الدعم السريع يعلن السيطرة على النهود    وزير التربية والتعليم بالشمالية يقدم التهنئة للطالبة اسراء اول الشهادة السودانية بمنطقة تنقاسي    سقطت مدينة النهود .. استباحتها مليشيات وعصابات التمرد    عقار: بعض العاملين مع الوزراء في بورتسودان اشتروا شقق في القاهرة وتركيا    عقوبة في نواكشوط… وصفعات في الداخل!    الهلال يواجه اسنيم في لقاء مؤجل    تكوين روابط محبي ومشجعي هلال كوستي بالخارج    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    سلسلة تقارير .. جامعة ابن سينا .. حينما يتحول التعليم إلى سلعة للسمسرة    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النقد الثقافي: السودان تحت ردم الأنساق الثقافية المضمرة؟ ... بقلم: طاهر عمر
نشر في سودانيل يوم 02 - 06 - 2016

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
عبد الله الغذامي واحد من المفكريين الكبار، وله دور كبير في الحراك الفكري. وهوصاحب إعلان موت النقد الأدبي، وإعلان النقد الثقافي. وهو، في النقد الثقافي أضاف فكرة النسق الثقافي، ودوره المضمر في ترسيخ بعض المفاهيم التي قد قضت على فكرة الحداثة العربية الزائفة. وهو يهتم بتوضيح فكرة الالتفات الى دور الجمالي، أي النسق الجمالي، وعبره تمرير بعض الأفكار الموحشة. فمثلا في الشعر، نجد صور الشحاذ، والشرير، والشاعر الهجاء، وفكرة الفحل. وانتقلت فكرة الفحل من الشعر، الى فكرة الدكتاتور الذي يقصي الآخرين. وكذلك نجد فكرة الدكتاتور البليغ كما خطبة الحجاج وغيرها من المسالب التي مرت عبرالأنساق المضمرة.
لذلك كل كاتب حينما يكتب، فهناك أنساقا ثقافية في لا وعية تتسرب الى النص. ويجب الإنتباه الى السالب، وكشفه، كما في كتابات عبد الله علي ابراهيم، وكما في كتابات الغابة والصحراء. ففي الغابة و الصحراء، نجد الأنساق المضمرة تمرر السلبي في أدب الغابة والصحراء في أنتصارها للثقافة العربية، والأسلامية، رغم أنها تطرح فكرة الغابة والصحراء. ففي الأنساق المضمرة للثقافة العربية الإسلامية، نجد الثقافة العربية الإسلامية لابد لها وينبغي أن تهيمن على جميع الثقافات. وأن اللغة العربية هي لغة أهل الجنة، وهذه هي الانساق المضمرة، والتي ينبغي كشفها.
فمسألة طرح فكرة الهوية في أدب الغابة والصحراء: من أنا وماذا أفعل؟، خاصة في ظل تراث غير مغربل تصير مسألة ركوب على العدلة المايلة، في زمن إنشغل فيه الضمير العالمي بمسألة الحرية، وليست الهوية!
بينما فرسان الغابة و الصحراء غارقون في مسألة الهوية، كان في تلك الفترة، محمد أركون المعجب بفكرة النقد الحضاري، لطه حسين، قد أصبح يستطيع التفريق بين الإيحاء الجمالي، والأنساق المضمرة التي توضح النزعة الإنسانية في الآداب الإسلامية. فكان محمد أركون منشغلا في تعميق منهجه التدميري للتراث- إذا ما إستبدلنا كلمة التفكيك لجاك دريدا، وإستخدمنا التدمير الهيدغري، لأن تفكيك جاك دريدا ماهو إلا التدمير الهيدغري. وهناك من يرى أن التدمير الهيدغري ماهو إلا مطرقة نيتشه في تحطيم الأوهام، أو هونفس التدمير عند ديكارت، وسبينوزا في تفكيك اللاهوت المسيحي.
