والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    بايدن يعين"ليز جراندي" مبعوثة للشؤون الإنسانية في الشرق الأوسط    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    مصادر: البرهان قد يزور مصر قريباً    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    إقصاء الزعيم!    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    تشكيل وزاري جديد في السودان ومشاورات لاختيار رئيس وزراء مدني    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    الجيش يقصف مواقع الدعم في جبرة واللاجئين تدعو إلى وضع حد فوري لأعمال العنف العبثية    أحلام تدعو بالشفاء العاجل لخادم الحرمين الشريفين    السيسي: قصة كفاح المصريين من أجل سيناء ملحمة بطولة وفداء وتضحية    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    دبابيس ودالشريف    البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فتحي المسكيني و لوك فيري في ظل علمنة المعلمن تكون الحرية و ليست الهوية .. بقلم: طاهر عمر
نشر في سودانيل يوم 30 - 08 - 2018

لوك فيري فيلسوف فرنسي لا يمكنك تجاوز محطاته دون ان تقطف منها ما يكاد أن يكون في حيز المعدوم في مكتبتنا السودانية وهذا نتاج عبقريته الفذة في وضع أفكاره التي قد أصبحت سيدة تقاطع الطرق في مسألة تاريخ الأفكار بعد ريموند أرون وجهوده الجبارة في خمسينيات وستينيات القرن المنصرم أيام سيطرة الفكر الشيوعي و حينها كانت تبدو الشيوعية كنظرية شاملة و متكاملة ولكن لم ترهب ريموند أرون من ان يلاحظ وفقا لفلسفة التاريخ ان ماركسية ماركس خاوية مما يجعلك أن تكون ماركسيا بعد أن جعل من علم الاجتماع معرفة في صميم الديالكتيك ليصب الامر عنده في قرار واختيار و من حينها كان اختياره للنظام الليبرالي الذي يمثل رفضه للشيوعية كنظام شمولي بغيض لا يقل بشاعة عن النازية و الفاشية و بعد انهيار جدار برلين قد انتصر فكر ريموند أرون في تتويج التاريخ بالتاريخ الذي لا يتوج أي ان الماركسية كانت تعتقد في فكرة تتويج التاريج بفكرة انتهاء الصراع الطبقي وعكسها كانت فكرة الليبرالية بان التاريخ لا يمكن تتويجه لان تاريخ الانسانية تراجيدي ومأساوي بلا قصد ولا معنى فلا يمكن تتويجه لذلك نجد ان فوكوياما في كتابه نهاية التاريخ و الانسان الأخير ماهو الا تلخيص لفكرة الاقتصاد والمجتمع لماكس فيبر الذي فضله ريموند أرون على دوركهايم و صارع بها غائية الماركسية في لاهوتها الديني ففوكوياما كأنه يريد أن يقول في رده على فكر الماركسية الغائي في لاهوته الديني و فكرة انتهاء التاريخ ها هو التاريخ يتوج بتاريخ الفكر الليبرالي الذي لا يتوج أي أنه مفتوح في تراجيديته ومأساويته في مسيرة لا نهاية بلا قصد و لا معنى وليس كما يتوهم ماركس و هيغل في فكرهم اللاهوتي الغائي الديني الذي يتحدث عن نهاية التاريخ بانتهاء الصراع الطبقي.
على أي حال بسبب غياب أفكار مثل أفكار ريموند أرون في خمسنيات القرن المنصرم في اختياره للنظم الليبرالية و رفضه للنظم الشمولية مازالت الساحة السودانية تفتقر لرصيده نقول هذا ونحن ندرك ان ريموند أرون من مجتمع حديث مقارنه بالمفكريين السودانيين في ذاك الزمان و هم من مجتمعات تقليدية لم تكن في دائرة المجتمعات الحديثة و ورثة عقل الانوار كحال ريموند أرون لذلك حتى اليوم نجد من ينشر تقارير الحزب الشيوعي السوداني منذ ستينيات القرن المنصرم وكأن جدار برلين مازال قائم وهذا نتيجة غياب المثقف السوداني عن مشهد الفكر في تطوره و فلسفة التاريخ و الى أي الافكار أقرب.
