عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. يعد عبد الرحمن بدوي، فيلسوف مصر، من القلائل الذين أهتموا بالفلسفة، و قد بلغ مقاصدها، ما يجعله في إلتقاء مع فلاسفة في مقدمتهم الكانتين الجدد كلوك فيري في فهمه لمقصد الفلسفة كذكاء الزمن الحاضر كما يقول هيغل. فمثلا لوك فيري يقول إنه بالإمكان أن يكون هناك بعدا روحيا للإنسان حتى لو لم يؤمن. فخطاب الروح في الفلسفة الألمانية في معنى الحياة يسمى حياة الروح، ويشمل الحب، والجمال، وكل ماهو معتبر في ما وراء الأخلاق. أما عبد الرحمن بدوي فيرفع الدين الى مستوى يستطيع فيه الدين أن يقبل بالتناقض، ويقبل الدين في أرجائه حتى الذين نفد رصيدهم من الإيمان. فالحياة السعيدة، وكما يقول لوك فيري، هي الحياة الطيبة. والخلود المركوز في الشباب يجب أن يكون لمن يتفلسف، أو لمن يؤمن. وبذلك نجد لوك فيري يحاول أن يصالح ما بين جزئي الحضارة الغربية في بعدها الفلسفي الإغريقي الروماني، والتاريخ المسيحي لأوروبا في خلق إمكانية للحياة الطيبة، أو الحياة السعيدة لإنسان، لا محالة ميت، في مجتمع علماني, تكون فيه الحياة السعيدة ممكنة لمن يتفلسف أو لمن يؤمن. وكذلك نجد أن هابرماس يدافع عن عقل الأنوار في فكرة العقلانية التواصلية، و يدافع عن مكاسب حقوق الإنسان في فكرة الديمقراطية التشاورية، بعيدا عن كل أشكال النظم الشمولية من نازية، وفاشية، وشيوعية. ومن هنا ينبع نشدان أليوت لفكرة حياة جديرة بأن تعاش لإنسان لا محالة ميت، أو إنسان تصدمه حقيقة الموت في بحثه عن الحكمة في البوذية، والزرادتشية، و في الحكمة الهندية لكي تطمئن روح الإنسان في هذا العصر الحديث. تيقن أليوت أن الفلسفة المثالية الألمانية قد بلغت قمتها في الهيغلية ولم تعد ذات جدوى. ففي أشعاره بحث توماس إستيرنز أليوت عن الحكمة القديمة في الزرادتشية، و البوذية، والحكمة الهندية التي تؤمن بأن الإنسان مسور بالموت، ولكن له القدرة على خلق معنى للحياة، وجعلها جديرة بأن تعاش، بل ويحفظها من السقوط في الخواء. ورغم أن هناك من يرى أن المسيحية تمتاز على بقية الاديان الإبراهيمية لأن فيها أمشاج العلمانية الساذجة، لذلك إستطاعت أوروبا،عبر فلاسفة التنوير، أن تأتي بعقل الحداثة، الذي جعل الحضارة الغربية مستطيعة أن تفصل الدين، عن الدولة، بشكل يشبه المعجزة. ففصل الدين عن الدولة قطعا لا يعني الإلحاد، او كما يقول جون لوك بأنه يمقت عدم فصل الدين عن الدولة، كما يمقت بنفس القدر الإلحاد. وهنا يأتي دور الكانتيين الجدد! ولوك فيري واحدا من ضمنهم في دفاعهم عن النزعة الإنسانية، وأن يكون الإنسان مركزا للمرة الثانية من خلال دفاعه عن قيم الجمهورية، ومكاسب حقوق الإنسان حينما تعرضت للنقد من قبل فلاسفة ما بعد الحداثة كميشيل فوكو، وجاك دريدا، وجاك لا كان، وجيل دولوز في نقدهم للعقلانية وهجومهم على العقل كنتاج للفلاسفة التنوير. لوك فيري، في دفاعه عن الحداثة، في مواجهة أفكار ما بعد الحداثة، يحاول أن يعيد الخط الفلسفي لفلاسفة التنوير: وهم كل من دي كارت، وإيمانويل كانت،وهيغل ضد كل من أفكار شوبنهاور، ونيتشة، و مارتن هيدغر، وميشيل فوك، و وجاك دريدا.وهنا يلتقي عبد الرحمن بدوي، بولعه بفلسفة نيتشة ومارتن هيدغر، مع لوك فيري كخصم لفردريك نيتشة، ومارتن هيدغر. فنجد أن لوك فيري في مواجهته لفلاسفة ما بعد الحداثة، إستخدم نفس فلسفة نيتشة التي إستخدموها، ولكن ببعد مختلف، لأن فردريك نيتشة في فلسفته مشهور بأنه تعارضي، وإشكالي. ففي الإختلاف بسبب فلسفة نيتشة، نجد أن فؤاد زكريا، تلميذ عبد الرحمن بدوي، يختلف في فهمه لنيتشة عن عبد الرحمن بدوي، ولكن يستطيع فؤاد زكريا أن يتوصل الى فكرة أن العلمانية هي الحل، مقابل الإسلام هو الحل. ففكرة العلمانية هي الحل لفؤاد زكريا تكاد تتطابق مع فكرة أن الدين ينبغي أن يصل لمستوى حدود قبول التناقض لعبد الرحمن بدوي.