تستضيف الجزائر العاصمة، هذه الأيام الاجتماع العربي لدول جوار ليبيا المكون من أربعة دول هي السودان مصر تونسالجزائر، والغريب في هذا الاجتماع هو غياب السودان عن الاجتماع الرامى إلى بحث تطورات الأزمة الليبية والتداعيات الأمنية على دول المنطقة فضلا عن مسار الحل السياسي، ويجتمع جيران ليبيا العرب مرة أخرى بالجزائر وبرعاية الأممالمتحدة وجامعة الدول العربية وسط تأكيد ضرورة مرافقة الليبيين باتجاه السلم وإنهاء الأزمة التى تضرب البلاد منذ 2011 ، حيث يعرض المشاركون للتهديدات التى تواجه المنطقة بما فى ذلك تنامى نشاطات الجماعات والمنظمات الإجرامية والهجرة غير الشرعية والجريمة المنظمة، كما استضافت الشقيقة الجزائر منذ ديسمبر 2016 سلسلة من اللقاءات مع مسئولين ليبيين من أجل تقريب الرؤى. ويبدو أن غياب السودان أصبح مقننا حيث تطلق وسائل الاعلام المصرية مثلاً على إجتماع دول جوار ليبيا (الرباعي)، بأنه الاجتماع الوزاري (الثلاثي) لدول الجوار العربي لليبيا، وتصفه بالاجتماع الجديد الذي يجمع بين مصر وتونسوالجزائر، دون أي ذكر للسودان، وتقول أنه في إطار الاجتماعات الدورية الآلية لدول الجوار العربي لليبيا، والتي تعقد بين الدول الثلاث بصفة مستمرة للتباحث بشأن آخر مستجدات الشأن الليبي، وسبل دعم الأشقاء الليبيين على الصعيدين السياسي والأمني من أجل تحقيق التوافق الوطني المنشود والدفع بالحل السياسي، ودعم جهود إقرار الأمن والاستقرار ومكافحة (الإرهاب) بالبلاد. ومعلوم أن منظومة دول جوار ليبيا ما زالت مؤثرة في الأزمة الدائرة في هذا البلد، وتلقي بظلالها على الوضع في المنطقة برمته، وظل السودان حاضرا في معظم نشاطها، منذ عهد كرتي وغندور في وزارة الخارجية، ولا ندري هل غياب الدريري محمد أحمد عن هذه الاجتماعات تم عن قصد أم هو مسعى لاقصاء السودان عن هذه المنظومة التي لعب فيها وسيظل يلعب دورا مهما. ولا نحتاج أن نجدد التأكيد أن السودان من الدول المؤثرة جدا في منظومة دول جوار ليبيا، حيث استضافت الخرطوم الاجتماع الخامس لدول جوار ليبيا قبل عدة أعوام عندما السيد على أحمد كرتي وزيرا للخارجية، ومن أبرز ما تمخض عنه اجتماع الخرطوم آنذاك دعم مسار جمع الفرقاء الليبيين للجولة الثانية من الحوار بمدينة غدامس برعاية المبعوث السابق للأمم المتحدة إلى ليبيا الدبلوماسي الإسباني برناردينو ليون، كما قرر اجتماع الخرطوم منع تدفق السلاح إلى ليبيا من دول الجوار، وقد شارك في اجتماع الخرطوم وزراء خارجية كل من ليبيا والسودان ومصر وتونسوالجزائر وتشاد والنيجر، بالإضافة إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية آنذاك نبيل العربي وموفد من الاتحاد الأفريقي، بينما لم يشارك أي ممثل عن المؤتمر الوطني العام الليبي. وقد دعا وزير الخارجية السوداني آنذاك علي كرتي الفرقاء الليبيين إلى ضرورة حل الأزمة الليبية عبر الحوار بين كافة الأطراف التي تقبل بالحوار السلمي، وقال أن الوزراء المشاركين بالاجتماع أكدوا على الاعتراف بالحكومة الشرعية والبرلمان في ليبيا، وعلى أن يكون الحوار ليبيا داخليا. ومن أبرز ما قاله كرتي في اجتماع الخرطوم أن الوقت حان لإنهاء الصراع الليبي، مشيرا إلى إخفاق دول الجوار في تحقيق الاستقرار لليبيين، كما اتهم دولا لم يسمها بالتدخل في الشأن الليبي وتوسيع دائرة الصراع. وقد زار مبعوث الأممالمتحدة إلى ليبيا مارتن كوبلر الخرطوم لبحث الأزمة الليبية قبل أشهر، وهذه إشارة مهمة لقوة وحجم الدور السوداني، حيث أن كوبلز جاء لإجراء محادثات حيال الأزمة القائمة في ليبيا، والتقى وزير الخارجية آنذاك بروفسور إبراهيم غندور وعددا من كبار المسؤولين، حيث يناقش الجهود السودانية وجهود الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي