عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. بسم الله الرحمن الرحيم في البدء نترحم علي ارواح الشهداء ونسال الله ان يلهم ذويهم الصبر، وعاجل الشفاء للجرحي والمصابين، وعزاءنا انهم ناضلو من اجل قضايا سامية لصالح ملايين السودانيين، بل ويمتد لغيرهم من ضحايا الاستبداد والفساد في كل مكان. وهو ما يؤكد ان ثمن الحرية باهظ جدا، ولا يمس عصب الحزن ولكنه يسحق عظام الاحتمال، ودماء الابرياء الشجعان تخضب وجه الاسفلت وتشع شعاع نبل و ثورة كرامة تلهب فضاء الاسافير. ويزداد الق هذه البطولة والفداء عندما يتم افتكاك الخلاص، من براثن منظومة عدمية، تجردت سلفا من اسباب الانسانية والوطنية، كالجماعة الاسلاموية بمختلف تشكيلاتها وامتدادتها وتحالفاتها الاجرامية. وهو ما يشير من ناحية اخري، الي ان كل خطوة الي الامام تعقبها مصاعب جمة ومخاطر عدة ترهن مكاسبها للخسران، في ظل اوضاع راهنة بالغة الهشاشة وتحيطها الالغام من كافة الاتجاهات. وهو ما يعني بالضرورة تغليب جانب الحكمة والشجاعة في اتخاذ القرارات الصعبة، من جانب قوي اعلان الحرية والتغيير كتحالف وقع عليه تحمل مصير اللحظة التاريخية الراهنة. اما بخصوص بيان البرهان الذي ظهر بعد غيبة وبطريقته المالوفة التي لا تخرج عن وسيلتين، اما عبر لقاء تلفزيوني معد مسبقا، او عبر اعلان بيان مكتوب بطريقة مختصرة، وكانه يمارس اسلوب القيادة من الخلف او طريقة الاقتصاد في ظهور القيادة. وبما ان لب البيان يختص بتعليق المفاوضات 72 ساعة لحين تهيئة اجواء التفاوض، فيبدو ان البرهان يضع خارطة طريق لادارة الفترة القادمة بعد الاختراق الذي حدث في جولات التفاوض الاخيرة، او شكل الشراكة المقترحة مع قوي التغيير. بمعني البرهان يناور او يضع ما تم انجازه علي رقبة الاتفاق النهائي، لذا فالبيان يكاد يكون موجه بصورة حصرية لقوي الحرية والتغيير لعدة اسباب منها: اولا، اختبار قدرة قوي الحرية والتغيير علي السيطرة علي الثوار في ساحة الاعتصام. ثانيا، التاكيد علي ان المجلس العسكري هو الضامن للفترة الانتقالية، ولذا ركز علي عدم استفزاز القوات المسلحة والدعم السريع، ولكن في هذه الجزئية تحديدا هنالك عدة مغالطات علي راسها: 1/ ان ما يسمي استفزاز هو عملية نسبية كل طرف يقدرها بناء علي وضعه مدني عسكري مليشياوي. 2/ ان عبء التخلص من الاحتقانات المورد الاساس للاستفزازات (مُعرَّفة بسوء الفهم والتباس الادوار) يقع علي المجلس العسكري، الذي اكثر من التماطل والتعنت والهروب من دفع استحقاقات المرحلة، وهذا غير التراخي الغريب الذي ظل يتعامل به مع فلول النظام السابق ودولتهم العميقة، وفيهم من ينفخ في الفتن ويحرض علي الثوار، ومتورط بدوره في علاقات الفساد التي اثري من وراءها، كالطيب مصطفي وعبدالحي يوسف! وفيهم من يستعدي المجلس العسكري علي قوي التغيير وينافقه من اجل ايجاد موطئ قدم في الفترة القادمة، ليمارس نفس اساليب التخريب من الداخل التي برع فيها الاسلامويون. وهذا غير الاستهانة بتضحيات الثوار واعتصامهم الاسطوري الذي قارب الشهر ونصف في ظل ظروف اقل ما يقال انها معاكسة ومعادية. 3/ حماية الاعتصام كما يعلم الجميع مسؤولية المجلس بغض النظر عن هوية المعتدي وطبيعة الاعتداء، والفشل في هكذا مهمة في حرم القيادة، يشكك في امكانية وكفاءة المجلس في حفظ الامن في كافة البلاد، علما ان هذه المهمة الاخيرة هي ما ظل المجلس يبرر بها تسلطة وتعنته طوال الفترة الماضية، خاصة وهو يمتلك ما يعادل ثلثي ميزانية البلاد كما يرد في السجلات المعلنة. 4/ وضعية قوات الدعم السريع هي وضعية مربكة (مهما دفنا راسنا في الرمال مراعاة لحساسية المرحلة) فهي تقوم بكل الادوار رغم تناقضها وكانها الوحيدة في الساحة، رغم ان مرجعيتها تكاد تكون فردية! في حين ان التعامل مع المواطنين في ظروف هكذا احتقانات يحتاج لقوات مدربة وذات دراية بهذه الاوضاع. والحال هذه، وكبادرة حسن نية من المجلس الذي يسعي لشراكة مثمرة، يمكن اخراج هذه القوات الي خارج العاصمة اقلاها علي حدودها، والاكتفاء بالقوات المسلحة والشرطية في هذه المرحلة، وهكذا نكون تخلصنا من مسببات الاحتكاكات (الاستفزازات) من جذورها، حتي تتم معالجة هذه الوضعية الشاذة الفترة القادمة بصورة جذرية. 