فالعلمانية هي وحدها ما يجعل الأديان المختلفة أن تعيش في سلام في ظل مجتمع علماني. عبد الرحمن بدوي يعرف ان الآداب والفلسفة الإسلامية تكمن في مرجعياتها الإفلاطونية المحدثة، والتشريعات الرومانية، والشريعة اليهودية، والآداب الفارسية القديمة، والحكمة الهندية. وأن ملحمة جلجامش، والبوذية، والفلسفة اليونانية تقبل فكرة الموت المسور لحياة الإنسان. لذلك يجب على الإنسان أن يتمتع بالحياة الطيبة، أو الحياة السعيدة كما يقول لوك فيري لإنسان لا محالة ميت. لذلك يقول يجب التمتع بالحياة الأبدية في الجمال الخالد للشباب. من أجل ذلك جاء نيتشة بمطرقته من أجل تكسير الأصنام، وتكسير الأوهام، من أجل إتاحة الفرصة لحياة طيبة، وسعيدة، خلودها في الشباب. وقال إخترعنا السماء من أجل أن ننسف الأرض. فمطرقة نيتشة التفكيكية من أجل إعطاء معنى للحياة في الأرض تكمن أبديتها في الجمال الخالد للشباب. لذلك كان سؤال الفلسفة دائما من أجل حياة سعيدة، وطيبة، لأنسان لا محالة ميت. فهاهنا تكمن قدرة الفلسفة الأوروبية، وعقل التنوير في قدرته إعادة العقل، والحرية للإنسان من براثن الإيمان المسيحي لأوروبا. فالدين المسيحي قد جعل الإيمان يتقدم على العقل. فعقل الانوار بإرجاعة العقل للإنسان، أرجع للإنسان حريته من أجل الحياة السعيدة. فلوك فيري اليوم يحاول فك إرتباط الأخلاق من الدين، وكذلك فك إرتباط الخلاص من الدين. ألم ينجح أدم إسمث في فك إرتباط الإقتصاد من كل من الدين والفلسفة؟ لذلك ينبغي أن تخضع الأديان للفلسفة. أنظر أيها القارئ الحصيف لأهمية فك إرتباط كل من الأخلاق وفكرة الخلاص من الدين! ماذا يتبقى لتجار الدين - أي الحركة الإسلامية في كذبها، وإستثمارها في تجارتها بالدين فيما يتعلق بفكرة الخلاص؟فعبر فكرة الخلاص في الآخرة كانت فكرة عرس الشهيد! وعبر فكرة الخلاص، تحاول الحركة الإسلامية تبرير الفقر، والجوع، والمرض و كأنه ممر إلزامي الى الجنة! وهنا يأتي دور جون راولز في نظرية العدالة، وتفضيله للعلمانية فهو من ورثة تراث العقد الإجتماعي لكل من جان جاك روسو، وهوبز، و إيمانويل كانت في جعلهم للإنسان كمركز. تماما كما ينادي لوك فيري اليوم بالإنسانية الثانية.فمن الحكمة أن تعيش الحياة الطيبة، أو قل الحياة السعيدة، كما يقول لوك فيري. ويردد لوك فيري ويقول من الحكمة أن تهزم الخوف الفوبي، والخوف من الجحيم، والخوف الذي يتولد منه الشر. لأن الخوف يأتي بالتبلد، ويهزم التفكير الحر. لذلك في مجتمعات الخوف يكون القتل. فكم عدد قتلى الحروب الدينية في ظل الحركة الإسلامية منذ حرب الجنوب قبل إنفصاله؟ و كم عدد القتلى اليوم في دار فور، وجبال النوبة، وجبوب النيل الأزرق؟ أنهم قتلى مجتمع يسيطر عليه الخوف، و انهزم فيه التفكير الحر. على الشعب السوداني أن يسعى بكل جهوده من أجل التخلص من فكر الحركة الإسلامية السودانية. لأنها- أي الحركة الإسلامية، مضادة لكل قيم الانوار، والديمقراطية، والفكر الحر. وضد النزعة الإنسانية، وقيم الجمهورية، ومكاسب حقوق الإنسان. بالفكر الحر يمكن أن يهزم الشعب السوداني فكر الحنين الى الماضي الذي يروج له من يروج لفكرة الزمن الجميل! فكانت كل أفكارهم عن الهوية في زمن إنشغل فيه الضمير الإنساني بالحرية! بالفكر الحر يستطيع الإنسان أن يهزم الخواء العظيم الذي يعشش بداخله، وحينها يستطيع أن يعيش الحياة السعيدةعلى الأرض. فالقرن العشرين كان مقبرة الأ يدولوجيات، و قد تمثلت في المراهقات اليساروية، والحركات الإسلاموية. ومسيرة الحياة اليوم تتجه باتجاه الإنسانية الثانية كما يقول لوك فيري. فالقرن العشرين بانتهاءه، أعلن إنتهاء أفكار ما بعد الحداثة التي أسسها نيتشة، وأكد عليها كل