السودان شهد 6 آلاف معركة.. و17 ألف مدني فقدوا حياتهم    شاهد بالفيديو.. مذيعة تلفزيون السودان تبكي أمام والي الخرطوم "الرجل الذي صمد في حرب السودان ودافع عن مواطني ولايته"    مسيرات تابعة للجيش تستهدف محيط سلاح المدرعات    مصر: لا تخرجوا من المنزل إلا لضرورة    الملك سلمان يخضع لفحوصات طبية بسبب ارتفاع درجة الحرارة    واصل برنامجه الإعدادي بالمغرب.. منتخب الشباب يتدرب على فترتين وحماس كبير وسط اللاعبين    عصر اليوم بمدينة الملك فهد ..صقور الجديان وتنزانيا كلاكيت للمرة الثانية    الطيب علي فرح يكتب: *كيف خاضت المليشيا حربها اسفيرياً*    عبد الواحد، سافر إلى نيروبي عشان يصرف شيك من مليشيا حميدتي    المريخ يستانف تدريباته بعد راحة سلبية وتألق لافت للجدد    هنري يكشف عن توقعاته لسباق البريميرليج    تعادل سلبي بين الترجي والأهلي في ذهاب أبطال أفريقيا في تونس    باير ليفركوزن يكتب التاريخ ويصبح أول فريق يتوج بالدوري الألماني دون هزيمة    كباشي يكشف تفاصيل بشأن ورقة الحكومة للتفاوض    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    تمبور يثمن دور جهاز المخابرات ويرحب بعودة صلاحياته    مقتل مواطن بالجيلي أمام أسرته علي ايدي مليشيا الدعم السريع    محمد وداعة يكتب: معركة الفاشر ..قاصمة ظهر المليشيا    مصر لم تتراجع عن الدعوى ضد إسرائيل في العدل الدولية    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    يس علي يس يكتب: الاستقالات.. خدمة ونس..!!    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدراما و العنصرية في السودان ... مسلسل عشم نموذجاً .. بقلم: د. عبدالله البخاري الجعلي
نشر في سودانيل يوم 26 - 06 - 2018

ماهذا الخاطر الغريب الذي ينتابني في هذه اللحظة وأنا أقف أمام هذه المرأة المكتنزة الجسد والحادة النظرات ، التي أخذت تقلب ناظريها بتأفف مابين أوراق شهاداتي و وقفتي المرتبكة و الخجولة أمامها و التي بدت لها مُستَفِزَةً بعض الشيء ؟
طال أنتظاري طويلا لتعليقٍ مِنهَا ، فحل الأضطراب في نفسي و قررت التظاهر بالتشاغل عنها والنظر لتلك اللوحة الكبيرة الذهبية اللون والتي عُلِقًت في حائط مكتبها من خلفها ، و ُكتِبَ عليها بيت أمير الشعراء أحمد شوقي الشهير ( إنما الأمم الأخلاق مابقيت ... فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا ) .
أسلمت نفسي لنجوى الضمير مع تطاول دقائق الأنتظار حتى أفر من النظرات القاسية لمديرة المدرسة ، فأخذ يعاودني شريط ذكرياتي المؤلم لتلك الأحداث الغريبة التي مرت على أسرتنا سريعا في الشهر الماضي .
كل الأوراق تبعثرت في وجه أبي ....
ليس أبي فحسب ، بل في وجوه الكثير من أرباب الأسر السودانية المغتربة عن أرض الوطن في المملكة ، بعد أن أعلنت السلطات السعودية عن زيادة كبيرة في رسوم المرافقين والتابعين للعمالة الوافدة بواقع مائة ريال سعودي رسماً شهرياً على كل مرافق أو تابع، ليصبح المبلغ 1200 ريال سنويا للفرد .
يومها قرر أبي و بعد جلسة مكاشفة أسرية بيننا أن ينهي رحلة دراستنا في المملكة ، و العودة سريعا مع بقية أخواني و أخواتي للألتحاق بالمدارس في السودان ، على أن يبقى هو وحيدا هناك يصارع وحش الحياة المريرة من أجل تأمين ظروف معيشية كريمة لنا في أرض الوطن .