أيام ريموند أرون ونشدانه للفكر الليبرالي و رفضه لفكر النظم الشمولية المتمثل في الشيوعية كان قد تزامن مع فجر الاستقلال في السودان وحينها قد أصبح المثقف السوداني يرزح تحت نير الأحزاب الطائفية التي أنجبت الحركة الاسلامية السودانية لكي تخلق معادلة عبدة النصوص سواء كان في فكر الحركة الاسلامية أو في فكر الحزب الشيوعي في حين أن العالم الحي منذ ايام فجر الاستقلال في السودان قد بدأت فكرة القرار والاختيار وكان الاختيار لنظم ليبرالية تكون فيها الحرية قيمة القيم أما نحن في السودان قد غرقنا في أوهام الهويات القاتلة كما يقول أمين معلوف وسيطرت على فكرنا فكرة الهوية الثقافية لكي توضح مدى الخواء الفكري الذي قد تعمم به المثقف السوداني في حين أن العالم من حولنا قد أصبح يستمع لنداء الوجود في ضميره وتجربة الانسان ليختار الحرية و ليست الهوية.
مثلا في فرنسا أيام ساركوزي رئيسا قد دعى لفكرة الحوار عن الهوية الوطنية لفرنسا فقد تصدى له فلاسفة فرنسا وحينها قد بدى ساركوزي كأسواء رئيس في مستوى تدني الثقافة يمر على رئاسة فرنسا في حين نجد عندنا في السودان نجد من يزعمون أنهم مفكرين بنيت أمجادهم في طرح فكرة الهوية ألم يدل ذلك على أننا شعب ضايع لأن كل ما حولنا يدل على أننا شعب ضايع لأن مجد مفكرينا بني على فكرة الهوية وليست الحرية و في فرنسا حينما يحاول الرئيس ساركوزي بناء مجده من فكرة الهوية يصنف كأسواء رئيس في مستوى تدني الثقافة يا لها من مفارقة عجيبة؟
غياب أفكار مثل أفكار ريموند أرون الذي تزامن مجده أيام استقلال السودان وغياب نخب تقدم فكر يرتقي لفكره في السودان في ذاك الزمان جعلنا نمثل حالة مجتمع تقليدي لم يستطع مفكريه عبور عتبة المجتمعات التقليدية والدخول الى مرحلة الدولة الحديثة حيث يسطع مجد العقلانية و ابداع العقل البشري وغياب فكر ريموند أرون الى يومنا هذا يجعلنا في حالة العجز و الاستلاب والاغتراب التي تسيطر على الساحة السودانية ودليلنا على ذلك هاهي الانقاذ كثمرة مرة لفكر الحركة الاسلامية قد سقطت بفعل سؤ أداها الاقتصادي المتمثل في تدني مستوى المعيشة ولم تستطع النخب تقديم فكر يلتقطه قائدا يقود التغيير بعد أن يتسلح بالتفسير الذي يقدمه المثقف المكوَن اي المفكر في قيادة الشعب الى رحاب الحرية و ليست الهوية في زمن سقوط الانقاذ كاعلان لسقوط الهووي الصاخب في تمركزه في العرق و الدين والايدولوجيا في مشهد الفكر في السودان. هذا العجز والاستلاب والاغتراب في جعل التغيير غير ممكن سببه تخلفنا عن مسيرة الفكر بستة عقود اذا ما قارنا حالة الفكر اليوم في السودان بأيام ريموند أرون في الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم.
أما الحلقة المفقودة الأخرى من مشهد الفكر في السودان هي فلسفة الثمانينيات من القرن المنصرم ونجد دالتها قد وصلت الى قمتها عام1985 أيام الديمقراطية بعد سقوط نظام جعفر محمد نميري و هذه الحلقة المفقودة من تاريخ الفكر في السودان يمثلها فكر لوك فيري في كتابه الذي كتبه مع ألان رونو في نقد ثورة الشباب في فرنسا التي اندلعت عام1968 وحينها كان ريموند أرون يقف وحيدا ضد ثورة الشباب في فرنسا أيام مجد جان بول سارتر وقدم من الأفكار ما جعله ينتصر كما رأينا في المقال أعلاه بعد ريموند أرون ظهر لوك فيري متصديا لأفكار فلاسفة ثورة الشباب في كتابه مع ألان رونو عام1985 ناقدا لأفكار ما بعد الحداثة ومدافع عن عقل الأنوار الذي لا ينبغي نقده بعد أن هاجمه فلاسفة ما بعد الحداثة حيث يصف لوك فيري فلاسفة ما بعد الحداثة و التفكيك الذي حاول ان يقضي على عقل الأنواروانتهى الى ما انتهى اليه أي أن جاك دريدا ماهو إلا مرددا لفلسفة هيدجر و ألتويسر ماهو إلا ماركس زائف وجاك لاكان ماهو إلا سيغموند فرويد مزور وميشيل فوكو ماهو إلا فردريك نيتشة فرنسي ودعى لوك فيري الى العودة لعقل الانوار والدفاع عن قيم الجمهورية و تمجيد وثيقة حقوق الانسان. فعند لوك فيري أفكاره كوريث لعقل الأنوار منذ نشؤ الأنساق الكبرى من ديكارت الى ماركس المرفوض و مرورا بالتفكيك نجده يدافع عن عقل الأنوار ويقول أن عصرنا الذي نعيش فيه اليوم مهمتنا تحديد ملامحه و نجده يصل الى فكرة ذات بلاهوية كما ينادي فتحي المسكيني أما لوك فيري ينادي بميلاد الانسانية