صمتتْ وزارة الإعلام الإرتيريّة شهرين كاملين قبل أنْ تُصدِرَ بياناً حول الحشود العسكريّة السّودانيّة على الحدود معها، تحسّباً لطوارئ وخطط – حسبما صدر حينها من الحكومة السّودانيّة – رّبّما يكون لها علاقةٌ بقواتٍ مصريّة وأخرى تتبعُ للحركات الدّارفوريّة المسلّحة، فى قاعدة ساوا الإرتيريّة. البيان الوزارىّ الإرتيرىّ سمّى كلّ ذلك مسرحيّة ليس غير، مشيراً إلى أنّ قطر هى التى تدبّرُ ذلك وتحشدُ له العدّة والعتاد، منها ثلاث طائرات ميج بطياريْن قطرييْن وثالث إثيوبىّ تتخذ من كسلا قاعدةً لها تحت تصرّف جهاز الأمن والمخابرات السّودانىّ. البيان أشار إلى مسألةِ النّسيان كسلوكٍ سودانىّ معتاد ومنهج، لكنّه – البيان – يلّحُّ على أنّ إرتيريا لا تنسى، ولن تتغافل عن الخطط والتدابير المحاكة ضدّها من قبل دولة قطر، والتى تمهّد لتدريب الحركات الإسلاميّة المناوئة للنّظام فى أسمرا، وإعدادها لتنفيذ عمليات داخل الأراضى الإرتيرية. لكنّ السؤال هو لماذا صمتتْ إرتيريا شهرين، ولماذا عادت تنطق الآن؟ وما هو الجديد الذى أخرج وزارة الإعلام عن صمتها، واضعين فى الحسبان أنّ الكلام فى إرتيريا ليس مجانيّاً، محسوبٌ بميزان دقيق، قلّ أنْ يصدر عفوَ الخاطر، أو صدفةً؟ البيان لم يُشر الى أية قضايا جديدة، في الدوحة بالذات، دوناً عن بقية عواصم الخليج، على الرّغمِ من أنّ حيثيات التسبيب الحكومىّ السّودانىّ كانت قد أشارتْ إلى عواصم أخرى، ولو على سبيل التخفّى والتعمية، ولكنْ بعض الكتّاب والمحلّلين المحسوبين على الحكومة أوردوا عواصم خليجية أخرى. وهو ما يبعثُ على التساؤل الكبير المشروع ما الذى حشر قطر فى بيان وزارة الإعلام الإرتيريّة؟ وماهى مصالحها فى حربٍ بالوكالة ضدّ أسمرا؟ وإذا كانت التصريحاتُ والتلميحاتُ فى التأسيس السّودانىّ تجدُ مصالح مشتركةً بينها وبين محاولات زعزعة الأمن والإستقرار السّودانىّ، وتجدُ لذلك شواهدَ وبيّناتٍ واضحة من لدُن الدباباتِ وناقلات الجنود الأجنبية التى غنمتها قواتُ الدّعم السّريع فى معارك بشمال دارفور، وصولاً إلى عملاتٍ مزيّفة من فئة الخمسين جنيهاً السّودانيّة وحتّى حملاتٍ إعلاميّة مصكوكة مخابراتيّاً، فما الذى تمسكه إرتيريا على قطر؟ الأخبار تقول إنّ زيارةً سرّية غير معلنة حدثت من مسؤول إماراتىّ رفيع للسودان الأسبوع الماضى. سمع وقال وتفاهمَ وغير ذلك. متزامنةً مع زيارة الرئيس البشير إلى القاهرة، أو مقاربة لها من حيث التوقيت. والإمارات تخسرُ هنا وهناك فى القرن الإفريقىّ، من جيبوتىّ والصّومال فى مسائل مرتبطة بإدارة وتشغيل الموانئ. ثمّ تخسر فى الحصول على إمتياز الميناء الجنوبىّ ببورتسودان. على الرّغم من خطّتها المعلنة فى "طريق النّور" الذى يوازي طريق الحرير الصينىّ والذى يُعَدُّ إستراتيجيّاً بالنسبة للخليج العربىّ. وخطّته المعلنة تقولُ إبتداءً أنّه لابدّ من السلام مع إسرائيل وكسب ودّها ضامناً للصورة المستقبليّة للمنطقة. هل يحصلُ السّودان على جرعات تخديريّة من هنا وهناك ليغمض عينيه عن ما يجرى حوله؟ هل أزحنا عن كاهلنا الإنكتامات الضاغطة بيننا وبين مصر، لمجرّد عودة السفير واللجان الرباعيّة المشتركة والكلام السياسىّ الذين تبادله الرئيسان البشير والسيسىّ ؟ فى الوقتِ الذى يجرى فيه الحبر على ورقة بيان الوزارة الإرتيرية، تشير المعلومات إلى تقدّمٍ مضطرد على مستوى العلاقات السّودانيّة التركيّة ومن المفترض أنّ التقارب السّودانى التّركىّ ذاك سبّب أزمة وشتائم قشتالية مقذعة للسودان والسّودانيين من قِبَلِ جيران وأصدقاء، لأنّهم وجدوه يقوّض الإستراتيجيات ويجعلُ السّودان مجرّد متلاعب لا أكثر، لا سيّما وأنّ وزير خارجيته، بروف غندور صرّح أن السودان "لا يؤمن بسياسة الأحلاف". فى ذات الوقت تبدو العلاقات السودانية الروسيّة سائرةً فى الإتّجاه الصحيح خاصّةً بعد الأخبار التى تقول بقرب زيارة سيقوم بها بوتين للسّودان وحزمة من المشاريع التى سترى النّورَ قريباً. لا يبدو بيانُ وزارة الإعلام الإرتيريّة بعيداً عن هذه الأجواء، كما لا يبدو إرتيريّاً خالصاً. ثمّة أيادٍ ما، أدخلت أقلامها هنا وهناك. مما يقتضي نظراً فاحصاً، بحسب نصيحة جرير للفرزدق، لعلّ النّار تضيئُ لنا شيئاً، إنْ لم يكنْ حماراً مقيّداً. على كلٍّ فالأيّام القليلة القادمة ستكشف ماذا وراء البيان ومن كتبه ولماذا فى هذا التوقيت. فانتظروا إنّا معكم منتظرون. نشر فى صحيفة الاخبار عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. ///////////