المناخ السائد الآن في كل أرجاء السودان هو مناخ الثورة , يمكن الإشارة إلى أنّ الأطفال صاروا يهتفون في براءة لعبهم ب(السعب يرييي اسااااأ النزام) , وتطلّ مقاطع طفلة (البوليغ) دوما تحمل المثير وآخر مقاطعها (نحن بناكل صفق الشجرة انتو الله اقدركم علي ربط البطون ) , هذه مشاهد متسقة مع الحالة السائدة , لم يعد الأطفال بمعزل عمّا يحصل أمامهم لدرجة ملاحظة غياب طلباتهم , فهم يأكلون ما تيسّر إن وجدوه فرحوا به فرحا شديدا , ليس مطلوبا من الأب أن يُحضر سلّة أو كيسا محشوا بما يشتهون من فاكهة وحلويات (الموز) في حدّها الأدنى , بل يظلون ير قبون عودة الأب حاملا كيس رغيف فقط , يحمدون الله على حضوره بعد رهق الوقوف في الصف الطويل ! الأطفال الذين اعتادوا على مبيت والدهم خارج البيت لأنّه واقف في صف البنزين , وهم كذلك يتناوبون مع الأم العاملة في حجز دورها في صف الصرافة لسحب ما تبقى من فتات المرتب الهزيل , ما عادوا يطمعون في عجلة (كوبرا) كما يشتهون وتشتهي نزواتهم البريئة . الشباب والشابات الذين يقودون المظاهرات جميعهم من الأجيال التي ولدت في ظل السقف الواطي الذي شادته الإنقاذ للطموح الوطني والإنساني , وأكبرهم ممن ولدوا مطلع أو منتصف الثمانينات فنشأوا تحت ذات السقف المنحط. سمعوا حد الغثيان أناشيد تمجيد الموت في حروبات الإنقاذ المستعرة بطول البلاد وعرضها , شاهدوا التلفزيون الذي شبّهه أحد الساخرين ب(المجروس) ما أن تفتحه حتى ينط لك عسكري , حُشدوا وهم في سنوات مدارسهم الإبتدائية والثانوية ؛ لتمجيد الدفاع الشعبي , وتعظيم البشير , وفداء الدين , وحُرّضوا في المدارس والإعلام والمساجد ضد الخونة والعملاء والشيوعيين والعلمانيين والغزاة الطامعين . رُسمت في مخيلاتهم الغضة صورة الوطن مقرونة بوجود الأقوياء الأمناء من ذوي اللحى الممتدة والأجساد الملساء الناعمة والحديث المرصّع بسير الصحابة والنبي . وسميت لهم المدارس والشوارع وقاعات الدرس والصيدليات والمشافي الخاصة والخطط الإسكانية والمخططات السكنية والمتحركات العسكرية كلّها بأسماء غامضة أحيانا ولكنها تعود إلى الجزيرة العربية أيام القرن السابع الميلادي وفجر الدعوة الإسلامية , ثم درسوا في الجامعات مطلوبات الترقي العلمي وعلى رأسها الثقافة والتربية الإسلامية , فعرّفت لهم المذاهب الهدّامة مثل الليبرالية والعلمانية والشيوعية تعريفا يتلائم مع سقف الإنقاذ الفكري والأخلاقي شديد الهبوط والإنحدار . وأشيع في أوساطهم أنّ العملاء والطابور الخامس يعمل على هدم دين الإسلام ويستهدف السودان !قيل لهم إنّ الأحزاب تآمر وأي حزب يتعدى حدود اللافتة التي منحها له مسجل الأحزاب مأفون ومبغوض , والعلمانية تعني فتح البارات والمجون , لأنّ تزكية المجتمع تقتضي النظام العام وضبط المظهر ومحاكمة الفتيات اللاتي يرتدين البنطلون أو تسقط الطرحة من على رؤوسهن ! منظمات المجتمع المدني مخالب قط للتدخل الأجنبي المثابر على التنصير ونزع السودانيين من موروثهم الإسلامي والعروبي المبين , فالتعددية دغمسة (ساي) والجنوب عبء وانزاح , ومشروع الجزيرة يثقل كاهن إقتصاد دولة المشروع الحضاري , وسكن الطلاب في الداخليات , وروشتة الدواء في صيدليات المستشفيات , وحتى الإبرة وحقنة البنج في الحوادث مما يرهق ميزانية دولة تمكين الإسلام بما لا يستحقه إنسان غير قوي وغير أمين . نشأ جيل الثورة أو معظم الثوار الآن في الشوارع والأحياء , في ظل ستار كثيف من التجهيل الذي بلغ تخوم المقررات المدرسية ونماذج الشرح والتحليل , لم يسمعوا بنقابة إلاّ مشمولة برئاسة المدير , مهمتها حشد العاملين لمسيرة التأييد , ودورها الجهاد مع المجاهدين ولو بالقوت والزاد والخلافة في الأهل . الصبر على البلاء , وتحمّل الفقر ومقاومة المرض بالتحايل , في سبيل تمكين المسيرة القاصدة التي تحاصرها كما تعلمون قوى الإذلال ولن نُزل ولن نُهان ولن نُطيع الأمريكان !هي أدبيات السلطة والمتسلطين في وجه من يسأل عن حق إنسان , وحتى جلسات (الدروشة) في مجلس حقوق الإنسان نحشد لها فوق مصطفى عثمان الممثل المقيم , منظمات عابدة قانتة ساجدة راكعة يقودها شقيق خادم القرآن . أرأيتم يا جيل الكي بورد والفيس بوك والواتساب ما أنتم فيه من هناء ترفلون ! ومع ذلك تثورون ! يا لكم من بغاة طغاة مخربون تتبعون جماعة رأس الفتنة عبدالواحد محمد النور , أو لم تشاهدوا المخربين في المؤتمر الصحفي لوزير دولة الإسلام وناطقها (القرآني) الذي تبدو سيماء الصلاح والصدق بائنة في وجهه الصبيح ! ما لكم كيف تثورون وتهتفون ( حرية سلام وعدالة ) والحرية تملأ الوطن وتفيض على البلدان , 5ملايين مهاجر فقط ومئات الآلاف لاجئ فقط, السلام يرفرف فوق جبال النوبة الذين يلعبون الآن ويرقصون في احتفالات الأسبار , السلام وقراه النموذجية واقع يكّذب الإدعاءات والمؤامرات الأوكامبية في دارفور , السلام مراعي ومزارع وحياة بهيجة وخيرات متدفقة في النيل الأزرق فماذا ترجون .عدالة , تُبا لكم أيّها المخربون العتاة , أو لا ترون القطط السمان تدفع التسويات بالمليارات ؟ هل من عدالة أكثر من هذا تتوقعون , تحت ظل أباطيل شعارات دولة القانون والديمقراطية وفصل السلطات . أيها الثوار أنتم بالحق الأعلون ببساطة لأنّكم لم تقاوموا جبروت البطش والرصاص والضرب والتعذيب والتنكيل فحسب , بل وبوعي نحسدكم عليه كسرتم طبقات سميكة من صدف النذالة والخساسة وخرجتم مبرأين , المجد للشهداء , للجرحى والمصابين كامل الشفاء , للمعتقلين الحرية وكسر القيود للشرفاء والشريفات في كل شبر كامل الحب وعظيم الوفاء والعرفان ولأجيال الشباب , أنتم الأعلون أنتم الأعلون دوما . خالد فضل . الخرطوم 1ينائر2019م عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.