الثانية ذات بلاهوية حيث تكون الحرية و ليست الهوية وهنا تتجلى فكرة الانسانية الثانية حيث يصبح المقدس هو الانسان في محاولة تأليه الانسان و أنسنه الاله فنجد لوك فيري يعود الى أفكار ايمانويل كانت وفكرة العقد الاجتماعي وفي نفس الوقت نجده على الصعيدي الفلسفي يصر على أهمية التفكيكيين أمثال شوبنهاور و فردريك نيتشة و مارتن هيدجر في ترسيخ معنى انسانية بلا قصد ولا معنى في مسيرة الانسانية و تاريخها التراجيدي و المأساوي وهي نفس فكرة الديالكتيك عند ريموند أرون لذلك نجد أن محمد اركون في نقده للحداثة و اعتماده لأفكار ما بعد الحداثة في فكرة القطيعة وكذلك فتحي المسكيني في شغفه بفلسفة هيدجر ونيتشة نجده تتطابق أفكارهم مع لوك فيري في تمجيده لفكر كل من هيدجر وشوبنهاور ونيتشة على الصعيد الفلسفي في فكرة الوصول الى انسانية بلا قصد ولا معنى أما على صعيد فكرة الاقتصاد والمجتمع نجد لوك فيري يتجه الى أفكار الكانطية الجديدة وفكرة العقد الاجتماعي وفكرة معادلة الحرية والعدالة لذلك مخطئ من يظن أن فكر نيتشة و هيدجر يمكن أن يرفض كله أو يقبل كله ففردريك نيتشة وهيدجر رفعا اس علمانية الفكر المسيحي في محاولة دي كارت و هيغل أي اذا كانت أفكار دي كارت وهيغل هي امكانية علمانية المسيحية فان نيتشة و هيدجر علمنوا فكر كل من دي كارت و هيغل و أضافا لجهدهم في توسيع معنى الحرية و نجد نقد كل من فردريك نيتشة و مارتن هيدجر لماركس في ماركسيته الخاوية وخاصة عبر فكر نيتشة ومعنى فكره في الجنيالوجي دي لا مورال الذي يجافي فكرة نهاية التاريخ عند ماركس و هيغل. هذه هي الحلقة المفقودة وبسبب غيابها نجد ماركس الزائف مازال ينشر تقارير الحزب الشيوعي السوداني الى يومنا هذا عن مؤتمر الحزب الشيوعي السوداني عام1968
والأخطر من ذلك نجد في غياب فكر نيتشة بالذات في حالتنا السودانية سيطرة الحركة الاسلامية ككهان وحجبهم للحرية عن آفاق الشعب السوداني وكره نيتشة للكهان نجده قد لخصه فتحي المسكيني في مقارباته لفكر نيتشة في توسيع أفق الحرية في الفكر الاوروبي وبالتالي يلتقي في ذلك مع لوك فيري ونجده في قول نيتشة ان الخطير هو ما يقوم به الكهان مهما كان لونهم او قومهم أو عصرهم من صب السم في الدسم إن الكهان كما هو معلوم هم أشر الاعداء ولكن لماذا لأنهم أكثر الناس عجز و من العجز يتولد عندهم الكره مرعبا و موحشا روحيا و مسموم كأشد ما يكون. لقد كان أشد الناس كرها في تاريخ العالم على الدوام كهان و كان هؤلاء الكارهون أيضا من أشد الأرواح مكرا. ألم ينطبق حديث نيتشة عن الكهان على أعضاء الحركة الاسلامية السودانية من أعضاءهم العاديين الى أكبر مفكريهم ان كان بينهم مفكرين؟
فعند لوك فيري إن الفلسفة لم تكن فن التفكير بل كانت فن العيش لكائن بشري لا محالة ميت فهي ليست للتامل فقط بل هي محاولة لتهدئة بال انسان حياته محفوفة بالموت الحتمي ومن هنا كانت محاولات لوك فيري في تتبع الفلسفة في الفكر الاوروبي منذ ما قبل سقراط الى يومنا هذا كبعد وجودي أهتم به لوك فيري فكانت بدايته مع الاغريق في فكر أفلاطون و ارسطو وكان عند الاغريق فكرة التناغم مع الطبيعة حيث يجد كل شي مكانه الطبيعي ونجده في الاوديسة أن أوليس في حرب طروادة فقد مكانه الطبيعي بسبب الحرب فالهوية عنده سلوكه من أجل الرجوع الى مكانه الطبيعي وهنا تكون الهوية مقابل الوجود والتناغم معه في امكانية وجود مكانك الطبيعي. ثم جاءت المرحلة الثانية في العهد اليهودي المسيحي ومنها جاء ادراك جديد لفكرة الآلهة وفكرة الاله المتعالي و تلاقي الفلسفة الاغريقية مع الفكر المسيحي هذا الالتقاء مابين العقل الغربي الاغريقي و الفكر المسيحي هو الذي أنتج النزعة الانسانية التي أمتازت بها الحضارة الغربية كحضارة متفردة تختلف عن بقية الحضارات التقليدية ومنها انبثق عقل الأنوار أما من فوائد فلسفة هيدجر و نيتشة و شوبنهاور فقد فتحت الباب على انسانية بلا معنى ولا قصد ومنها جاءت فكرة الانسانية الثانية عند لوك فيري حيث أصبح الانسان هو المقدس فلا يمكن أن يضحي الانسان بنفسه في شأن إله أو دين ولا وطن وهنا يصبح كل من فردريك نيتشة و هيدجر قد لعبا دور علمنة المسيحية التي أصبحت علمانية بفضل فكر الفلاسفة من دي كارت وحتى هيغل أي علمنة المسيحية المعلمنة.
