ما أجمل اللقاء لقاء الصحاب ورفاق الدرب خاصة عندما تجمعك بهم أول مرة شراكة مهنة كسب عيش شريفة ترتبط بمجتمع وطنك الحبيب أو أوطان أخرى كتب الله لك فيها كسب لقمة عيش حلال. إستمرار تلك الصداقة يزيد من زادك النفسي والعاطفي والإجتماعي فى رحلة الحياة. نعم الصديق الوفي الذى يساندك إن وجدت فأنت السعيد به خاصة فى زمننا هذا المادي سريع الخطى فى عالم مجهول إلى بحر سراب من التعامل نخاف من الوصول إليه. وما أجمل اللحظات التى تجمعك مرة أخرى بشقيق أو صديق بعد غياب السنين الطوال. وقد كانت فرحتي لا تقدر بثمن وفى قلب لندن أتشرف بلقاء أخي وصديقي وزميلي دكتور الفاتح إسماعيل أبتر وحرمه المصون السيد قنيت قادمين من ميتشيغان بالولاياتالمتحدةالأمريكية . جمعتنا سنوات العمر الحبيبة بداية كأطباء إمتياز بمستشفى الخرطوم الجامعي ومن بعدها أطباء صغار فى إمارة راس الخيمة بدولة الامارات العربية المتحدة. تفرقنا من عندها شمالاً وغرباً بأسرنا نبتغي علماً وتعلماً وهكذا كان النصيب أن يكتب الله لكل منا وطناً آخراً ولكن برغم ذلك وطول الإغتراب ظل كل منا يعيش بوجدانه داخل أعماق الوطن ولسانه يردد ما قاله أحمد شوقي: وطني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني إليه فى الخلد نفسي شهد الله لم يغب عن جفوني شخصه ساعة ولم يخل حسي الأخ الفاتح رجل من خيرة أبناء السودان ( الخرطوم ثلاثة) وزوجه قنيت من خيرة أسر الجارة إريتريا. نعم هما الصديقان الكريمان الوفيان لكل معارفهما. وأنا فى شوق أنتظارهما عند شرفة إستقبال الفندق بالقرب من قصر كينزينغتون جالت بى سريعاً صورة الأيام الجميلة التي استضافوني خلال أكثر من مرة أزور فيها الولاياتالمتحدة عندما كان الفاتح يعمل فى نيويورك إستشاري الباطنية "تخصص دقيق فى الأمراض المعدية". لقد حظيت معهما بجولات فى تلك المدينة الكبيرة بما فيها مانهاتن وحي هارلم و تحت إشرافهم وكرمهم الفياض هو والسيدة زوجته "قنت" كنا نجلس على طاولة الشاى والقهوة ونعيد ذكريات الماضى ، نقارن تاريخ الأمم كلها خاصة بلادنا فى السودان ووادى النيل بدءاً من حضارات النوبة إلى يومنا هذا. لقد أمتعني د.الفاتح بالحديث عن مواضيع متعددة ثقافية وعلمية وكان أهمها معرض فخم حظى بالإعجاب بمتحف نيويورك الشهير وكان موضوع المعرض "ذهب مملكة مروى" وكان عنوان إعلان الدعوة له الذى حظيت بنسخة منه ب " The Gold of Merowi " وذلك فى شكل "بوستر" ضخم. قصة ذهب مملكة مروى يشهد عليها التاريخ ذلك لأن فراعنة مصر كانوا يأخذون الذهب فى شكل ضريبة سنوية من ملوك النوبة فى بلاد السودان فمصر لا يوجد بها ذهب. أما تلك الآثار الثمينة التى تم عرضها فقد جُمعت من متاحف عالمية معظمها من أوروبا وقد آلت إلى متاحفها عبر اللوصوص (مثل فرناندو الطبيب الإيطالى سارق كنوز مروي والبركل) الذين إعتدوا على الإهرامات السودانية فى القرن الثامن عشر حيث كان السودان زمنها يطلق عليه "The Land of No Man". للأسف لا يملك السودان من تلك المسروقات الثمينة خردلة!. حديثنا كان عن الحياة والتحول الكبير الذى طرأ على العالم حيث نجد بلاداً تتقدم وأخريات تتقهقر!. ذكر لى دكتور الفاتح كيف عاوده الحنين إلى الخرطوم كما كانت "أيام زمان" وهو زائراً "برمودا" المشهورة بمثلثها وما يحكى عنه من قصص كأنها أساطير ألفها بنى البشر. عاد بنا الحديث إلى أيام دراستنا فى المرحلة الثانوية وقد تحدث د.