شاهد.. عروس الموسم الحسناء "حنين" محمود عبد العزيز تعود لخطف الأضواء على مواقع التواصل بلقطات مبهرة إحداها مع والدها أسطورة الفن السوداني    شاهد.. عروس الموسم الحسناء "حنين" محمود عبد العزيز تعود لخطف الأضواء على مواقع التواصل بلقطات مبهرة إحداها مع والدها أسطورة الفن السوداني    شاهد بالفيديو.. (يووووه ايه ده) فنان سوداني ينفعل غضباً بسبب تصرف إدارة صالة أفراح بقطر ويوقف الحفل    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناوات سودانيات يشعلن حفل "جرتق" بلوغر معروف بعد ظهورهن بأزياء مثيرة للجدل    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناوات سودانيات يشعلن حفل "جرتق" بلوغر معروف بعد ظهورهن بأزياء مثيرة للجدل    شاهد بالفيديو.. (يووووه ايه ده) فنان سوداني ينفعل غضباً بسبب تصرف إدارة صالة أفراح بقطر ويوقف الحفل    "الجيش السوداني يصد هجومًا لمتمردي الحركة الشعبية في الدشول ويستولي على أسلحة ودبابات"    غوغل تطلب من ملياري مستخدم تغيير كلمة مرور جيميل الآن    يبدو كالوحش.. أرنولد يبهر الجميع في ريال مدريد    التهديد بإغلاق مضيق هرمز يضع الاقتصاد العالمي على "حافة الهاوية"    تدهور غير مسبوق في قيمة الجنيه السوداني    ايران تطاطىء الرأس بصورة مهينة وتتلقى الضربات من اسرائيل بلا رد    كيم كارداشيان تنتقد "قسوة" إدارة الهجرة الأمريكية    "دم على نهد".. مسلسل جريء يواجه شبح المنع قبل عرضه    خطأ شائع أثناء الاستحمام قد يهدد حياتك    خدعة بسيطة للنوم السريع… والسر في القدم    السلطات السودانية تضع النهاية لمسلسل منزل الكمير    وجوه جديدة..تسريبات عن التشكيل الوزاري الجديد في الحكومة السودانية    (برقو ومن غيرك يابرقو)    المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    مونديال الأندية.. فرصة مبابي الأخيرة في سباق الكرة الذهبية    كامل إدريس يدعو أساتذة الجامعات للاسهام في نهضة البلاد وتنميتها    بلاغ بوجود قنبلة..طائرة سعودية تغيّر مسارها..ما التفاصيل؟    أردوغان: الهجوم الإسرائيلي على إيران له أهداف خبيثة    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    أنباء عن اغتيال ناظر في السودان    الترجي يسقط أمام فلامنغو في مونديال الأندية    افتتاح المرحلة النهائية للدوري التأهيلي للممتاز عصر اليوم باستاد الدامر.    فيكم من يحفظ (السر)؟    في السودان :كيف تتم حماية بلادنا من اختراق المخابرات الإسرائيلية للوسط الصحفي    من الجزيرة إلى كرب التوم..هل دخل الجنجويد مدينة أو قرية واستمرت فيها الحياة طبيعية؟    الحرب الايرانية – الاسرائيلية: بعيدا عن التكتيات العسكرية    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    عناوين الصحف الرياضية السودانية الصادرة اليوم الأثنين 16 يونيو 2025    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    رباعية نظيفة .. باريس يهين أتلتيكو مدريد في مونديال الأندية    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    المباحث الجنائية المركزية بولايةنهر النيل تنجح في فك طلاسم بلاغ قتيل حي الطراوة    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    بالصور.. زوجة الميرغني تقضي إجازتها الصيفية مع ابنتها وسط الحيوانات    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وولي شوينكا: التعطش للسلطة مرتبط بالحاجة إلى الهيمنة والإذلال ... ترجمة: صلاح شعيب
