شاهد.. مقطع فيديو للفريق أول شمس الدين كباشي وهو يرقص مع جنوده ويحمسهم يشعل مواقع التواصل ويتصدر "الترند"    محلية حلفا توكد على زيادة الايرادات لتقديم خدمات جيدة    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    شاهد بالفيديو.. لاعبون سودانيون بقطر يغنون للفنانة هدى عربي داخل الملعب ونجم نجوم بحري يستعرض مهاراته الكروية على أنغام أغنيتها الشهيرة (الحب هدأ)    محمد وداعة يكتب: مصر .. لم تحتجز سفينة الاسلحة    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    الدردري: السودان بلدٌ مهمٌ جداً في المنطقة العربية وجزءٌ أساسيٌّ من الأمن الغذائي وسنبقى إلى جانبه    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    مدير المستشفيات بسنار يقف على ترتيبات فتح مركز غسيل الكلى بالدندر    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    مناوي ووالي البحر الأحمر .. تقديم الخدمات لأهل دارفور الموجودين بالولاية    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    لم يقنعني تبرير مراسل العربية أسباب إرتدائه الكدمول    نشطاء قحت والعملاء شذاذ الافاق باعوا دماء وارواح واعراض اهل السودان مقابل الدرهم والدولار    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    تنسيقية كيانات شرق السودان تضع طلبا في بريد الحكومة    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وثيقة أم إعلان أم دستور مؤقت .. بقلم: نبيل أديب عبدالله/المحامي
نشر في سودانيل يوم 07 - 05 - 2019

الدستور هو مجموع القواعد التي تحدد السلطات في الدولة وطريقة توليها وممارستها وتحكم العلاقة بينهم كما وتحدد حقوق الأفراد في مواجهة الدولة. في رأيي أن عملية إصدار دستور سواء أكان إنتقالي أم لم يكن، هي مسألة تتطلب زمنا كثيراً ونقاشا واسع النطاق، يضم جميع أصحاب المصلحة في التوصل لدستور يلبي رغباتهم في الطريقة التي يرغبون في أن يتم حكمهم وفقا لها. وأصحاب المصلحة في ذلك هم جميع مكونات الحركة السياسية، والمجتمع المدني، وسائر المجموعات التي يتكون منها المجتمع. ووجود مشاريع دساتير إنتقالية معدة سلفا عند هذا الفريق أو ذاك، لا يجعل إصدارها كدستور إنتقالي يحتاج لزمن أقل، لأن المشروع المعد من فصيل واحد يمثل رؤى ذلك الفصيل، ولذلك فالأمر يتطلب قبل إصداره عرضه على باقي أصحاب المصلحة، ومنحهم فرصة كافية لمناقشته، وهي مسألة تحتاج لفترة زمنية لا تقل عن عدة شهور إن لم تمتد لأكثر من ذلك، حتى يكون ممكنا القول بأنه قد تم التوافق على دستور يحكم الفترة الإنتقالية. ما هو مطلوب إجازته الآن، وما قدمته قوى إعلان الحرية والتغيير للمجلس العسكري مختلف عن ذلك. وهو مجرد إعلان دستوري يرمي إلى مخاطبة فراغ دستوري بشكل جزئي ومستعجل، يجعل نقل السلطة لحكومة مدنية مسألة ممكنة. إذا الهدف من الإعلان إعداد هياكل مدنية للحكم قادرة على إستلام السلطة وممارسة الحكم في الحدود المقبولة لمجتمع ديمقراطي. الإعلان الدستوري هدف إلى تحديد السلطات التي تتكون منها الدولة في فترة محددة، وتأطير سلطاتها بشكل لا يسمح لها بممارسة سلطات لم يتنازل عنها لها الشعب. الوقت المتاح للمجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير لنقل السلطة لحكومة مدنية لم يكن يسمح بأكثر من ذلك.
