حزب الأمة، حزب ذو تاريخ عريض، فتاريخه مرتبطٌ بتاريخ السودان الحديث إرتباطاً لا يمكن لذاكرة أن تخطئه، ولا لباحث أن يتفاداه، فقد شكّل هذا الحزب الضلع الثاني بين حزبي الحركة الوطنية الأولى مع الوطني الإتحادي، لذلك لم يكن غريباً على ورثته من بنو المهدي الصادق وابن عمه مبارك، التوحد من جديد بعد أن نخرت بينهما سوسة الإنقاذيين ودقّت إسفيناً وقف حائلاً بينهم والتوحد سنيناً عددا. اننا في هذه المقال نريد أن نوضح أن حزب الأمة نال أعلى الأصوات في آخر إنتخابات برلمانية عام 1986 بعد الإنتفاضة الشعبية ضد النميري، وبذلك يكون هو الأجدر بناء على أسباب أخرى، بإمساك زمام السلطة في البلاد، وهذا محض رأي ضمن الأراء المختلفة في شأن من يتوافق عليه أهل المعارضة لمنع عودة الإنقاذيين لسدة الحكم من جديد. لقد فاز السيد الصادق المهدي وحزبه بأكثر مقاعد البرلمان عددا، مما أهّله لتسنم رئاسة الوزراء، ولم تكد تنقضي الثلاث سنوات الاولى حتى أطاحت به حكومة الإنقاذ الإسلاموية لتدّعي عدم إسلاميتها وإسلامويتها في بداية الأمر، وكل من بحث ليورط السيد الصادق المهدي في مسألة الإنقلاب بإتهامه بمعرفة ما كان يحدث قبل الإنقلاب، فات عليه أن الصادق المهدي رجل سلم وحوار، ولم يكن ليبلغ به الخيال ما تمكنت الجبهة الإسلامية من فعله ليلة 30 يونية 1989، لذلك فإن عدم منح العُذر للرجل يكاد يُشكك في أنه يريد تسليم السلطة للجبهة على طبق من فضة وكأنها لا تعنيه وفي ذلك جور على الرجل وبهتان. ما سردناه آنفاً يشجعنا على المطالبة بالإلتفاف حول ترشيح الصادق المهدي كمرشح وحيد لأحزاب جوبا، في جولة ثانية للإنتخابات إن أتت، وهنا لابد أن نسجل كامل إحترامنا لأهلية المقاتل ياسر عرمان، المفكر الذكي محمد إبراهيم نقد، القائد عبدالعزيز خالد وكل وطني حادب على مصلحة البلد، ترشح ولم ينل فرصته من لدن الدكتور عبدالله علي ابراهيم. وبالإضافة لأحقية الصادق المهدي بالرئاسة كونه آخر رئيس وزراء منتخب ديمقراطياً تأتي قضية المحافظة على سفينة الوطن من الإنثقاب بسبب سياسات الإنقاذ الإجتماعية والثقافية والتي جعلت من الشعب السوداني هش في بنية التفكير الديمقراطي، مشوّش وتائه ثقافياً وإجتماعياً ومُشكِّك تجاه أي تغيير بحسبان أنه سيكون بداية من الصفر على مستوى الفساد والمحسوبية والإنهيار الإقتصادي، لذلك يُعتقد أن التغيير يعني البلاء والوباء، وهذه الحالة سبقنا إليها العراق، فأصبح بنوه في نهاية الأمر يقاتلون بعضهم بعضاً ظناً منهم أنهم بذلك يحمون وطنهم أو تحت ظنون وأسباب أخرى عقائدية وطائفية. إن حالة الربكة التي يعيشها الوطن الآن لا يمكن السيطرة عليها بدون وجود رجل مثل السيد الصادق المهدي، فهو وسيط جيد بين الحالة التي بسطتها الإنقاذ على روح الشعب السوداني فغبّشت وعي أفراده وقتلت مستقبل ديمقراطيته، وبين الحركة الشعبية التي ستأتي بتغيير جذري وفجائي وغير مُتدرج، ربما تكون نتائجه وخيمة على الوطن ككل. ربما يأتي من يقول إن هذه الإنتخابات لن تأتي حرة ونزيهة، ومغيبة بالتالي لإرادة الناخبين، ولكن الكثير من الشواهد تثبت أن التزوير والتلاعب في الأصوات لم يفارق العملية الإنتخابية في كل العالم، ودوننا في السودان والإنتخابات الأخيرة نفسها والتي فاز بها حزب الأمة. يقول محمد سعيد القدال عبر مقال له بموقع الحوار المتمدن عن إنتخابات 86( كان قانون تلك الانتخابات كسيحاً، وعارضته غالبية القوى السياسية. ورغم ذلك شاركت في الانتخابات لأن القوى السياسية لا تصارع في الظرف المثالي الذي تشتهيه، بل تناضل من أجل خلق ذلك الظرف المثالي الذي تشتهيه. وتدخل المجلس العسكري الانتقالي بكل ثقله ليخرج القانون الخاص بدوائر الخريجين ليتناسب مع تنظيم الجبهة الإسلامية)، ورغم ذلك جاءت الجبهة الإسلامية ثالثة، فهل أغناها تزويرها للأصوات أو أسمن. إضافة لذلك فإن الأجواء المتعكرة التي تجري فيها الإنتخابات وسيطرة الطفيلية على مفاصل الإقتصاد لن تكون عاصم لأحد من الإندحار تحت وطأة إرادة الشعب، فالقدال يقول ضمن نفس السياق( وأجريت الانتخابات بعد أن استشرت الرأسمالية الطفيلية وانتفخت أوداجها خلال سنوات مايو. والذي يراجع الخريطة السياسية لتلك الانتخابات لن يغيب عنه طفح الطفيلية التي وزعت الأموال يمنة ويسرى في حزام الفقر. لقد ارتكب المجلس العسكري الانتقالي عدة جرائم نكراء في حق الحركة السياسية السودانية، لعل أكثرها بشاعة المناخ الكالح الذي أجريت فيه الانتخابات). وعن المجلس العسكري آنذاك ومجلس إنقلاب الإنقاذ بداية التسعينيات لنا عودة بالكتابة لو طال الأجل. nazeer ebrahim [[email protected]]