و ماهي إلا أيام معدودات حتى كنت أجلس جوار أمي و أخواني و أخواتي في صالة المغادرة بمطار الملك خالد الدولي بمدينة الرياض في أنتظار الرحلة الأخيرة لنا من أرض المملكة و المتجه نحو الخرطوم بعد أن أنهى والدي إقاماتنا إيذانا بالعودة النهائية لأرض الوطن .
كنت أحمل جريدة الرياض ، أتحسس ملمس صفحاتها الناعم ، و أطالع أبرز عناوينها للمرة الأخيرة .
في الصفحة الأولى تتوسط صورة الملك أخبار قصيرة متفرقة ، وفي جانب الصفحة خبر لأمر ملكي بإعفاء مسؤول رفيع من منصبه ، و في أسفلها خبر آخر لأوامر ملكية أخرى لترقية عدد من المسؤولين .
وأما الصفحة الثانية فوجدت فيها أخبار محلية ، تصدرتها أخبار حملة "وطن بلا مخالف" وهو الشعار الذي رفعته المملكة العربية السعودية بهدف إنهاء الوجود غير الشرعي للأجانب على أراضيها و تخفيض عدد العمالة الوافدة .
بسبب هذه الحملة التي نفذتها إدارة الجوازات أُجُبِرَ عدد كبير من السودانيين للعودة قسراً للسودان ومواجهة شبح صعوبات الحياة المعيشية هناك ، ومنهم أنا و أسرتي الصغيرة .
صيت العودة لأرض الوطن سيء جدا جدا ......
كان مجرد ذكر كلمتي ( العودة النهائية ) في أحد المجالس أمامي ، يعني لي و للذاكرين من حولي أن بركانا من حمم الكوابيس و الأفكار السالبة و المشاعر اليائسة قد طفح على السطح فزاد من حرارة المكان الى حد الأختناق .
واصلت مسيري في تصفح الجريدة ، و في قلبها كانت صفحة المال و الأقتصاد ......
فيها قرأت تصريحات لوزير المالية السعودي محمد الجدعان يقول فيها إن على كل عامل وافد ومرافق في المملكة دفع مائة ريال سعودي شهرياً بدءاً من يوليو/ تموز وحتى نهاية العام الجاري.
و أنه ومنذ العام المقبل سوف تتضاعف هذه الرسوم لتصل إلى 400 ريال شهرياً عن كل عامل وافد ومرافق ، لترتفع في 2019 إلى 600 ريال شهرياً، و800 ريال شهرياً في عام 2020، إذ تعوّل الحكومة السعودية على تحصيل 65 مليار ريال سعودي من هذه الرسوم المفروضة على الوافدين .
أغلقت الجريدة بعد إكمالي لقراءة هذا الخبر والذي أنا بسببه سوف أعود لوطني مرغماً غير مخيراً ....
و فجاءة .....
أنقطع حبل أستذكاري للأحداث على وقع صوت المديرة العالي وهي تصرخ قائلة لي :
إنتِ هيي يا طالبة جاية ليه متأخرة شهرين بعد ما فتحت المدارس .
صمت قليلا ثم قلت لها بحرج شديد : ظروف أسرية يا أستاذة .
ردت علي بتهكم : ظروف أسرية ولا طردوكم من السعودية !
هنا لم أتمالك نفسي مع وقع كلماتها التي كانت كوقع الخناجر في صدري ....
رأيت دموع الحزن و الهزيمة و الأنكسار تنهمل من مقلتاي في مجاري خدي بغزارة و عفوية للمرة الثانية في أقل من شهر واحد .....
المرة الأولى كانت بعد أبتسامة ضابط الجوازات السعودي العريضة و هو ينهي إقامتي في المملكة من جواز سفري ، بما يعني له فيما يبدو أن حملة وطن بلا مخالف بدأت تجني ثمارها و تحقق أهدافها .
و الثانية حينما رأيت روح التشفي و السخرية و الأستهزاء تنضح بجلاء من عيون المديرة في أول يوم لي دراسي بعد العودة النهائية لأرض الوطن ، و هي تتهكم من حالي و حال والدي و حال كل أبناء العائدين من السعودية بعد حملة الأجراءات الأخيرة التي أتبعتها المملكة مع المقيمين بأرضها .
القارئ الكريم المشهد الذي سردناه أعلاه ليس من بنات أفكار أو خيال الكاتب ، ولكنه نقل حقيقي لوقائع أحداث حقيقية حدثت مع طالبة لأحد أبناء السودان العاملين بالمملكة في أحدى المدارس السودانية .
