البرهان    استهداف طائرات مسيرة قاعدة "فلامنغو" البحرية في مدينة بورتسودان فجر اليوم    "آمل أن يتوقف القتال سريعا جدا" أول تعليق من ترامب على ضربات الهند على باكستان    شاهد بالفيديو.. قائد كتائب البراء بن مالك في تصريحات جديدة: (مافي راجل عنده علينا كلمة وأرجل مننا ما شايفين)    بالفيديو.. "جرتق" إبنة الفنان كمال ترباس بالقاهرة يتصدر "الترند".. شاهد تفاعل ورقصات العروس مع فنانة الحفل هدى عربي    شاهد بالصورة.. المذيعة المغضوب عليها داخل مواقع التواصل تسابيح خاطر تنشر صورة حديثة وتسير على درب زوجها وتغلق باب التعليقات: (لا أرىَ كأسك إلا مِن نصيبي)    شاهد بالفيديو.. الفنان الدولي يدخل في وصلة رقص مثيرة مع الممثلة هديل تحت أنظار زوجها "كابوكي"    شاهد بالفيديو.. الفنانة مروة الدولية تعود لإثارة الجدل..تحضن زوجها وتدخل معه في وصلة رقص رومانسية وهي تغني: (حقي براي وملكي براي بقتل فيه وبضارب فيه)    إنتر ميلان يطيح ببرشلونة ويصل نهائي دوري أبطال أوروبا    الهند تقصف باكستان بالصواريخ وإسلام آباد تتعهد بالرد    برئاسة الفريق أول الركن البرهان – مجلس الأمن والدفاع يعقد اجتماعا طارئاً    والي الخرطوم يقف على على أعمال تأهيل محطتي مياه بحري و المقرن    ترمب: الحوثيون «استسلموا» والضربات الأميركية على اليمن ستتوقف    اعلان دولة الامارات العربية المتحدة دولة عدوان    عادل الباز يكتب: المسيّرات… حرب السعودية ومصر!!    الأهلي كوستي يعلن دعمه الكامل لمريخ كوستي ممثل المدينة في التأهيلي    نائب رئيس نادي الهلال كوستي يفند الادعاءات الطيب حسن: نعمل بمؤسسية.. وقراراتنا جماعية    مجلس الإتحاد يناقش مشروع تجديد أرضية ملعب استاد حلفا    من هم هدافو دوري أبطال أوروبا في كل موسم منذ 1992-1993؟    "أبل" تستأنف على قرار يلزمها بتغييرات جذرية في متجرها للتطبيقات    وزير الطاقة: استهداف مستودعات بورتسودان عمل إرهابي    أموال طائلة تحفز إنتر ميلان لإقصاء برشلونة    قرار حاسم بشأن شكوى السودان ضد الإمارات    بعقد قصير.. رونالدو قد ينتقل إلى تشيلسي الإنجليزي    ما هي محظورات الحج للنساء؟    شاهد بالصورة والفيديو.. بالزي القومي السوداني ومن فوقه "تشيرت" النادي.. مواطن سوداني يرقص فرحاً بفوز الأهلي السعودي بأبطال آسيا من المدرجات ويخطف الأضواء من المشجعين    توجيه عاجل من وزير الطاقة السوداني بشأن الكهرباء    وقف الرحلات بمطار بن غوريون في اسرائيل بعد فشل اعتراض صاروخ أطلق من اليمن    الأقمار الصناعية تكشف مواقع جديدة بمطار نيالا للتحكم بالمسيرات ومخابئ لمشغلي المُسيّرات    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدراما و العنصرية في السودان ... مسلسل عشم نموذجاً .. بقلم: د. عبدالله البخاري الجعلي
نشر في سودانيل يوم 26 - 06 - 2018

ماهذا الخاطر الغريب الذي ينتابني في هذه اللحظة وأنا أقف أمام هذه المرأة المكتنزة الجسد والحادة النظرات ، التي أخذت تقلب ناظريها بتأفف مابين أوراق شهاداتي و وقفتي المرتبكة و الخجولة أمامها و التي بدت لها مُستَفِزَةً بعض الشيء ؟
طال أنتظاري طويلا لتعليقٍ مِنهَا ، فحل الأضطراب في نفسي و قررت التظاهر بالتشاغل عنها والنظر لتلك اللوحة الكبيرة الذهبية اللون والتي عُلِقًت في حائط مكتبها من خلفها ، و ُكتِبَ عليها بيت أمير الشعراء أحمد شوقي الشهير ( إنما الأمم الأخلاق مابقيت ... فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا ) .
