ما أن شرعت ( ما أطلق عليه ) اللجنة الأمنية العليا التي جاء تكوينها من ممثلين للقوات المسلحة والأمن والدفاع الشعبي و الدعم السريع أو ما أصطلح علي تسميته (بالقوات المتفلته ) بأستلام مقاليد الحكم في البلاد في عقابيل أنتصار الثورة ( المؤقت ) والأختفاء (المفاجئ) للسفاح عمر البشير الهارب من العدالة المحلية والدولية قبل أن يُودع في سجن كوبر بعد أن بح صوت الثوار في المطالبة بضرورة معرفة المكان الذي تم فيه التحفظ عليه عدة أيام حبلي بالمتغيرات والمصير المجهول . كل هذه الظروف والملابسات ساهمت في أن تدب الشكوك المشروعة في أوصال الثوار بمصير ثورتهم التي ضحوا من أجلها بدماء شهدائهم التي روت أرض السودان شماله وجنوبه وشرقه وغربه آملين في أزالة ودفن النظام وآثارة رافعين شعار حرية ، سلام ، وعدالة متدثرين بالسلمية والأنضباط في مواجهة كلاب الأمن وأجهزته القمعية التي ما زالت تمارس أنشطتها ولو بصورة أقل حتي بعد أنتصار الثورة . ومع تقديرنا لدور القوات المسلحة وقوميتها والمهمة المناط بها بحفظ الوطن والسيادة والأبتعاد عن السياسة في هذه اللحظة المفصلية الحاسمة برز السؤال المشروع بدلاً من أين أتي هؤلاء الي من أين أستمد هؤلاء الجنرالات الصلاحيات التي أستلموا بموجبها السلطة حتي كونوا مجلساً عسكرياً بدأ بجنرالين ثم تمدد الي عشرة. هؤلاء الجنرالات أستثنوا دعوة قادة الحركات المسلحة للانضمام الي مجلسهم العسكري حتي بعد مُضي قرابة الأسبوعين مما كان سيكون له أطيب الأثر في نفوس السودانيين عامةً وأهل مناطق النزاعات والحروب خاصةً الشيئ الذي يتماشي مع بادرة تفادي تكرار تجارب البلاد المريرة ومعالجة قضايا التهميش ومظالم الماضي وأنتهاكاته بصورة جذرية . لا يفوتنا أن من أهم القرارات التي كان لهذا المجلس أن يتخذها لتحسين صورة السودان أمام المجتمع الدولي أخطار المحكمة الجنائية أنه تم القبض علي المتهم عمر البشير وهو رهن الاعتقال في انتظار قرار الحكومة الأنتقالية المؤقته التي ستنظر في طلب تسليمه. أن ما يخيب الآمال حقيقه أن هذا المجلس العسكري بطبيعة تكوينه ليس مؤهلاً لهذا التغير المنشود ، أذ كيف يدعو ويتبني وقف الحرب ويسلم مجريميها الي العدالة ومعظم قادته أياديهم ملطخة بدماء الشهداء بدأ بدارفور وأنتهاء باليمن مروراً بجبال النوبة وجنوب السودان وجنوب النيل الأزرق وبدلاً من أن يضُم المجلس ممثلين للحركات المسلحة صار علي رأسه قائداً ساهم بقدح معلي في تكوين قوات الدعم السريع ( الجنجويد ) بتاريخها الأسود في ولايات دارفور حيث قتلوا ونهبوا وأغتصبوا وأختار نائباً له شريكه في الجريمة محمد حمدان حميدتي قائد قوات الدعم السريع الذي كان يطلق عليه المخلوع لقب (حمياتي) والذي أصبح بقدرة قادر في ظروف الفوضي السياسية جنرال برتبة فريق أول وهو لا يملك أي مؤهل عسكري سوي الأبادة التي أرتكبها في دارفور وفي انتظاره محكمة الشعب والمحكمة الدولية التي لا زال الضحايا ينتظرونها . حميدتي الذي والي وقت قريب كان مطلوباً للعدالة الثورية أقصي ما يتمناه في الظروف العادية الترقية من عريف الي ضابط صف أصبح نائباً لرئيس المجلس العسكري بصلاحيات بموجبها جعلته يستقبل في القصر الجمهوري الوفود وسفراء الدول الأجنبية وجعلته يتحدث عن الثورة ومستقبل السودان . ولا أستبعد في هذه الظروف البالغة التعقيد أن يلحق به في القصر أبن عمه موسي هلال . وحميدتي بكل سؤاته(خيار أم خير) يُعتبر أفضل من بعض المؤدلجين المشاركين له في المجلس من شاكلة رئيس اللجنة السياسية عمر زين العابدين الذي تشبع بروح التعصب الديني حتي أطلق أسم (الجهاد) علي فريق كرة القدم بالحي الذي كان يقطنه (الكلاكلة) ورجل الأمن الثاني المدعو جلال الشيخ الذي أذاق معارضية الأمرين . أعتقد أن خبث الأسلاميين في التنظيم العسكري وضع حميدتي في فخ وقدمت له رشوة سياسية من تنظيم الأسلاميين بأن يكون نائباً لرئيس المجلس العسكري بحكم أنحيازه المؤخر للشارع حيث صار موقفه مقبول نسبياً للمعتصمين . هذا وضع مغري بالنسبة لحميدتي يتماشي مع تطلعاته بأدارة شئون البلاد بعد أن دار شئون دارفور بالأبادة . طلب المعتصمين في لحظة مخاض الثورة بتدخل القوات العسكرية لا يعني بأي حال أن تؤول السلطة للجيش أو المليشيات او الأمن لكي تسيير دفة الحكم ولو ليومٍ واحد . وقوف القوات المسلحة مع الجماهير يعني