نشر في سودانيل يوم 11 - 02 - 2010

وولي شوينكا: التعطش للسلطة مرتبط بالحاجة إلى الهيمنة والإذلال
بقلم: بوب تومسون
ترجمة: صلاح شعيب
كانت قاعة جامعة هارفارد صغيرة جدا بالنسبة للحشد الذي تشكل ظهرا. منظمو الفاعلية أتوا بخمسة وعشرين مقعدا أضافيا قبل أن يصل المحاضر. ولكن برغم تجاوز الحضور لرقم المئة، لم يكن هناك عدد كاف من المقاعد. وبينما يجثم، في الركن الخلفي، عدد من النساء في طاولة تحت بورتريه بمقاس كبير لجامعة هارفارد المعروفة بأكاديميتها المرموقة كان الفائز بجائزة نوبل للآداب لعام 1986 يخطو إلى داخل القاعة. "بكل بساطة، وولي شوينكا، 72 عاما، هو الأكثر شهرة بين الكتاب الأفارقة"، هكذا يقول البروفيسور الذي قدمه. لشوينكا مذكرات جديدة ستصدر هذا الشهر، وقبل أن يشغل نفسه بشئ أكثر إلحاحا إهتبل فرصته، وبقى يخطط حول هذا الموضوع ليدفع به ذلك اليوم.. إنه، إذن، ساع لعنونة محاضرته بتساؤل كهذا: "كيف ينبغي ألا تكتب سيرة ذاتية؟".
كان من المتوقع أن تكون عبارة "لا تبدأ بملاحظة سلبية" أهم نصيحة منه. ولكن. فالمحاضر إستهل بالقول إنه بدا كتابة مذكراته في أواخر تسعينات القرن الماضي حينما كان في المنفى، بعيدا عن وطنه: نيجيريا.. لقد كان مجبورا على الفرار بسبب معارضته للدكتاتورالمتوحش ساني أباشا. هكذا سمح من البداية للملاحظة السلبية أن تخرج من فاهه. إنه أطلق العنان لغضبه، وكأنه سمح له أن يهيمن على سرد المحاضرة. على كل، لا يمكن لأي شخص إلقاء اللوم على شوينكا لكونه بدأ غاضبا ما دام أن المعروف، آنذاك، أن بقاء أباشا في السلطة يعني أن لا مناص لشوينكا من أن يكون مراقبا بعيون السلطة. فالطاغية النيجيري السابق ربما تردد في قمع أدب نوبل أيضا، ولكن، بطريقة ما، صدم اباشا العالم بشنقه للكاتب، والناشط، كين سارو ويوا في عام 1995، بينما كانت محاكمته لشوينكا تتم غيابيا بتهمة الخيانة. وهنا يقول البروفيسور شوينكا إن "قتل حائز على جائزة نوبل، بالنسبة لهذا الدكتاتور سيكون مثل إضافة فروة رأس لما ضيع من مجاميع رؤوس."
توفي اباشا في عام 1998. أما شوينكا فقد أنهي مذكراته وهم بعودته الظافرة إلى وطنه. انه رجل مبارك، أو ربما، شقي بما يسميه "الشعور المفرط إزاء جدلية الصواب والخطأ"، والآن عطل غضبه من ذلك الإنسان المارق الذي أصبح في ذمة التاريخ، ولهذا صار تركيزه ينصب على مختلف من نواح. في وقت سابق من هذا الشهر، كان قد خطط مع العديد من زملائه الحائزين على جائز نوبل، لزيارة لما عرف بأنه أكثر المسارح مأساوية. الحكومة السودانية وجدت ذريعة لتأجيل الزيارة. ولكنها لم تتمكن من إيقاف شوينكا من التعبير عن شجبه لما حدث في دارفور. خلال مأدبة غداء في مطعم هندي بعد إنتهاء محاضرته في الجامعة العريقة جلست معه، لمدة ساعة ونصف الساعة، فيها تناسى تاريخه الخاص وتحدث عن الفظائع التي يتجاهلها العالم في دارفور. هكذا هي قصة حياته، حيث الميل الأدبي، والشخصي، إلى المشاركة السياسية. إنه الميل الذي جعله واضحا في مذكراته..