من مارتن هيدغر وجاك دريدا. ففي ظل فكر الإنسانية الثانية، هناك الفكر الحر الذي يؤكد على حرية التفكير، و التحرر من الخوف، والتحرر من الحاجة، من أجل أن يعيش الإنسان حياة طيبة أو حياة سعيدة في الأرض هدية من فكر الأنوار الذي يبجل العقل الذي يهدي الى النزعة الإنسانية، والى قيم الجمهورية، ومكاسب حقوق الإنسان كإنتصار للحداثة من أجل إنسان لا محالة ميت. فزمان المتاجرة بالمقدس قد ولي. فتجارة الحركة الإسلامية السودانية بالدين لا محالة كاسدة. والتجارة بهوية جناحيها العروبة، والإسلام عند عبد الله علي ابراهيم لا محالة كاسدة. والمتاجرة بالوقوف بجانب التراث، والدين، والأمة عند الدكتور عبد الله الطيب وتلاميذه كاسدة. وكذلك المتاجرة بالمراهقة اليساروية كاسدة. فالساعة الأن تشير الى القرن الواحد وعشرين، عصر الإنسانية الثانية. وفي ظل الإنسانية الثانية لا يستطيع الإنسان أن يموت من أجل فكرة المقدس، أو الله، أوفكرة الوطن، أو من اجل أفكار ثورية كبرى. فقط يستطيع أن يضحي من أجل لحم، ودم. إنسان القرن الواحد و عشرين سيموت من أجل أبناءه فقط. هذا ما يسود اليوم في الفكر الغربي. فالإنسان اليوم، على الأقل في الغرب، يستطيع أن يضحي من أجل ابناءه –لحم، ودم بشري- مقابل إنسان، كان يضحي في سبيل الآلهة في السابق. فكرة الحياة الطيبة تحاول أن تجعل من فكرة الحياة جديرة بأن تعاش لإنسان مسور بالموت. لوك فيري رسم خمسة مراحل للفلسفة في تجسيد فكرة الخلاص من أجل حياة جديرة بأن تعاش لإنسان لا محالة ميت. فوجدها في الفلسفة الإغريقية وفكرة التناغم والإنسجام مع الكون.وهذا التناغم مع الكون في الفلسفة الإغريقية قد حطمته المسيحية، بالإيمان المسيحي، وإستمرار الحياة في الآخرة بشكل مريح أكثر مما في الفلسفة الإغريقية. ولكن الإيمان المسيحي يسلب الإنسان عقله، وحريته لذلك كانت فكرة خلاصه بثمن باهظ، وهو فقدان عقل الإنسان وحريته.ثم جاءت النزعة الإنسانية في أفكار ديكارت وأسست لميراث العقد الإجتماعي كخلاص من أن تكون الميتافيزيقا أرض معركة. ثم جاء الخلاص في فكرة التفكيك، وجعل من الخلاص في الحاضر بعيدا عن الحنين الى الماضي، أو الإنجذاب الى المستقبل.أما المرحلة الخامسة والأخيرة، ففيها يكون الخلاص في فكرة الإنسانية الثانية. وفيها يكون الإنسان مستعدا للتضحية من أجل أبناءه، ولا يؤمن بفكرة التضحية من أجل المقدس، والوطن، والثورات الكبرى. إنها الفلسفة عند لوك فيري التي يجعل بها الحياة جديرة بأن تعاش لإنسان لا محالة ميت، أوإنسان مسور بالموت. وهنا يلتقي لوك فيري مع روح أشعار توماس أستيرنز أليوت في أن تكون الحياة جديرة بأن تعاش لإنسان يسوره الموت ولكن لا يخافه. إذا طالما إلتقى لوك فيري مع روح أشعار أليوت، قطعا سيختلف مع الدكتور عبد الله الطيب الذي يقف بجانب التراث، والدين، والامة، ويحذر من أشعار أليوت. فالوقوف بجانب التراث، والدين، والأمة قد أوقع السودان في الخواء بسبب الحروب الدينية التي أدت الى إنفصال الجنوب، وتشبث الحركة الإسلامية بالسلطة، وإستمرار القتل في دار فور، وجبال النوبة، وجنوب النيل الأزرق. إن الحركة الإسلامية السودانية تمثل روح السقوط في الخواء للشعب السوداني، وعدم قدرته على خلق معنى للحياة، وجعل هذه الحياة جديرة بأن تعاش- كما ينشدها أليوت في أشعاره الباحثة عن الحكمة في الديانات الشرقية القديمة أي الزرادتشية، والحكمة الهندية، والآداب الفارسية. وبالمناسبة أن الآداب الفارسية القديمة، والزرادتشية، والحكمة الهندية، تعتبر خلفية لا يمكن تجاوزها في الفلسفة، والآداب الإسلامية كما يؤكد عبد الرحمن بدوي في إمكانية وصول الدين الى حدود قبول التناقض. وطبعا هذا فهم يسبق فهم الدكتور عبد الله الطيب الذي فضل الوقوف بجانب التراث، والدين، والأمة.