القوز يقرر السفر إلى دنقلا ومواصلة المشوار    لاعب منتخب السودان يتخوّف من فشل منظومة ويتمسّك بالخيار الوحيد    الدب.. حميدتي لعبة الوداعة والمكر    ⛔ قبل أن تحضر الفيديو أريد منك تقرأ هذا الكلام وتفكر فيه    إلي اين نسير    منشآت المريخ..!    كيف واجه القطاع المصرفي في السودان تحديات الحرب خلال 2025    صلوحة: إذا استشهد معاوية فإن السودان سينجب كل يوم ألف معاوية    إبراهيم شقلاوي يكتب: وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    كامل إدريس في نيويورك ... عندما يتفوق الشكل ع المحتوى    مباحث قسم الصناعات تنهي نشاط شبكة النصب والاحتيال عبر إستخدام تطبيق بنكك المزيف    عقار: لا تفاوض ولا هدنة مع مغتصب والسلام العادل سيتحقق عبر رؤية شعب السودان وحكومته    إجتماع بسفارة السودان بالمغرب لدعم المنتخب الوطني في بطولة الأمم الإفريقية    بولس : توافق سعودي أمريكي للعمل علي إنهاء الحرب في السودان    البرهان وأردوغان يجريان مباحثات مشتركة    شاهد بالفيديو.. الفنانة ميادة قمر الدين تعبر عن إعجابها بعريس رقص في حفل أحيته على طريقة "العرضة": (العريس الفرفوش سمح.. العرضة سمحة وعواليق نخليها والرجفة نخليها)    شاهد بالفيديو.. أسرة الطالب الذي رقص أمام معلمه تقدم إعتذار رسمي للشعب السوداني: (مراهق ولم نقصر في واجبنا تجاهه وما قام به ساتي غير مرضي)    بالصورة.. مدير أعمال الفنانة إيمان الشريف يرد على أخبار خلافه مع المطربة وإنفصاله عنها    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    عثمان ميرغني يكتب: لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    محرز يسجل أسرع هدف في كأس أفريقيا    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسالة إلى رئيس مجلس الوزراء: انتاج البيانات والاحصاءات الوطنية: تحديات ومخاطر مستترة .. بقلم: د. سليمان زكريا سليمان عبدالله
نشر في سودانيل يوم 13 - 11 - 2018

يبدو أن واقع التعامل مع الأزمات التي تعرض لها الاقتصاد السوداني خلال السنوات القليلة الماضية أدى إلى أن تتشكل لدى بعض قطاعات المجتمع السوداني العديد من حالات الشك ومظاهر انعدام الثقة حول جدوى وفاعلية السياسات والآليات التي ينتهجها بعض المسؤولين في إدارة مؤسسات الدولة. كما يبدو أن هناك ثمة توافق بدأ يتشكل عند بعض السودانيين مع مقولة الكاتب والروائي الأمريكي فرانسيس تشان الذي أوضح أن أكثر ما يجب أن نخاف منه ليس الفشل، بل النجاح في أشياء غير مؤثرة في الحياة. في المقابل، علينا أن لا نغفل حقيقة أن هناك بعض الجهود والمحاولات الجادة التي تستحق الاشادة والتقدير. كما أنه من المهم الاشارة إلى أن هناك العديد من الآراء والمقترحات والمبادرات التي طرحت من قبل العديد من الاقتصاديين والأكاديميين والمهتمين بهدف تعزيز قدرات مؤسسات الدولة في تسيير منظومة الاقتصاد وتصحيح مساره، وبما يسهم في تحسين الظروف المعيشية للمواطن السوداني. وعلى الرغم من كل تلك الجهود، إلا أن الواقع يشير بوضوح إلى أن هناك اتجاهاً عاماً بالتزايد في حدة المشكلات والصعوبات المعيشية التي يعاني منها المواطن السوداني يوماً بعد آخر، وبصفة خاصة في الفترة التي أعقبت انفصال دولة جنوب السودان، وما صاحبه من تدهور في المؤشرات الاقتصادية الكلية كالتضخم وسعر صرف العملة الوطنية والميزان التجاري وغيرها من مؤشرات.
