الثورة لم تنته بعد، والنظام لم يسقط بعد، والإعتصام واجب ويجب ألا ينفض، فهو سلاحنا الذي به أشعلنا ثورتنا وفرضنا كلمة الشعب، وستظل كذلك ويظل الإعتصام قائماً حتى تمر مرحلة اجتثاث النظام كاملاً. لقد كتبنا وفي المقال الجزء الأول: حذار.... وعاجل الثورة بين التجاوز المرحلي ورمال الدولة العميقة المتحركة، فقد أشرت لثلاث مقالاتٍ سبقت وكلها تصب في مراحل الثورة، وأن أول مراحلها وهي اجتثاث النظام، لا يجوز فيها أخلاقياً وتنظيمياً التوغل في المرحلة التالية وهي تركيبة النظام الدستوري بتفعيل دستور 1956 أو 1966، وذلك لإزالة التعديلات التي أدخلت ولم تضع اعتباراً للعيوب التي دخلت على ممارسة الديمقراطية بدقة مؤسسات الحرية والتعددية وعدم الوصاية، ثم تكليف مجلس من الكبار الذين يمثلون هوية الدولة لنشرع بعدها في تكوين مجلس سيادة وحكومة تكنوقراط انتقالية. وتتكون لجنة دستورية من القانونيين والقضاة لإعداد مؤتمر دستوري لكل شرائح الثورة لتأكيد هوية الدولة ومؤسساتها الدستورية في الحرية والديمقراطية والتشريع، تلُزم عن طريقها كل الكيانات لأن تقدم برامجها التي تعرّفها وتعرّف برامجها، والتي تتم محاسبتها بموجبها، وتمنع الأحزاب التي تسير بوصائية تخل بالحريات، أو بعرقية تخل بالحقوق، أو طبقية تخل بالمساواة والعدالة. يتم بموجبها تسجيل الأحزاب حتى يتم اعتبارها في تشكيل حكومة وطنية انتقالية من التكنوقراط (التخصصييين) لإدارة دولاب العمل بإشراف مجلس الهوية (السيادة) الذي يشمل من يمثل سيادة البلد كما ذكرنا من مدنيين وعسكريين. ولا يسبق ذلك اختيار ممثلين لإدارة الثورة إلا بعد أن تكتمل المرحلة الأولى في إدارة الثورة بما ورد من خارطة طريق ولكن لسوء الحظ فقد بدأ المحاورون تخطّي تلك المرحلة قبل إعداد المنهج الذي تنبني عليه، إذ أننا الآن لا زلنا دولة مكتملة بلوائح ونهج شرعي كامل لا يجوز اختراقه إلا بثورة، وها هي خارطة طريق الثورة. إن ممثلي القوات لا زالوا يسيرون بلوائح القوات المسلحة تحت الدستور الذي انتجه النظام الباطل الذي تحركنا لإنزاله، والأحزاب لا زالت مصرحة للعمل بالتزامها بلوائح الأحزاب القائمة ومبادئ الدستور القائم، والذي كله يجب أن يتم تطهيره لبطلانه. هذه هي الخطوة الأولى تبع إدارة الثورة، وليس التمثيل والتصحيح الذي لابد أن يتما تحت قانون، والقانون الموجود غير مقبول. وللأسف، وقبل أن يتفكر القائمون على إدارة الثورة وكذلك الذين مُنحوا الحق في البث المباشر، قبل أن يتفكروا أو يطّلعوا على آراء الكتاب الذين ينصحون باتباع الطريق الصحيح، دخلوا كلٌ يوجّه بطريقته ولا يراعي مخاطر الترسبات التي يتوجب أولاً إزالتها من أرضية الثورة، والتذكر بمرحلية الثورة، وبدأت مهاترات ومشاجرات وهذا هو المتوقع عندما يسير الناس على غير هديٍ وخارطة طريقٍ واعية. لقد استمعت اليوم لمناداة السيد محمد ميرغني والذي ولغ في خطواتٍ يدعو الثوار إليها وهي أخطر مما ورثنا من العهد المنقرض، لأنها الخوض في غياهب القانون بدون وعي لماذا نقوم