هل هدّد أنشيلوتي البرازيل رفضاً لتسريبات "محرجة" لريال مدريد؟    "من الجنسيتين البنجلاديشية والسودانية" .. القبض على (5) مقيمين في خميس مشيط لارتكابهم عمليات نصب واحتيال – صورة    دبابيس ودالشريف    "نسبة التدمير والخراب 80%".. لجنة معاينة مباني وزارة الخارجية تكمل أعمالها وترفع تقريرها    التراخي والتماهي مع الخونة والعملاء شجّع عدداً منهم للعبور الآمن حتي عمق غرب ولاية كردفان وشاركوا في استباحة مدينة النهود    وزير التربية ب(النيل الأبيض) يقدم التهنئة لأسرة مدرسة الجديدة بنات وإحراز الطالبة فاطمة نور الدائم 96% ضمن أوائل الشهادة السودانية    النهود…شنب نمر    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    "المركز الثالث".. دي بروين ينجو بمانشستر سيتي من كمين وولفرهامبتون    منتخب الضعين شمال يودع بطولة الصداقة للمحليات    ندوة الشيوعي    الإعيسر: قادة المليشيا المتمردة ومنتسبوها والدول التي دعمتها سينالون أشد العقاب    د. عبد اللطيف البوني يكتب: لا هذا ولا ذاك    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    المرة الثالثة.. نصف النهائي الآسيوي يعاند النصر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"فيديو المنشية" والتحولات في بنى الوعي من خلال نظريات الصورة والعالم (1/5) .. بقلم: عماد البليك
نشر في سودانيل يوم 21 - 07 - 2018

"ما كان ممنوعًا في جنة عدن كان مسموحًا به خارجها"
بول فريشاور – الجنس في العالم القديم
استهلال لبنية الدراسة:
أكاد أزعم بأن هذه أول دراسة من نوعها في الفكر السوداني تتجه لفهم الواقع من خلال تحليل "الواقع" نفسه متمثلًا في الإطار الحركي له المقيّد من خلال تقنية الكاميرا/الفيديو. في محاولة لإدراك البني المستترة من هذا الواقع وتقييد هذه اللحظة "التاريخية" في مستوياتها ذات التشعب، التي تأخذ من مسائل الدين والأخلاق والجنس والقيم الاجتماعية، ومجمل تصورات الإنسان السوداني "الأكثر حداثة" لمأزق وجوده. مع الوضع في الاعتبار أن هذا "الإنسان" قد لا يعي حجم التأزم الذي يعيشه، وإن كان يمثله في تصرفاته وسلوكه اليومي، ومن هنا فإن الدراسة التفكيكية والتحليلية لبنى الواقع/ الأزمة من داخل منتج الحضارة الجديدة/ الصورة/الحركة وهما يشتغلان في معادل الزمن، يعمل ذلك على إحتمالية بناء أفق جديد للتنوير وبناء الحياة الأفضل. حيث أن أي مظهر أو سلوك أو صورة أو قيمة متجلية في التعامل اليومي، ما هي إلا متردف ومتشكل متراكم للوعي عبر تأريخ الكائن وجدليته مع الحياة والواقع.
ومن المفارقات أن هذه الصورة/الواقع/الأزمة/حركة الزمن محور هذه الدراسة، تتضمن مجموعة من الأشياء المتناقصة ما بين العنف والبساطة والبداوة والترييف والمدنية الشكلانية، والآلة الأكثر حداثة والطبائع الصعبة الراسخة في صلب الجمود وعدم القدرة على استنساخ صورة أكثر تأطيرًا لفهم تجليات الحياة الإنسانية في قوالبها المستحثة للنهوض والابتكار. وحتى عندما يحدث مثل هذا الشيء، فهو يندفع باتجاه التغريب الذاتي وتعزيز الثقة السلبية بالذات ويعمل في الآن نفسه على تحييد الخاصية الإنسانية، ليصبح مجاز الإنسان، الفعل والفاعل والمفعول، والمكان كلهم يدورون في زخرف الحقيقة، التي لا تشير إلا إلى مجاز محدد، أن الحقيقة دائما هي صورة لا تتبدل حتى لو تزخرفت، بإشارة باراك أوباما في حفل مئوية نلسون مانديلا وهو يتكلم عن فوز المنتخب الفرنسي بكأس العالم في روسيا 2018 .