عند عبد الله الغذامي، فإن النقد الثقافي ينهض بعد إعلانه لفكرة موت النقد الأدبي وهو يدخل فكرة الانساق الثقافية المضمرة. فمثلا الكاتب، عندما يكتب، نجد أن هناك أنساقا ثقافية تحاول أن تمر من خلال النص الجمالي. فمثلا، نجد أن عبد الله علي ابراهيم، حينما يكتب الان عن الهوية العربية والإسلامية، ومطالبته بتطبيق الشريعة، نجده مازالت تسيطر عليه فكرة خلق العبارة! وهذه واحد من الأنساق المضمرة من أجل تمرير فكرة. فمثلا أن فكرة الأنساق المضمرة للغة العربية، ولغة أهل الجنة، والقرأن كلام الله، وبالتالي العرب خير أمة اخرجت للناس، وبالتالي على النوبة، والفور، والفونج، الصبر على أقدارهم فقط.
لذلك يرى عبد الله الغذامي، أن الحداثة العربية كانت زائفة، لأنها كانت شكلية، لم تنتبه للأنساق الثقافية المضمرة، وتقدم لها النقد، كما قدم عبد الله الغذامي نقدا للشعر، يوضح فيه أنه كان مسؤولا عن خلق الشاعر الشحاذ، الذي يتكسب بشعره، وهجاء، وشرير يجب الحذر منه، ومنافق، يقول مدحا، وذما ليس صحيحا! وأضف لهذة الصفات، صفة الفحولة، التي تولدت منها فكرة الدكتاتور. والدكتاتورية، في الفكر السياسي العربي، إضافة لصفة الشاعر، الذي لا يقترن، عنده، القول بالفعل. وهذه واحدة من نواقص عبقرية الثقافة العربية. أضف الى ذلك موقف الإسلام من الشعر، والشعراء، وحديث الرسول "لأنيمتلئجوفأحدكمقيحاخيرمنأنيمتلئشعرا".
نظرية النقد الثقافي، تظهر فشل نظرية النقد الأدبي في العالم العربي. النقد الأدبي الذي فشل في إظهار بعض النصوص الجيدة، كألف ليلة وليلة، بسبب الحيل الثقافية، التي تمرر المضمر من الأنساق الثقافية، كما مررت- الحيل الثقافية- صفات ذميمة من ساحة الشعر،من الشاعر الفحل، وفكرة الفحولة، التي تولدت منها فكرة الدكتاتور.
ونظرية النقد الثقافي، للغذامي، تشبه نظرية النقد الحضاري الذي مارسه طه حسين، والعقاد. فهي أرقى من النقد الأدبي، الذي فشل، في توضيح كثير من الأنساق الثقافية للقارئ العادي. ففي الأنساق الأدبية، والتعابير الجمالية، تمر أقبح الصفات التي لا ينتبه لها القارئ العادي. ففي كتابات ادوراد سعيد، ونقده الأدبي، نجد، أن في كتابه الإستشراق، قصور فكرة النقد الأدبي التي إرتكز عليها إدوارد سعيد، فأصبح كتابه خادما للأصولية الدينيه، أكثر من خدمته للتنوير، تماما عكس أفكار صديقه هشام شرابي الذي إعتمد على النقد الثقافي.
ونجد أن إدوارد سعيد لم يستعد مساره، إلا في كتابه الأخير، والذي تحدث فيه عن النزعة الإنسانية. ففيه نجد أن إدوراد سعيد قد إتجه الى فكرة النقد الثقافي، وأصبح قريبا من فكرة النقد الحضاري. فظهرت نزعته الإنسانية، التي رفضت المركزية العرقية، والطهرانية الدينية، وأمراض النخب. فالنقد الثقافي، يزيد من حقل الرؤية،كما ظهر في الفرق بين نماذج كتابات إدوارد سعيد، في كتاباته الاولي، وكتابه الأخير، الذي تظهر فيه نزعته الإنسانية.
