عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. من المعلوم أن حق المتهم في الإستعانة بمحامٍ أو مترافع من متطلبات المحاكمة العادلة ، ومن الحقوق الأساسية للإنسان التي نصت عليها الاتفاقيات الدولية والمعاهدات والاعلانات الدولية ، ونصت عليها الدول في دساتيرها وقوانينها ، ومن الواجب على الدول في حال عدم قدرة المتهم على دفع تكاليف المحامي أن تقدم له المساعدة القضائية بتوفير محام على نفقتها ، وهذا الحق بالطبع يختلف من دولة لأخرى حسب ما تقرره الدولة في قوانينها ، حيث نص دستور جمهورية السودان الانتقالي المادة (34/6) على ما يلي: (يكون للمتهم الحق في الدفاع عن نفسه شخصياً أو بوساطة محام يختاره ، وله الحق في أن توفر له الدولة المساعدة القانونية عندما يكون غير قادر على الدفاع عن نفسه في الجرائم بالغة الخطورة) وأيضا نص قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991م فى المادة (135/1) على ما يلي: ( يكون للمتهم الحق في أن يدافع عنه محام أو مترافع) ، ومن الملاحظ أن القانون السوداني لم يوضح بجلاء حق المتهم في أن يكون لديه محام في مرحلة التحقيقات والتحري ، وجاء النص على الحق في الاستعانة بمحام في الباب المتعلق ب (المحاكمة) مما جعل الأمر مقصوراً على هذه المرحلة دون غيرها ، ولكن باستقراء النظم والأوضاع القانونية السائدة في العالم نجد أن هذا الحق يجب أن يبدأ منذ أن يواجه الشخص بإجراءات جنائية والاشتباه فيه ، لان مرحلة التحقيقات والتحريات تقوم عليها الدعوى الجنائية . وحق الإستعانة بمحامي في مرحلة التحريات والتحقيقات مهم وضروري لتمكين المتهم من إعداد دفاعه بصورة سليمة ، والطعن في مشروعية الإحتجاز قبل المحاكمة ، وتبصيره بحقوقه القانونية التي من ضمنها حقه في الصمت وحقه في الاتصال بأسرته ، وأيضا يحميه من التعرض للتعذيب او أي شكل من اشكال المعاملة القاسية او اللاإنسانية او المهينة ، وحمايته من أخذ أقواله بصورة غير مشروعة أو ملتوية سواء بالترغيب أو الاكراه او الخداع ، وعدم اكراهه على تقديم إعتراف ضد نفسه ، خاصة وأن بعض المتهمين قد لا يكونوا على إلمام تام بالقواعد القانونية المقررة ، وقد يخفي المتهم بعض الوقائع أثناء مرحلة التحقيقات لأنه يرى أن في إخفائها مصلحة له ، ويكون إظهار هذه الوقائع أثناء التحريات في مصلحته ومصلحة الدعوى الجنائية وقد تتسم إجراءات التحري ، حضور المحامي في مرحلة التحريات يعتبر ضمان لمراقبة تصرفات الأشخاص الذين يتولون التحقيق مع المتهم ، ويعمق من الثقة لدى المتهم في ان يدلي باقواله بحرية تامة ، بعض الأنظمة القانونية المقارنة أوجبت على الذي يتولى التحقيق في أن يخطر المتهم بحقه في الحصول على محام في هذه المرحلة وان يثبت المتحري ذلك في المحضر وان الاخلال بهذا الاجراء يبطل إجراءات الاستجواب ويعتبرها كأن لم تكن. الفقه الجنائي المقارن انقسم الى اتجاهين حول احقية المتهم في الاستعانة بمحام اثناء التحريات، الاتجاه الأول : يرفض الفكرة ويعلل لذلك بان هذا الحق قد يؤدي الى ضياع الحقوق والادلة ويهدر العدالة، لان المحامي قد ينصح المتهم بالصمت في هذه المرحلة وعدم الرد على أسئلة التحري . وان محضر التحري ليست له قيمة في مرحلة المحاكمة وهو لا يعدو الا كونه للاستئناس ولا يعتبر دليل ضد المتهم . وان مرحلة التحريات تتسم بالسرعة وان إقرار هذا الحق يؤدي الى إطالة الإجراءات واعاقة عمل التحري . الاتجاه الثاني يؤيد الفكرة ويرى ان التحريات الأولية لها دور كبير في الاثبات ويمكن للقاضي ان يستند على محضر التحريات الأولية في تكوين عقيدته وإصدار حكمه بناء عليها ، وان عدم الإقرار بحق المتهم في الاستعانة بمحامي اثناء التحريات فيه اجهاض للعدالة ويهدر حقه في الدفاع وان المتهم يكون متهما بمجرد اتخاذ إجراءات أولية في مواجهته والاشتباه فيه . وعلى الرغم من أن العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والإتفاقية الأوروبية لحقوق الانسان والميثاق الافريقي لحقوق الانسان والاتفاقية الامريكية لحقوق الانسان لم يشر الى حق المتهم في الاستعانة بمحام في مرحلة التحقيقات والتحريات ولكن الاحكام التي تضمنتها هذه الاتفاقيات والمعاهدات فيما يتعلق بالحق في الاستعانة بالمساعدة القضائية تنطبق على مرحلة التحقيقات والتحريات ولا تقتصر على مرحلة المحاكمة وفقاً للمبدأ رقم (1) من المبادئ الأساسية بشأن دور المحامين التي أعتمدت في مؤتمر الأممالمتحدة الثامن لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المعقود في هافانا 1990م : ( لكل شخص الحق في طلب المساعدة من محام يختاره بنفسه لحماية حقوقه وإثباتها، وللدفاع عنه في جميع مراحل الإجراءات الجنائية) ، والمبدأ (17/أ) مجموعة المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن المعتمدة بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (43/173) 1988م ( يحق للشخص المحتجز أن يحصل على مساعدة محام ، وتقوم السلطة المختصة بإبلاغه بحقه هذا فور القبض عليه وتوفر له التسهيلات المعقولة لممارسته). وبما ان هناك تعديلات مرتقبة على قانون الإجراءات الجنائية ، نتمنى من المشرع السوداني ان ينص صراحةً في القانون على حق المحامي في الحضور والظهور مع المتهم أثناء مرحلة التحريات مهما كانت نوع الجريمة وحجمها إعمالا لمبدأ حق المتهم في محاكمة عادلة ، وأن يكون حق الإستعانة بمحامي في مرحلتي (التحري والمحاكمة) مبدأ عام من المبادئ التي يقوم عليها قانون الإجراءات ، وأيضاً تعديل قانون المحاماة لتمكين المحامي من الظهور أمام الشرطة وجهات الضبط الأخرى بصفة رسمية كحق قانوني باعتبار ان الإجراءات الجنائية في مواجهة المتهم تبدأ من جهات الضبط والنيابة العامة ، وحق الاستعانة بمحام في مرحلة التحريات يعتبر جزء من متطلبات حقوق الدفاع التي نصت عليها جميع المواثيق والاتفاقيات والأعراف الدولية .