إن الوظيفة البنائية التي من خلالها يمكن أن نفهم الواقع، لا تقوم على مجرد التحليل الخطابي الشكلي ولا الفنون المباشرة، بل دراسة كافة الاحتمالات التي تقود إلى أن ثمة متخفيات دائمًا ومتعلقات في أستار الوعي البراني، وبالنسبة لبلد كالسودان فخلال أكثر من ثلاثين سنة خلت تمزقت الكثير من حجب الغيب ليصبح المرئي غيبًا بحد ذاته وهنا تكمن أهمية البحث عن تصورات جديدة لوعي أنساق الحياة، من خلال فنون غير تقليدية أو تصور بدائي ومقالات سياسية جوفاء عابرة، أو خطاب يقوم على التوجيه المباشر، وخلف ذلك تأتي مهام عمليات الفلسفة والفكر والتحليل العميق للواقع من الأنساق من خلال النسق غير الشكلي أو التصورات التي تقود إلى النتائج المطلوبة أو المرئية سلفًا، وهذا يعني أننا لسنا أمام اكتشاف بل تصور مسبق وقائم وهنا الخلل.
الإطار العام لبنية الصورة والحدث/ الزمان والمكان:
في عصر يوم الأحد 15 يوليو 2018، وهو اليوم الذي لعبت فيه المباراة النهائية لكأس العالم بين منتخبي فرنسا وكرواتيا، وانتهت بفوز فرنسا 4 مقابل 2 (راجع إشارة أوباما أعلاه)، وفي تمام الساعة 17:00 أي الخامسة مساء بتوقيت السودان، مع انطلاقة المباراة جرت حادثة اغتصاب امرأة في واحد من شوارع الخرطوم بحي المنشية ليس بعيدًا عن السفارة الصينية، - وحيث يبدو أن الزمن كان متخيرًا بدقة - بحسب الفيديو الذي تم تناقله عبر وسائل التواصل الاجتماعي وانتشر بشكل سريع، وهو الفيديو الذي يشكل نقطة انقلاب في بنية الصورة بوسائل السوشلميديا في الفضاء السيبراني السوداني، حيث لأول مرة يتاح للسودانيين في مختلف الأعمار ومن الجنسين الإطلاع على عملية ممارسة جنسية "اغتصابية" تامة. هذا يعني ببساطة أننا أمام تحول مركزي في مفهوم التلقي في الصورة، فحتى لو كان هناك من يشاهد أو يتعرف على العنف والجنس والإغتصاب الخ.. فهي المرة الأولى – سودانيًا التي يتم فيها هذا على المستوى الجمعي ولحادثة محلية، كما أنها المرة الأولى التي يكاد يكون فيها توثيق لحدث مثل هذا النوع بمفهوم الجرم المشهود وفق معايير "الشريعة الإسلامية"، في إطار المركز الحضري، الخرطوم التي لها دلالات مرتبطة بفكرة السودانيين عن هرم "التحضر" في السودان.
وبعيدًا عن القصة المتعلقة بالفيديو وتفاعلاته من حيث التشكيك فيه أولًا ومن ثم مغامرات الشباب التي أدت إلى كشف المكان وتحديده بالضبط، ومن ثم وضوح الحقيقة كاملة من حيث المكان والكاميرا التي تم التصوير بها الخ.. أيضا بعيدًا عن الدور الاستكشافي والتحقيقي الذي قام فيه المواطنون بعمل جهات الشرطة، التي أتخذت مبدأ التشكيك في تصريحاتها للصحافة من أن الفيديو لا ينتمي لجغرافية السودان، إنما لدولة الصومال ما نفاه السفير الصومالي لاحقًا وقبلها نفته اجتهادات "المواطن/الصحفي/المحقق" بتصوير مكان الواقعة، فإن هذه الصورة برمتها تكشف عن العديد من التحولات في بنى متعددة ومتراكبة من حيث بناء طبقات جديدة من الوعي الجماهيري المترتب عن عصر الميديا الحديثة، كما يكشف ذلك عن خطين متوازيين يعبران عن أزمة الانفصال بين الدولة والمجتمع، وهي مسألة أكثر عمقًا وشرخًا من حيث التحليل المتسع لها.
وفي هذا الإطار الواسع يشار لتصريحات مسؤول أن الفيديو مفبرك وأن كاميرا المراقبة تكون في العادة ثابتة ولا تتحرك إلخ.. من الأمور في هذا الجانب. وهي جميعها تكشف عن بناء هشّ لأنظمة العدالة في مقابل الهزة والشرخ في المجتمع الذي ترتب عن تراكمات سنين عددًا بالإضافة إلى تحولات الوعي وأنساقه التي قادت في المقابل أن يقود السودانيون عبر الوسائط الحملة الإعلامية التي طغت على ما يمكن أن تطرح وسائل الإعلام الرسمي والذي بات باهتًا ومسارًا للسخرية أكثر من كونه مصدرًا للمعرفة والحقيقة، لكنه يقدم فقط "الحقيقة المزخرفة" وفق المنظور المطروح سلفًا.