يستوجب هذا الواقع المأزوم ضرورة أن تأتي توجهات الدولة وتصوراتها للحلول في سياق رؤية شاملة ومتكاملة تستند إلى مرجعيات علمية، وتأخذ بعين الاعتبار كافة الأبعاد والعوامل ذات الصلة بتسيير منظومة الاقتصاد الوطني. فقد آن الأوان لتجاوز محطة "الحلول بالتجزئة" في التعاطي مع مشكلات الاقتصاد السوداني وتحدياته، والانتقال إلى سياق تتبلور فيه الحلول في إطار من الشمول وبعد النظر، والذي من أهم متطلباته إعادة النظر في الآليات والأدوات التي تنتهجها الدولة في تحريك اقتصادنا الوطني. في هذا السياق، يبدو منطقياً أن نتساءل عن الأسباب التي تفسر عدم نجاعة السياسات والأدوات التي درجت الدولة على تبنيها خلال السنوات القليلة الماضية لتصحيح مسار الاقتصاد. هل يكمن الخلل في السياسات أم في من يتولى تنفيذ هذه السياسات؟ أم أنه الفشل في المدرسة الاقتصادية التي تدير اقتصادنا الوطني كما أشار بذلك النائب الأول لرئيس الجمهورية رئيس مجلس الوزراء السابق وذلك في حديثه لنواب البرلمان في أكتوبر من العام 2017؟
في إطار هذه الكثافة من الصعوبات والتحديات، يحاول هذا المقال أن يلفت انتباه من يديرون الشأن الاقتصادي إلى أن جانباً من محاولات وجهود الاصلاح المستقبلية ينبغي أن يوجه نحو التحديد والادراك الدقيقين لكافة القضايا التي تم تجاوزها واغفالها في المحاولات والجهود الاصلاحية السابقة، تزامناً مع تواصل الاهتمام بالقضايا ذات الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية وغيرها. إحدي القضايا الحيوية التي لم تحظى بالاهتمام الكافي في كل تلك المحاولات، والتي تشكل محور اهتمام هذا المقال، هي قضية انتاج البيانات والمؤشرات الاحصائية التي تعكس واقع الاقتصاد السوداني وحركته. حيث يحاول المقال أن يؤكد على أن نجاح تصورات المخططين وصناع القرارات في إدارة مؤسسات الدولة مرهون بدرجة كبيرة بمدى كفاءة المؤسسات الوطنية وفاعليتها في انتاج ونشر تلك البيانات والمؤشرات. وتجدر الإشارة في هذا السياق، إلى أنه خلال السنوات القليلة الماضية تعاظمت الأهمية الاقتصادية للبيانات، فصارت واحدة من الأسس المرجعية لعمليات صناعة القرار على مستوى الدول والمؤسسات. وليس أدل على ذلك أكثر من الاهتمام الذي حظيت به من قبل قادة العالم عند صياغتهم لأجندة أعمال التنمية المستدامة 2030. حيث يشير الجزء المتعلق بمقاصد قطاع البيانات والرصد والمساءلة الوارد بالهدف السابع عشر من أهداف التنمية المستدامة (تعزيز وسائل التنفيذ وتنفيذ الشراكة العالمية من أجل تحقيق التنمية المستدامة) إلى ضرورة أن تتحقق زيادة كبيرة في توافر بيانات عالية الجودة ومناسبة التوقيت وموثوقة ومفصلة حول العديد من المتغيرات والمؤشرات التي تعكس واقع الدولة والأداء العام لمؤسساتها حسب المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والصحية والبيئية والسياسية وغيرها. ومن ما يعزز أهمية البيانات في عالم اليوم، اعتراف منظمة الأمم المتحده بالدور المؤثر الذي تلعبه البيانات والاحصاءات في عمليات التنمية، وذلك من خلال تخصيصها يوماً عالمياً للاحصاء