أسلمت نفسي لنجوى الضمير مع تطاول دقائق الأنتظار حتى أفر من النظرات القاسية لمديرة المدرسة ، فأخذ يعاودني شريط ذكرياتي المؤلم لتلك الأحداث الغريبة التي مرت على أسرتنا سريعا في الشهر الماضي .
كل الأوراق تبعثرت في وجه أبي ....
ليس أبي فحسب ، بل في وجوه الكثير من أرباب الأسر السودانية المغتربة عن أرض الوطن في المملكة ، بعد أن أعلنت السلطات السعودية عن زيادة كبيرة في رسوم المرافقين والتابعين للعمالة الوافدة بواقع مائة ريال سعودي رسماً شهرياً على كل مرافق أو تابع، ليصبح المبلغ 1200 ريال سنويا للفرد .
يومها قرر أبي و بعد جلسة مكاشفة أسرية بيننا أن ينهي رحلة دراستنا في المملكة ، و العودة سريعا مع بقية أخواني و أخواتي للألتحاق بالمدارس في السودان ، على أن يبقى هو وحيدا هناك يصارع وحش الحياة المريرة من أجل تأمين ظروف معيشية كريمة لنا في أرض الوطن .
و ماهي إلا أيام معدودات حتى كنت أجلس جوار أمي و أخواني و أخواتي في صالة المغادرة بمطار الملك خالد الدولي بمدينة الرياض في أنتظار الرحلة الأخيرة لنا من أرض المملكة و المتجه نحو الخرطوم بعد أن أنهى والدي إقاماتنا إيذانا بالعودة النهائية لأرض الوطن .
كنت أحمل جريدة الرياض ، أتحسس ملمس صفحاتها الناعم ، و أطالع أبرز عناوينها للمرة الأخيرة .
في الصفحة الأولى تتوسط صورة الملك أخبار قصيرة متفرقة ، وفي جانب الصفحة خبر لأمر ملكي بإعفاء مسؤول رفيع من منصبه ، و في أسفلها خبر آخر لأوامر ملكية أخرى لترقية عدد من المسؤولين .
وأما الصفحة الثانية فوجدت فيها أخبار محلية ، تصدرتها أخبار حملة "وطن بلا مخالف" وهو الشعار الذي رفعته المملكة العربية السعودية بهدف إنهاء الوجود غير الشرعي للأجانب على أراضيها و تخفيض عدد العمالة الوافدة .
بسبب هذه الحملة التي نفذتها إدارة الجوازات أُجُبِرَ عدد كبير من السودانيين للعودة قسراً للسودان ومواجهة شبح صعوبات الحياة المعيشية هناك ، ومنهم أنا و أسرتي الصغيرة .
صيت العودة لأرض الوطن سيء جدا جدا ......
كان مجرد ذكر كلمتي ( العودة النهائية ) في أحد المجالس أمامي ، يعني لي و للذاكرين من حولي أن بركانا من حمم الكوابيس و الأفكار السالبة و المشاعر اليائسة قد طفح على السطح فزاد من حرارة المكان الى حد الأختناق .
واصلت مسيري في تصفح الجريدة ، و في قلبها كانت صفحة المال و الأقتصاد ......