جملة الحقائق سواء المزخرفة أو الواضحة، في حين تتداخل الحقائق في ظل واقع غير مدروس أو مهيأ للفهم من خلال الضخ الهائل للمعلومات غير المفلترة، فإن مقطع الفيديو الذي كان زمنه دقيقة و46 ثانية، تضمن "مشاهد لشاب يقود دراجة نارية (موتر)، يقوم بإيقاف امرأة تعبر الطريق ويشهر لها السكين ويأخذها إلى جوار إحدى السيارات ليمارسان الفاحشة بصورة كاملة، دون أدنى مقاومة أو اعتراض من جانب المرأة، مع ملاحظة مرور سيارة بالقرب من مكان الحادثة" – هذا التلخيص كما هو مأخوذ عن صحيفة المجهر السودانية - إذ يمكن رواية الصورة والفيديو بأكثر من قصة - وقد نقلت الدراسة هذا التصور اللفظي لأنه يكشف العديد من محمولات الوعي العام، التي تبرز من وراء اللغة، وهو موضوع آخر لا تتم مناقشته هنا، من حيث كيفية تعاطي وسائل الإعلام الرسمية مع حدث كهذا .
الصورة وتأطير الزمن/ الواقعية الجديدة:
يشكل نشر فيديو حادثة "اغتصاب المنشية" نقلة في مفهوم وعي الواقع وأزماته من خلال الانتقال إلى الصورة وتأطير الزمن فيما يمكن أن يُشكِّل نهاية للواقعية القديمة وبداية لما يمكن الاصطلاح عليه بالواقعية الجديدة، المتأتية من وسائل السوشلميديا وانفتاح فضاءات التلقي وقبل ذلك وسائل التخزين والذاكرة والأرشفة الإلكترونية وأجهزتها ككاميرات المراقبة التي كانت وسيط توثيق الحدث.
والمعني بالواقع هنا – بالإشارة إلى مفاهيم الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز وتنظيراته حول عصر الصورة، أن الواقع هنا "لم يتم تمثيله أو إعادة إنتاجه إنما أصبح مستهدفًا" ، وينطبق هذا التصور على فيديو المنشية من خلال أن الحدث واقعي تمامًا من حيث بنية الحدث، ولا يخضع لأي إطار درامي أو سينمائي أو عملية تمثيل، كما حاول بعض الناس في بداية الأمر تعريف "الفيديو" على أنه يصب في إطار الفيديوهات التوعوية التي تقوم بعض الدول بطرحها في سبيل تعريف المجتمع بقضايا معينة وتدعيم ذخيرته المعرفية والانتباه في هذا الموضوع المحدد، كقضايا اختطاف الأطفال والسرقات المنزلية وغيرها. وقد تمت الإِشارة من البعض إلى أن الفيديو يصب في هذا الإطار ومأخوذ من إحدى الدول الأفريقية – لم تحدد – لكن ذلك لم يكن صحيحًا لأنه حتى في الفيديوهات التوعوية لا يتم تمثيلاً بهذا الشكل من الوضوح في الجرم المشهود.
وفي إطار قراءة الواقع من خلال الصورة، أي الواقع الجديد للصور والأشياء كما تتبدى جريئة دون حذف إو إضافة أو مونتاج، أو توظيف للخيال كما في المحكيات عندما يعاد رواية القصص أو حكايتها في أمور كهذه؛ فإن الصورة الحركية في معادل الزمن الخاص بها تلعب دورًا كبيرًا في كشف الكثير من الأمور المستترة، إننا أمام نمط من الاكتشاف المباشر بالتفاعل أو الاحتكاك اللحظي المباشر للوعي مع الصورة دون الحاجة إلى تحفيز التخييل الذهني في المرويات.
إن ميزة الصورة والحركية بالتحديد التي تسجل الزمن، في حين الصورة الفوتوغرافية الثابتة لا تحفل بالزمن، تقوم على أنها تعبر عن "نمط جديد للوجود" وهي تعيد إنتاج الواقع القديم في تصور جديد يعاد استنطاقه عبر القراءة والتأويل والانفتاح المباشر لقراءة النص البصري. بالتالي فالمخيال سوف ينفتح هنا من خلال الاحتكاك وليس التخييل، وكما قال دولوز فالصورة هنا تصبح "جسدًا يخاطب جسد آخر".