فادوارد سعيد، حينما إتكى على أفكار ميشيل فوكو، فيما يتعلق بنقد الحداثة، والهجوم على العقل عند فلاسفة ما بعد الحداثة، كان النقد، عنده، قد أوصله أن يكون كتابه الإستشراق، ضد التنوير. وقد أصبح سلاحا فتاكا في يد الأصولين في محاربة الغرب. ولكن عندما إستعاد إدوارد سعيد مساره، في كتابه الأخير، وقد كتبه في أيامه الأخيرة، والذي حتى عنوانه يوحي بأن أدوارد سعيد، في نزعته الإنسانية، قد ترك نقد العقل، كما كان يفعل فلاسفة ما بعد الحداثة، كميشيل فوكو، و الذي كان قد تأثر به إدوار سعيد. ففي الأونة الأخيرة، نجد أن إدوارد سعيد قد كفر بفكرة حل الدولتين، للفلسطيين، والإسرائيليين. وآمن، بقيام دولة واحدة، ذات ثنائية قومية، لليهود، والفلسطينيين. فادوارد سعيد، شأنه كشأن ميشيل فوكو، وجاك دريدا، في تراجعهم عن هجومهم على عقل التنوي، لم يفرق إدوارد سعيد بين الحداثة، كماضي روحي للإنسانية الحالية، وأوروبا، وخيانة التنوير، حينما كان يهاجم العقل، معتمدا على أفكار ما بعد الحداثة.
ففكرة النقد الثقافي، الذي يحاول أن يحل محل النقد الأدبي، الذي قد أعلن عبد الله الغذامي موته. ترفع الغذامي الى مصاف فلاسفة كبار، حاولوا الإجابة على سؤال ما الأدب؟، وفكرة ،أن عبر الأدب، تكون الحياة جديرة بأن تعاش، كما يقول توماس أستيرنز إليوت. وكما حاول كل من سان سايمون، وتلميذه أوجست كونت، في مجابهة فكرة الفن، للفن. أو في سؤال جان بول سارتر: ما الأدب؟، وكذلك، نجد دور حنا ارنت في دور الأدب، والفن، في تحسين الشرط الإنساني، وتجسيد حياة جيدة. فحنا أرنت، هي تلميذة مارتن هيدغر، الذي يؤمن أن الشعر يقدم الأسئلة، وليس مسؤولا من تقديم الإجوبة. ونجد ذلك واضحا في إهتمام مارتن هيدغر بشعر هولدرلين.
فحنا أرنت قد برعت في كشف طبيعة النظم الشمولية، وقدرتها، في جعل المثقف ترسا في ماكينة التفاهة. كما تجلى ذلك في النظام الفاشي، والنازي، والشيوعية، كأنظمة شمولية، تنتظر البشرية، محاكمتهأ، كما أدينت الفاشية، والنازية. فالشيوعية لا يقل شرها، كنظام شمولي، عن الفاشية والنازية. فالنقد الثقافي، يتيح، ويوسع حقل الروية، والقدرة، على التميز. فمثلا، نجد لوك فيري، يوضح أن هناك سقوطا شنيعا لمفكريين فرنسيين قد رأوا في النازية، بعدا يحمل نزعة إنسانية، لكي يجدوا مخرجا لمارتن هيدغر، يخارجه، من حرج إنتماءه الى الحزب النازي، أيام صعود النازية! أي نزعة إنسانية، في النازية، التي تميز إنسانعن إنسان؟ فكما تورط مارتن هيدغر في إنتماءه للنازية، نجد أن إزرا باوند، قد كان مساندا لموسليني! مما أدى لرفض مفكريين كثر، ومعارضتهم لمنحه الجائزة عن أبداعه الجمالي. فما الذي جعل مارتن هيدغر يتورط في، أن يرى، في النازية نزعة إنسانية؟
حسب رأي لوك فيري، إن فكرة الإنسجام مع الطبيعة، الآتية من الفلسفية الإغريقية، في فكر إفلاطون، وأرسطو،هي – أي فكرة الإنسجام مع الطبيعة،- هي من ورط مارتن هيدغر، رغم أن مارتن هيدغر، كان من أكبر المنتقدين لفلسفة إفلاطون. ويرى، أن الفلسفة، قد فقدت البوصلة بسبب أفكاره. وهنا يظهر النقد الثقافي قدرته في تجريد إزرا باوند، وهيدغر، مما يكسبانه، من الإيحاء الجمالي، بسبب الأنساق المضمرة التي تكشف إنعدام النزعة الإنسانية فيما وراء النصوص. غريبة، علي الوردي، واحد من أكبر الناقديين للمنطق الأرسطوإفلاطوني، المسيطر على العقل العربي، والإسلامي، كمارتنهيدغر. ولكن تغلب على علي الوردي، النزعة الأنسانية، لأنه، قد آمن بالحرية، والفكر الليبرالي، مما جر عليه غضب الشيوعيين، والقوميين، والإسلاميين.