لمحاولة حل الأزمة الليبية. وقد شهدنا محاولة للإنفراد بحل الأزمة الليبية أخيرا في توقيع وزراء خارجية مصر وتونسوالجزائر في فبراير قبل الماضي على إعلان تونس الوزارى لدعم التسوية السياسية الشاملة فى ليبيا، حيث أكد بيان الدول (الثلاث) أن تحركاتها تأتى اعتبارا لمكانة ليبيا كدولة جارة وعضو فى جامعة الدول العربية واتخاد المغرب العربى والاتحاد الإفريقى، وللروابط التاريخية التى المتينة التى تجمع الشعب الليبى بشعوب المنطقة من تواصل وتداخل مصير مشترك وانعكاسات حالة عدم الاستقرار فى ليبيا على دول الجوار المباشر المتمثلة فى فقدان الأمن وتفشى الجريمة العابرة للحدود، وأخطرها ما يسمى بالإرهاب والهجرة السرية. ولكن يبدو أن الدول (الثلاث) وصلت لطريق مسدود، مما استدعى من جديد الاستمرار في منظومة جوار ليبيا الكبرى في ظل ما آلت إليه الأوضاع الإنسانية والمعيشية للشعب الليبى نتيجة تعثر المسار السياسى وتداعياته على الوضع الإنسانى والخدمات العامة للمواطن الليبى، ونظرا للضرر البالغ الذى لحق ليبيا من حالة الانفلات والتراجع، وأنه من منطلق واجبات منظومة جوار ليبيا التاريخية التحرك بسرعة لدفع الليبيين لتجاوز هذا الانسداد وفتح آفاق جديدة للحل السياسى عبر حوار ليبى – ليبى بإسناد من هذه الدول وبرعاية الأممالمتحدة بهدف التوصل إلى تعديلات توافقية للاتفاق السياسى بما يضمن تنفيذه وفقا للآجال المضمنة فى إطاره. ونلاحظ أن اجتماع الخرطوم لدول جوار ليبيا والاجتماعات التي تلته قد أكدت على الدور المحورى لآلية دول جوار ليبيا والأممالمتحدة والهيئات الدولية والإقليمية، وكل تلك الاجتماعات تأخذ فى الاعتبار المبادئ الأساسية التى تم التوافق عليها فى الاجتماعات الوزارية العشر لدول جوار ليبيا المنعقدة بالقاهرة وانجمينا والخرطوموالجزائروتونس ونيامى، لإيجاد حل توافقى بين كافة الأطراف الليبية بمختلف انتماءاتهم وتوجهاتهم. كما أنه من المهم التأكيد على أن أي عمل لصالح إنهاء أزمة ليبيا المتطاولة ينبغي أن يركز على مواصلة السعى الحثيث إلى تحقيق المصالحة الشاملة فى ليبيا دون إقصاء فى إطار الحوار الليبى الليبى بمساعدة من دول جوار ليبيا وبرعاية من الأممالمتحدة، والتمسك بسيادة الدولة الليبية ووحدتها الترابية، والحل السياسى كمخرج وحيد للأزمة الليبية على قاعدة الاتفاق السياسى الليبى الموقع فى 17 ديسمبر 2015 بالصخيرات باعتباره إطارا مرجعيا والاتفاق على مساندة المقترحات التوافقية للأطراف الليبية، بما فى ذلك الحفاظ على وحدة الجيش الليبى وفقا لبنود الاتفاق السياسى الليبى للقيام بدوره الوطنى فى حفظ الأمن ومكافحة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود والهجرة السرية وغيرها. ولعل السودان باعتباره في قلب هذه المنظومة وواسطة العقد فيها يستطيع أن يقدم الكثير للأزمة الليبية، فالسودان مشارك فاعل في الثورة الليبية، ودعمها دعم مباشر معترف به ومشكور من جميع الاطراف الليبية، كما أن السودان يعتبر عمق استراتيجي لليبيا، ومساهم كبير في تخفيف تدفق الهجرة غير الشرعية إلى ليبيا وإلى أوربا من وراء ذلك، وهو ما جعل المبعوث الاممي مارتن كوبلر يسارع للوصول للخرطوم طمعا في مساهمة سودانية مقدرة في تخفيف تعقديات الازمة الليبية، وكخطوة استباقية لاجتماع الجزائر المتوقع في 8 مايو الجاري، كما أن المبعوث الأممي يحمل هموم القارة العجوز في الهجرة غير الشرعية، ونشاط تجار البشر في الحدود السودانية الليبية ، والذي أسهم في زيادة أعداد المهاجرين القادمين من القارة السمراء إلى أوروبا عبر ليبيا، حيث تشير المعلومات أن معظم المهاجرين يأتون من طريق الحدود السودانية. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. د. محمد خليفة صديق