عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. في حديث للمتحدث باسم المجلس العسكري، ذكر ان السيادة للمجلس العسكري والفترة الانتقالية سنتان! والسؤال اذا كان هذا راي المجلس العسكري، يصبح التفاوض حول ماذا وما لزوم اللجنة المشتركة اصلا؟ وحقيقة بعد التفاؤل الحذر الذي عشناه بانتشاء لمدة يوم، عقب التواصل بين المجلس وقوي التغيير، اعادنا هذا التصريح مرة اخري لمربع الاحباط والشكوك حول نوايا المجلس الحقيقية. عموما، وكمدخل لما سيرد ادناه، نجد الاستاذ عبدالله علي ابراهيم كعادته ارهق نفسه (وهو بالمناسبة من الذين يؤرقهم الفكر) في محاولة تنسيب انقلاب الانقاذ الي غيره من الانقلابات التي ابتلينا بها منذ الاستقلال كحظ عاثر، والحال هذه يمكن تنسيب الانقاذ حتي لغيرها من الانقلابات التي دهمت المعمورة منذ منتصف القرن العشرين. المهم وهو في سعيه لعقلنة منظومة الانقاذ غير العقلانية، استوقفه تساؤل الطيب الصالح الذائع الصيت من اين اتي هؤلاء؟! ولكن ما فات علي المفكر الكبير وهو للعجب بين يديه، ان اشكالية الانقاذ (مسخها) ليس في انها وصلت للسلطة عبر الانقلاب، ولكن في تجسيدها لمحمول الدولة الدينية، بكل ما يمثله من تشوهات فكرية وانحرافات سلوكية ومفارقات كاريكاتورية وانكار للبديهيات! ومعلوم ان الدولة الدينية وبما هي عليه من اوهام القداسة والاتصال باسباب السماء، ما ان تقع علي مجتمع إلا واستباحته واحالته الي صعيدا جرزا. وهذه الاستباحة عينها ما يجيب علي تساؤل ود صالح، اي هي ما يبرر كل ما لا يمكن تبريره او يخالف اعراف المجتمع، ولهذا السبب تحديدا تعتبر منظومة الانقاذ منبتة، وليس لها اصل لا في ثقافة المجتمع ولا في الممارسة السلطوية حتي في نسختها العسكرية (نظامي عبود نميري). اما اذا كان لابد من التنسيب فيمكن ردها للدولة المهدية في نسختها التعايشية او الانظمة الفاشية والنازية، وفي اعتقادي الاخيرة اقل وطأة، اقلاها هي تستثني شعوبها او هي عادلة في بطشها واقل فسادا وترفا! والاسوأ من ذلك انها (الدولة الدينية) ذات طبيعة اممية، اي اكثر اكتراث للخارج من الداخل، والذي اما في حالة انتهاك (تمدد مناطق الحروبات والعسف بالمعارضين) او في حالة تهميش لكل من هو خارج المنظومة. والحال هذه، ليست هموم المجتمع او مصيرية قضاياه او جدل السياسة والاقتصاد هي مما يتسع له افق هكذا دولة متعالية، ومشدودة بطبعها وطبيعتها لرباط النرجسية والخصوصية (جدل الهوية/النقاء) المفضي للعنصرية. اي الدولة الدينية بقدر ما هي ذاتية ومنحصرة في افرادها ومستغرقة في منظومتها، بقدر ما هي هائمة في افكار ومشاريع تجريدية ليس لها ساحل او حد. سبب هذه الرمية ان الدولة الدينية الفاسدة، انتجت بدورها عقائد وقيم وعادات وانظمة اكثر فساد، ومن ضمنها عقيدة الخلاص (المخلص والانسب المستبد العادل لتناقضها) التي يعتنقها المجلس العسكري والذي لا يُري الآخرين إلا ما يري. والدليل ان المجلس العسكري رغم تبدل القيادات والتهديد باستقالة البعض إلا ان عقيدة الخلاص لم يمسها سوء رغم ضغوط الشارع. وللاسف هذه العقيدة بدورها تبيح ما لا يمكن اباحته، خاصة وهو يرهن مصير البلاد لمشيئته، وهو ما يتاكد في شبهتين ترقيان الي خطيئتين يقع علي عاتق المجلس نفيهما بالفعل وليس عبر الوعود الجوفاء والتعنت، خصوصا وان الشواهد والادلة علي صحتهما من الوفرة بمكان! اولهما، ارتهان المجلس لنفوذ وتاثير العناصر الاسلاموية المتشددة داخله، وهي بدورها تعمل بجد لاعادة انتاج نظام الانقاذ البائد او اقلاه المحافظة علي اعمدته الاساسية خلال الفترة المقبلة وبعدها لكل حادث حديث، خاصة وان النظام خلق شبكة من علاقات المصالح الفاسدة ومن ضمنها المصاهرات، وهي مخترقة لكافة مؤسسات الدولة وبما فيها المؤسسة العسكرية