وعندما نعيد البناء من جديد للفكر الاوروبي من افلاطون الى نيتشة لا نجد غير تأليه الانسان كما فعلت آلهة الأولمب في القديم في حربها ضد التيتان وعليه لا يمكن أن يضحي الانسان بحياته في شأن الإله أو الوطن أو الثورة بل الذي يمكننا أن نضحي من أجله هو الانسان أي الأسرة كما يقول لوك فيري في فكرة الانسانية الثانية و ثورة الحب فكما لخصت أرميل بارقييت أفكار لوك فيري عن الفلسفة بأنها هي فن كيف تحيا وكيف تجابه الموت كذلك هي ليس أكثر من أن نغوص في عالم الاساطير فالاساطير هي منبع المعجزة الاغريقية و كما ذكر في الكتاب المقدس في البدء كانت الكلمة فعند الاغريق في البدء كانت الاسطورة لأنها تجاوب على الاسئلة الاساسية للفلسفة التي تشرح فن الحياة و مواجهة الموت و من هنا جاءت فكرة ميلاد الآلهة وخاصة التيتان كآلهة حرب و بطش وبعدها جاءت آلهة الاولمب وهم أبناء التيتان وهم من قادوا الحرب على التيتان وأنتصروا على التيتان وعم السلام بفضل آلهة الأولمب. فعند لوك فيري و فتحي المسكيني أن الانسان قد أصبح ذات بلاهوية و قد تجاوز فكرة العرق و المعتقد والايدولوجية ومن هنا تاتي فكرة الحرية وليست الهوية كما يعتقد من وقفوا في مستوى فكرة الهوية الثقافية كما كان يعتقد ساركوزي بسبب تدني فكره حينما يدعو لمناقشة فكرة الهوية الوطنية سوف يكتمل مجده ولم ينتبه الا بعد أن قالوا له ان مستواه الثقافي المتدني قد أساء لفرنسا كونه قد أصبح رئيسا فرنسيا يدعو لمناقشة فكرة الهوية الثقافية كما عندنا في زعم من بنوا مجدهم في مناقشة فكرة الهوية وغاب عن بالهم أن الاهم هي الحرية وليست الهوية.
إلتقاء فكر فتحي المسكيني كفيلسوف مع لوك فيري جاء من شغف فتحي المسكيني بفلسفة كل من مارتن هيدجر و فردريك نيتشة في اهتمامهم بفكرة سؤال الوجود وليس سؤال الموجود وهو القلب النابض لفلسفة مارتن هيدجر فكان همه سؤال الوجود و يقابل في فلسفة نيتشة سؤال الحياة لوك فيري توصل لهذه الفكرة من اهتمامه بدراسة تطور الفكر الاوروبي منذ أيام الاغريق و الرومان ثم التقاء الفكر المسيحي بالفكر الاغريق ومنه جاء فكرة النزعة الانسانية ثم جاء دور التفكيكيين أمثال فلاسفة ما بعد الحداثة ونجد أن لوك فيري قد حطم مشروعهم الذي ينتقد عقل الأنوار ويدعو الى أن مهمة تحديد ملامح عصرنا هي مهمتنا نحن فعلى صعيد الفلسفة نجد لوك فيري يقدر فلسفة نيتشة و هيدجر أحسن تقدير وينتقد من أعتمدوا عليها أي فلاسفة ما بعد الحداثة في محاولتهم في نقدهم للعقل وهجومهم على وثيقة حقوق الانسان و تحطيم قيم الجمهورية أي ميشيل فوكو و جاك دريدا فكما يشيد فردريك نيتشة بأن أكبر ابداع أخترعه العقل البشري هو الاساطير اليونانية في قدرتها على تفسير سؤال الوجود في عقل الانسان كذلك نجد لوك فيري في أعادة التركيب يعود الى أن تطور الفكر الأوروبي قد عاد الى الأساطير اليونانية وفكرة سلام العالم الذي رسخته آلة الأولمب في حربها ضد التيتان.