ولا أدري حقيقة ما حال البقية الباقية من رفقاءها الذين عادوا ، لن أقول لحضن الوطن ، ولكن لجحيمه ، لو أن لغة و نظرة المعلمين ( التربويين ) و لغة و نظرة العوام الذين يستقبلونهم أصبحت سيان ، و وصلت لهذا الدرك السحيق ...
قضية التعامل العنصري و السالب الذي يجده المغتربون و أبناءهم من قبل الدولة و المجتمع السوداني قضية و أزمة مزمنة و ليست بالجديدة ، و قد حاول الكثير من الكُتَاب والمثقفين التنبيه لها و الكتابة عنها لمحاولة تصحيح هذه العلاقة المختلة و المرتبكة و المتخمة بتبعات نفسية وأجتماعية سالبة و أعباء مالية قاسية على هذه الشريحة المهمة في المجتمع السوداني .
في خِضَم ذلك كان هناك حلم مشروع لأمل مشع راود المخرج الشاب الطموح محمد كمال لإعادة الطرق في نفس الباب و محاولة تعديل الصورة المقلوبة للمغترب السوداني في نظر الدولة والمجتمع ولكن في إطار درامي مشوق ، فكان مسلسل عشم الذي حقق نجاح كبير و قبول أكبر لدى المشاهد السوداني .
لم تكن قضية تصحيح الصورة السالبة للمغترب السوداني هي الهدف الأسمى الذي صارع محمد كمال و فريق المسلسل من خلفه كل الصعوبات لأنجاز هذا العمل الجميل من أجله .
فقد كانت هناك فيما يبدو رغبة شديدة منهم لإحداث اختراق كبير و تغيير ملموس في الصورة النمطية للدراما السودانية و المترسخة منذ أمد طويل في ذهنية المشاهد السوداني ، ثم محاولة نقلها رويدا رويدا لمصاف نظيراتها العربية من أجل جذب ولفت أنتباه المشاهد العربي لها .
يعلم معظم الدراميون وربما كثير من المشاهدين في السودان الظروف القاسية التي تحيط بهذه الصناعة ، وأنا هنا لا أريد تحميلهم كل اوزار تخلفها في بلدنا ، لأن حال السودان من حال الدراما يُغنِي عن السؤال .
إلا أنني أجد نفسي مجبرا على تحية كل أفراد أسرة مسلسل عشم على مجهودهم الكبير و الجبار لأخراج هذا العمل المميز بهذه الصورة البراقة ، و التي أحدثت تجديدا واضحاً و كسراً ضخماً للنمط القاتل الذي أعتدنا كمشاهدين رؤيته و توقعه من أي دراما سودانية .
ليس هذا فحسب .....
ولكني أرفع القبعات لهم مثنى و ثلاث و رباع أبتداءً من المخرج ومرورا بالمؤلف و المصور وأنتهاءً بالممثلين وبقية الطاقم الفني ، لروحهم الوطنية التي دفعتهم جميعا للعمل بجد ( وهم مجرد هواة ) في محاولة و رغبة شديدة للصعود نحو الأعلى و تقريب الشقة بين الدراما الوطنية و نظيرتها العربية عبر هذا المسلسل الجميل .
قررت أن أشاهد المسلسل بعد أن قام تلفزيون البي البي سي و موقع العربية نت و جريدة الشرق الأوسط بعمل تغطية خبرية عنه .
وأهتممت به أكثر بعد ظهور الأخ العزيز طارق الشيخ رفيق الدرب في سنين الدراسة بجامعة دمشق كأحد المشاركين بشركته تكوين في رعاية و مونتاج المسلسل .
بعد ذلك خرجت بتصور معين عن الجوانب الأيجابية و السلبية من هذا العمل من بوابة كاتب الرأي و المتذوق المشاهد .
مسلسل عشم أنبنت فكرته في رأيي الخاص على محورين ، محور أول ( أساسي ) تناول قضية أحوال المغتربين في منطقة الخليج عموما و المملكة خصوصا ، و آخر ( ثانوي ) يتعلق بقصة الحب التي تجذرت بقوة في أحداثها بين ثنايا المحور الأول .
فيما يخص المحور الأول ......
أستطاعت المؤلفة ببراعة شديدة أن تعيد للسطح طرح قضايا و هموم هذه الفئة المنسية بشكل أكثر جاذبية ولكنه أقل تشعبا و شمولا .