شوينكا ، كما خبرته، يبدو رجلا طويل القامة، لأنه يحمل جسده على علو الإستقامة. ولولا صدمته من الشعر الأبيض، فانه سيكون أصغر مما يبدو. "لا أعتقد أنني سبق أن إلتقيت بشخص يملك حضورا باذخا مثل ما له"، قال ذلك مضيفه بهارفارد، وهو هنري لويس قيتس، والذي يدير معهدا بالجامعة يعني ببحوث الافارقة، والأمريكيين من أصل أفريقي. قال لي قيتس "أنت ستذهب: ها..ها..ها، تحقق من هذا الرجل. أجل..عليك أن تتسكع حول شوينكا، ولو لوقت قصير، وحينها ستلمح حضوره القاطع، وفي الغالب ستلمح أيضا حسه اللطيف" خذ وصفه الهاذر لقيتس، صديقه منذ زمن قديم، والذي اجتمع به لأول مرة أثناء التدريس في انكلترا في 1970: "لقد كان خجولا جدا في ذلك الوقت..لم يكن مغرورا كما هو اليوم." أو عليك، أيضا، أن تفحص رده، بعد المحاضرة، على سؤال مغرض لشاب حول ما إذا كان العرق هو في الحقيقة مجرد بنية مصطنعة!.. يتذكر شوينكا، وتحفه ابتسامة عريضة: "تخفيت في شخصية رجل مجنون، ثم تفاديت ذلك السؤال". الواقع أن ذلك الشاب جاء إليه، بعد المحاضرة، بكتابه للتوقيع، وقال إنه إنتهز الفرصة لتكون له الكلمة الاخيرة. "العرق هو أيضا فعل إرادة" كانت تلك هي حروف التوقيع، والرد في الوقت ذاته، على سؤال الشاب.
هكذا لا يزال يشكل موضوع الصواب والخطأ معظم مسارات شوينكا. فهو لا يملك فكرة مدعمة عن السبب. ثم إستدرك فقال: "أتصور، أحيانا، أنني ربما أثناء الطفولة أكلت شيئا حينما لم يكن هناك شخص ينظر نحوي.. أنظر: إن إهتمامي بموضوع الصواب والخطأ يفوق المبالغة في بعض المرات". هذا الإهتمام هو ما دفعه نحو الذهاب إلى إستوديو لإذاعة في غرب نيجيريا في عام 1965، حاملا تسجيلا صوتيا، وبندقية!. آنذاك زورت الانتخابات، ووجد شوينكا أن سياسيا فاسدا كان على وشك القيام بإذاعة مادة أعدت قبل الإنتخابات، وكان مضمونها ليس أكثر من كلام إنشائي عن الفوز. عوضا عن ذلك كان شوينكا مصمما على أن تعانق موجات الأثير صوتا يعبر عن المعارضة. لقد قال للسياسي: أترك الشريط ثم غادر المدينة. ولكن ما لبث أن ألقي القبض على المناضل ولكن لم يحاكم، فأطلق سراحه. بعد أربعة عقود لم نجد الروائي في تنازع حول تلك المخاطر النضالية التي اوجدها لنفسه وقتها. لقد قال إنه لم يكن هناك إلا سبيل وحيد ليتخذه: المعارضة. عند قراءة مذكرات شوينكا الباكرة، ستجد مصدر هوسه بالعدالة. إن إستحضار لحظات شبابه، على الأقل، سيوفر مادة للتكهنات حول الأمر.