الفاتح عن مدرسة الخرطوم الثانوية التى درس فيها وتلك العاصمة الأنيقة التى تتوسط أفريقيا وجمال حدائقها ونيلها الأبيض والأزرق وشوارعها النظيفة والمستوى الحضارى الذى كان ينعم به الأفراد فى سعة من العيش من دون ذلك ما يكدر الحياة. أما عن مستوى التعليم فحدث ولا حرج ولكن برغم كل الظروف تظل الخرطوم العاصمة العريقة التى يهواها كل سودانى!!. ثم إلتقينا الأسبوع المنصرم ، جمعنا قطار الشوق فجلسنا وتسامرنا كلاماً قديماً وجديداً نثراً وشعراً ثم تفرقنا وراح كل منا سبيله على أمل اللقاء. ولكن كانت المفاجأة أن ترك لى الفاتح من ورائه بصماته أكثر من لوحة "شعراً" متفاعلاً بما جرى ويجري حالياً فى الوطن الأم " السودان" آثرت أن أهديها نيابة عنه لكل سوداني حر شريف همه وحدة ورفعة الوطن واستقلاله من الدخلاء والمتربصين من أعداء و الإهداء كذلك خاصاً بكل "كنداكة" واعية بمهامها وما يحتاجه منها الوطن حاضراً ومستقبلاً: القصيدة الأولى كما هي من غير تصرف كما بعثها لى، ألفها الفاتح متأثراً عندما شاهد الشابة الكنداكة تلهب الثوار بالهتاف وجميل القصيد وهي بعنوان : "تحية من الفاتح إسماعيل أبتر" هل من توجع او الم او من تحير او كلم خرجت تغادر دارها تركت كتابها والقلم لبست بياض ثيابها بعد التشلخ بالعلم زارت اصعاق لم تراها و لم تطاها لها قدم قلبت موازين الامور. وايقظت كل الامم حييت كنداكة حكمت و سادت في القدم ومهيرة عبود ارسلها تلقننا الحكم تاجوج نيل في الاناقة والحماسة والكرم نصب لحريتنا تبوا عاليةًالقمم وامامها الفرسان لن تخبو او تستريح و لن تنم وقفوا صفونا لا تفرقها قذايف او حمم ثبتوا لكيد المعتدين عديمي الذمم الضرب و الشتم والغاز ما نال الهمم رقودا لا ركوضا والطلقات تقتنص العمم لو كان نجم اليل ينطق لاستمع الصمم ولشهدت الاشجار و الطير والنيل علم شباب سودان في يوم الوقيعة صرم و نفوس فلذات تقبلها الرحمن كم للة ندعو يحفظ السودان يرفعة بين الامم وقصيدة أخرى تولد لنفس السبب عندما إهتزت الخرطوم بعجلات ثوار قطار عطبرة وهتافاتهم التى شهد عليها كل العالم خاصة صورة القطار التاريخية التى تصدرت صفحات الصحف العالمية كلها فالمجد والخلود لشعب السودان العظيم شرقا وغرباً، شمالاً وجنوباً ، لا فرق: قصيدة لعطبرة. ياعطبرة مرحب قطارك الليلةً جانا يهتف يشارك مبني بحديدك وفي جوفة نارك فوقو الاسود اهل الفبارك يا احلي منظر خرطوم تبارك انتي الشرارة والشعب دارك سلمية اقوي للعنف تارك لاكين شبابنا مابخاف معارك الطاغية ولي والباقي بارك يسقط تاني والشعب كلة يدعم مسارك التحية للدكتور الفاتح والسيدة قينيت راجياً لهما سلامة الوصول إلى ميتشيغان