من خلال ذلك نجحت آلاء الشيخ (المؤلفة ) نجاحا باهرا في تسليط الضوء عليها كعنوان عريض أهتم به المسلسل ، و قضية محورية موجهة للمشاهد يجب في الأخير أن يُعنَى بها أي مواطن سوداني خصوصا الداخل المحلي و يعيد تشكيل نظرته حولها من جديد .
بعد ذلك و مع توالي مشاهدتك للحلقات تقودك آلاء من خلال عرضها للمشاكل التي تواجه ( أبو عبير ) الى نتيجة أو فرضية واحدة ربما لا ثاني لها وهي .....
أن المسلسل لم يستطع أن يعبر عن قضايا و هموم المغترب السوداني في منطقة الخليج بشكل شامل ، بقدر ما عبر عن ( جزء وليس كل ) قضايا و هموم المغتربين في المملكة العربية السعودية تحديدا .
فمشاكل التوظيف وربما أنعدامها في الوقت الحالي ، و أزمة السكن ، و إنهاء الخدمة ، و مشاكل نقل الأقامة من كفيل لآخر ، هي كل ماعرضه مسلسل عشم بالنسبة لقصص و مآسي و هموم المغتربين في الخليج . هذه المشاكل وعلى تواجدها و أهميتها لا تمثل في نظري إلا غَيضُ من فَيض مما هو موجود أصلا من قصص ، و هذا الأمر ربما أكون شخصيا أكثر شعورا و تقديرا و معايشة له بحكم أن الحياة قادتنا بصروفها للعيش في ثلاث دول خليجية مختلفة لفترات زمنية طويلة .
ومع ذلك يبقى الأهم عندي في الأخير أنني وبعد مشاهدتي للحلقة الأخيرة ، شعرت بقوة أن آلاء الشيخ و المخرج محمد كمال أرادا في المجمل عبر عكس جزء يسير من هموم و مشاكل المغتربين ، التركيز على فكرة محاربة النظرة التقليدية التي سُجِنَ في قَفَصِهَا المغترب السوداني سنين عددا من قبل الدولة و قطاعات المجتمع المختلفة في السودان ، والتي لا ترى فيه إلا شخص منسلخ من عاداته و تقاليده الوطنية ، أو تلك البقرة الحلوب التي يجب أن تدر مالاً حليبا ً على طول السنة .
هذا الأتجاه سار فيه و أكده و أشار له الممثل الشاب القدير معتز إلياس لدى أستضافته في العيد في قناة سودانية 24 حينما ذكر فيما ذكر .... ( أن المسلسل جاء عشان يغير نظرة ناس الداخل للمغترب في الخارج ، لأنه أسهل حاجة للزول القاعد جوة السودان يقول لي قريبه أو جاره أو صحبه ياخ جيب لي معاك أيفون وأنت جاي السودان ! ) .
أما فيما يخص المحور الثاني ......
فقصة الحب التي نسجت المؤلفة أحداثها كان أداء الممثلين لها في غاية الروعة و التلقائية ، بل أنني أرى أنها كانت الأضافة الأكبر في الأمر عبر توظيف هذه القصة الرومانسية لخدمة المحور الأول وهو طرح بعض قضايا وهموم أجيال أبناء السودانيين المقيمين في الخارج مثل الزواج و التعليم و البحث عن فرص عمل .
أما الحديث و الجدل البيزنطي حول الملابس التي أرتدتها الممثلات و المحاكمة الأخلاقية الهزلية التي حاول أن يديرها البعض فلا أظن أن المسلسل قد خرج كثيرا من المألوف في ما يعرض من ملابس الممثلين الدراما العربية المحافظة سواءً الشامية أو الخليجية أو حتى المصرية .
هذا الأمر لا يعني أن ننفي عن مسلسل عشم أنه كسر بجرأة الصورة الروتينية التقليدية المتخلفة التي فرضتها علينا دراما الداخل أو دراما الطيب مصطفي بتفاصيلها الفنية الغير واقعية و التي نفر منها حتى المشاهد المحلي و لم يعد يشاهدها إلا الممثلين أنفسهم و ربما أسرهم إن طاقوا لهذا الأمر إحتمالا .
هنالك مشاكل بنيوية في النص و السيناريو أشرنا لذلك أعلاه ولكن في ظني ليست بالقدر المزعج ، و يمكن معالجتها في الأعمال القادمة أن شاء الله .