لذلك نجد فتحي المسكيني يلتقي مع لوك فيري في قدرته على طرح فكرة ذات بلا هوية خط معاكس يهزم به خطاب الهووي الصاخب الذي قد تمثل في العالم العربي و الاسلامي في شكل الخطاب الديني و خطاب القوميين و فتحي المسكيني يسير في نفس خط فردريك نيتشة و مارتن هيدجر و مسألة سؤال الوجود فعند فتحي المسكيني نجد ان الهوية تقابل الوجود في معناها كما في فكر الفارابي و ابن رشد و ابن سيناء في اطلاعهم على الفلسفة الاغريقية و هنا يكمن إلتقاء فتحي المسكيني و لوك فيري ففلاسفة الاسلام في التقاهم مع الفلسفة الاغريقية قد ترجموا كلمة الوجود بمعنى الهوية لذلك عند فتحي المسكيني أن فكرة ذات بلا هوية ماهي إلا فكرة سؤال الوجود عند مارتن هيدجر وهنا تكمن أهمية أمثال فتحي المسكيني كفيلسوف يحاول تغيير مسيرة الفكر في العالم العربي والاسلامي ليختط خط جديد يفتح امكانية تغيير ممكنة تتجه باتجاه نشدان الحرية وليست الهوية كما يعتقد كل هووي صاخب.
فتحي المسكيني في مشروعه للترجمة لأعمال مارتن هيدجر يقدم محاولة جادة من أجل خلق جيل جديد يقود مسيرة التفكير ويحاول ان يجسر المسافة ما بين الحضارة الغربية كحضارة استثنائية و قدرة الثقافة العربية في أن تتذكر ما قالته حضارة اخرى وخاصة أن الحضارة العربية الاسلامية اليوم من أشرس الحضارات التقليدية في مقاومتها للحداثة. مشروع المسكيني محاولة لاكتشاف قدرة اللغة العربية في ترجمة ما أنجزته الحضارة الغربية كحضارة استثنائية و قد أصبحت ممر إلزامي من أجل العبور الى أعتاب الحداثة و مغادرة أعتاب المجتمعات التقليدية وكما يقول مارتن هيدجر أن اللغة بيت الوجود و مسكن الانسان ففتحي المسكيني يحاول أن يجعل من لغته بيت وجود ومسكن الانسان في استيعابها لما قالته اللغات الاخرى كبيت للوجود و مسكن للانسان ومن هنا يدعو فتحي المسكيني الى الهجرة الى الانسانية عكس دعوة الحركة الاسلامية السودانية الى الهجرة الى الله و من هنا تكون عند فتحي المسكيني الدعوة لذات بلا هوية وهي تقابل سؤال الوجود عند مارتن هيدحر و معنى الحياة عند فردريك نيتشة والمسكيني في بحثه قد وجد ان فلاسفة الاسلام كابن سيناء والفارابي و ابن رشد كانت عندهم كلمة هوية ترجمة لكلمة الوجود وهنا تتبدى الحرية و ليست الهوية كما يتوهم دعاة الهوية الثقافية وهاهي تفتح الى حروب حتي بين من يزعمون حماية الهوية فنجد ذلك في حرب فصائل دينية لاخرى وفتاوى تكفيربين فصائل كل منها يزعم أنه من يصون ويحمي الحمى.