لقد تشارك السودانيون في إنتاج تصور جديد لواقعهم في لحظة جمعية عبّر كل منهم فيها بشكل أو بآخر عن "الأزمة/الواقع/الوجود" ليتاح اكتشاف محمولات مختلفة لرؤية الكائن والحياة في قضايا تبدو متباعدة، لكن هذا الفيديو أعطاها كلية في اصطلاحه المرتبط ب "الواقعية الجديدة" هذا الإطار الذي أوجده. وحصل تأطير الصورة أو زمنها الحركي في مقابل الانفتاح الذي تمّ في استحداث التصورات والأفكار وهو ما يحدث عادة مع أي حدث أو واقع تتم مناقشته، غير أن الاختلاف المركزي هنا جاء بمنظور الإطار الذي تم من خلال التلقي كما وُضِّحت المسألة أعلاه.
ويجب أن نضع في الاعتبار أن التلقي للصورة الحركية، ذات الطابع الزمني، قد حدث في عدد من حوادث سبقت "فيديو المنشية" مثل قصة فيديو المطار التي جرى فيها خلاف ومشاكسة بين مواطن أمريكي/سوداني ورجال الأمن بالمطار، أو كتصوير لمشاهد ما بعد حدث معين، في جرائم قتل أو غيره كحادثة شقة شمبات التي قتل فيها ثلاثة شبات في عملية تبديل العملة، لكن الجديد هنا، أن الموضوع بحد ذاته مثيرًا ومستفزًا. فهو قبل كل شيء، يتلصق ب "الجسد" مباشرة" – نعني الجسد كدالة للصورة كما ورد في التعريف السابق - "جسدًا يخاطب جسد آخر" – أي محمول الحدث ودواله المباشرة، كذلك فإن "جسد الصورة" يعبر عن اللحظة وليس ما تبعها أي ما بعد وقوع الحدث كما في جرائم القتل أو تصوير الحوادث أو عملية القبض على الضحايا الخ...، كذلك فهو وهذا هو الجانب الأهم يرتبط بواحدة من التابوهات العميقة في المجتمع. وحتى لو أن الواقع القديم تدور فيه هذه الصور غير الموثقة، فالواقع الجديد أو الواقعية الجديدة تعني أننا ننتقل لمرحلة المشاهدة والعيان وهذا يحدث الفارق العميق في إمكانية الوعي وتبدلاته الإيجابية الممكنة، بخلاف ما قد يزعم المتشددون في أن التلقي التصويري هذا قد يكون مدعاة للخلاعة.
مترادفات الوعي المتراكم/ الخدع الكامنة:
دائمًا يكون الوعي إطارًا وليس حقيقة بحد ذاته، فهو يكشف لحظة معينة ومن ثم يترتب عن مزيد منه/ أي الوعي، استبدال طبقة الواقع إلى غيره بالمزيد من التحليل والقراءة الحاصلة، أي الوعي المتجدد أو خلع جلد الوعي المستمر. فبالتالي يكون الإنسان أمام حضور لتناسل الخدع التي تعمل على تغييب مستمر للحقيقة وهذا يعني أزمة مستمرة ما لم يتم انتهاج متلازمات يتم الاتفاق عليها لإيقاف الوعي في درجة تكافئية لحظية وتاريخية، يكون عندها ممكنًا الإحساس بالخطر بشكل جمعي ومن ثم ترتيب فرص الأفضل.
إن مفهوم الخدعة المستمرة يعني بشكل مباشر درجات متفاوتة من مجتمع لآخر بحسب تطور الحياة والحداثة والتحضر، لأن من الصعب القول بأن الخدعة تتوقف. لهذا فإن الصورة بشكل ما هي بداية لوعي جديد من انتباه "الواقعية الجديدة" التي تتيح للناس توثيق الحياة بطريقة مختلفة ووقحة؛ كذلك تساهم في تشاركية جمعية للوعي والمطارحات والحلول الممكنة عبر السياق الكلي للمجتمع وهي إحدى رهانات التحفيز التي أوجدها فيديو المنشية، برغم صورته القاتمة والقبح الذي كشف عنه في تلافيف المستتر والمرئي في المسكوت عنه.
