعكس ملامح وجووههم شيئا من الانكسار والعجز؛ إذ كيف يمكنك أن تطالب تلميذا بالتفوق في ظل وضع مثل هذا الوضع المذري والمخجل؟ البيئة المدرسية المناسبة والصحية إحدى الركائز الأساسية لأي عملية تعليمية ناجحة. ومن المعلوم الآن أن التصميم الهندسي للمدارس وشكل الفصول الدراسية، وما يضمه الفضاء المدرسي من معامل علمية وميادين رياضية وساحات ألعاب ومسارح ومسابح، وربط كل هذا بنسب محسوب بدقة علمية لعدد الطلاب المستوعبين في المدرسة المعينة؛ يأتي كل هذا – وأكثر - ضمن الخطط التعليمية لأي دولة تحترم مواطنيها وتصبو إلى مستقبل آمن لأبنائها يتحقق فيه بتوازن النجاح الأكاديمي والصحي والنفسي بما يضمن مستقبلا تقوده أجيال ناجحة مهنيا واجتماعيا، متصالحة مع ذواتها ومع مجتمعاتها. فالتعليم – لدى هذه الدول – هو أساس كل شيء، ومن خلاله تبني هذه البلدان خططها التنموية لعشرات السنوات المقبلة، فهي قد أعدت وفقا لمناهج علمية وتربوية قادة المستقبل المدني والسياسي والرياضي والفني والعسكري، وشحنتهم بحب "الوطن" وغرزت فيهم قيم العمل والتخطيط والعلمية وأشاعت بينهم منذ وقت مبكر مبادئ المساواة والمواطنة والحرية. في الخرطوم وبعض مدن الولايات انتشرت ظاهرة المدارس الخاصة والمدارس الأجنبية، ويحاول ملاك هذه المدارس إيهام أولياء الأمور بأنهم يقدمون خدمة تعليمية متقدمة ومتميزة تقترب في نظامها من نظم التعليم في الدول المتقدمة، سواء من حيث المناهج عن طريق التركيز على اللغات الأجنبية وشيء من الموسيقى أو من خلال المباني الفخيمة وسيارات الترحيل الحديثة، وقد يكون بالفعل ما تقدمه هذه المدارس متقدما ويعد الطلاب أكاديميا بصورة ممتازة، لكنه في العمق لا ينتج ذلك المواطن المتسق مع متطلبات وطنه من حيث الانتماء والالتصاق بالأرض والتساوي مع الآخرين؛ فهذا كائن منفصل، مميز، معد فقط للنجاح الفردي الخاص، بعيدا عن الآخرين الذين يدرسون في تلك "الحيشان" الحكومية الكالحة ناهيك عن أولئك الذين يفترشون الأرض ويستقبلون لظى الشمس برؤوسهم العارية وهم يؤدون امتحاناتهم. لا أتوقع أن مثل هؤلاء التلاميذ، طلاب العراء والشمس الحارقة، سيخرجون من هذه التجربة ب "الذكرى الطيبة" وإن نالوا المراتب الأولى في امتحانات الشهادة وتخرجوا من أفضل الجامعات، فما سيذكرونه وإلى الأبد أن "الجهات المسؤولة" تركتهم هكذا في العراء وليحدث لهم ما يحدث. كتب أحدهم على موقع "فيس بوك" معلقا على الصور المنتشرة: "العار لنا جميعا"، وصدق الرجل في ما قال. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.