[email protected] ترجع نشأة الجيش السودانى الحديث إلى عهد محمد على باشا لدى غزوه للسودان قي العام 1821 م بحثاً عن المال والرجال حيث عرف السودانيون بشدة البأس ومضاء العزيمة وقوة الشكيمة.. ثم قامت الثورة المهدية التى دحرت الأتراك وطردتهم من السودان مدينة مدينة وقرية قرية ، ودخلت قوات الأمام المهدى الخرطوم عنوة واقتداراً عام 1885 وقتلت الجنرال الانجليزى غردون باشا حاكم السودان رغم محاولات بريطانيا العظمى المستميتة لأنقاذه. وكان مقتل غردون باشا فضيحة عالمية كبيرة جعلت الصليبيين الجدد يتنادون لأعادة فتح السودان بل لاسترجاع الكرامة البريطانية والأوربية التى مرغت فى الوحل... وفى هذه الأثناء تكونت الدولة المهدية السودانية المستقلة ذات الحدود المعروفة لأول مرة بقيادة الخليفة عبدالله التعايشى خليفة الأمام المهدى عليه السلام. واستمرت الدولة المهدية فترة 13 عاماً الى أن أعادت بريطانيا فتح السودان عام 1898 بقيادة الجنرال هيربرت كتشنر باشا بعد معركة أم درمان ( كررى ) الشهيرة التى أغتيل فيها 15 ألف جندى سودانى وجرح 16 ألف فى ساعتين بفعل الأسلحة الرشاشة الثقيلة وقذائف الهاوتزر التى استعملت لأول مرة فى الحرب ضد الفرسان والمشاة و التى لم يعرفها المهديون آنذاك....ولدهشة العالم ساعتئذ ، لم ينكص أى سودانى على عقبيه رغم المجزرة و الموت المحقق ...وقد تأثر الشاعر والكاتب الانجليزى روديارد كيبلينج ( 1865- 1936 ) بهذا الصمود أيما تأثر ونظم قصيدته الشهيرة التى أقر فيها بأن السودانيون ( لم يهزموا وانما قهرتهم الآلة ). وبعد أن دالت دولة المهدية ، أنشأ المستعمر ماعرف آنذاك بقوة دفاع السودان فبل العام 1955 وهى قوة مكونة من الجنود السودانين الذين عملوا تحت أمرة الجيش البريطاني المحتل. وشاركت قوة دفاع السودان فى الحرب العالمية الثانية مع قوات الحلفاء فى عدة معارك أهمها معارك المكسيك ثم معركة كرن بشرق السودان التى دحرت فيها قوة دفاع السودان قوات الدوتشى الأيطالى موسولينى مما جعل رئيس الوزراء البريطانى تشرشل يعدل عن فكرة الاستسلام للألمان . كما أشتركت قوة دفاع السودان فى معركة العلمين بالصحراء الليبية بين الجنرال الأنجليزى مونتجمرى والجنرال الألمانى الأشهر روميل وانتهت بانتصار الأنجليز . و استمرت مقاومة السودانيين للأستعمار البريطانى بشتى الوسائل أشهرها حركة جمعية اللواء الأبيض التى قام بها الضباط على عبد اللطيف وعبد الفضيل الماظ ورفاقهم. وبعد العام 1956 أي بعد الأستقلال تم تكوين الجيش السوداني ( القوات المسلحة) بكافه فرقها ابتداءاً بفرقة المشاة ثم البحرية ثم القوات الجوية وغيرها. و يعتبر الجيش السوداني جيشاً قوياً ذوعقيدة قتالية فريدة وخبرة متراكمة ، وقد ظل الجيش في وضعيه قتالية منذ ((الحرب العالمية الثانية)) وإلى يومنا هذا حيث خاض معارك لمده تزيد عن 50 عاماً في الحرب الاهلية في جنوب السودان من أغسطس في العام 1955 وحتي العام2005 م والتي انتهت بتوقيع اتفاقية نيفاشا للسلام. كما شارك في عمليات تحرير سيناء في العام 1973م ضد العدو الصهيونى ، وكان جزءاً من قوات الردع العربية في جنوب لبنان اضافة الى المشاركة فى الحرب العراقية الايرانبة. وتتكون البنية التحتية للجيش السوداني من قوة عسكرية ضخمة تتمثل في مصانع للمدرعات والآليات الثقيلة ومصانع الأسلحة والذخائر كما لديه افراد مدربون أفضل التدريب مع اتباع نظام عسكرى صارم . ويشهد بذلك انتشار ضباط الجيش السوداني في مختلف الجيوش العربية في وظائف أستشارية وتدريبية .