5/ هنالك سوء فهم (احتمال نية) ترسخ في عقيدة المجلس وتسبب في انعدام الثقة الحاكم للعلاقة بين المجلس وقوي التغيير ومن خلفهم الثوار. فالمجلس يعتقد ان غرض الثورة التخلص من النظام السابق وعلي راسهم البشير، بينما اهداف الثورة الاساسية هي تحقيق الدولة المدنية بكامل تفاصيلها ومكوناتها، وما البشير ونظامه الفاسد إلا مجرد عقبة كؤود امام انجازها، والهدف من التخلص منهم ومحاسبتهم هو رد الحقوق لاصحابها والاعتبار للضحايا، والاهم منع تكرار فصول هذه الماسأة. ولكن كل ذلك مع الاحتراز من جعل الماضي هو بوصلة المستقبل، اي علينا اسقاط كل ما من شأنه اعاقة بناء المستقبل المشرق اقلاه لمصلحة اجيال لم تكن طرف في تلك الكوارث. 6/ وبما ان المجلس يمثل سلطة الامر الواقع، فهو يتحمل المسؤولية الاساس ليس في انجاز اتفاق مرضٍ للثوار باسرع وقت، ولكن في توفير ضمانات الحفاظ عليه، وآخر ما يطلب منه في ظل هكذا اوضاع سائلة ومتفجرة ان يطلب ذلك من الآخرين! ثالثا، طلب المجلس العسكري من قوي التغيير فيما يخص تهيئة الاجواء، ليس بالمعجز سواء في الرجوع لمساحة الاعتصام الاولي او السماح للقطارات بالمرور، وذلك لقطع الطريق علي ابتزازات المجلس، ولكن مع توافر كل الضمانات لبقاء الاعتصام فاعل ودون حدوث انشقاقات بين مكوناته الثورية. اقلاه هذا ما يكافئ ما تم الاتفاق عليه حتي الآن وهو مكسب ضخم. خاصة وان لقوي التغيير سلاح آخر، وهو الاضرب والعصيان، رغم شكوكي في هذا السلاح في ظل بقاء الدولة العميقة وحرصها علي افشال كل مكسب او وسيلة ضغط ناجزة لقوي التغيير، وهذا غير انه سلاح ذو حدين بقدر ما هو مكسب كاسح في حال نجاحه بقدر ما هو ضربة قاضية حال فشله، ولكن ما بعث الطمأنينة في نفسي هي موجة الاضرابات التي اكتسحت مؤسسات كنا نظنها اوكار للتمكين، كالقضاء وبنك السودان وغيره من البنوك وسوداتل وشركات الكهرباء. رابعا، رغم اختلافنا مع المجلس العسكري بالكامل، إلا انه كان صحيح في شئ واحد وهو في نفس الوقت نقطة ضعف ان لم نقل غلطة الشاطر لقوي التغيير، وهو توقيت التصعيد ولس التصعيد نفسه، لانه تزامن مع اكثر فترة كانت تحتاج لتهدئة اللعب ووضع الكرة ارضا، اقلاه حتي نعلم نتيجة المفاوضات! ولذلك لا ادري من اتخذ هكذا قرار خاطئ في توقيت قاتل، كلفنا ارواح غالية واحتقانات مضاعفة، وكاد ان يهدر كل الاختراقات علي جبهة التفاوض التي تم الوصول لها بشق الانفس. خامسا، يجب ان يعلم المجلس ان تعهده اكمال الاتفاق بعد ثلاثة ايام هذه المرة امام الكافة، واي مماطلة من جانبه تحسب عليه، وتبيح التصعيد المدروس من قوي الحرية والتغيير، وغالبا ستجد الدعم حتي من الشرائح التي كانت تتعاطف مع المجلس. ومن باب الاحتياطات يجب ان تُخضع تعهدات المجلس لشهود دوليين سواء من جانب الاممالمتحدة والاتحاد الاوربي والافريقي او غيرها من الدول الكبري. عموما الفترة الماضية كلها كوم، والمرحلة القادمة (72ساعة) كوم آخر، ويقف عليها مصير بلاد عمَّر فيها الشقاء طويلا وآن لاهلها قليلا من الراحة والسلام، وقبلها يستحق شبابها واجيالها القادمة دولة تليق بكل هذه التضحيات. وببساطة اذا كان هنالك خيار واحد ضمن مائة خيار فيه حقن للدماء لوجب الالتزام به دون تردد، لان الدماء غالية خاصة اذا كان اصحابها هؤلاء الثوار الابطال، لانهم امل الامة والجيل القادر علي اخراج البلاد من مازقها التاريخي والانطلاق بها الي رحاب الديمقراطية والتنمية والتطور والرخاء. وهذا بدوره ما يحتاج للحكمة والبصيرة من الجميع وتحييد كل الاصوات النشاز، وكل من لا يانس في نفسه هذه الصفات يستحسن له ولسلامة المستقبل الانزواء بعيدا، وكفي الله المواطنين شر الفتن ما ظهر منها وما بطن. واخيرا، لا اعتقد ان الوطنية الحقة في فرض وجهة النظر مهما كانت درجة وجاهتها، ولكنها في الانحياز لسلامة الوطن وامن المواطنين والحوار بعقل مفتوح من اجل بلوغ الهدف باقل كلفة واسلم وسيلة، وإلا ما هو الفارق بين القائد المحنك والسياسي الناجح وبقية المواطنين. ومعا لبناء وطن خالٍ من العنف والسلاح. ودمتم في رعاية الله.