فتحي المسكيني يتحدث عن فلسفة النوابت أمثال الفارابي و ابن رشد وغيرهم من فلاسفة الاسلام وهم يقابلون فلسفة النوابت في العصر الحاضر كما صنف فتحي المسكيني كل من فردريك نيتشة و جبران من النوابت ومهمتهم قد زادوا من سعة الحرية فعنده أن ديكارت قد أصبح ضمير مسيحي لم يعد معذب في محاولته لعلمنة المسيحية وفتح الطريق لايمانويل كانت أن يتحدث عن الدين في مجرد حدود العقل في علمنة المسيحية و من بعده نجد ان فلسفة كل من فردريك نيتشة و مارتن هيدجر قد استطاعت أن تقوم بدور علمنة المعلمن في الوصول الى فكرة تاريخ انسانية تراجيدي و مأساوي بلا قصد و لا معنى بعيد عن وهم من يتحدثون عن فكرة الهوية في السودان بضمير معذب لا ينتج الا العنف الذي فتك بالسودان و السودانيين والسبب هو غياب فلاسفة أمثال ايمانويل كانت الذي يوصف بالفيلسوف النبي واحيانا يوصف بأن موقعه من الفلسفة الألمانية كموقع النبي موسى من تاريخ الديانة اليهودية فايمانويل كانت يوصف بأنه موسى الألمان كما يقول فتحي المسكيني. ففي السودان نحن في انتظار لفلسفة النوابت لكي تقضي على أفكار مثل أفكار التلفيقيين والترقعيين في فكرة المؤالفة بين العلمانية والدين كما توصل بعض نخب السودان في لقاء نيروبي في محاولة أن يبقى السودان كجزيرة معزولة لا تخشاها أمواج فلسفة النوابت وهيهات.
فتحي المسكيني في كتابه فلسفة النوابت يكتب الآتي لقد كان الفيلسوف في تاريخ الحقيقة الذي تأسست عليه ثقافتنا دائما فيلسوفا نابتا أي كائن لم يجد لنفسه مستقر فاذا هو مضطر في كل مرة الى استحداث التشريع الروحي الذي يجعل وجوده ممكنا بيد أن وضعية النابت هذه التي فكر بموجبها الفلاسفة العرب انما هي حسب افتراضنا الوضعية الراهنة للفيلسوف المعاصر بعامة الفيلسوف الذي وجد أن عليه أن يتفلسف في عصر نهاية الميتافيزيقا تساوى في ذلك نوابت الغرب و العرب. ان العالمية امتحان عسير لمن يفكر في ظل ثقافة فقدت جزءا كبيرا من ثقتها في عصر و في نفسها في آن وليس يعيد هذا النحو من الثقة مثل المسألة الفلسفية وهذا هو بعامه الغرض من كتابه فلسفة النوابت.
لذلك يعتبر فردريك نيتشة في نظر فتحي المسكيني من النوابت وفلسفته تمثل فلسفة النوابت ومع مارتن هيدجر يجسد فكرهم فكر ما بعد الميتافيزيقا أي يعتبر فكرهم هو مسيرة ما بعد التفكير الهيغلي فهيغل قد وصل بالفلسفة المثالية الألمانية الى قمتها عندما حاول أن يتجاوز و يتخطى التعارض القائم ما بين فلسفة الانوار المتجسدة في فكر ايمانويل كانت وأفكار الرومانتيكيين ضد الثورة لذلك يعتبر فكر فردريك نيتشة و مارتن هيدجر فكر يتجاوز التفكير الهيغلي اي فكر فيما بعد الميتافيزيقا وهو يقترب من أن الميتافيزيقا لم تعد أرض معركة كما يتجلى فكر ايمانويل كانت لذلك على الصعيد الفلسفي يعتبر فكر نيتشة وهيدجر قد وسع من سعة الحرية ولكن نجد أن لوك فيرى يرفضه على الصعيد الاجتماعي و السياسي و يفضل فكرة العقد الاجتماعي كخط يقوده فكر ايمانويل كانت و علم اجتماع مونتسكيو و ديمقراطية توكفيل و اخيرا نظرية العدالة لجون راولز بمعادلة الحرية و العدالة التي تقود مسيرة الانسانية في تراجيديتها و مأساويتها بلا قصد ولا معنى.
لوك فيري يرفض فلسفة جاك دريدا و ميشيل فوكو وافكارهم فيما بعد الحداثة و اعتمادهم على فلسفة هيدجر و نيتشة و في نفس الوقت يحترم فكر كل من نيتشة وهيدجر في توسيعهما لمعنى الحرية وهنا نجد نقطة التقاطع التي تمثل نقطة التوازن في فكر لوك فيري و إلتقاءه مع فكر كل من محمد أركون و فتحي المسكيني و خاصة فتحي المسكيني في قدرته أن يلحظ الفرق ما بين فلاسفة ما بعد الحداثة كجاك دريدا و ميشيل فوكو وفكر كل من فردريك نيتشة و مارتن هيدجر رغم اعتماد فلاسفة ما بعد الحداثة على فكر كل من نيتشة و مارتن هيدجر. فتحي المسكيني يدعو دائما أن تكون الحرية أولا حرية الذات و حقها الحيوي الكوني في الانتماء الجذري للنوع الانساني بعيدا عن أسئلة الهوية المسبقة التي تلاحقها و تكبلها وتشكلها كما تشاء لذلك فهو دوما يقول نعم للحرية ولا لحراسة الانتماء بواسطة الذاكرة الممنوعة من التفكير.