برعاية اللجنة الاحصائية بالأمم المتحده. تم الاحتفال باليوم العالمي الأول في العام 2010، تحت شعار يجمع ثلاث قيم أساسية (خدمة، مهنية، نزاهة)، وتم الاحتفال باليوم الثاني في العام 2015، تحت شعار «بيانات أفضل من أجل حياة أفضل»، ومن المقرر أن يتم الاحتفال باليوم العالمي الثالث للاحصاء في العام 2020. ومما يجدر الاشارة إليه، أن منظمة الأمم المتحدة أطلقت في يناير من العام 2017 خطة العمل العالمية لبيانات التنمية المستدامة في منتدى الأمم المتحدة الأول للبيانات الذي عقد بجنوب أفريقيا، والتي تدعو إلى التزام الحكومات والقادة السياسيين والمجتمع الدولي باتخاذ إجراءات رئيسة في إطار ستة مجالات استراتيجية، تتمثل في: التنسيق والقيادة؛ الابتكار؛ وتحديث النظم الإحصائية الوطنية؛ نشر بيانات عن التنمية المستدامة؛ بناء الشراكات؛ وتعبئة الموارد. وفي أكتوبر من العام الحالي، عقد المنتدي العالمي الثاني للبيانات في مدينة دبي بدولة الامارات العربية المتحدة. ولعل أحد أبرز المؤشرات الاحصائية التي تم استعراضها خلال مداولات منتدى دبي هو أن 90% من البيانات في العالم استحدثت خلال العامين الماضيين.
واستناداً إلى هذه المعطيات، يبقى لنا أن نتساءل: أين نحن من كل تلك الأدبيات والممارسات التي تؤكد باستمرار على أهمية أن تتحقق الكفاءة في انتاج البيانات والاحصاءات المعبرة عن أداء الاقتصادات الوطنية؟ المتتبع لمنظومة عمل مؤسسات الدولة المختلفة يدرك بوضوح أن هناك العديد من الممارسات التي لا تتوافق في كثير من جوانبها مع المعايير التي تشير إليها الأدبيات في هذا المجال، وأن اهتمام العديد من مؤسسات الدولة بهذه القضية في غالبيته لا يخرج من دائرة التنظير والشعارات والظهور الإعلامي. أبرز الأمثلة على ذلك، ما صرح به النائب الأول لرئيس الجمهوية (الأسبق) في اكتوبر من العام 2012 وتحديده لجملة من التحديات التي واجهت الخطه الخمسية 2012-2016 والتي من بينها ضعف الكادر البشري المنفذ، هذا بالإضافة إلي إنتقاده لنظام الإحصاء والمعلوماتيه والذي أوضح بأنه يحتاج لدقه في تنقيح قاعدة البيانات التي يقاس علي أساسها الأداء، وأيضاً مطالبته البرلمان بمتابعة قضية بناء قاعدة المعلومات وذلك عند تقديمه للخطه الخمسيه الثانية (2012-2016) ومناقشته للخطة الخمسية الأولى (2007-2011م). هذا الاعتراف الصريح بعدم كفاءة المؤسسات التي تتولي عمليات انتاج البيانات والاحصاءات يقودنا إلى طرح سؤالين منطقيين. أولاً، هل الحكم على فاعلية تلك المؤسسات في القيام بمهامها يكون منطقياً وموضوعياً عندما يصدر خلال مرحلة إعداد وصياغة خطط الدولة وتوجهاتها الاستراتيجية أم في مراحل تقييم وعرض مخرجات تلك الخطط والتوجهات؟؟؟؟؟ ثانياً: ما السياسات والآليات التي انتهجتها الدولة في معالجة مظاهر الفشل وأسباب الاخفاق التي جعلت تلك المؤسسات عاجزة عن انتاج بيانات ذات موثوقية عاليه تعين المخططين في التغلب على التحديات التي يواجهها اقتصادنا الوطني؟ جانباً من الاجابة على هذا التساؤل يقودنا إلى تسليط الضو على تأكيد رئيس مجلس الوزراء ووزير المالية الأستاذ معتز موسى على أهمية الاحصاء في تطوير مسيرة الأداء الكلي للدولة وذلك خلال زيارته للجهاز المركزي للاحصاء في نهاية شهر اكتوبر الماضي. فما اتيح من معلومات حول تلك الزيارة يمكن تلخيصه في توجيه رئيس مجلس الوزراء بأن يقوم الجهاز المركزي للاحصاء بتوزيع المنتجات الاحصائية والتصدي لأي تقرير يصدر من أي جهة يحمل معلومات غير دقيقة (المصدر: وكالة السودان للأنباء). وهذا دون أدنى شك يعتبر أمراً ايجابياً، على الأقل من الناحية النظرية. لكن علينا أن نستصحب مع هذا الاتجاه الايجابي واقع الممارسات في إدارة قضايا انتاج واتاحة البيانات والمؤشرات الاحصائية بمؤسسات الدولة المختلفة. فالواقع يشير بوضوح إلى أن الدولة ستواجه بالعديد من التحديات والمخاطر في هذا المجال، من أبرزها: ما الآلية التي على أساسها يمكن للجهاز المركزي للاحصاء القيام بعمليات الرصد والمتابعة للبيانات والاحصاءات التي تصدرها مؤسسات الدولة المختلفة؟ وهل يتوافر الكادر البشري الذي يتولى إدارة تلك العمليات بالفاعلية المطلوبة؟
وحتى يكون اصدار الأحكام منطقياً وموضوعياً، دعونا ننتقل إلى لغة الأرقام والاحصائيات في إبراز جانباً من مظاهر الاخفاق في انتاج البيانات والمؤشرات الاحصائية على المستوى الكلي. حيث أشارت احصاءات بنك السودان المركزي أن قيمة الناتج المحلي الاجمالي بالأسعار الجارية (مليون جنيه) للعام 2016 هي (667,568.0) وقيمته بالأسعار الثابته (34,690.0) (أنظر الصفحات 111 و 116 من التقرير السنوي لبنك السودان المركزي للعام 2017 والمتاح بالموقع الالكتروني للبنك). وفي وثيقة أخرى في نفس الموقع، تحمل مسمى قاعدة البيانات الاحصائية، ورد أن قيمة الناتج المحلي الاجمالي بالأسعار الجارية لنفس العام هي (0693514.0) وبالأسعار الثابتة (34.62). علماً بأن قيمة الناتج المحلي الاجمالي بالأسعار الثابته وردت في التقرير السنوي على أساس (ألف جنيه) وليس (مليون جنيه) على عكس ما تمت الاشارة إليه في قاعدة البيانات الاحصائية (أنظر الجدول رقم 7-5 في الصفحة رقم 116 من التقرير السنوي لعام 2017). هذا أحد الأمثلة على عدم الدقة التي تظهر على مستوى المؤسسة الواحدة. وكمثال لعدم التوافق والتجانس في البيانات والاحصاءات التي تصدرها مؤسسات مختلفة، نشير إلى أن احصاءات البنك المركزي أوضحت أن معدل التضخم لشهر نوفمبر من العام 2017 بلغ 24.7 (أنظر الصفحة رقم 3 من النشرة الاقتصادية لبنك السودان العدد 12/2017). في المقابل، أشارت الاحصاءات المتاحة بالموقع الرسمي للجهاز المركزي للاحصاء أن معدل التضخم لنفس الشهر بلغ 24.8 (أنظر الصفحة رقم 1 من وثيقة الأرقام القياسية للفترة 2010-2017). أنه من المؤسف حقاً أن تصدر مثل هذه الاحصاءات المتضاربة من أبرز مؤسسات صناعة القرار في بلادنا!!!!!!!!. ولا يجد هذا المقال وصفاً لوجود مثل هذا النوع من الممارسات أبلغ من مقولة رائد الأعمال الأمريكي جيم باركسديل الرئيس التنفيذي السابق لشركة Netscape حين أوضح: "If we have data, let's look at data. If all we have are opinions, let's go with mine."
