عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. لقد إنتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي، العديد من الوثائق التي تحاول ان تنظم الفترة الانتقالية بعد سقوط النظام الدكتاتوري بقيادة عمر البشير في الحادي عشر من ابريل 2019. و من بين ما ظهر على وسائل التواصل الاجتماعي و مواقع الانترنت المهتمة بالشأن السوداني، مناقشات حول الاطار الدستوري الانسب للفترة الانتقالية بعد سقوط الدكتاتورية و الغاء دستورها. من المهم ان يتدارس القانونيون، و فقهاء الدستور في السودان، حول افضل المقترحات الدستورية لادارة المرحلة الانتقالية. و من الضروري استيعاب ان ظروف تطبيق المعايير العالمية الخاصة بالمشاركة الشعبية الشفافية و النزاهة في صناعة دستور وطني ديمقراطي، غير متوفرة بالقدر المطلوب، و ان هناك عجلة شديدة لابتدار قواعد دستورية تحكم هذه الفترة الانتقالية في السودان، الى حين ان يتوافق السودانيون، لاحقاً، على آلية ديمقراطية لبناء دستوري ديمقراطي تشارك فيها القطاعات الشعبية المؤهلة. ان مؤسسات الحكم في المرحلة الانتقالية، لديها اهداف محددة، و هي الاهداف التي بموجبها انطلقت الثورة في الشوارع، و إنحاز الجيش للثورة و استولى على مؤسسات الحكم بعد عزله و اعتقاله لقيادات النظام السابق. تلك الاهداف تنطلق اساساً من الشعارات و المبادئ و القيم التي يطمح المواطنون في رؤيتها بعد ان تخلصوا من النظام الذي اسرف في انتهاك الحقوق و الحريات، و اسس لنظام حكم فردي، قائم على الفساد و التنكيل بالمعارضين. فالاطار الدستوري الذي تسعى لتأسيسه احكام الاعلان الدستوري، يكون لتحقيق اهداف المرحلة الانتقالية، و يمهد السبيل لانجاز متطلبات المرحلة الانتقالية، و التي قد يكون من بينها تهيئة الظروف السياسية لصياغة دستور دائم و تعزيز الديمقراطية و الحريات العامة و التنمية. فيما يلي تحاول هذه الورقة، القاء الضوء على فكرة الاعلان الدستوري، بقصد المساهمة في تعزيز المعرفة الدستورية التي يتأسس عليها الاعلان الدستوري. و هي ليست ورقة علمية بالمعني المفهوم بقدرما هي اضاءات على بعض المحاور التي يقوم عليها الاعلان الدستوري كاطار ناظم للفترة الانتقالية في السودان. تعريف الاعلان الدستوري: الإعلان الدستوري هو حالة دستورية استثنائية، او مبادئ دستورية في بعض الموضوعات، يصدر بقصد ان يسد حالة الفراغ الدستوري، و يضع الاطار القانوني للفترة التالية لحالة الثورة، و بالتالي دائما ما يرتبط الاعلان الدستوري بمراحل الانتقال بالسلطة من حالة الدكتاتورية الى حالة الديمقراطية، او الانتقال من حالة دستورية منتهية الى حالة دستورية جديدة. و بالتالي يمكننا القول ان الاعلان الدستوري دائما ما يأتي عقب الغاء الدستور الساري، و لما كانت إجراءات صناعة دستور ديمقراطي جديد سيتطلب إجراءات عديدة و طويلة، فان الجماعة القابضة على السلطة دائما ما تلجأ الى ايجاد صيغة دستورية تكون بمثابة اطار قانوني يحكم الفترة الانتقالية. في اعتقادي، يختلف الاعلان الدستوري، عن المراسيم الدستورية، برغم اتحادهما في الوظيفة التي من أجلها يتم انشاء تلك الصيغ، و هي ملء الفراغ الدستوري، بصناعة اطار دستوري يحكم الفترة الانتقالية، الى ان تتهيأ الظروف لانتاج دستور جديد. و المراسيم الدستورية دائما تكون عقب الانقلابات العسكرية، و التي يستلم فيها الجيش بدون اي اعتراف بدور الشعب، و بالتالي يكون قائد الانقلاب هو مصدر تلك المراسيم الدستورية، مثلما حدث بعد انقلاب الثلاثين من يونيو 1989 في السودان بواسطة الرئيس المخلوع عمر البشير. و على خلاف ذلك، تحدثنا تجارب الدول ان الاعلان الدستوري، يأتي عقب ثورة شعبية، تلغي العمل بالدستور، و تقترح قوى الثورة مبادئ دستورية