هنا وليل الجزيرة العربية تتصاعد رياحه الباردة فوق مدينة بريدة حاضرة منطقة القصيم ، كلٌّ ينام متوسداً أمنياته العزيزة. فتحت الأغطية الثقيلة وجوار المدافيء تحلو الأحلام ، إذ لا سبيل إلى اختبار تحقيقها من عدمه قبل أن تنتهي (أربعينية الشتاء) وهي الأيام التي يبلغ فيها البرد مداه . لكن حتى هذه الأربعينية لم ينتظرها الرجل الثمانيني ، على الأقل حتى يستقر ألم مفاصله ويختفي أزيز رياح الفصل القاسي الطويل ، ليمكّن سمعه الضعيف بفعل تقدم العمر من أن يسمع ويعي كل الأصوات الرافضة لمثل جريمته. أدانه المجتمع بشكل جماعي والإعلام وجمعيات حقوق الإنسان والجهات الرسمية وقفت ضده كما وقفت من قبل ضد ظاهرة زواج القاصرات فأعادها هو إلى الواجهة. اختار الرجل هذه الطفلة مستخدماً ماله الوفير كوسيلة إغراء لذويها فقد بلغ المهر المدفوع أو الثمن المقبوض حوالي 85 ألف ريال سعودي (22670 دولار) ، أما العروس الطفلة لأبوين منفصلين فقد كان من نصيبها الدُمى والألعاب التي قدمها إليها العريس الكهل لتساهم في إغرائها .هذا الحديث بشهادة والدتها التي رفعت دعوى قضائية على العريس وزوجها ثم سحبتها بعد أن حصلت على ترضية مالية أيضاً وبعد أن حصلت على حضانة ابنها الآخر من طليقها والد الطفلة. يتبجح العريس الثمانيني بأن المجتمع السعودي يشهد باستمرار حالات كثيرة مثل زيجته غير الميمونة فما بال الإعلام لم يترك له جنباً يستريح عليه.ويزيد أن هذه الصغيرة ابنة الاثني عشر ربيعاً هي زوجته الرابعة والأخريات اللوائي في عصمته هن في مثل عمرها! المسألة ما زالت قيد النظر أمام القضاء السعودي وجمعيات حقوق الإنسان والطفل تتبنى قضية تطليقها، خاصة وأن السعودية موقعة على اتفاقية حقوق الطفل التي تعتبر من هم دون الثامنة عشرة أطفالاً.بالإمكان تطليق الطفلة بواسطة جهات رسمية ، مثلما حدث قبل عامين ، فقد شهدت إحدى محافظات المنطقة زواجاً مماثلاً اعترضت فيه الأم وأقارب الطفلة وتدخل أمير منطقة القصيم ونجح في التوسط لإنهاء الزواج. ولكن المعضلة تكمن في أن القضية يتداخل فيها الخاص مع العام والاجتماعي مع الديني مع الثقافي .هيئة حقوق الإنسان في السعودية تبنت هذه القضية وأصدرت بياناً رسمياً اعتبرت فيه زواج القاصرات انتهاكاً واضحاً للطفولة وحقوقها النفسية والمعنوية والجسدية.لن يسلم كبار السن ومن هم على هذه الشاكلة بعد أن وصفهم أحد الخبراء السعوديين بأنهم شاذين جنسياً ، وحيث أن هذه الجريمة في السعودية عقوبتها الإعدام بالنسبة للمتزوج فإن المسن يبحث عن أمر يبعد عنه العقوبة الشرعية فيلجأ للزواج من طفلة يكون جسدها مشابهاً لجسد "الغلمان". يمكنك أن تسلك طريقاً برياً سريعاً من القصيم إلى الأردن لترى عجباً آخر يحدث ، ولتتذكر فقط أنك ما زلت بالجزيرة العربية ولتبتسم سخرية أو تبتئس.فقد أجازت المحاكم الشرعية الأردنية الطلاق عن طريق الرسائل القصيرة من الموبايل بعد أن تمت إجازته من قبل عن طريق البريد الالكتروني. الأمر بسّطه القاضي الشرعي هناك بأن قال : "إذا ثبت أن الزوج اتصل أو أرسل رسالة نصية عبر هاتفه الجوال , ورد فيها طلاقه للزوجة, سواء بعث بذلك إلى زوجته أو أهلها, فان الطلاق تم". قضيتان عجيبتان ، تم فيهما التحايل على الشرع الإسلامي الحكيم واستخدمت نصوصه كدثار لتنفيذهما .لم يكن لأحد أن يتخيل أن القضية الأولى ، زواج القاصرات على الطريقة البدوية يمكن أن تطفو على السطح مرة أخرى وتلوي عنق القرن الواحد وعشرين . و لم يكن لأحد أن يتخيل في القضية الأخرى ، الطلاق الالكتروني أن الزمن يتسارع بهذه الدرجة التي يتم فيها الطلاق بهذه الطريقة المهينة . وفي كلتا القضيتين ، الديار عربية إسلامية والضحية امرأة والإهدار للكرامة الإنسانية ، دون أن يرمش لطرف العُرب العاربة جفن ودون أن تهتز منهم الشوارب. عن صحيفة "الأحداث" moaney [[email protected]]