أحد شباب التلاميذ السودانيين الذي شبّوا في دول الخليح ويدرسون فيه، جاءني وهو يحمل لوحه الإلكتروني يسألني عن كلمة وجدها في ختام مانشيتات الصحف السودانية..والكلمة التي استوقفته وظنّها من الأخطاء الإملائية هي (نطّ) وقد استعجب كيف فاتت على المحررين رغم انها مكتوبة بالبنط العريض! وكانت الجملة كما يلي (وزير المالية: الفائز بعطاء توفير مدخلات الانتاج الزراعي نطّ)! أما أنا فقد فهمت العبارة على وجهها الصحيح من أول وهلة، لطول معرفتي كغيري من الأجيال التي عايشت العقد السابق وما قبله بتعابير الإخوة المستوزرين ولطول (مصاقرتنا) وتتبُّعنا لما يصدر من المؤتمر الوطني وعضويته.. ولكنّي دخلت في إمتحان من نوع آخر لا يتعلق فقط باللغة والمصطلحات وإنما بدلالاتها! وبدأت معركتي مع التلميذ الملحاح حيث قال إنه لم يفهم شيئاً من كلمة (نطّ): قلت له: يا إبني دعنا نتفق أولاً أن كلمة نطّ (كلمة قاموسية) يعني موجودة في قواميس اللغة: نط اللص نطاً ونطيطاً فهو ناط ومعناها فرّ وهرب، ونطّ الحيوان أي قفز ووثب، ونطّ في الأرض ذهب فيها، ونطّ في منطِقِه أي هذر فيه، بمعنى أنه تلاعب ولم يقل كلاماً جاداً؛ فهونطّاط، ونطّ الشئ أي مدّه أو شدّه.. وتأتي نُط كإسم وتجمع على نطاء، ونَط أيضاً نوع من الجراد والجنادب ينط في الحقول يأكل الزرع، والنَط إسم أيضاً وهو صوت وثب الحيوان، وسفر أنَط أي بعيد، وعقبة نطاء أي بعيدة، وناطت الدار بَعُدتْ، وناط ينوط نوطاً فهو نائط، والمفعول منوط، وناط الشئ بغيره وعلى غيره علقّه عليه، وناط الأمر بفلان عهد به إليه..! هذا هو حديث القواميس يا بُني! وبعد كل ذلك عاد الفتي ليقول لي: ولكن كيف يقفز الفائز بالعطاء؟ وهنا كان لا بد من جولة أخرى في قاموس اللهجة العامية، ولكن أصابنا الملل من حديث القواميس.. فقلت له: هناك معنى إصطلاحي مستخدم في العامية وفيه معنى النط بمعني الهرب، وهو أن يتراجع الشخص من وعده أو تعهّده.. ولعل هذا ما حدث للفائز بعطاء توفير مدخلات الإنتاج الزراعي! طبعاً لم أشأ أن أثقل على صاحبي ببقية التساؤلات؛ حيث إني لا أعلم ما هو تكييف (عبارة نطّ) في التعاقدات الرسمية التي تجريها الدولة في عطاءاتها وتعاقداتها! وما إذا كان من المُتاح للمتعاقد رسمياً مع الدولة ووزاراتها (أن ينط) في مرحلة من مراحل تعاقده! ولا نعرف ما هو الشرط الجزائي الذي يمنع المتعاقدين (من النط) أو يلاحقهم (إذا نطّوا)! ولكن يا صديقي الصغير هذه فعلاً من الأمور التي لم نكن نسمع بها في معاملات الدولة وخدمتها المدنية، ولا نعرف معنى أن يخرج وزير المالية ليخطر الناس إعتذاراً عن إخفاقات التمويل الزراعي بأن الفائز بعطاء المدخلات (قد نطّ)! وطبعاً لا أحد يعلم كيف فاز هذا (الرجل النطّاط) بالعطاء؟ وما هي الإمكانات التي يملكها، والضمانات التي قدّمها قبل (مرحلة النط)!! عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.