بذلك ولا كيف نتحسّب حطانا باحترافية ومنهجية شرعية والأخ ذا النون بكل مجهوداته المشكورة يتبع في حديثه أسلوب الصراخ ورفع الصوت اللذان كانا معينين قويين في إلهاب الحماسة والتشجيع والثبات، ولكننا الآن في هذه المرحلة نحتاج لمهنية الخطاب ومصداقية التحليل والحسم والعزم، ولكن دون "كواريك" أو هجوم، وأنا أفهم أنه قد ضاق ببعض الذين يريدون خطف الثورة وسرقتها، وآخرون يشككون لأنهم يشعرون بأنهم ربما تتم ممارسة "لزحلقتهم" وإنني فعلاً أرى مثل تلك الممارسات المشفقة، ولكن التصرف العقلاني هو العلاج، فكثير من هؤلاء دخلوا في ذلك السباق من دون أن ينتبهوا إلى مقدار الضرر الذي يسببونه للثورة ولأنفسهم. وهنا أريد وأنا أطلب معذرتي، فهناك من قدماء الحزبيين في كلٍ من الأحزاب الايدلوجية نوع من الضغط الذي تؤمن فيه بأن تفرض وجودها وتمارس في ذلك العدائية والاستفزاز، وتجدها تعتنق عهداً تبيح به أسلوب الغاية تبرر الوسيلة هذه الخاصية الرذيلة هي التي جرفت الحركة الإسلامية إلى العنف والعداء، ولو أني أرى أن من واجبات هذه الثورة في البرامج الدستورية المذكورة آنفاً رفض التسييس الديني والدستور الإسلامي واللذان لا يرتبطان بالإسلام ويمثلان وصائيةً الإسلام براءٌ منها. ويمارسها الحزب الشيوعي الذي ينادي بالطبقية التي لا تتماشى مع العدالة والمساواة، خلافاً للاشتراكية التي تحمل برامج للعدالة الاجتماعية رغم الإختلافات معها بواسطة أحزاب تدعو أكثر للتنمية الاقتصادية وبعضهم للثراء عن طريق المؤسسات التجارية الكبرى. ويمارسها أيضاً البعث العربي الذي يفرض العرقية العربية والتي هي تخالف التعددية التي هي من هوية السودان. إنني أتمنى المنهجية الصلبة في إدارة هذه الثورة وعدم القفز على المراحل، وفوق كلٍ شيء الاعتصام المستدام، مهما حدث، فلن نخسر أكثر من دماء نحن عاهدنا أن نمهرها لنحمل رسالة من سبقونا بالفداء، وأن نظل رافعين إسم السودان وشعبه الذي أدهش العالم أجمع ببسالته وبعزمه الجميل، والذي هو أهلٌ له، وكما نال الإعجاب نال كذلك انتباه وتأييد القوى العالمية وهذا أمضى سلاح، لا يصح الإلقاء به بعد أن كسبناه بعرقنا ودماء شهدائنا، فعلينا الإعتصام والإعتصام والإعتصام ولا بديل للإعتصام إلا المؤسسات الدستورية التي ننشئها، عندها سيكون لدينا مرتكزاً يجوز التحاسب بموجبه تمسكوا بالعروة الوثقى ولا تستكثروا الجهاد المتواصل لهذه الثورة إن الوحدة وصدق المسعى هما عظم هذه الثورة وتأمين التعاون بين فئات الثورة من قوات مسلحة ودعم سريع وشعب هو القوة التي تحمينا واعتقال كل أفراد النظام البائد يؤمّن البلاد ويقوّي الثقة بين الثوار والجيش والدعم السريع واحتثاث النظام هو المرحلة التي أمامنا أما البدء في مخاطبة المظالم وفض الخلافات فهي مرحلة مختلفة ومحاسبة أفراد النظام البائد وملاحقة الفساد فيأتي أيضاً في مرحلةٍ تالية حذار من التسرع والتخطي فهو باب الفتنة والاختلال والله أكبر والعزة للسودان عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.