بعد 130 عاما من صدور أول عدد لها أقرّت مجلة "ناشيونال جيوغرافيك" الأمريكية بكل بساطة بأن تغطيتها السابقة للشعوب حول العالم كانت عنصرية!!.. رئيسة التحرير قالت في سياق هذا الاعتراف المدوي، إن المجلة تجاهلت الأمريكيين غير البيض وأظهرت الجماعات العرقية الأخرى على أنها بربرية أو غريبة، و"روجت كل أنواع الصور النمطية". وضمن أرشيف المجلة العريقة صورة عام 1916 لأحد السكان الأصليين لأستراليا عنوانها "سود من جنوبأستراليا: هؤلاء المتوحشون من أقل البشر ذكاء". ويقول إدوين ماسون، الأستاذ بجامعة فرجينيا، الذي طلبت منه المجلة دراسة أعدادها السابقة، إن ناشونال جيوغرافيك لم تفعل شيئا سوى دعم الرؤية العنصرية في مجلة ذات "نفوذ واسع". وقال إنه حتى السبعينيات تجاهلت ناشونال جيوغرافيك الأمريكيين غير البيض، ولم تظهرهم إلا كعمال أو خدم في المنازل. كما أشار ماسون أيضا لصور للسكان الأصليين للولايات المتحدة في تعاملهم مع التكنولوجيا الغربية، خالقة مقارنة بين "نحن وهم" وبين "المتحضر والهمجي". وإن تجاوزنا عنصرية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لا يمكن تجاهل تأثير عنصرية الإعلام فترامب فترته الرئاسية موقوتة وأذاه موقوت – ما لم يسع إلى تعديل الدستور مثل الرئيس الصيني ليبقى رئيسا مدى الحياة وهي بالتأكيد رغبة جامحة لديه - بينما عنصرية الإعلام الأمريكي مستمرة وبأشكال مبتكرة. وعنصرية ترامب لا يخفيها أو يستحي منها، إذ نعت شعوب القارة الإفريقية بالشعوب القذرة التي لا يجب أن تأتي إلى أمريكا مما استدعى الأمر أن يستقيل أحد سفرائه في إفريقيا ويتوارى خجلا من فعلته. من مشاكل الملونين خاصة الأفارقة وقارتهم التي ما فتئت ترزح تحت وطأة نظرة سلبية للإعلام الأمريكي والغربي عموما مشبعة بصورة ذهنية مشوّهة منذ عهود ما قبل الاستعمار. ولا تقتصر مظاهر الاختلال الإعلامي بين العالم الأول المتقدم والعالم الثالث - وإفريقيا جزء أصيل منه - على الجوانب الكمية في مجال التدفق الإعلامي فحسب بل تتضمن أيضا نوعية الرسائل الإعلامية. فهناك تركيز متعمّد على الجوانب السلبية مثل الأزمات والانقلابات والحوادث المؤسفة التي تقع في دول العالم الثالث، كما أن هناك تجاهلا شبه مُتعمّد لشتى النواحي الإيجابية والتطورات البناءة التي تقع هناك. وربما ينسجم هذا التهميش الإعلامي مع المكانة الثانوية التي تشغلها دول العالم الثالث في الأنظمة الاقتصادية والسياسية الدولية؛ فهذه الأنظمة الدولية بأجهزتها الإعلامية تقوم أساسا بإشباع احتياجات الدول المتقدمة بمكانتها المسيطرة، وتنمو على حساب الاحتياجات التنموية لدول العالم الثالث، وينظر إلى المؤسسات المتعددة الجنسية، وإلى الأهداف السياسية وسياسات المعونة الأجنبية المقدمة، من الدول المتقدمة إلى دول العالم الثالث في السوق الدولي، ونظام الاقتراض على أنها جميعها جوانب لظاهرة التبعية. وظلت وسائل الإعلام المؤثرة، وما تزال خارج سيطرة الدول الضعيفة؛ ففي الحقبة الاستعمارية التي شهدتها القارة الإفريقية كان الأوروبيون المقيمون بها يمتلكون وسائل الإعلام في دولها، وكانت خصائص هذه الوسائل وشخصيتها أوروبية الطابع، كما أن أجندتها الإخبارية والإعلامية كانت تهدف إلى خدمة أهداف الحكومات والأنظمة والدول الاستعمارية. وبسبب الخلل الإعلامي بين الدول النامية والدول المتطورة شكلت الأمانة العامة لمنظمة اليونسكو في 1977 وكان يرأس اللجنة الأيرلندي شون ماكبرايد. وأنجزت هذه اللجنة في 1980 تقريرا عن الخلل الإعلامي في العالم وعملت لقاءات وندوات وحلقات بحث لدراسة أوضاع الإعلام والاتصال في العالم. وتم إصدار التقرير في شكل كتاب (أصوات متعددة وعالم واحد الاتصال والمجتمع اليوم وغد). ورفضت واشنطن تقرير ماكبرايد بشدة بل هاجمت اليونسكو وتناولت معظم المقالات الافتتاحية للصحف الأمريكية الكبيرة مبدية تخوفها من إشراك اليونسكو في رسم سياسة إعلامية بالعالم. وطالبت تلك الصحف بانسحاب أمريكا من (اليونسكو) وبالفعل تم ذلك عام 1980 وتجاهلت التغطية غير المنصفة في الصحافة الأمريكية وجهات نظر الدول النامية. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.