المطلوب معالجة الفراغ الدستوري بشكل عاجل
في 11 أبريل تم إسقاط السلطة القائمة آنذاك، وإيقاف العمل بدستور 2005 الإنتقالي. وقد أحدث ذلك فراغا دستوريا. معلوم أن الدولة في أبسط أشكالها تمارس سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية، ولا خلاف حول أن تجميد أو وقف العمل بدستور 2005 قد ترك السلطات كلها في يد المجلس العسكري، دون تخصيص لأي هياكل للحكم تمارس أي سلطات، وهي مسألة تعني تجميع كافة السلطات في الدولة في يد المجلس دون أن تكون عليه أي قيود في ممارستها. هذا الوضع نجم عنه سلطة مطلقة ذات طبيعة إستبدادية، وهو الأمر الذي يتتطلب معالجة سريعة.
ومعالجة هذا الأمر تستدعي أمرين الأول إنشاء سلطات منفصلة عن بعضها البعض تمارس كل منها أحد السلطات الثلاث للدولة، دون السماح لأحدها بالإستبداد بالأمر.
والثاني تأطير تلك السلطات في مواجهة المواطنين في الحدود المقبولة للمجتمعات الديمقراطية. وهو ما يمكن توصيفه بأنه خلق أجهزة مدنية للحكم تتمتع بسلطات مقبولة للمجتمع الديمقراطي توطئة لنقل السلطة لها. وهذا الأمر، وأعني به نقل السلطة لحكومة مدنية، هو مطلب أساسي بالنسبة لسائر التكوينات المشاركة في الثورة، والتي حين أشعلت أو شاركت في ثورتها لم تكن تهدف لإسقاط البشير فحسب، بل هدفت أولا وأخيرا للقضاء على النظام الإستبدادي الفاسد الذي أمسك بمفاصل الدولة وفرض نفسه على مؤسساتها.
ضرورة ومهام الفترة الإنتقالية
الهدف الأساسي للثورة هو إقامة نظام ديمقراطي، وهو أمر لايمكن إقامته إلا بعد إزالة النظام السابق. إزالة ذلك النظام لا تتم فقط بإنتزاع السلطة السياسية من رأسه، بل بإقتلاع جذوره. وذلك يشمل مؤسساته، وقوانينه ومصادر قوته التي تمكنه من الهيمنة على مفاصل الدولة، و فرض إرادته على الشعب. هذا شرط أولي لإقامة النظام الديمقراطي الحر الذي قامت الثورة لتحقيقه. التخلص من آثار الحكم السلطوي يحتاج لفترة إنتقالية تقوم على الأمر فيها حكومة إنتقالية مكلفة بمهام متفق عليها، تتمثل في إنهاء الحرب الأهلية بشكل يسمح بمعالجة جذورها. وتنفيذ برامج إسعافية تعالج الأزمة الإقتصادية. وإرساء علاقة صحية مع المجتمع الدولي. والقيام بإصلاحات قانونية واسعة المدى تغير من طبيعة المنظومة القانونية، وترسي المؤسسات والأجهزة والقوانين الديمقراطية التي تمكن في مجموعها من إقامة نظام دستوري ديمقراطي. وهي كلها مسائل تبدأ بنقل السلطة لحكومة مدنية تصلح من حيث التكوين والصلاحيات للقيام بكل ذلك.
من جهة أخرى فإن بقاء الحكم في يد العسكريين من شأنه أن يفرض عزلة على السودان، ويعرقل البرنامج الإسعافي الذي يستحيل أن ينطلق دون إعادة التعامل الصحي مع المجتمع الدولي. الثابت هو رفض المجتمع الغربي بشقيه الأمريكي والأوروبي والمجتمع الإفريقي للتعامل بشكل طبيعي مع حكومة عسكرية.
تم توجيه عدد من الإنتقادات للوثيقة الدستورية، أعتقد أن أغلبها مصدره عدم التفريق بين الإعلان الدستوري والدستور. وللأسف فقد سارعت بض القيادات السياسية في قوى إعلان الحرية والتغيير في ترديد تلك الإنتقادات، دون أن تكون لهم قدرات معرفية تؤهلهم لذلك. وربما ساعد في قبول تلك الإنتقادات غموض العنوان الذي سلمت به الوثيقة للمجلس العسكري، وللإعلام. فمصطلح إعلان دستوري هو مصطلح يحمل معنى محدد، يفتقده مصطلح وثيقة دستورية.