والجدير بالذكر ان المؤسسة العسكرية السودانية استولت على السلطة في السودان أربع مرات كانت الأولى في 18 نوفمبر 1958 بقيادة الرئيس الفريق إبراهيم عبود حتى ثورة 30 أكتوبر 1964 والثانية كانت في 25 مايو 1969 بقيادة الرئيس المشير جعفر نميرى حتى انتفاضة 6 أبريل 1985 واستلم بعده الرئيس المشير عبد الرحمن سوار الدهب لفترة انتقالية مدتها سنتان سلم بعدها السلطة الى الأحزاب المدنية ، أما الرابعة فكانت في 30 يونيو 1989 بقيادة الرئيس الحالى المشير عمر البشير . هذا وهنالك العديد من الانقلابات العسكرية التي وقعت فى السودان ولكن لم تنجح في الاستيلاء على السلطة وعلى سبيل المثال حركة الضباط شنان وكبيدة ضد الرئيس عبود و انقلاب الرائد هاشم العطا في يوليو 1971 ضد الرئيس جعفر نميرى وانقلاب المقدم حسن حسين عثمان فى 1975 ضد الرئيس نميرى وحركة محمد نور سعد والجبهة الوطنية 1976 م ضد الرئيس نميرى أيضاً ثم حركة ضباط 28 رمضان ضد الرئيس عمر البشير في أبريل 1990. وبعملية حسابية بسيطة نجد أن الجيش حكم السودان لمدة 44 عاماً من جملة 54 عاماُ هى عمر أستقلال البلاد. بعد هذه المقدمة التى لا بد منها ، يبرز السؤال التالى : لماذا يقوم العسكريون بالأنقلابات ؟؟؟ والسؤال هنا ليس موجهاً للعسكريين فحسب وانما تتطلب الاجابة عليه مشاركة كافة أبناء السودان . وفى تقديرى المتواضع يمكن رصد عدة أسباب منها : الطموح الشخصى . الأستمرار فى لعب الدور السياسى التاريخى للجيش السودانى فى تحمل الأعباء الوطنية و الرغبة فى الأصلاح من داخل المؤسسة العسكرية . محاكاة الأنقلابات العسكرية فى أفريقيا والعالم العربى بعد خروج المستعمرين. الحرب الأهلية الطويلة فى الجنوب التى أفقرت الشمال وحطمت الجنوب على حد سواء مما أدى الى الأستنزاف السياسى والأقتصادى والعسكرى المستمر لكافة الحكومات الشمالية عسكرية كانت أم مدنية. الأمية التى مازالت تكتنف القارة وعدم رسوخ التوجه الديموقراطى . عدم حزم وجدية الأنظمة الديمقراطية الحاكمة . ضعف المؤسسة العسكرية خلال فترة الحكم الديموقراطى بسبب الأهمال مما أثر على أدائها فى ميادين القتال . وقوع المؤسسة العسكرية تحت تأثير بعض الأحزاب العقائدية . الفقر المدقع واختلال ميزان المدفوعات عقب أرتفاع اسعار البترول وعجز الحكومات المنتخبة من الوفاء بمتطلبات المعيشة. محاكاة بعض الأسر الحاكمة من أبناء عمومتنا . عدم تمكن بعض الأنتلجنسيا السودانية الكسيحة من التنفس الا تحت ظل الأنظمة الشمولية لعجزها عن الفوز بأى مقعد برلمانى أو منصب تنفيذى تحت خيمة اليموقراطية ، لذلك هم أول من شجع الأنقلابات العسكرية وعملوا فيها وزراء ومستشارين ولا يزالون ، ومن عجيب ما ينبغى ذكره فى وقتنا الحاضر أن أحد عمداء كلية الآداب بجامعة الخرطوم عام 1970 من القرن الماضى ورغم عمره العتى ، وافق أن يعمل مستشاراً أعلامياً للأنقاذ فى أحدى سفارات السودان الصغيرة بأحدى دول الخليج...