اكينواندي اولولي شوينكا ولد وهو يطرح الأسئلة الكبيرة..ولد بدينامية نهمة لإختبار العالم قبل مجئ زمانه.. "انا ذاهب الى المدرسة" بهذه البساطة أعلنها حين كان في الثالثة. من المؤكد انه في صباح أحد الأيام إختبأ خلف شقيقته الذاهبة إلى المدرسة، وحدث المعلم أنه بدأ تعليمه المبكر. الناظر أسر له: "إذن..سوف لن تسمح لأي شيء يهزمك." جده قال له لا تهرب أبدا من مشاجرة. أما خاله والذي يسميه "رجل المساواة" فقد قدم له مثالا لا ينسى عن كيفية مواجهة الظلم. شوينكا في فصل من الكتاب ذكرنا بقصة مثيرة لثورة إمرأة ناجحة، في زمن الاستعمار. هي التي ساعدت في قيادة حملة ضد الفساد والضرائب غير العادلة. يعترف الكاتب: "لقد علمتني قوة التنظيم"
من كلية جامعية في إيبادان، سافر شوينكا الى إنكلترا للدراسة بجامعة ليدز، حيث تلقى دراسته على يد أحد أبرز المنتقدين لشكسبير. وجد الجزر البريطانية جامدة، والحياة متعمقة في عنصريتها. وبينما بدأ حياته ككاتب مسرحي، فقد إنشغل بالقضايا السياسية مع رهط من طلاب أفارقة. إنهم حلموا بنهاية الحكم الاستعماري للقارة، وكذلك نهاية نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا، وكانوا على يقين من تحقيق هذين الحلمين. بينما بدأ شوينكا التحصيل الدراسي، قبل استقلال نيجيريا في عام 1960، فإن الجيل الأول من القادة الوطنيين كان يملك تصورات أقل مثالية عن ما تعنيه الحرية.
"انهم رأوا أنفسهم كأنهم فقط ورثة القوى الاستعمارية" ويزيد شوينكا "إنهم دعونا لإنهاء دراساتنا بسرعة حتى ننضم إلى صفوف النخبة". ولذلك أدرك أن وطنه بحاجة إلى طاقته السياسية. بعد مرور أقل من ست سنوات بعد الاستقلال، عانت نيجيريا من أول انقلاب عسكري. وبعد عام ونصف العام من وقوع الإنقلاب أعلنت المنطقة الشرقية نفسها جمهورية بإسم بيافرا. وقد تبع ذلك حرب أهلية مدمرة. خلال تلك الأيام زار شوينكا بيافرا سريا كجزء من جهد لتجنب الصراع، ولكن الحكومة النيجيرية ألقت القبض عليه. امضى اكثر من عامين في السجن، أغلب الوقت كان في الحبس الانفرادي. ولكنه حافظ على نشاطه المتعقل، وشرع في الكتابة. بعض الشعر تم تهريبه للخارج للنشر، كما كتب مذكرات السجن بعنوان "الرجل الميت".
خرج من السجن في خريف عام 1969، ثم عمل استاذا في ايبادان، حيث وقتها تلقى بيودون جيفو علما على يديه، وهو الآن أستاذ اللغة الإنكليزية في جامعة كورنيل. شوينكا كان بطلا لجيل جيفو. كان "شجاعا للغاية، باهر سياسيا، واجتماعيا. كان يحب المواجهة، ولكن ليس بالمعنى البوهيمي..كان يقول الأشياء التي ينبغي أن تقال. وكان هو الذي تتمركز حوله أفكار المعارضة ضد الديكتاتوريين". هكذا يقول تلميذه جيفو.
لكن شوينكا نفسه كان متشائما، ويشعر بالغربة في بلده. قبل مضي وقت طويل سدر في ما يسميه "موجتي الاولى والوحيدة نحو المنفى الطوعي". هذا يفسر اسباب وجوده في انكلترا حين كتب أفضل مسرحياته، مغتاظا من مواجهة مع الراحل السير ونستون تشرشل.