وثيقة الحقوق في الوثيقة
الإعلان الدستوري الذي حمل، بغير مبرر، إسم الوثيقة الدستورية، حمل الأحكام الضرورية المطلوبة لتحديد الهياكل التي تتولى السلطات في الدولة، وتبيان طريقة توليها، وتحديد صلاحياتها في مواجهة المواطنين، في الحدود المقبولة للمجتمع الديمقراطي. لذلك فقد تبنى الإعلان وثيقة الحقوق كما تظهر في 2005 قبل أي تعديل أجري عليها بعد ذلك.
يسأل الفقيه العالم الدكتور عوض الحسن، وكيف يمكن إحياء الوثيقة بعد إلغاء الدستور؟ في علم صياغة القوانين تُستخم آلية الإبقاء saving وهي آلية تسمح للمشرع بإلغاء قانون بحاله، مع إبقاء بعض المواد فيه وقد أبقت الوثيقة على وثيقة الحقوق، وألغت باقي الدستور ولا مشكلة في ذلك.
المطالبة بأحكام لا حاجة لها
أ. النائب العام
باقي ما وجه إلى الوثيقة من إنتقادات يقوم على إفتقادها لأحكام هي في الواقع تخرج عن الأحكام الأساسية التي قصد الإعلان معالجتها. فقيل لم نجد في الوثيقة احكاماً تحدد سلطات النائب العام، والنائب العام ليس من السلطات الحاكمة في الدولة. وأغلب الدساتير دعك من الإعلانات الدستورية، لا تنص على النائب العام، ويكفي الإشارة في هذا الصدد إلى الدستور الأمريكي. وهذا لا ينفي جواز النص على النائب العام وسلطاته في الدستور، ولكنه يعني أن الإعلان الدستوري لا يعيبه عدم النص على النائب العام,
ولعل وجود نصوص تتعلق بالنائب العام في دستور 2005 بعد تعديله،هو السبب في الإنتقاد. ولكن ذلك أصلاً لم يتم اللجوء إليه، إلا بسبب وجود نصوص تتحدث عن وزير العدل في الدستور يتناقض معها مشروع قانون النائب العام، وهي نصوص لا تخلو من تزيد، ولو لم تظهر في دستور 2005 لما نقصه شيئاً.
عموماً هنالك قانون يحكم النائب العام موجود ولم يلغ بإلغاء الدستور، ويمكن إجراء أي تعديلات تكون مطلوبة عليه، دون الحاجة لوضعه في الدستور. مسألة إستقلال النيابة النيابة العمومية منصوص عليها في القانون ، ولا حاجة لتبني أي نص بشأنها في الإعلان الدستوري.
وكذلك الأمر بالنسبة للمراجع العام. فرغم أن الدساتير السابقة قد تعرضت لذلك المنصب الهام، إلا أن الإعلان الدستوري لم يكن في حاجة لذلك. لأن المنصب رغم دوره الرقابي الهام ليس من ضمن هياكل الحكم. ولم يفقد وضعه بإسقاط دستور 2005 من جهة، ولأن القانون من جهة أخرى، وهو ما زال ساري المفعول، يحمل المبادئ الأساسية لإستقلاله وإختصاصاته.
ب. مصادر التشريع
كذلك مسألة مصادر التشريع ليست أصلاً من الأحكام التي تتضمنها الدساتير، دعك من الإعلانات الدستورية، وهي مادة أدخلها الفقيه المصري السنهوري في عدد من الدساتير العربية وقد إحتفل بها الحكام بإعتبارها فرصة للمزايدة بالشريعة الإسلامية.
دستورياً القانون يصدر من المجلس التشريعي وفق سلطاته الدستورية، أما مصدره فهو يعود إلى الثقافة السائدة، والبحث عن المصلحة العامة، كما يفهمها النواب. النص على مصادر القانون في قانون معين قُصد به المساعدة في تفسير النصوص التي يحملها القانون وليس لإلزام المشرع بإتباع مصدرا بعينه. ولكن النص على هذه المصادر في قوانين لم تصدر بعد وفي نص دستوري، يفتقد الجدية اللازمة في النصوص الدستورية. على أي حال النص على تلك المصادر في دستور 2005 لا يجعله حقا يمكن المقاضاة بشأنه. وبالتالي فلا معنى أصلا للزج بها في إعلان دستوري يضع أحكاما نافذة بذاتها، وواجبة التطبيق ويجوز المقاضاة بشأنها.