يكشف التاريخ الإنساني في مجازاته وأساطيره الكبرى كيف أن الإنسان واجه الحقيقة في طبقات متتالية ولم يكشفها مرة واحدة ويبدو ذلك جليًا في قصة آدم وحواء، وكيف أن خيار الصورة أو "الواقع الجديد/ العري" لم يكن منذ البدء، وكأنما الترميز الذي تتضمنه القصة هنا يشير إلى أن الذات الإلهية العليا أرادت أن تعلم الإنسان كيف أن الزهرة لا تأتي من اللحظة الأولى وأن الازدهار الكلي لحقيقة الإنسان والوعي لا يكون من مجرد الخلق بل لابد من الاختبار والتحميص والرحلة، بمعنى محاولات الإنسان للرؤية عبر الإطار الزمني المتحرك، وبمجرد أن ينكشف عالم ثان وثالث تبدأ الإنسانية في تلمس ملامح جديدة لاختبار الظروف ومراهنة الحوادث بحيث تزيل الأثقال شيئًا فشيئًا.
وإذا كانت القصة قد مثلت أولى تجليات ازاحة الخدع ومحاولة دحرها بأن يكون الإنسان ابن الوعي الأبدي وهو في كل الظروف أمر مستحيل إلا في بعض التصورات الصوفية العميقة، والاختبارات التي تزعم بأن يتمكن الإنسان من الوصول إلى ألواحه الإكاشية ليتحكم في المصائر ويخل ببنية الوعي من حيث الحاجة له أساسًا، فإن الصورة أو عصر التوثيق المصور الذي بدأ في القرن العشرين، هو لحظة كونية كبيرة في التاريخ الإنساني، مكنت من الانتقال بالوعي من درجة التفكير التخييلي المتعلق بالصور الذهنية إلى الخدع المصورة مباشرة في إطار المكان أولًا عبر الصورة الفوتوغرافية ومن ثم عبر إطاري الزمان والمكان في الفيديوهات الحركية.
لهذا فإن اللحظة التي تشير لفيديو المنشية هي استباق للحظة جديدة سوف يكون لها تأثيرها في أنماط واستكشافات قد لا يشعر بها المجتمع راهنًا، بيد أن التأثير بدأ فعليًا مع اختراق التابو نفسه منذ البدء في إمكانية التحرك لحوار حول مداليل الحدث المصوّر دون حاجة للحياء أو الخجل وفي الوقت نفسه استدعاء التاريخ المتراكم في الوعي واللاوعي من الأنقاض اللانهائية لأزمات السودان.
مصادر وهوامش:
- أشار أوباما إلى أن الحقيقة الأساسية لا تتجزأ، وهي تقع في قلب كل دين عالمي، وأننا نرى أنفسنا من خلال الآخرين، المصدر:
Obama celebrates diversity of French World Cup team
https://www.connexionfrance.com/French-news/president-obama-celebrates-French-World-Cup-2018-winning-team-for-racial-diversity
تاريخ النشر: 18 يوليو 2018
- يحمل ورود اسم حي المنشية بجوار حدث الفيديو تصورًا ذهنيًا ربما لم ينتبه له عامة الناس برغم أنه معروف، وهي أن المنشية تشكل ذاكرة لمعقل الصراع الذي حصل مع مطلع الألفية بين القصر والمنشية، حيث يسكن زعيم التيار الإسلامي الدكتور حسن الترابي. وكأنما ثمة رمزية "قدرية" في هذا الإطار من ارتباط فيديو "الاغتصاب" بحي ارتبط بتصورات الوعي الديني الراديكالي.
- https://www.sudaress.com/alsudani/113919 الشرطة تحقق في مزاعم اغتصاب سيدة في الشارع العام، نشر بصحيفة السوداني، يوم 17 يوليو 2017.
- صحيفة المجهر السياسي، 18 يوليو 2018، منى ميرغني - الشرطة تُلقي القبض على الشاب الذي أنتج وبث فيلم الاغتصاب بالمنشية، http://www.almeghar.com/archives/65243
- ص 270، جيل دولوز – سياسات الرغبة، تحرير: د.أحمد عبد الحليم عطية، الفارابي - بيروت، الطبعة الأولى، 2011.
- ص 274، جيل دولوز، المرجع السابق.
- السجلات أو الألواح الأكاشية Akashic records يفترض أنها عبارة عن مكتبة ضخمة هائلة توثق كافة الأحداث في حياة الشخص بل للكون كله تعرف تلك السجلات أيضا باسم كتاب الحياة ويفترض أن الأثير هو من قام بانشاءها،أن لفظ أكاشا لفظة سنسكريتية معناها السماء أو الأثير، ويشير بعض العلماء المسلمين إلى أنها توازي "اللوح المحفوظ" وهي في كل الأحوال عبارة عن إطار نظري لا دليل علمي عليه. – ويكيبيديا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.