عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. حديث الرئيس البشير مؤخراً فيما يتعلق بقضايا الفساد، يمثل رؤية ونهج جديد يبِّين الإرادة السياسية للدولة واتجاهها نحو محاربة الفساد في الفترة القادمة ، لكن الإرادة السياسية وحدها لا تكفي ، لأن استراتيجيات مكافحة الفساد تتطلب عدة آليات ، منها توفر الإرادة السياسية وإصلاح الخدمة العامة ، وتعزيز التعاون بين الأجهزة المختصة في الدولة ، ومراجعة السياسات والخطط والاجراءات والبرامج الموضوعة لمكافحة الفساد لتشمل الإصلاح القانوني وموائمة القوانين المحلية مع القانون الدولي ، وتعزيز التعاون بين الدول، ورصد ما ينشر في وسائل الاعلام والصحف عن قضايا الفساد وضرورة اضطلاع النائب العام بدوره في اتخاذ الإجراءات الجنائية حيال قضايا الفساد طالما ان الفساد جريمة ماسة بحقوق المجتمع وحقوق الفرد وخصماً على رفاهيته واستقراره وأمنه وتسهم في تقويض النظام الدستوري والقيم والعدالة والتنمية وسيادة القانون. والتشريعات الوطنية في مختلف دول العالم تُخضع جميع الأشخاص المقيمين على ارض الدولة (إقليم الدولة) الى احكام القانون الجنائي ، سواء كانوا مواطنين او مقيمين تكريساً لمبدأ إقليمية تطبيق القوانين الجنائية ، لكن هذا المبدأ يخضع لاستثناءات منها (الحصانة) ، والحصانة ظهرت قديماً في القانون الروماني بمفهوم ضيق جداً فيما يتعلق بالإعفاء من الضريبة ، وتطور هذا المفهوم في الفقه الدستوري حيث جاء لضرورات استقلال السلطة القضائية والسلطة التشريعية حتى تتمكن هذه السلطات من ممارسة دورها والقيام بأعمالها دون تأثير أو تدخل من أي سلطة أخرى في الدولة ، وتعتبر الحصانة إجراء استثنائي ينص عليها في القوانين واللوائح البرلمانية وقوانين السلطات القضائية ولوائحها ، لكن بعض الدول توسعت في هذه الحصانات بشكل مخيف ، حيث شملت الحصانات جهات عدة تنفيذية وغيرها ، مما شكل عبء على تحقيق العدالة والانصاف ، وتحصين غير مبرر لأشخاص لا تقتضي المصلحة العامة في الدولة تحصين أعمالهم بأي نوع من الحصانات ، والتوسع في مسألة الحصانة على حساب الغاية التي شُرِّعت من أجلها يؤثر على العدالة الجنائية ويُجهض مبدأ سيادة حكم القانون ويساعد على الافلات من العقاب ، وأصبح هناك نقاش قانوني موضوعي ومستفيض بشأن الحصانة ومبدأ المساواة امام القانون والتمييز بين أبناء الوطن الواحد أمام صروح العدالة . والحصانة في الفقه القانوني عموماً نوعين ، حصانة إجرائية وحصانة موضوعية ، فالحصانة الإجرائية سبب قانوني يحول دون إتخاذ إجراءات قانونية بصفة مؤقتة ضد شخص ما قام بارتكاب مخالفة قانونية تستوجب العقاب الا في حالة التلبس بارتكاب الجريمة ، وبسبب هذه الحصانة لا تستطيع "النيابة العامة" تحريك الدعوى الجنائية في مواجهة المستفيد من الحصانة إلاَّ بعد أخذ الإذن اللازم من الجهة التي حددها القانون، وهذا من شأنه تعطيل قيام الدعوى الجنائية في مواجهة الشخص المستفيد منها ، وبالتالي تصبح الجهة التي يتبع لها المستفيد هي صاحبة الفصل في إمكانية سحبها والغائها وتحد من صلاحيات النائب العام في إقامة الدعاوى الجنائية . والحصانة الموضوعية تعني عدم مسئولية أعضاء السلطة القضائية والبرلمانية عن الاقوال والأفكار والآراء التي تصدر منهم اثناء أداء عملهم ، وهي حصانة دائمة بحيث لا يجوز أن تتخذ النيابة العامة اجراءات جنائية في شأن الجرائم التي تقع من المستفيد منها، وهي مقرر للمصلحة العامة وتعتبر من النظام العام . والحصانات بمختلف أنواعها لا تعني بأي حال من الأحوال أن ألا يُطبّق القانون بحقّ من مُنح الحصانة ، بل يسري القانون على الجميع دون استثناء ، وإنما المقصود أن يطبق القانون بإجراءات تضمن سلامة المهام الموكلة للمستفيد منها ، واداء واجباته المهنية دون تخويف أو إعاقة أو مضايقة أو تدخل غير لائق. وفي ظل استشراء الفساد أصبحت بعض الأنظمة القانونية تتوسع في إستخدام الحصانات لتحصين بعض الفئات من أحكام القانون ويكونوا في منأى عن تطبيق الإجراءات القانونية في مواجهتهم ، مع أن الشريعة الإسلامية لا تحصن أي أحد – كائناً من كان – فيما يتعلق بالجرائم التي تمس حقوق العباد في توفير حياة كريمة ذلك بالاعتداء على الأموال العامة والاضرار بالاقتصاد الوطني وسرقة قوت المواطن البسيط . إتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد لسنة 2005م نصت في المادة (30/2) على أن: ( تتخذ كل دولة طرف وفقا لنظامها القانوني ومبادئها الدستورية ما قد يلزم من تدابير لإرساء او إبقاء توازن مناسب بين أي حصانات او امتيازات قضائية ممنوحة لموظفيها العموميين من اجل أداء وظائفهم وإمكانية القيام عند الضرورة بعمليات تحقيق وملاحقة ومقاضاة فعالة في الأفعال المجرمة وفقا لهذه الاتفاقية) ، هذه المادة من الاتفاقية أوجبت على الدول الأطراف موائمة قوانينها وتشريعاتها وتوازن بين الحصانات ومكافحة الفساد حتى لا تكون مسألة الحصانات عائقاً امام محاربة الفساد ، ذلك استشعاراً من الأممالمتحدة بان الحصانات تمثل عائقاً امام عمليات مكافحة الفساد ، خاصة وان الحصانة الجرائية البرلمانية تفترض نسبة عالية في التصويت على سحب الحصانة من العضو مما يؤثر على ضياع الأدلة وتعطل تحقيق العدالة الجنائية . النيابة العامة هي الجهة التي تمثل المجتمع ، ودورها في مكافحة الفساد بموجب القانون دور رئيسي وأساسي حيث نص قانون النيابة العامة: ( يولي أعضاء النيابة العامة الاهتمام الواجب بالدعاوى المتصلة بالجرائم التي يرتكبها موظفون عموميون ولا سيما ما يتعلق منها بالفساد وإساءة استعمال السلطة والانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان وغير ذلك من الجرائم التي ينص عليها القانون الدولي) ، لكن نجد أن إجراءات رفع الحصانة تحتاج الى وقت طويل ، وذلك يؤدي افلات الجناة من العقاب ، لذلك يجب مراجعة التشريعات المتعلقة بالحصانات لضمان سبل الإنتصاف السريع والوصول الى العدالة حتى لا يؤثر ذلك في جهود مكافحة الفساد .