قيتس كان حاضرا عند نشر"الموت وسائس خيول الملك"، وكان في حالة من الرهبة تجاه الرجل الذي كتب هذه الملحمة. فالوقت كان منتصف السبعينات. كان قيتس في دراساته العليا في جامعة كامبريدج، تحت اشراف شوينكا. إنه يتذكر كيف أنه كان "آمنا ثقافيا" خلال إرشاد شوينكا له. يقول قيتس إن شوينكا أثبت للكتاب الأفارقة ولمثقفي اليوربا أنه لم تكن ثقافتهم ، بأي حال من الأحوال، أقل شأنا من ثقافة اليونان وروما. ويضيف "كأميركي من أصل إفريقي لم ألتق أي شخص من هذا القبيل".
تذكر قيتس أن شوينكا غاب عن التدريس لمدة أسبوع. بعد عودته دعاه شوينكا إلى غرفته لقراءة "هذه المسرحية الباهرة". شوينكا يروي القصة بهذه الطريقة: "غبت عن برنامج التدريس لأن إجراءات سفري تعثرت في غانا، وكانت آخر مستعمرة بريطانية." عندما عاد أدراجه في نهاية الأمر، ذهب إلى الجامعة. ولكن في ذات اليوم كان في مواجهة مع التمثال النصفي للإستعماري الكبير تشرشل أثناء خروجه من مصعد في كلية تشرشل بكمبردج. إنه أبان إيماءة دفع براحة كفه نحو التمثال. فهو، في غدوه ورواحه، يجد في نفسه، قبل اجتياز التمثال النصفي، الرغبة لإسقاطه عبر دفعة قوية غير مقصودة. في هذا اليوم، شاعرا بالغضب بوجود التمثال، ذهب ذهنه فجأة من "تشرشل، إلى الاستعمار، ثم إلى التجربة الاستعمارية" وهكذا دواليك إلى حدث ما من التاريخ، ثم ذهب الى غرفته وبدأ الإلهام يتساقط عليه، وما مرت بضعة أيام إلا وخرجت مسرحية"الموت وسائس خيول الملك"، الحدث الذي تذكره شوينكا كان وفاة ملك من اليوروبا في عام 1946. وفقا للطقوس فأن وفاة الملك تستدعي انتحار من يسايس خيوله، والذي بوفاته الطقوسية ستبقى الفرصة مواتية لصيرورة المجتمع بالشكل الذي يحفظ كيانه. الموظف الإستعماري البريطاني اعتبر أن هذه الطقوس بربرية، وتدخل لمنع الانتحار الذي عد فكرته تراجيدية.
شوينكا يرى أن"الموت وسائس خيول الملك" دراما ميتافيزيقية عن القدر، وأنها بالتأكيد أكثر تعقيدا من التبسيط الذي يرى الموضوع مجرد صراع بين الثقافات، والحبكة تضمنت هذا الدفاع. انه اجتهد ليوضح أن فشل رغبة الفارس في الإنتحار إنما تعود إليه هو، وما تدخل المسؤول الإستعماري إلا كتزامن مخصب للرغبة. والحقيقة أنه لا تزال قصة كتابة المسرحية تؤكد أن الاستعمار كان قد أخذ الكثير من ذهن الكاتب.
لقد كتب شوينكا الشعر، والروايات، وطائفة واسعة من كتابات غير قصصية على مدى تجربته في الكتابة لخمسة قرون، لكنه يرى نفسه في المقام الأول ككاتب مسرحي. ويبدو هذا التعريف يناسبه فقط حين أثارت "الموت وسائس خيول الملك" جدلا بعد أن أصبح كاتبها اول افريقي يفوز بجائزة نوبل للآداب. قال انه قبل جائزة نوبل كشرف عظيم، برغم أنه يرى أن الجائزة لا تخصه وحده وهي إنما شرف لجماعة من الكتاب الأفريقيين الذين قصد تجاهلهم لأمد طويل.