ج المحكمة الدستورية
الإشارة للمحكمة الدستورية الواردة في الإعلان الدستوري لم يقصد منها تحديد إختصاصاتها ولا إجراءاتها، ولا يوجد سبب لتضمين ذلك في الدستور، وإنما نبعت ضرورة وجودها في الإعلان من الإشارة إليها في آخر مواد وثيقة الحقوق. أما من حيث الإختصاصات والإجراءات فإن قانون المحكمة الدستورية لعام 2005 ما زال قائماً وسارياً ومعمول به. وهذا لا يعني أنه خال من العيب ولكن يعني أن تعديله ممكنا بواسطة السلطة التشريعية المدنية على الوجه الذي يتم التوافق حوله.
د تحديد الولايات
مسألة تحديد الولايات لا ضرورة لها في الدستور ويمكن معالجتها بالقانون ولكن يكفي في الإعلان الإشارة لوجود مستوى ولائي ومحلي ولا تناقض كما ذهب البعض بين وجود مستوى ولائي والإعتراف بالمناطق المختلفة لأن المنطقة الواحدة قد يتم إنشاء أكثر من ولاية بها ولم يكن هنالك ما يدعو للخوض في ذلك في إعلان دستوري قصد منه إنشاء حكم مدني لتسلم السلطة.
السلطة الإنتقالية والإنتخابات
الإعلان الدستوري الموجز لا يمثل التجربة الأولى لنا عقب عقب سقوط الأنظمة السلطوية. واقع الأمر هو أننا لجأنا لمراسيم دستورية عقب الإنتفاضتين السابقتين. ما حدث في التجربتين الماضيتين 1964، 1985 هو أنه كانت هنالك فترة سابقة للفترة الإنتقالية تم حكم البلاد فيها بمراسيم دستورية متوافق عليها لمدة 6 شهور في 1964 ولمدة سنة كاملة في .1985 وقد إنتهت الفترتان بإجراء إنتخابات عامة بدأت على أثرها الفترة الإنتقالية المحكومة بالدستور الإنتقالي. الدستور الإنتقالي رغم أنه لم يتم إعداده بالعناية الكافية ففي المرتين لم يكن سوى قانون ستانلي بيكر للحكم الذاتي، كما عدله محجوب وزروق وعتباني، في الأيام التي تلت قرار الإستقلال بواسطة البرلمان في 19 ديسمبر، وسبقت إعلانه في أول يناير، والذي تم إعادة إصداره عقب الإنتفاضتين مع تعديلات طفيفة. والفرق هنا هو أننا نتحدث عن الفترة الإنتقالية بإعتبارها الفترة التي تسبق الإنتخابات العامة، في حين أن الفترة الإنتقالية في كلا التجربتين الماضيتين بدات بإنتخابات عامة، تم فيها إنتخاب السلطات السيادية والتنفيذية والتشريعية وفق أحكام الدستور الإنتقالي. ما يؤخذ على التجربتين الماضيتين أن الإنتخابات العامة أجريت في وقت لم تكن مهام الفترة الإنتقالية قد أنجزت، مما أدى إلى تشويه الفترة نفسها، من حيث أن القائمين عليها لم يكونوا في واقع الأمر قادرين، ولا راغبين، في التخلص من آثار الحكم الماضي وبناء أساس يقام عليها المجتمع الديمقراطي.
إذاً المسألة كلها تتعلق بما إذا كانت الإنتخابات العامة يمكن أن تنشئ مؤسسات تقوم بتنفيذ واجب الحكم الإنتقالي وتؤسس الدولة الديمقراطية؟
الإنتخابات والديمقراطية
نفس النبيذ في قناني جديدة
أساس الديمقراطية كنظام للحكم هو أن تتولي الحكومة السلطة برضا المحكومين، وتكون خاضعة لمحاسبتهم. وهذا ما أشار له بوبرPopper حين عرف الديمقراطية في كتابه "المجتمع المفتوح وأعداؤه" بأنها " النظام الذي يسمح بإزاحة الحكام دون اللجوء الي القوة ".