وهى مهمة يمكن أن يقوم بها أى شاب دبلوماسى فى العشرينات من عمره وبشكل أفضل....ونفس الأمر ينطبق على آخرين فى أوربا.... وهذا مثال فقط لمئات المثقفين الذين لهثوا وراء السلطة والمصالح الآنية فلا أرضاً قطعوا ولا ظهراً أبقوا . وفى اعتقادى أن هذه الأسباب مجتمعة أو متفرقة هى التى دفعت القوات المسلحة لاستلام السلطة فى السودان لفترات ليست بالقصيرة وأضافت الى أعبائها التى تتمثل فى حفظ أمن وسيادة البلاد عبء ممارسة العمل التنفيذى المضنى .... وتبعاً لذلك تعرض رفقاء السلاح الى المؤامرات والاتقلابات المضادة والثورات الشعبية والأعدامات والتشريد وغير ذلك مما أثر على قومية وحيادية الجيش بل تأثر أفراد الجيش كمواطنين وأسر لها حق العيش الكريم فى ظل هذا الوطن الكبير . اذن ما هو الوضع الأمثل لتحقيق قومية قواتنا المسلحة ونحن مقبلون على الديموقراطية الخامسة بما فيها من تحديات غير مسبوقة تتمثل فى المشاكل القائمة والأفرازات المتوقعة....وفى تقديرى أن استعراض بعض الآليات التى تشترك فيها دول كثيرة تتبع النظام الرئاسى الجمهورى يمكن أن تشكل مدخلاً للحوار حول ما ينبغى أن يكون عليه وضع القوات المسلحة فى نظام الحكم الديموقراطى . ففى النظام الأمريكى يكون رئيس الجمهورية المدنى المنتخب هو القائد الأعلى للقوات المسلحة ويكون وزير الدفاع المدنى هو القائد الفعلى للقوات المسلحة ويتشاور مع هيئة الأركان المشتركة لتنفيذ متطلبات الجيش فى حالتى السلم والحرب ويمثل حلقة الوصل بين الجيش ورئيس الجمهورية لأنفاذ القرارات العسكرية خاصة أن رئيس الجمهورية المنتخب هو المسئول أمام الشعب عن ضمان أمن البلاد... ويستطيع أى عسكرى أمريكى أن يرشح نفسه للمناصب السياسية المختلفة بعد أن يكون قد استقال من الجيش . وأذكر فى هذا المقام القائد الأمريكى الشهير الجنرال ماك آرثر بطل الحرب العالمية الثانية وبطل حرب كوريا الذى أعفاه الرئيس هارى ترومان من منصبه وهو فى عز عنفوا نه وشهرته بعد أن رفض تنفيذ أوامر الرئيس . كما أذكر أيضاً أعتراضات الجنرال الأمريكى كولن باول رئيس هيئة الأركان المشتركة فى القوات الأمريكية على قرارت وزير الدفاع ابان حرب الخليج الأولى ولكنه اعترف في مذكراته أن الأمر يعود دائماً فى النهاية الى ضرورة تنفيذ قرارات القيادة السياسية. وفى محيطنا العربى لا بد أن نذكرالجدل الذى دار فى الكويت عقب تحريرها من قبضة الأحتلال العراقى فى حرب عاصفة الصحراء حول من هو صاحب الحق الدستورى فى أعلان الحرب ؟ هل هو وزير الدفاع عقب تحققه من انتهاك الأراضى الكويتية من قبل القوات العراقية ، أم أن علي وزيرالدفاع أنتظار الأوامر من القيادة السياسية العليا وهى أمير الكويت فى هذه الحالة؟؟؟ . ونذكر أيضاً مذكرة الجيش السودانى الشهيرة التى أرسلها الفريق أول فتحى محمد على القائد العام للقوات المسلحة الى حكومة السيد الصادق المهدى المنتخبة والتى حذر فيها من ( أن القوت المسلحة لن تقبل الوصاية من أحد ) وبالفعل كان ذلك هو الأنقلاب الحقيقى الأول على حكومة الديموقراطية الثالثة ولكن المرحوم الفريق أول فتحى لم يكمل المشوار ويستلم السلطة بعد أن جرد الحكومة المدنية من شرعيتها مما مهد الطريق أمام مليشيا