ومع هذا الشرف العظيم يرى الكاتب المسرحي أن الجائزة تمثل أيضا عبئا. فهي قد إستهلكت، بالفعل، ما تبقت له من خصوصية، وجعلته، تقريبا، بغير شئ كثير يخصه وحده. وهو إذ صار حارسا لما تبقى من القليل، فقد رفض، على إطلاق، الحديث عن أسرته. الحقيقة، أفراد العائلة يكادون بلا ذكر في كتبه، إلا مرة واحدة حين أهدى كتابا لأبنائه وزوجته فولاكي. حصوله على الجائزة، بطبيعة الحال، أعطاه فرصا. إنها قدمت له منبرا مدعما، من خلاله يندد بالظلم. ولهذا لم يتفاجأ أي واحد من أصدقائه عندما استغل خطابه في عام 1986 أمام لجنة جائزة نوبل، وحينها دعا لإتخاذ إجراءات ضد الأفعال غير الإنسانية لنظام الفصل العنصري. وبعد سنوات قليلة بقيت تلك الأفعال جزء من التاريخ ، ووجد شوينكا نفسه مدعوا لحضور ما يسميه "أغلى عشاء لم يسبق في أي وقت مضى قد دعي لمثله" فقد وصلته رقاع الدعوة إلى باريس لحضور إحتفال مع نيلسون مانديلا ، والذي تحرر أخيرا من جلاديه.
كان وقتا بهيجا.. ولكن لم يزل الوضع في جنوب أفريقيا، حينها، محفوفا بالمخاطر. فقد خشى كثيرون أن التنافس بين مانديلا الذي يقود المؤتمر الوطني الافريقي، ومؤيدي زعيم الزولو مانغوسوتو بوتيليزي من شأنه أن يؤدي الى حرب اهلية. أعتقد شوينكا أن مثل هذه النتيجة المتوقعة في واقع أمة على أبواب التحرر الموعود، سيكون مدمرا بالنسبة للقارة. ولذلك جزع لشرور تلك التوقعات وتطوع للمساعدة في ترتيب لقاء بين الاطراف المتناحرة. ولكن تم،عند نهاية التنافس، حل الازمة من دون فائدة لما دعا له شوينكا من دبلوماسية مكوكية. لقد كان مانديلا حكيما حينما شعر بدنو الوقت المناسب، فدعا لإجتماع الفرقاء وذابت غمامة الخلاف. بالنسبة لشوينكا، فأن ذلك الجمع الناجح بين إلهام القيادة، وضبط النفس، المبذول بواسطة كاريزما مانديلا، رسم خطوط التمييز الحاسم بين السلطة، والقوة.
يقول شوينكا "أحيانا تأتي لك السلطة، إنها توهب للناس في حالات محددة ولكن القوة هي الأمر الذي يجب اغتنامها." بمجرد انك تحقق تلك القوة لا يمكنك التراجع، وذلك لأن كل خطوة تأخذك بعيدا عن منطقة الشرعية، فإنك من اجل البقاء على قيد الحياة يجب أن تزيد من الرهان". ويضيف أن الشئ السئ في التعطش للسلطة هو انك تبدو مرتبطا بالحاجة إلى الهيمنة والإذلال. حينما أمارس السلطة سأحاول استغلالها دون أن أقلل أو أحد التقدير الذاتي لأي شخص آخر. وليس الامر كذلك بالنسبة للأنظمة الديكتاتورية التي هيمنت على نيجيريا، أو بالنسبة لميليشيا الجنجويد في دارفور. ولا حتى بالنسبة للأميركيين في سجن أبو غريب." شوينكا لا يبدو مهادنا. فإذا كان تنظيم القاعدة قد هاجم بلاده في سبتمبر 2001، فإنه سيستخدم ذات الرد الذي فعلته الولايات المتحدة في أفغانستان. لكنه وجد ان غزو العراق "غير مبرر تماما" ويعتقد ان هذه اللقطات المروعة التي خرجت من سجن أبو غريب "كانت لإظهار إلحاح تحريك القوة نحو الهيمنة والاذلال في أقصى درجاته السادية".