فيها قرأت تصريحات لوزير المالية السعودي محمد الجدعان يقول فيها إن على كل عامل وافد ومرافق في المملكة دفع مائة ريال سعودي شهرياً بدءاً من يوليو/ تموز وحتى نهاية العام الجاري.
و أنه ومنذ العام المقبل سوف تتضاعف هذه الرسوم لتصل إلى 400 ريال شهرياً عن كل عامل وافد ومرافق ، لترتفع في 2019 إلى 600 ريال شهرياً، و800 ريال شهرياً في عام 2020، إذ تعوّل الحكومة السعودية على تحصيل 65 مليار ريال سعودي من هذه الرسوم المفروضة على الوافدين .
أغلقت الجريدة بعد إكمالي لقراءة هذا الخبر والذي أنا بسببه سوف أعود لوطني مرغماً غير مخيراً ....
و فجاءة .....
أنقطع حبل أستذكاري للأحداث على وقع صوت المديرة العالي وهي تصرخ قائلة لي :
إنتِ هيي يا طالبة جاية ليه متأخرة شهرين بعد ما فتحت المدارس .
صمت قليلا ثم قلت لها بحرج شديد : ظروف أسرية يا أستاذة .
ردت علي بتهكم : ظروف أسرية ولا طردوكم من السعودية !
هنا لم أتمالك نفسي مع وقع كلماتها التي كانت كوقع الخناجر في صدري ....
رأيت دموع الحزن و الهزيمة و الأنكسار تنهمل من مقلتاي في مجاري خدي بغزارة و عفوية للمرة الثانية في أقل من شهر واحد .....
المرة الأولى كانت بعد أبتسامة ضابط الجوازات السعودي العريضة و هو ينهي إقامتي في المملكة من جواز سفري ، بما يعني له فيما يبدو أن حملة وطن بلا مخالف بدأت تجني ثمارها و تحقق أهدافها .
و الثانية حينما رأيت روح التشفي و السخرية و الأستهزاء تنضح بجلاء من عيون المديرة في أول يوم لي دراسي بعد العودة النهائية لأرض الوطن ، و هي تتهكم من حالي و حال والدي و حال كل أبناء العائدين من السعودية بعد حملة الأجراءات الأخيرة التي أتبعتها المملكة مع المقيمين بأرضها .
القارئ الكريم المشهد الذي سردناه أعلاه ليس من بنات أفكار أو خيال الكاتب ، ولكنه نقل حقيقي لوقائع أحداث حقيقية حدثت مع طالبة لأحد أبناء السودان العاملين بالمملكة في أحدى المدارس السودانية .
ولا أدري حقيقة ما حال البقية الباقية من رفقاءها الذين عادوا ، لن أقول لحضن الوطن ، ولكن لجحيمه ، لو أن لغة و نظرة المعلمين ( التربويين ) و لغة و نظرة العوام الذين يستقبلونهم أصبحت سيان ، و وصلت لهذا الدرك السحيق ...
قضية التعامل العنصري و السالب الذي يجده المغتربون و أبناءهم من قبل الدولة و المجتمع السوداني قضية و أزمة مزمنة و ليست بالجديدة ، و قد حاول الكثير من الكُتَاب والمثقفين التنبيه لها و الكتابة عنها لمحاولة تصحيح هذه العلاقة المختلة و المرتبكة و المتخمة بتبعات نفسية وأجتماعية سالبة و أعباء مالية قاسية على هذه الشريحة المهمة في المجتمع السوداني .
في خِضَم ذلك كان هناك حلم مشروع لأمل مشع راود المخرج الشاب الطموح محمد كمال لإعادة الطرق في نفس الباب و محاولة تعديل الصورة المقلوبة للمغترب السوداني في نظر الدولة والمجتمع ولكن في إطار درامي مشوق ، فكان مسلسل عشم الذي حقق نجاح كبير و قبول أكبر لدى المشاهد السوداني .