ولكن يبقى الأهم هو دفع وتحفيز القطاع الخاص لأنتاج أعمال درامية نستطيع بها أن نجود المنتج الوطني الدرامي المقدم للمشاهد إذا ما أردنا أن يعرف العالم من حولنا ثقافتنا و نروج عبرها لأنفسنا خصوصا خلف هذه المجموعة من أبطال مسلسل عشم بعد مساحات الحب و القبول الواسع التي وجدوها من الشعب السوداني .
لفترات طويلة عاشت الدرما المصرية عقما فكريا و أدبيا و حتى إبداعيا خصوصا بعد رحيل الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة و الذي كان يكفي وضع أسمه في أي عمل أن يكسبه قيمة و معنى و بريقا أمام المشاهد العربي .
ولقد أسهم هذا الأديب الأريب في وضع الدراما المصرية في رأس الخارطة الفنية العربية عبر أعماله الكبيرة التي أثرت الساحة و المكتبة العربية وأغنتها حتى أضحت تلك الأعمال الفريدة من الكلاسكيات التي يتم عرضها مرارا و تكرارا و تحظى رغم ذلك في كل مرة بأعلى نسب مشاهدة و متابعة .
كان ما يميز هذا الهرم المصري الكبير أنه أتى لهذه الحقل الفني الدرامي من خلفية الكاتب الأديب الروائي ، و كانت تقف خلف كتاباته جهات أنتاجية كبيرة .
لذلك كنا نجد في مسلسلاته عدد ضخم من الشخصيات ، كل شخصية لها جذور وبدايات تبرر أفعالها أثناء الأحداث ، ثم بريشة الفنان يقوم برسم لوحته الكاملة من تناغم و تكامل كل هذه الشخصيات ، و تكون النتيجة ملحمة درامية تحبس الأنفاس و تسرق الألباب و تحتجزها الذاكرة في العقل لسنوات طويلة .
بعد رحيله عاشت الدراما المصرية حالة من التخبط و التوهان والعزلة لسنوات ليست بالقصيرة ، وأخذت العديد من الدول العربية تسرق أنظار المشاهد العربي من المنتج المصري مثل الدرما السورية و السعودية ، حتى طفت للعلن شركة أنتاج جديدة بأسم ( مجموعة فنون مصر ) أسسها محمد محمود عبدالعزيز أبن الفنان الراحل الكبير محمود عبدالعزيز ، و معه ريمون مقار و الهامي مقار .
ما لفتني لهذه المجموعة النهج التجديدي المميز و الذي قررت أن تتبناه في أنتاجها الدرامي .
أبتداءً من أختيار نصوص غزيرة و غنية المحتوى ، و مرورا بإتاحة الفرصة لعدد كبير من المواهب و الوجوه الجديدة الشابة لأثبات نفسها في الساحة الفنية ، و نفض غبار السنين و الأهمال عن ممثلين كبار أضحوا من مظاليم معظم شركات الأنتاج الدرامي ، وليس أنتهاءً بمحاولة أن يكون أي عمل له أرتباطات قوية بالواقع و الأحداث اليومية التي يمر بها المجتمع المصري و ما يكتنف ذلك من تحولات على الصعيد السياسي و الثقافي و الأجتماعي و الأقتصادي .
مسلسل عشم وضعنا في البداية الصحيحة لبداية عهد جديد للدراما السودانية بعد سنين من العزلة والقحط و الجفاف الفني التي حُكِمَ علينا أن نعيشها لعقود طويلة .
ويبقى العشم أن تتوافر في الأعمال القادمة كل عوامل النجاح التي تجعلنا نفتخر بأعمالنا الدرامية ، من جرأة و قوة و جودة وغزارة في النص ، ثم دعم مالي في الأنتاج ، و نقد هادف و بناء و أيجابي لهذا الجيل الجديد الذي أصبح ملهما لكل شاب سوداني طموح لتحقيق النجاح ..........
شكرا عبير و أبراهيم ناجي و حسن كسلا و ألاء و معتز و كل الكوكبة الجميلة الرائعة من الممثلين ......
شكرا صديقي محمد كمال و طارق الشيخ و كل فريق العمل .....
و يبقى العشم بيكم لي يوم بكرة أن شاء الله أكبر و أحلى .
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.