أثناء حديثه عن أبو غريب قال لي: "عليك أن تسجل هذا الحديث بحيث يمكنك تدبر النظر في امر المعنى بعد ذلك" وأضاف وصوته يتحدر نحو همسة غاضبة "على كل، أرسل هذه الصور إلى أصدقائك لإظهار مدى قوتكم الباطشة". أثناء وجوده في المنفى في التسعينات خشى شوينكا أن يتعرض للقتل قبل ان يتمكن من العودة إلى وطنه. غير راغب في جعل أقدام أباشا تدوس انحاء جسمه اصدر تعليمات للأهل والأصدقاء بأنه إذا حدث شئ لا قدر الله، فإن رغبته في ان يدفن في أرض غير نيجيرية، وإنما في مستوطنة جمايكية، حيث كان هناك منفاه الاول حين غادر البلاد.
ولكن بموت الدكتاتور المفاجئ، أصبح موضوع النقاش حول تدبير مكان بديل للدفن بلا معنى. فقد وجد نفسه يوما، مهموما بحزم متشابكة من المشاعر المعقدة، على متن طائرة لوفتهانزا ذاهبة الى لاغوس. لشيء ما أحس بشعور غريب بما أسماه ب"الانكماش"، حيث أنه، باكرا، تذكر عودته عبر خطة كانت عظيمة المخاطر. فالمقرر، آنذاك، أن يتم تهريبه عبر الحدود بأمل حشد المعارضة لأباشا، ووسط هذه المشاعر سدر في تهويمات حول العواقب إذا لم تكن عودته إلى لاغوس متحققة سلميا.
إن شوينكا لا يستطيع التوقف عن التفكير عن الأصدقاء والزملاء الذين يرحبون به دائما في الوطن، والآن لم يعودوا على قيد الحياة. ويقول"إنني آخذ الصداقة على محمل الجد". والواقع، أن مذكراته تقرأ في بعض الأحيان وكأنها رثاء لاقرب صديق. فهناك في سطور رثائه رجل أعمال، صاحب قلب كبير، اسمه فيمي جونسون، والذي توفي قبل بدء منفى شوينكا. معظم هؤلاء القريبين منه يعتبرون الآن في سن أصغر منه. إنه لا يبدو متفائلا إزاء مستقبل نيجيريا. سئل عن الشئ الذي تغير في العقود الزمنية التي تلت الاستقلال. إنه يذكر تطورا إيجابي واحدا فقط ويشير إليه بالنمو في التطور السياسي لعقلية مواطنيه. وبالنسبة لبقية الأشياء يقول: "سواء كنت تتحدث عن امدادات الكهرباء، أوالرعاية الصحية، أوالبيئة فإن هناك شعورا متزايدا بعدم وجود التخطيط" ويعتقد ان ثروة نيجيريا النفطية، والكثير منها يمتصه الفساد، أضرت بأكثر مما ساعدت.
يقول الروائي:"هذا الفشل يصيبني بالغضب..كلما إزددنا ثراء ساءت حالة مجتمعنا". هل الوقت قد حان لوقف المقاومة التي لا مفر منها على ما يبدو؟ في وقت مبكر في مذكراته اقتبس شوينكا مثل يوروبي يقول: "كلما عبر المرء رجل عجوز يجلس في قارعة الطريق فإن عليه التوقف ثم الإنغماس في المعارك". ولكن ليس هناك فرصة حقيقية له لأخذ هذه الحكمة محمل الجد. وبعد كل شيء فإن الحاكم الحالي لنيجيريا، أوليسيغون أوباسانجو، "يبدو لنا جيدا بالمقارنة فقط مع أباشا"، هذا هو ما يلفظ به لسان الحائز على نوبل للأدب. الواضح أن اوباسانجو يسعى لتغيير الدستور، وشوينكا يقول إنه يسعى للنجاح في فكرته بما يسميها "الرشوة-البلطجة" حتى يتسنى له البقاء في منصبه لولاية ثالثة. هل هناك خيار لرجل يملك شعورا مفرطا إزاء جدلية الصواب والخطأ؟ يقول شوينكا:
"بالنسبة لي..إنه خيار إعلان حرب"
27 أبريل 2006
واشنطن بوست
salah shuaib [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.