لم تكن قضية تصحيح الصورة السالبة للمغترب السوداني هي الهدف الأسمى الذي صارع محمد كمال و فريق المسلسل من خلفه كل الصعوبات لأنجاز هذا العمل الجميل من أجله .
فقد كانت هناك فيما يبدو رغبة شديدة منهم لإحداث اختراق كبير و تغيير ملموس في الصورة النمطية للدراما السودانية و المترسخة منذ أمد طويل في ذهنية المشاهد السوداني ، ثم محاولة نقلها رويدا رويدا لمصاف نظيراتها العربية من أجل جذب ولفت أنتباه المشاهد العربي لها .
يعلم معظم الدراميون وربما كثير من المشاهدين في السودان الظروف القاسية التي تحيط بهذه الصناعة ، وأنا هنا لا أريد تحميلهم كل اوزار تخلفها في بلدنا ، لأن حال السودان من حال الدراما يُغنِي عن السؤال .
إلا أنني أجد نفسي مجبرا على تحية كل أفراد أسرة مسلسل عشم على مجهودهم الكبير و الجبار لأخراج هذا العمل المميز بهذه الصورة البراقة ، و التي أحدثت تجديدا واضحاً و كسراً ضخماً للنمط القاتل الذي أعتدنا كمشاهدين رؤيته و توقعه من أي دراما سودانية .
ليس هذا فحسب .....
ولكني أرفع القبعات لهم مثنى و ثلاث و رباع أبتداءً من المخرج ومرورا بالمؤلف و المصور وأنتهاءً بالممثلين وبقية الطاقم الفني ، لروحهم الوطنية التي دفعتهم جميعا للعمل بجد ( وهم مجرد هواة ) في محاولة و رغبة شديدة للصعود نحو الأعلى و تقريب الشقة بين الدراما الوطنية و نظيرتها العربية عبر هذا المسلسل الجميل .
قررت أن أشاهد المسلسل بعد أن قام تلفزيون البي البي سي و موقع العربية نت و جريدة الشرق الأوسط بعمل تغطية خبرية عنه .
وأهتممت به أكثر بعد ظهور الأخ العزيز طارق الشيخ رفيق الدرب في سنين الدراسة بجامعة دمشق كأحد المشاركين بشركته تكوين في رعاية و مونتاج المسلسل .
بعد ذلك خرجت بتصور معين عن الجوانب الأيجابية و السلبية من هذا العمل من بوابة كاتب الرأي و المتذوق المشاهد .
مسلسل عشم أنبنت فكرته في رأيي الخاص على محورين ، محور أول ( أساسي ) تناول قضية أحوال المغتربين في منطقة الخليج عموما و المملكة خصوصا ، و آخر ( ثانوي ) يتعلق بقصة الحب التي تجذرت بقوة في أحداثها بين ثنايا المحور الأول .
فيما يخص المحور الأول ......
أستطاعت المؤلفة ببراعة شديدة أن تعيد للسطح طرح قضايا و هموم هذه الفئة المنسية بشكل أكثر جاذبية ولكنه أقل تشعبا و شمولا .
من خلال ذلك نجحت آلاء الشيخ (المؤلفة ) نجاحا باهرا في تسليط الضوء عليها كعنوان عريض أهتم به المسلسل ، و قضية محورية موجهة للمشاهد يجب في الأخير أن يُعنَى بها أي مواطن سوداني خصوصا الداخل المحلي و يعيد تشكيل نظرته حولها من جديد .
بعد ذلك و مع توالي مشاهدتك للحلقات تقودك آلاء من خلال عرضها للمشاكل التي تواجه ( أبو عبير ) الى نتيجة أو فرضية واحدة ربما لا ثاني لها وهي .....
أن المسلسل لم يستطع أن يعبر عن قضايا و هموم المغترب السوداني في منطقة الخليج بشكل شامل ، بقدر ما عبر عن ( جزء وليس كل ) قضايا و هموم المغتربين في المملكة العربية السعودية تحديدا .