الوسيلة الوحيدة المعروفة لإزاحة الحكام دون اللجوء الي القوة هي الإنتخابات، ولكن بشرط أن تكون قادرة على أن تعكس نتيجتها الإرادة الحرة الفاعلة للشعب، وأن تنتج تفويضا صحيحا من الشعب بشكل محدد من حيث الزمن والسلطات للحكام. لكي تكون إرداة الشعب فاعلة في تفويض الحاكم، لا يكفي أن تكون هنالك إنتخابات لإختيار الحاكم، بل يجب أن تكون السلطة السياسية مطروحة في صندوق الإنتخابات. فبالإضافة للشروط الشكلية المطلوبة لضمان نزاهة الإنتخابات، هنالك الشروط الأكثر أهمية التي تضمن أن يكون للناخب إختياراً مستنيراً informed choice وهذا الإختيار المستنير يتطلب أن يكون التنافس في الإنتخابات من مواقع متساوية، ويعني ذلك أول مايعني تعديل المنظومة القانونية السائدة بحيث يتم القضاء على الدولة العميقة والمؤسسة على علاقة المؤتمر الوطني بجهاز الدولة وهيمنته عليها، والتي تسلب الناخب قدرته على تكوين إختيارا مدركا بواسطة منظومة قانونية تحرمهم من حرياتهم الأساسية بما في ذلك حقهم في الوصول إلى المعلومات. وكذلك تأهيل الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني للقيام بدورها وفق خياراتها الحرة، وتحرير المواطنين من القيود المفروضة عليهم.
لقد أدى إجراء الإنتخابات قبل بدء الفترة الإنتقالية لإختيار من يقوم بأداء مهام الفترة الإنتقالية في المرتين السابقتين، إلى فشل الفترة الإنتقالية في تحقيق الإصلاح الكفيل بخلق مجتمع ديمقراطي. وإنتهت الفترتان بنظام سلطوي جديد في 69 وفي 89. إذ أن إجراء إنتخابات دون تحرير إرادة الناخب لا بد أن ينتج نفس النبيذ في قناني جديدة.
لم يكن فشل الفترة التنفيذية بسبب الدستور الإنتقالي، ولكن بسبب إجراء إنتخابات لم تكن البلاد مستعدة لها.
هل نحتاج لأكثر من الإعلان الدستوري؟
الآن الأسئلة التي يجب أن نوجهها لأنفسنا هل نحتاج بالفعل لدستور إنتقالي؟ أم يكفينا الإعلان الدستوري لحكم الفترة الإنتقالية؟
وإذا كنا نرى أن فترة الأربع سنوات تحتاج لدستور إنتقالي كم من الوقت نحتاج لإنتاج دستور إنتقالي متوافق عليه؟ هل نحتاج لفترة سابقة للفترة الإنتقالية؟
على ضوء الأهمية القصوى لإنتقال السلطة إلى حكومة مدنية، فإنه في كل الأحوال لا بد من إصدار الإعلان الدستوري على وجه السرعة، فهو يلبي إحتياجات الفترة القادمة ولا غنى عنه لإنتقال سلس لحكم مدني، خاصة وكما رأينا، فإن ما وجه لها من إنتقادات يخلو من الوجاهة. وومع ذلك فإنه قد تكون هنالك وجاهة للرأي الذي يقول بأن الإعلان الدستوري أيا كانت أحكامه غير كاف لحكم فترة الأربعة سنوات. حسنا إذا كان ذلك كذلك، فلا بد من إصدار الإعلان الدستوري فوراً لتحقيق الإنتقال للحكم المدني مع تحديد فترة سريانه على ثلاثة أو ستة أشهر تسمى فترة ما قبل الفترة الإنتقالية، يتم خلالها بالإضافة للمهام الأخرى وضع دستور إنتقالي يحكم الفترة الإنتقالية. في كل الأحوال لا يجوز لنا أن نكرر تجربة إجراء الإنتخابات قبل الفترة الإنتقالية إلا إذا كنا نريد نفس النتائج السابقة.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.