الجبهة القومية الاسلامية للأنقضاض على الحكم. هذا وفى تقديرى أن العقلية الأسترتيجية السودانية قادرة على استنباط ما هو مناسب لقواتنا المسلحة وبيئتنا السودانية المتنوعة على أن تتضمن النظرة التنظيمية الشاملة لتأسيس قومية وحيادية الجيش الخطوات التالية : أن يكون كافة المدنيين بعيدون عن القوات المسلحة الا اذا اقتضت الضرورة أن يستعين الجيش ببعض المدنيين فى بعض المسائل ذات الطبيعة المشتركة فى المستويات العليا.. وبخلاف ذلك ينبغى على كل من تتاح له الفرصة لدخول معسكرات الجيش أن يكون عسكرياً بالضرورة. أن يجمع السلاح من كافة المدنيين وبصفة نهائية وقاطعة وأن تحل كافة المليشيات العسكرية وشبه العسكرية بكافة مسمياتها....وألا يحمل المدنيون السلاح الا فى الحالات الخاصة والمناطق التى تحددها القوات المسلحة بناءاً على أوامر القيادة السياسية ، كأن يستدعى الأحتياطى مثلاُ...الخ أن تزود القوات المسلحة بكافة احتياجاتها اللوجستية الحديثة فى البر والبحر والجو وأن تتاح فرص التدريب لأفرادها فى الداخل والخارج على أحدث أنواع التكنلوجيا وأن يقبل لها الطلبة المتفوقون فى العلوم كالرياضيات والكيمياء والفيزياء والعلوم التطبيقية الأخرى......ولاننسى أن دخول قوات خليل ابراهيم الى قلب امدرمان فى يونيو 2008 أنما كان سببه الأساسى النقص فى وسائل الاستطلاع الحديثة على حد قول وزير الدفاع . كذلك لازلنا لا ندرى ما يؤول اليه الوضع فى البلاد ومشكلة دارفور ماثلة للعيان واستفتاء الجنوب على الأبوب..... وستحل هاتين المشكلتين أن شاء الله ولكن فى ظل وجود قوات مسلحة قوية..........ذلك أن دور القوات المسلحة مطلوب فى وقت السلم مثلما هو مطلوب فى وقت الحرب وذلك لأغراض البناء والتعمير والردع وبسط السيادة وحراسة الدستور. وقديماً قالوا اذا أردت السلام فاستعد للحرب. أن تتمتع الحكومات المنتخبة بالجدارة والمسئولية والنزاهة والعمل من أجل الوطن وألا يتم أهمال القوات المسلحة فى ظل الحكومات الديموقراطية وألا تنتهك أسرارها العسكرية وأن يتم التوصل الى آلية من التعاون المحكم بين الجيش والسلطة التنفيذية تؤدى فى مجملها الى صون عزة وكرامة هذا الوطن والحفاظ على استقراره. وبالطبع يستطيع أى فرد فى الجيش أن يرشح نفسه فى الأنتخابات شريطة أن يستقيل من منصبه العسكرى . أن تتمركز كافة قواعد الجيش خارج العاصمة القومية والمدن الكبيرة . أن يمنح أفراد القوات المسلحة المخصصات المادية المجزية التى تكفل لهم ولأسرهم الحياة الكريمة وأن يبعث منظر الجند النظامى على الأحترام . هذة شذرات بسيطة حول وضع الجيش ربما تكون معروفة للجميع أو ربما تكون غير دقيقة ولكنها تمثل اشارات عابرة أردت أن يركز عليها المرشحون فى برامجهم الأنتخابية وأن يتولوا عملية الشرح الدقيق لماهية قومية القوات المسلحة مع الأستنارة يرأى كبار العسكريين والأستراتيجيين حتى نحقق نظرية التداول السلمى للسلطة واستدامة الديموقراطية وحتى لا ندور مجدداً في فلك الدائرة الخبيثة من الأنقلابات ثم الانتفاضات ثم الانقلابات ......وهلم جرا.... وحتى لا تكون القوات المسلحة مطية لأى جهة كانت....وهذه القومية ينبغى أن تطبق على الشرطة وأجهزة الأمن وكافة القوات النظامية الأخرى .