فمشاكل التوظيف وربما أنعدامها في الوقت الحالي ، و أزمة السكن ، و إنهاء الخدمة ، و مشاكل نقل الأقامة من كفيل لآخر ، هي كل ماعرضه مسلسل عشم بالنسبة لقصص و مآسي و هموم المغتربين في الخليج . هذه المشاكل وعلى تواجدها و أهميتها لا تمثل في نظري إلا غَيضُ من فَيض مما هو موجود أصلا من قصص ، و هذا الأمر ربما أكون شخصيا أكثر شعورا و تقديرا و معايشة له بحكم أن الحياة قادتنا بصروفها للعيش في ثلاث دول خليجية مختلفة لفترات زمنية طويلة .
ومع ذلك يبقى الأهم عندي في الأخير أنني وبعد مشاهدتي للحلقة الأخيرة ، شعرت بقوة أن آلاء الشيخ و المخرج محمد كمال أرادا في المجمل عبر عكس جزء يسير من هموم و مشاكل المغتربين ، التركيز على فكرة محاربة النظرة التقليدية التي سُجِنَ في قَفَصِهَا المغترب السوداني سنين عددا من قبل الدولة و قطاعات المجتمع المختلفة في السودان ، والتي لا ترى فيه إلا شخص منسلخ من عاداته و تقاليده الوطنية ، أو تلك البقرة الحلوب التي يجب أن تدر مالاً حليبا ً على طول السنة .
هذا الأتجاه سار فيه و أكده و أشار له الممثل الشاب القدير معتز إلياس لدى أستضافته في العيد في قناة سودانية 24 حينما ذكر فيما ذكر .... ( أن المسلسل جاء عشان يغير نظرة ناس الداخل للمغترب في الخارج ، لأنه أسهل حاجة للزول القاعد جوة السودان يقول لي قريبه أو جاره أو صحبه ياخ جيب لي معاك أيفون وأنت جاي السودان ! ) .
أما فيما يخص المحور الثاني ......
فقصة الحب التي نسجت المؤلفة أحداثها كان أداء الممثلين لها في غاية الروعة و التلقائية ، بل أنني أرى أنها كانت الأضافة الأكبر في الأمر عبر توظيف هذه القصة الرومانسية لخدمة المحور الأول وهو طرح بعض قضايا وهموم أجيال أبناء السودانيين المقيمين في الخارج مثل الزواج و التعليم و البحث عن فرص عمل .
أما الحديث و الجدل البيزنطي حول الملابس التي أرتدتها الممثلات و المحاكمة الأخلاقية الهزلية التي حاول أن يديرها البعض فلا أظن أن المسلسل قد خرج كثيرا من المألوف في ما يعرض من ملابس الممثلين الدراما العربية المحافظة سواءً الشامية أو الخليجية أو حتى المصرية .
هذا الأمر لا يعني أن ننفي عن مسلسل عشم أنه كسر بجرأة الصورة الروتينية التقليدية المتخلفة التي فرضتها علينا دراما الداخل أو دراما الطيب مصطفي بتفاصيلها الفنية الغير واقعية و التي نفر منها حتى المشاهد المحلي و لم يعد يشاهدها إلا الممثلين أنفسهم و ربما أسرهم إن طاقوا لهذا الأمر إحتمالا .
هنالك مشاكل بنيوية في النص و السيناريو أشرنا لذلك أعلاه ولكن في ظني ليست بالقدر المزعج ، و يمكن معالجتها في الأعمال القادمة أن شاء الله .
ولكن يبقى الأهم هو دفع وتحفيز القطاع الخاص لأنتاج أعمال درامية نستطيع بها أن نجود المنتج الوطني الدرامي المقدم للمشاهد إذا ما أردنا أن يعرف العالم من حولنا ثقافتنا و نروج عبرها لأنفسنا خصوصا خلف هذه المجموعة من أبطال مسلسل عشم بعد مساحات الحب و القبول الواسع التي وجدوها من الشعب السوداني .