في ملاحظة لوك فيري أن الفلسفة و الفلاسفة من دي كارت الى هيغل كانت الفلسفة تحاول أن تقول كل ما يتصوره المنطق الديني و لكنها تقول و تعبر عنه عبر طريق العقل أو بشكل علماني وهي فكرة علمنه المسيحية لذلك كانت أفكار هيغل التي بلغت بها الفلسفة المثالية الألمانية الى منتهاها كانت أقرب لمنطق الدين لذلك كانت غائية لاهوتية دينية فهيغل كانت فلسفته أقرب لمنطق الدين فقط وضع كلمة العقل بدلا للايمان لذلك كان في فكره أن العقل يجاري أسطورة الدين فعند لوك فيري أن فكر هيغل كان يقع تحت ظلال الميتافيزيقا ومن هنا تتضح أهمية أفكار كل من نيتشة و هيدجر في أنها كانت أفكار فيما بعد الميتافيزيقا و هي ترسخ لفكر علمنة المعلمن فهيغل جسد الاحساس الساذج للانسان في رجوعه الى اللا نهائي و المطلق و من هنا يتضح أن فكره لاهوتي غائي ديني قريب من الفكر الديني وبنفس الدرجة تبعه ماركس في ماركسيته بفكر قريب من الفكر الديني فهيغل كان متأثر بتاثر الفلسفة الالمانية بالخطاب البروتستانتي لذلك جاء فكره واقع تحت ظلال الميتافيزيقا فهو قد أبدل كلمة الايمان الديني فقط بكلمة العقل.
فاذا دققت النظر عندنا في السودان نجد أن الشيوعيين السودانيين بسبب تقوقعهم في فكر ماركسية ماركس نتاج الهيغلية في غائيتها اللاهوتية الدينية نجدهم كعبدة نصوص أقرب الى فكر الحركة الاسلامية بل يدافعون عن منطق الدين كما رأينا كمال الجزولي في لقاء نيروبي مع النور حمد الذي لم يخرج أصلا فكره من تحت ظلال الميتافيزيقا لذلك نحن نحتاج لفلاسفة مثل مارتن هيدجر و فردريك نيتشة لأن فلسفتهم توسع ماعون الحرية لذلك نجد أن فتحي المسكيني بتمكنه الذي لا يقل عن تمكن لوك فيري لانه من ورثة عقل الأنوار أدرك أن فلسفة هيدجر و نيتشة هي فلسفة ما بعد الميتافيزيقا و توسيع ماعون الحرية و فتحي المسكيني أدرك انها الأقرب لأنتزاع الفرد من براثن الفكر الميتافيزيقي الذي يجعل من الميتافيزيقا أرض معركة في العالم العربي و الاسلامي وفيما يتعلق بالاجتماع و السياسة نجد لوك فيري يفضل أفكار العقد الاجتماعي كحصن منيع يحمي القيم الأخلاقية التي تجعل من حقوق الانسان أرضيه تنطلق منها السياسة و عبرها تتحقق الديمقراطية فحقوق الانسان هي عند لوك فيري تمثل نقطة الانطلاق و نقطة الوصول في نفس الوقت و هنا يلتقي لوك فيري مع مارسيل غوشيه في ان حقوق الانسان لا تمثل السياسة بل تمثل نقطة الانطلاق و نقطة الوصول في نفس الوقت.
لذلك ليس غريب أن نجد أن هناك من يقول أن القرن الواحد وعشرين سيكون قرن فولتير في فكره الذي يمجد حرية الروح كما كان القرن السادس عشر قرن الانسانيين بلا منازع وسيد القرن السادس عشر كان ميشيل دي مونتين الذي يفخر كل من ايمانويل كانت و كلود ليفي أشتروس بأنه يعتبر معلمهما الأول والان سيصبح القرن الواحد عشرين قرن فلسفة فولتير و فكرة حرية الروح و الغريب أن فردريك نيتشة كان معجب بفلسفة فولتير في فكرة حرية الروح و قد أهداء له كتابه فيما وراء الخير و الشر و قد جاء فيه الى فولتير أحد كبار محرري الروح البشرية. و في نفس الوقت كان نيتشة يكره جان جاك روسو ويصفه بالمشعوذ رغم أن كل من جان جاك روسو و فولتير هما آباء وفلاسفة الثورة الفرنسية الا أن نيتشة كاشكالي تعارضي يهدي كتابه لفولتير لانه قد تحدث عن حرية الروح و كان يكره جان جاك روسو كما كان يكره المسيحية و يصفها بلفسفة العبيد و لكنه أمتدح السيد المسيح بانه المسيحي الحقيقي الوحيد و من هنا تتضح أهمية فلسفة نيتشة ان نيتشة انتقد المسيح حسب راي أندريه جيد لان نيتشة كان في حالة غيرة شديدة من السيد المسيح لذلك كان اندرية جيد يعتقد أن كتاب هكذا تكلم زرادشت محاولة لنيتشة لكتابة انجيل جديد و لكن قد ضل هدفه و نفس الشئ ان فردريك نيتشة كان يكره جان جاك روسو بسبب الغيرة الشديدة لأن جان جاك روسو يعتبر أول من انتقد العقل و انتقاد العقل في فلسفة نيتشة يمثل عمودها الفقري لذلك يشعر نيتشة بغيرة شديدة من جان جاك روسو في نقده للعقل.