فحتى جان بول سارتر، في فكرة الإلتزام الأدبي، قد أصبح، في دفاعه، عن الشيوعية، أكبر حارس، ومدافع عن النظم الشمولية. وبالتالي، قد أصبح سارتر أضحوكة لكل من ألبرت كامي، وكلود ليفي أشتروس، وريموند آرون، كمؤرخ وعالم إجتماع، مدرك لفلسفة التاريخ. لكن رغم ذلك، نجد، إن لوك فيري، ينظر لوجودية سارتربأنها ذات نزعة إنسانية أكثر من فلسفة هيدغر، وتورطه، في الزعم، أن النازية نزعة إنسانية. فعند لوك فيري، نجد الرفض لفلسفة سارتر، وهيغل، حينما يحاولان سحب العقل، والحرية داخل السياج الايدولوجي.
نظرية النقد الثقافي، تريد أن تموضع ما فشل فيه النقد الأدبي، وتفك أرتباطها مع كل من السلطة، والفلسفة، والدين. ليصبح النقد الثقافي، والفلسفة الأخلاقية، في المقدمة، من أجل تهيئة الشرط الإنساني. عبد الله الغذامي قدم فكرة نظرية النقد الثقافي منذ عام 1997. أي من قبل عقدين من الزمان، من أجل كشف الحداثة العربية الزائفة. وقد كرر مقولته، في فكرة أن العالم العربي اليوم يشهد حقبة سقوط النخب، وتقدم الشعب. وعبد الله الغذامي، إذا إنتقد قلب العالم العربي النابض، فما بالك بحال عرب التخوم في السودان؟
عبد الله الغذامي قد أعلن موت النقد الأدبي منذ ما يقارب العقدين. وهو يعتبرمتأخر عن فكرة النقد الثقافي، التي قد ظهرت في كتاب الأمريكي فينسنت ليتش عام 1985. ولكن للاسف، لم نجد لها إي أثر في ملامح الفكر السوداني حتي اليوم. ومازالت، تسيطر على الفكر السوداني، أمراض المركزية العرقية، والطهرانية الدينية، وأمراض النخب، التي تحاول أن تمرر أنساقها المضمرة، من خلال كتابات، مازالت تتخذ من التلفيق، وتمجيد الأصالة، والمعاصرة، وغيرها من الأفكار التي أكل عليها الدهر وشرب. وحينها، يصبح العقل، تابعا مع التلفيق، وفكرة الأصالة، والمعاصرة، في زمن أصبح العقل متبوعا!
فعبر العقل المتبوع، قد فك العلم إرتباطه بالدين منذ أيام كوبرنك، وجاليلو. ومع جاليلو، إتضحت فكرة التفريق بين الذات، والموضوع. وقد فكت السياسة إرتباطها بالدين. وكذلك، الأخلاق، قد فكت إرتباطها بالدين. ونجد في فرنسا أن فكرة فك إرتباط الأخلاق بالدين قد بدأت عام 1882 في تزامن مع الثورة المهدية عندنا في السودان فتأمل الفرق والبون الشاسع!
وأخيرا، يحاول الفيلسوف الفرنسي لوك فيري محاولة فك الإرتباط مابين الدين، وفكرة الخلاص المسيطرة علي الفكر الديني عندنا، المتجسدة في فكرة أعراس الشهداء كآخر طابية من طوابي لاهوت القرون الوسطى. محظوظ لوك فيري! فهو وريث فلاسفة التنوير. فقد وجد العزاء في أفكار سبينوزا، وإيمانويل كانت، المتأثر بفلسفة ديفيد هيوم. لوك فيري اليوم، يحاول رد الإعتبار لفلسفة إيمانويل كانت، مقابل فلسفة مارتن هيدغر، وجاك دريدا- في نقدها للميتافيزيقا. كما يحاول لوك فيري نقد أفكار ميشيل فوكو، المرتكزة، على أفكار فردريك نيتشة في نقد السلطة. ففي الآونة الأخيرة، نجد بفعل نقد، لوك فيري لكل من دريدا، وميشيل فوكو، قد أصبح، كل، من ميشيل فوكو، وجاك دريدا، من المدافعين عن التنوير.