لفترات طويلة عاشت الدرما المصرية عقما فكريا و أدبيا و حتى إبداعيا خصوصا بعد رحيل الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة و الذي كان يكفي وضع أسمه في أي عمل أن يكسبه قيمة و معنى و بريقا أمام المشاهد العربي .
ولقد أسهم هذا الأديب الأريب في وضع الدراما المصرية في رأس الخارطة الفنية العربية عبر أعماله الكبيرة التي أثرت الساحة و المكتبة العربية وأغنتها حتى أضحت تلك الأعمال الفريدة من الكلاسكيات التي يتم عرضها مرارا و تكرارا و تحظى رغم ذلك في كل مرة بأعلى نسب مشاهدة و متابعة .
كان ما يميز هذا الهرم المصري الكبير أنه أتى لهذه الحقل الفني الدرامي من خلفية الكاتب الأديب الروائي ، و كانت تقف خلف كتاباته جهات أنتاجية كبيرة .
لذلك كنا نجد في مسلسلاته عدد ضخم من الشخصيات ، كل شخصية لها جذور وبدايات تبرر أفعالها أثناء الأحداث ، ثم بريشة الفنان يقوم برسم لوحته الكاملة من تناغم و تكامل كل هذه الشخصيات ، و تكون النتيجة ملحمة درامية تحبس الأنفاس و تسرق الألباب و تحتجزها الذاكرة في العقل لسنوات طويلة .
بعد رحيله عاشت الدراما المصرية حالة من التخبط و التوهان والعزلة لسنوات ليست بالقصيرة ، وأخذت العديد من الدول العربية تسرق أنظار المشاهد العربي من المنتج المصري مثل الدرما السورية و السعودية ، حتى طفت للعلن شركة أنتاج جديدة بأسم ( مجموعة فنون مصر ) أسسها محمد محمود عبدالعزيز أبن الفنان الراحل الكبير محمود عبدالعزيز ، و معه ريمون مقار و الهامي مقار .
ما لفتني لهذه المجموعة النهج التجديدي المميز و الذي قررت أن تتبناه في أنتاجها الدرامي .
أبتداءً من أختيار نصوص غزيرة و غنية المحتوى ، و مرورا بإتاحة الفرصة لعدد كبير من المواهب و الوجوه الجديدة الشابة لأثبات نفسها في الساحة الفنية ، و نفض غبار السنين و الأهمال عن ممثلين كبار أضحوا من مظاليم معظم شركات الأنتاج الدرامي ، وليس أنتهاءً بمحاولة أن يكون أي عمل له أرتباطات قوية بالواقع و الأحداث اليومية التي يمر بها المجتمع المصري و ما يكتنف ذلك من تحولات على الصعيد السياسي و الثقافي و الأجتماعي و الأقتصادي .
مسلسل عشم وضعنا في البداية الصحيحة لبداية عهد جديد للدراما السودانية بعد سنين من العزلة والقحط و الجفاف الفني التي حُكِمَ علينا أن نعيشها لعقود طويلة .
ويبقى العشم أن تتوافر في الأعمال القادمة كل عوامل النجاح التي تجعلنا نفتخر بأعمالنا الدرامية ، من جرأة و قوة و جودة وغزارة في النص ، ثم دعم مالي في الأنتاج ، و نقد هادف و بناء و أيجابي لهذا الجيل الجديد الذي أصبح ملهما لكل شاب سوداني طموح لتحقيق النجاح ..........
شكرا عبير و أبراهيم ناجي و حسن كسلا و ألاء و معتز و كل الكوكبة الجميلة الرائعة من الممثلين ......
شكرا صديقي محمد كمال و طارق الشيخ و كل فريق العمل .....
و يبقى العشم بيكم لي يوم بكرة أن شاء الله أكبر و أحلى .
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.