الاقتناع بمطالبها في ازالة الحكم المتسلط الذي بقي علي رقاب الشعب ثلاثين عاماً ومن ثم تسليم مقاليد الحكم الي حكومة مدنية ممثلها الشرعي تجمع المهنيين والموقعين علي بيان قوي الحرية والتغيير . التغيير الذي ينشده الثوار والمعتصمون ليس تبديل القيادة العسكرية الماضية بقيادة جديدة ومن سوء طالعنا أن القيادة الجديدة تتخفي بقناع سرعان ما كشف عن ولاء المجلس العسكري ذات المرجعية الأخوانية التي ثار الشعب ضدها . أكثر من نصف قرن وشعب السودان يرزح تحت نير جلادين وصلوا الي الحكم عن طريق الأنقلاب العسكري . أقتنع الشعب السوداني أن لا طريق الي التقدم والرخاء والرفاهية الا بطئ صفحة الأنقلابات العسكرية سواء أكانت من اليمين أو اليسار أو الوسط . حان الوقت للقوات المسلحة وفروعها المختلفة بأن يعوا أن المدنيين بهم عناصر أكفاء يحق لهم أن يسيروا دفة الحكم ويملكون من المعرفة ما لا يقل عن معرفة وحكمة أفراد القوات المسلحة أن لم تكن بدرجة أعلي . أضافة الي أن الدمار والتخريب والقتل والسحل والفقر الذي لحق بأفراد الشعب السوداني من قادة العمل العسكري الذين أستولوا علي الحكم لا يضاهيه أي حكم وهاهي منجزات الأنقاذ أمام أعيننا . هل جزاء تضحيات الثوار والكنداكات علي هذا الصبر هو مزيداً من القهر والديكتاتورية . أي محاولة أخري لاستلام السلطة من العسكر تدخل في باب الحقارة بالشعب . أثبتت تجارب الشعوب والتجربة السودانية فشل الحكم العسكري في أدارة شئون البلاد ، ليس هذا فحسب وأنما الأمور تسير الي أسوء أبان فترة حكمهم وتحتاج الشعوب الي فترة أطول لمحو آثار هذه الظاهرة مهما كانت المسميات والنوايا الطيبة لمن يستولوا علي مقاليد الحكم عن طريق الأنقلاب . المؤسسة العسكرية في تكوينها وأدارة شئونها تعتمد علي الطاعة والانصياع للاوامر مقارنة بتسيير الدولة في المجتمعات الديمقراطية حيث تسود الآراء المتباينة التي تتم دراستها وتمحيصها وصولاً الي القرار الأقرب الي الصواب ووقوف الأغلبية معه . أضف الي ذلك أن الدولة العسكرية ذات المرجعية الدينية أو تلك التي تدعي الولاء للسلطة الأولوهية لا مجال فيها لمخالفة الحكم الالهي الذي يمكن استغلاله من قبل الحكام . وما حديث المخلوع امام المجلس العسكري قبل عزله ببعيد عن الأذهان حينما صرح " كلكم تعلمون أننا نتبع المذهب المالكي، وهذا المذهب يتيح للرئيس أن يقتل 30% من شعبه، بل وهناك من هم أكثر تشددا يقولون 50%." هذا فيما ورد في حديث الصحفي عثمان ميرغني 19 أبريل 2019 قد يبرر البعض بأن المجلس يحاول أن يملأ الفراق الدستوري لحين تكوين مؤسسات وهياكل الحكم علي الرغم من أن هذا المنطق لا يمكن تسويقه بدليل أن هذا المجلس المعني بدأ ولا زال يباشر مهام السلطات التنفيذية والسيادية من أرسال وفود الي الخارج وأستقبال وفود داخلية وخارجية وتعينات وترقيات شملت المؤسسة العسكرية ( بأستثناء الحركات المسلحة ) وجهاز الأمن والجهاز القضائي . كل هذا بمعزل عن الثوار مما أعطي أنطباعاً وكأن هذا المجلس بدأ يسير مقاليد الدولة أضافة الي عسكرتها بدلاً من قوي الحرية والتغيير وتجمع المهنيين . أستمرارية هذا المسلك من قبل المجلس العسكري سيزيد من رغبته بالبقاء في السلطة . رحوله اليوم قبل غدٍ واجب الساعة . أن أول خطايا الأنقاذ التي تجب محاسبتها عليه هو خرقها للدستور وانقلابها علي حكم ديمقراطي منتخب . أما المجلس العسكري الحالي بقيادة الفريق أول ركن عبدالفتاح برهان فلا يقل خطيئة عن أنقلاب البشير أذا لم يسلم السلطة لحكومة مدنية أنقلب هو الآخر علي أرادة الجماهير التي ما زالت معتصمة ومرابطة في القيادة العامة منذ السادس من أبريل . مع كل هذه المعطيات لست متفائلاً بتقبل الجنرالات لمقترح تجمع المهنيين الموجه الي المجلس العسكري بتسليم السلطة الي حكومة مدنية غداً خاصة وان سياساتهم توحي بأنهم أستمرؤا حكماً بالوكالة وفي محاولة لتجديد دمائه . أخشي أن تتم مواجهة بين الثوار والفصيل الذي يريد فض الأعتصام قبل الوصول الي نهايات الثورة وفي كل الاحوال ضرورة مواصلة الأعتصام في حالة عدم الأستجابة للمطالب والدخول في أضراب عام . هذا هو طريقنا الوحيد لكي نكسر الحلقة الشريرة ونغسل أدران تجربة الأسلام السياسي البائد والي الأبد . وتسقط بس حامد بشري 20 أبريل 2019 عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.