بديلة كاطار لتنظيم شئون الدولة خلال الفترة الانتقالية. و هذا ما تسعى اليه قوى الثورة الشعبية في السودان مع المجلس العسكري الانتقالي، هذه الايام، بعد اسقاط حكم الرئيس البشير في الحادي عشر من سناير 2019، و صدرت في مصر العديد من الاعلانات الدستورية عقب سقوط حكم الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، من بينها الإعلان الدستوري الصادر في 13 فبراير 2011، وعلى الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس 2011 على الإعلان الدستوري الصادر في 11 أغسطس 2012. و من الممكن ان يتم اصدار اعلان دستوري دون حدوث ثورة او انقلاب على نظام الحكم، كأن يقوم القابضون على الحكم بتعليق مواد دستورية، دون الرجوع الى الاليات القانونية التي بموجبها يتم تعديل الدستور. و بمثل ذلك قام الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي في عام 2011 باصدار مرسوم دستوري، عدل فيه بارادته المنفردة الدستور، بان جعل من سلطات رئيس الجمهورية اقالة النائب العام، كذلك جعل قرارات و مراسيم رئيس الجمهورية محصنة ضد اي طعن، مما اعتبر وقتها انقلاب على الدستور. من خلال ما سبق يتضح لنا أن القوى الممسكة بالسلطة بصورة انتقالية، و استناداً على سياسة الامر الواقع (شرعية الثورة وشرعية الانقلاب) تلجأ الي إصدار الإعلان الدستوري. و بعد نجاح ثورات الربيع العربي في بعض البلدان، لجأت قوى الثورة في تلك البلدان إلى استخدام الإعلان الدستوري كاطار للفترة الانتقالية. ومن مجمل ما ذكرنا في أعلاه، يمكن تعريف الإعلان الدستوري بأنه يطلق على الاحكام الدستورية المؤقتة الذي يصدرها الحاكمون، او الممارسون للسلطات العامة بموجب سياسة الامر الواقع، لفترة انتقالية مؤقتة بعد انقلاب عسكري أو ثورة شعبية. إجراءات صناعة الاعلان الدستوري: من الواضح من كلمة (إعلان) هي ان جهة بعينها تتولى اصدار الاعلان الدستوري، و تعلنه للكافة في البلد المعني، بارادة فوقية منفردة، او توافقية، حسب حالة كل ثورة. و تتأتى هذه الارادة بعد ان تكون القوى الجديدة قد رات أن الدستور القديم، لا ينسجم مع ارادتها، و لا يلبي متطلبات الدولة في المرحلة التاريخية المعينة التي تمر بها البلد، او ان اهداف الدولة الجديدة اختلفت عما كان قد خططه لها الحاكم السابق، فقامت بالغاء الدستور القديم. من المفهوم ان الاعلان الدستوري لا يتم عبر صيغ تشاركية شعبية واسعة، بالقدر الذي يعبر بصورة مؤقتة عن ارادة الممسكين بالحكم، و رؤيتهم في رسم السياسات العامة الخاصة بالدولة خلال هذه الفترة الانتقالية. 1- لماذا الاعلان الدستوري: مقدمة الاعلان الدستوري: في العديد من الحالات، او في الكثير من التجارب، يبدأ الاعلان الدستوري بمقدمة توضح مقتضى اقامة الاعلان الدستوري، و يشير الى المبادئ و القيم الجديدة التي استدعت اقامة الاعلان الدستوري، لذا قد نجد حديثاً عن الثورة الشعبية و حقوق المواطنين، و اشارة الى اهم الشعارات التي نادت بها قوى الثورة. لذا دائما ما يبدأ الاعلان الدستوري بديباجة تعكس مبادئ و شعارات الثورة، و مثال لذلك ما جاء في الاعلان الدستوري في ليبيا في عام 2011: ايمانا بثورة السابع عشر من فبراير 2011، التي قادها الشعب الليبي في شتى ربوع بلاده................. و استناداً الى شرعية هذه الثورة و استجابة لرغبة الشعب الليبي و تطلعاته ............. و انطلاقاً نحو مجتمع المواطنة و العدالة و المساواة و الاذدهار و التقدم و الرخاء .......