و من هنا تتضح أهمية فلسفة كل من فردريك نيتشة و مارتن هيدجر في فكرة توسيع ماعون الحرية و نقل الفلسفة الى ما بعد الميتافيزيقا وهذا ما نحتاجه في السودان للخروج من سيطرة أفكار التلفيقيين و التوفيقيين و الترقيعيين في محاولتهم البائسة في فكرة المؤالفة بين العلمانية و الدين و غيرها من الافكار التي تجسد عجز النخب و استلابها و اغترابها ففي زمن الهجرة الى الانسانية كما يقول فتحي المسكيني نجد من بين نخب السودان من ينخدع بفكرة الهجرة الى الله كما يضحك مفكري الحركة الاسلامية السودانية على نخب السودان كما رأينا في لقاء نيروبي.
فالحرية عند جان جاك روسو و ايمانويل كانت هي ضد العرقية و ضد التاريخانية فهي روح حرية الروح التي يحددها الانسان عبر مقدراته العقلية التي تساعده في انتزاع نفسه من أي فكر نمطي يؤطر الانسان لذلك ظهر شعار أيام الثورة الفرنسيه يقول أن تاريخنا ليس قانوننا كما كانت تقول حنا أرنت و هي تلميذة مارتن هيدجر و عشيقته أن الطبيعة ليست قانوننا وكذلك جاراهم جان بول سارتر أن الانسان يتحرر من كل شئ يريد أن يكون له كقانون و من هنا جاء قانون حقوق الانسان في مقولة جان جاك روسو و تبعه ايمانويل كانت و كذلك حنا أرنت و من هنا جاء فكرة احترام الفرد و فكرة الفردانية و نجد كذلك قد تبعهم في ذلك جون راولز في نظرية العدالة و حتى هابرماس في فكرة النشؤ و الارتقاء ليصل لفكرة الفردانية و معادلة الحرية و العدالة رغم الالتباس الذي يشوب فكره.
فالهجرة الآن نحو الانسانية كما يقول فتحي المسكيني وليس كما يعتقد كل هووي صاخب في فكرة الهجرة الى الله نحن في زمن قد خرج فيه الدين خروج نهائيا و قد زال سحره من حقول السياسة و الاجتماع و الاقتصاد و قطعا لا يعني ذلك الالحاد كما يقول جون لوك ولكن نحن في زمن قد انتهى الى انزال الدين الى مستوى عقل الانسان و هي فكرة تأليه الانسان و أنسنة الاله ومن هناك بدأت علمنة الدين في حقبة قد امتد على مدى اربع قرون و تزيد و مع فكر كل من نيتشة و مارتن هيدجر قد وصلنا الى فكر ما بعد الميتافيزيقا و هنا يلتقي كل من فتحي المسكيني و لوك فيري في تقديرهم لفلسفة كل من فردريك نيتشة و مارتن هيدجر.
ففي فكر فردريك نيتشة أن اوروبا أحتاجت الى اثنين ألف سنة حتى وصلت الى مرحلة التخلص من المسيحية و هاهو العالم العربي والاسلامي مسجون لما يقارب الألف عام في ألفية الامام الغزالي الذي قد قضى على مقاصد الفلاسفة ولكن العزاء الوحيد أن ألفية الغزالي قد شارفت على الانتهاء في العالم العربي والاسلامي لذلك نقول للشعب السوداني أن أوهام الهجرة الى الله التي تغذيها الحركة الاسلامية السودانية تلعب دور جبار الصدف الذي يحول بينكم و بين الهجرة الى الانسانية كما يقول فتحي المسكيني فلا تستكينوا الى خطاب الوصاية و الانتماء الذي يدبجه الهووي الصاخب الآن أن منظومة القيم القديمة في السودان قد شارفت على الانتهاء و لا بديل لها غير البديل العقلاني الذي يجسد مجد العقلانية و ابداع العقل البشري.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.