والامنية والشرطية وقطاع المال والاعمال. وهنالك عدة ادلة تؤكد ذلك ومنها عدم قدرة المجلس حتي الآن علي اظهار مجرد صورة لايٍ من رموز النظام الذي يقال انهم معتقلون، رغم ما في ذلك من اثارة للشكوك حول صدقية المجلس العسكري والذي اكثر ما يحتاجها الآن! وكذلك ما زالت عناصر التنظيم بمؤسسات الدولة تتحكم في كل مفاصلها الحساسة الامنية منها والاقتصادية والاعلامية والدبلوماسية! ثانيهما، رئيس المجلس ونائبه تربطهما صلات وثيقة بالسعودية والامارات واداتهم القذرة مصر، وادلة ذلك معلومة، من الاعلان عن بقاء القوات السودانية في اليمن، وارسال طه عثمان رغما عن سمعته السيئة الي لقاءهما، والدعم العاجل الذي اعلنت عنه الدولتان رغم تواضعه، وكذلك اصرار مصر علي تشكيل غطاء اقليمي للمجلس عبر تنسيق امني واستخباراتي بين المجلس والرئاسة المصرية، والمشكلة ليست في العلاقات بين الدول فهذه مطلوبة عندما تكون شفافة وتراعي المصالح المشتركة، ولكن المشكلة في نوايا واطماع هذه الدول واستعدادها لفعل كل شئ من اجل اعاقة قيام بديل ديمقراطي يشكل نموذج ملهم في المنطقة. ولنا في بشار الاسد والسيسي نفسه خير مثال لرؤساء يتحولون لارجوزات يتلاعب بهم الاقوياء ويحركونهم بالريموت كنترول، وهم لا يتورعون عن تقديم مصالحهم الشخصية علي حساب مصالح بقية المواطنين، وقطع المسار امام التطور الطبيعي للبلاد نحو المستقبل (صناعة بلدان فاشلة). ويا له من مصير بائس لا يليق بالشجعان. وكل ما ذكر اعلاه يكاد يكون من المعلوم بالضرورة، ولكن السؤال اين مصلحة الوطن من كل هذا، والتي يتشدق بها المجلس؟ علما ان الحفاظ علي مصلحة الوطن ليست بالكلام المعسول ولكن بالفعل المسؤول والتضحيات والايثار ولنا في المتظاهرين الاسوة الحسنة، خصوصا في هذا المنعطف المصيري؟ لكل ذلك المجلس امام اختبار او اختيار يؤكد وطنيته او ينفيها، مع التاكيد علي ان مرور الزمن في التلكؤ والممانعة هو في حد ذاته يشير الي الخيار الثاني او ان الرغبة في الانفراد بالسلطة هو الخيار المفضل، ومن ثم اعادة انتاج نظام الانقاذ، والذي لا يعني اكثر مما اشرنا له سابقا، وهو الانغلاق حول الذات والدائرة المحيطة، ومن ثم تقديم مصالح الخارج والخوف منه، علي مطالب الداخل وحق الشعب في حكم نفسه بنفسه؟ وعموما هل هنالك معيار او اختبار للوطنية اكثر من ان العالم يفضل حكومة مدنية ويعلن عن الترحيب بها مقدما كعربون صداقة، وعن نيته ليس للتعامل معها فقط ولكن هنالك احتمالات راجحة لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب وكذلك اعفاء قدر من الديون بناء علي الجدية في تحديث الاقتصاد، والاهم من ذلك ان الدولة المدنية هي المؤهلة للتعافي من امراض الفساد ومهددات الفشل والانهيار، كما ان الدولة العسكرية اصبحت من مخلفات الماضي وخيبات الشعوب ودليل دامغ علي توجه الدولة نحو الحروبات العدمية والمجهول، وهذا عندما لا تتعرض للابتزاز والاستغلال من اجل الاعتراف بشرعية غير ممكنة. وكمفارقة بسيطة بين الدولة المدنية او دولة المؤسسات التي تتمع بالمنهجية والشفافية، ودولة العسكر التي تقوم علي الاوامر والتنفيذ دون تفكير او مراجعة، نجد المجلس العسكري منذ استلامه السلطة اعلن عن تكوين لجان لا نعلم عددها او معايير تشكيلها او اعضاءها ومؤهلاتهم وسيرتهم او مهامها او او الخ، فهكذا نموذج اخير يشكل قمة التسلط والاستهانة بكافة مكونات الوطن، فكيف يستقيم عقلا بعد ذلك ان يكون هكذا نمط ادارة او سيادة هو الوصي علي الوطن ومواطنيه! اخيرا الفارق بين الثورة الناجحة والثورة الناقصة، هو حدوث تغيير جذري نحو الديمقراطية وحقوق الانسان والتنمية الشاملة، ليس علي مستوي الخطاب السياسي والمطلبي، ولكن علي مستوي الضمانات الدستورية كاعلي سلطة حاكمة للبلاد.