ومما لا شك فيه، أنه عندما تصبح مؤسسات الدولة عاجزة عن انتاج بيانات واحصاءات تمتاز بدرجة عالية من الدقة والشمول والاتساق، فإنه ستتضاءل فرص واحتمالات نجاح خطط وبرامج التنمية التي يسعى إليها المخططون ومتخذو القرارات بتلك المؤسسات. كما سترتفع حالات عدم الثقة حول أداء مؤسسات الدولة لدى قطاعات المجتمع المختلفة والمستثمرين وغيرهم من الأطراف ذات العلاقة. وبدون تلك الاحصاءات الدقيقة، لن تتمكن الدولة من تحقيق الفاعلية في جهودها لمحاربة الفساد، تلك الجهود التي بدأت تتصدر اهتمامات قادة الدولة وتتصدر المشهد الإعلامي في الآونة الأخيرة. بالاضافة إلى ذلك، فإن التضارب في انتاج البيانات والاحصاءات الوطنية سيضع بلادنا في موضع شك كبير لدى المؤسسات الاقليمية والدولية، ويجعل سمعة الوطن ومكانته في تراجع مستمر على مؤشرات التنافسية العالمية في شتى مجالات الحياة.
واقع الحال يشير إلى أن التغلب على التحديات التي تواجه الدولة في عمليات انتاج ونشر البيانات والمؤشرات الاحصائية يتطلب بذل المزيد من الجهود وعلى كافة المستويات. ويؤكد هذا المقال على أنه قد حان أوان تغيير الأساليب والآليات والممارسات التي تدار بها مؤسسات الدولة لتأخذ بعداً جديداً في التعاطي مع الأزمات والتحديات التي يواجهها الوطن. وهذا هو الواقع الذي تلخصه المقولة التالية التي ظهرت في العديد من أدبيات التغيير: لا شيء يعرقل تطور أي مؤسسة أسرع من اولئك الذين يؤمنون بأن طريقهم في العمل بالأمس هي الأفضل. في هذا السياق، يقدم هذا المقال بعض المقترحات والتوصيات العملية التي يمكن أن تتكامل مع جهود الدولة الأخرى في هذا المجال. أولاً يجب أن يدرك قادة الدولة أن أولى الخطوات المطلوبة للارتقاء بعمليات انتاج ونشر الاحصاءات الوطنية يتمثل في زيادة مستويات الوعي بأهمية تلك العمليات لدى من يتولون إدارة مؤسسات الدولة المختلفة. ينصح هذا المقال بضرورة أن يتبنى الجهاز المركزي للاحصاء اصدار دليل يحمل مسمى: دليل المعايير الوطنية لانتاج ونشر البيانات الاحصائية. كما يمكن إصدار وثيقة تحت عنوان: أخلاقيات العمل الاحصائي الوطني، مع ضرورة عقد اللقاءات الدورية مع الوزراء ووزراء الدولة للتأكيد على تلك الأهمية. ثانياً، الشروع فوراً في الارتقاء بقدرات الكادر البشري المسؤول عن عمليات انتاج البيانات وذلك من خلال طرح العديد من برامج تعزيز القدرات، والحرص على مواكبة المستجدات العالمية في هذا المجال. وهنا يمكن أن تتبنى وزارة المالية برنامجاً مهنياً (مثلاً: الدبلوم المهني في إدارة البيانات والاحصاءات الوطنية) يتم طرحه عبر أكاديمية الدراسات المالية والاقتصادية التابعة لوزارة المالية (على سبيل المثال) مستهدفاً موظفي وموظفات الدولة على مستوى المركز والولايات، على أن تكون المرجعية الرئيسة للمحتوى العلمي لهذا البرنامج الممارسات التي تتبناها المؤسسات ذات السمعة المتميزة في مجال انتاج ونشر البيانات والاحصاءات مثل صندوق النقد العربي، البنك الاسلامي للتنمية، البنك الافريقي للتنمية، البنك الدولي، صندوق النقد الدولي وغيرها. ثالثاً، العمل علي أن تكون الأولوية في تعيين الكوادر الوظيفية في دوائر