و الى ان يتم التصديق على الدستور الدائم في استفتاء شعبي عام، فقد رأي المجلس الوطني الانتقالي ان يصدر هذا الاعلان الدستوري، بيكون اساساً للحكم في المرحلة الانتقالية. لا يناقش الاعلان الدستوري كل المبادئ و الاحكام الدستورية، بقدرما ينظم فقط المبادئ و الاحكام التي يرى الحاكمين اهميتها في المرحلة التاريخية المعينة. و قد ينظم موضوع واحد، او مبادئ خاصة بمؤسسة واحدة من مؤسسات الحكم. لان الاعلان الدستوري يحكم الفترة الانتقالية، فهو بالتالي ينظم المؤسسات الانتقالية في الدولة، و غالباً ما يأتي بأحكام تُعين السُلطات الانتقالية و اختصاصاتها، و بجانب ذلك هناك احكام مهمة تهتم بها الاعلانات الدستورية، و تحرص على النص عليها، و من بينها، الحقوق و الحريات، و استقلال السلطة القضائية و ضمانات استقلاليتها. 2- السلطة التي تصدر الاعلان: و لان الاعلان الدستوري لا يصدر من سلطة شعبية، كما في حالة الاستفتاء او المصادقة بواسطة المجلس التشريعي، فان على الاعلان الدستوري ان يوضح المؤسسة او الجهة التي يصدر عنها الاعلان الدستوري. في ليبيا و بعد نجاح الثورة في عام 2011، تم تكوين مجلس تشريعي موقت، اطلق عليه اسم (المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا)، وهو المؤسسة التي اصدرت الاعلان الدستوري في ذلك الوقت. 3- سريان الاعلان: و من البديهي ان يتضمن الاعلان الدستوري تاريخ سريانه، و في غالب الاحوال يكون أجل الاعلان الدستوري مربوط بصدور اعلان دستوري آخر، او دستور جديد يلغي ذلك الاعلان. و قد يشير الاعلان الدستوري الى ان سريان الاعلان سيكون "الى ان يتم التصديق على الدستور الدائم" كما جاء في الاعلان الدستوري الذي اقامه المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا في عام 2011 بعد سقوط نظام معمر القذافي. بعض التجارب تشير الى ضرورة نشر الاعلان الدستوري في الجريدة الرسمية. و هذه الطريقة لاحظناها في الاعلانات الدستورية التي صدرت بعد الثورة المصرية. و في بعض الدول يبدأ سريان الاعلان الدستوري بمجرد تلاوته او نشره على وسائل الاعلام، و هذا ما نص عليه الاعلان الدستوري في ليبيا. عليه من المهم ان تكون هناك مادة او فقرة تشير لتاريخ بدء سريان الاعلان الدستوري و نهاية العمل به. خاتمة: من مجمل ما ذكرنا، من الواضح ان صيغة الاعلان الدستوري، هي الانسب للفترة الانتقالية التي يمر بها السودان حالياً، و ان هذه الصيغة تتيح للقوى الحاكمة ان تبدأ في تنظيم الفترة الانتقالية بمرسوم دستوري، ينظم مؤسسات الحكم القائمة و المقترحة للفترة الانتقالية. و على الرغم من ان الاعلان الدستوري يصدر من الاطراف الحائزة على الشرعية الواقعية، إلا انه من الضروري النص فيه على صيانة الحريات و الحقوق، بوصفها التزام دولى على الدولة السوداني من واقع عضويتها في منظمة الاممالمتحدة و في الاتحاد الافريقي، فلا يمكن ان يتضمن الاعلان الدستوري على اي احكام تنتقص من الحقوق و الحريات، لا سيما حرية التعبير و التجمع السلمي و التنظيم. كما انه من الضروري ان ينص الاعلان الدستوري على السلطة القضائية و ان يضع الضمانات الكافية التي تضمن استقلالية السلطة القضائية في الفترة الانتقالية. لا يعني بالضرورة صدور الاعلان الدستوري، انغلاق الباب امام اي مراسيم اخرى مستقبلية، فقد تستدعي الاوضاع الى اصدار اعلان دستوري آخر مكمل او معدل للاعلان او الاعلانات الدستورية السابقة. و لما كانت الحالة السودانية الراهنة، ليست انقلاب عسكري، و انما هي ثورة تكاملية، ابتدرتها جماهير الشعب في كل ربوع الوطن، و انحازت اليها القوى الامنية بعزل الحاكم الدكتاتوري و استلام السلطة منه بعد اعتقاله و رموز سلطته. فبالتالي من المهم ان يتم التوافق ،بين تلك القوى التي أنجزت الثورة، من أجل انجاز تلك الوثيقة الدستورية، بالصورة التي يرى فيها كل طرف ان مصالحه قد تمت صيانتها في الوثيقة، و ان لكل منهم دور في تنفيذ أجندة المرحلة الانتقالية، و بما يحقق الاهداف الوطنية العامة.