فاعتماد محمد أركون على التفكيك لجاك دريدا، قد مكن محمد أركون من أن يكتشف الأنساق الثقافية المضمرة، ونزعتها الإنسانية، في فكر، كل من أبي حيان التوحيدي، ومسكوييه، وليس الإيحاء الجمالي فقط. وهنا تظهر قدرة النقد الثقافي، وليس النقد الأدبي، لمحمد أركون المعجب منذ شبابه بأفكار طه حسين في النقد الحضاري.
عبد الله الغذامي، في النقد الثقافي، يكون قد أصبح من رواد العرب في مسيرتهم من أجل الإنعتاق، مثل محمد أركون، وعلي الوردي، في بحثهم عن الحرية، وفكرة المجتمع الحر.أما عندنا، في السودان، قد أصبحت ساحة الفكر متغيرا تابعا، لمتغير مستقل، قلبه النابض عند العرب، أمثال عبد الله الغذامي، في طرحه فكرة النقد الثقافي. ومازال عبد الله علي ابراهيم تسيطر عليه فكرة خلق العبارة، كما يقول عالم الإجتماع العراقي علي الوردي، وتغيب عنه ريادة الفكرة، في محاولاته تمرير أنساق مضمرة- حتى العرب هناك في بلدانهم- قد عرفوا أنها كانت من أكبر القيود التي قد عطلت مسيرة العرب، أفراد، وجماعات، من السير باتجاه الإنعتاق ومعانقة الحرية.
يرى كثير من المراقبين أن فكرة النقد الثقافي، قد نسجت خيوطها الأولى، ولكن بشكل بدائي، في كتب عالم الإجتماع العراقي علي الوردي قبل أن يقدمها عبد الله الغذامي. قد قدم علي الوردي، في كتبه أسطورة الأدب الرفيع، ومهزلة العقل البشري، كثيرا من الأفكار التي يتحدث عنها الغذامي في فكرة النقد الثقافي. والغريب، قد فرضت كتب علي الوردي، في بعض الإحيان، في مقرر النقد الأدبي، مما جعل كثر يحتجون على ذلك، ويقولون، ما علاقة كتب علي الوردي، بالنقد الأدبي؟
علي الوردي، نادى بحكم ليبرالي يساعد في تقوية الهياكل الهشة في المجتمع العراقي، من أجل بناء الدولة الحديثة. وخاصة أن الطائفية، والقبلية، وهيمنة روح البداوة، كانت من أكبر مهددات الدولة الحديثة في العراق. وقد هاجم كل من القومين، والشيوعين، والإسلامين، علي الوردي، وحاربوه! وهاهو العراق، اليوم، في مسألة القتل على الهوية، محتاج لعبقرية علي الوردي.
أمثال عبد الله الغذامي، سيكون متغيرا مستقلا. و سيبشر المتغير التابع عبد الله علي ابراهيم، بنور الحرية. وحينها، يعرف عبد الله علي ابراهيم، أن أنساقه المضمرة، التي تنام تحت فكرة خلق العبارة، حيل باهتة، قد أكل عليها الدهر، وشرب. فلا حيلة مع حيل العقل، ومكر التاريخ. و سيدان عبدالله على إبراهيم، تماما كما أدين جان بول سارتر من قبل، كل من كلود ليفي أشتروس، وريموند آرون، عندما أصر على الدفاع عن الشيوعية، كنظام شمولي بغيض. وقد وصف كلود ليفي اشتروس سارتر، بأنه يجهل علم الإجتماع. وقد وصف ريموند آرون سارتر، بأنه، من المروجين لأفيون المثقفين.
فما زال عبد الله علي ابراهيم يتأرجح ما بين مطلقين: مطلق الفكر الشيوعي، الذي لا يفضي الا الى أبغض أنواع النظم الشمولية، ومطلق الخطاب الديني المنغلق، الذي يجسد اليوم في السودان أبغض نظام شمولي مر على السودان. في ظل زمان، قد أصبح، فيه العالم عقلاني، يتعزى بالنسبي.فالحداثة، قد أصبحت الماضي الروحي للإنسانية الحالية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.