الإحصاء والمعلومات بالمؤسسات المختلفه لمن يتخصصون في الدراسات الاحصائية والاقتصادية ومن لهم الأفق والادراك بأهمية دقة وكفاءة الأرقام والاحصاءات وبصورة خاصه في بنك السودان المركزي، والجهاز المركزي للاحصاء، ووزارة المالية، وسوق الخرطوم للأوراق المالية وغيرها. رابعاً، الحرص على مواكبة التوجهات والمستجدات العالمية في مجال انتاج البيانات ونشرها، وفي ذلك يتعين على المؤسسات ذات الصلة أن تعمل بصورة جدية علي إعتماد المنهجيات الاحصائية التي تستند الي توصيات المنظمات الاحصائية الدولية كاللجنه الاحصائية للأمم المتحده، وتوصيات المعهد الاحصائي الدولي، هذا بالاضافه إلي الالتزام بتوصيات الخبراء والاحصائيين علي المستوى المحلي والاقليمي. خامساً، التفكير في إنشاء إدارة/وحدة مستقلة بمسمى وحدة الرقابة والتدقيق (على سبيل المثال) ضمن الهيكل التنظيمي للجهاز المركزي للاحصاء يتمثل هدفها الرئيس في متابعة ورصد عمليات انتاج ونشر الاحصاءات بمؤسسات الدولة المختلفة، والتأكد من مدى ملاءمة الأطر والمرجعيات العلمية التي تستخدمها مؤسسات الدولة المختلفة في عمليات انتاج المؤشرات الاحصائية. سادساً، تشكيل فريق بحثي من المختصين والباحثين في مجال الدراسات الاحصائية والاقتصادية لإجراء دراسة تقييمية شاملة لواقع انتاج البيانات والاحصاءات في مؤسسات الدولة المختلفة، بهدف الوصول إلى مقترحات تدعم الجهود في مجال انتاج البيانات. سابعاً، أن يتبنى الجهاز المركزي للاحصاء عقد مؤتمر علمي أو منتدى على أساس سنوى لمناقشة القضايا ذات الصلة بواقع انتاج البيانات والاحصاءات الوطنية تتاح فيه المشاركة لكافة مؤسسات الدولة، على أن تشكل أقسام الاحصاء بالجامعات السودانية المختلفة حضوراً في اللجان المختلفة التي تتولي عمليات تخطيط وتنفيذ أعمال المؤتمر أو المنتدى. وهنا يمكن خلق شراكة استراتيجية بين الجهاز المركزي للاحصاء ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي. ثامناً، على مسؤولي الجهاز المركزي للاحصاء بذل المزيد من الجهود لتطوير الموقع الإلكتروني للجهاز وتحديثه ليواكب الممارسات المطلوب توافرها من حيث المرونة العالية وسهولة الاستخدام وشمول المتغيرات والمؤشرات التي تلخص الأداء العام للدولة في كافة المجالات. فالموقع بوضعه الحالي تنقصه العديد من تلك الممارسات. يتضح ذلك جلياً إذا ما عقدنا مقارنة بالمواقع الإلكترونية للمراكز والمؤسسات المناظرة في الدول العربية والأفريقية من حولنا.
نعود للتأكيد مرة أخرى على أنه قد حان آوان أن تتعامل مؤسسات االدولة مع قضية انتاج ونشر البيانات والاحصاءات على أساس أنها واحدة من القضايا الاستراتيجية للدولة. كما لا يفوتنا أن نثمن جهودكم المتواصلة التي تبذلونها في إدارة الاقتصاد الكلي، ونسأل الله أن يكتب لكم التوفيق والسداد وأن يمدكم بعونه في ما تقومون به من أعمال.
وفقنا الله وإياكم في خدمة المجتمع السوداني
د. سليمان زكريا سليمان عبدالله
أستاذ مساعد بجامعة السلطان قابوس – سلطنة عمان
أستاذ مساعد (سابقاً) بكل من جامعة بخت الرضا (الدويم) وجامعة الخرطوم
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.