يقول الله تعالى في محكم تنزيله ( والعصر، إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنو وعملو الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر). أصبح السودان في هذه الأيام العصيبة في مفترق طرق. ويواجه تهديدات داخلية خطيرة وغير مسبوقة في ظل أوضاع إقليمية ودولية محتقنة أمنياً ومضطربة سياسياً. ولن يربح أي طرف بتأجيج الأزمة الداخلية في ظل هذه الظروف الحرجة. كما أن أي حرب أهلية أو أزمة سياسية طويلة الأجل ستضعف الدولة السودانية المنهكة والمثخنة بالجراح لا محالة. وستقوي أطماع جيرانها المباشرين، وأطماع القوى الإقليمية والدولية في نفس الوقت. لذلك نحن الآن بحاجة إلى حكمة العقلاء من السودانيين للعمل على حل الأزمات الداخلية التي تزداد تعقيداً. والعمل على إرساء قواعد السلام والتنمية. ومن الضروري أن يتم ذلك في ظل حكومة مدنية متوافق عليها من جميع الأطراف. وتعمل وفق خارطة طريق للإنتقال الديموقراطي تقوم على إدارة المرحلة الانتقالية بالتوافق والتعاون، بدلاً عن التنافس والتشاكس. وإلا فإن الإنتفاضة الشعبية ستتواصل. وسيمارس الشعب المزيد من الضغوط على المجلس العسكري الإنتقالي. وستنتصر الإرادة الشعبية حتماً. ويتوقف نجاح عملية الإنتقال الديمقراطي على تحمل خمسة مكونات وطنية أساسية إلى جانب المجتمع الإقليمي والدولي، لمسؤولياتها التاريخية في إطفاء نار الفتنة في مهدها وعدم إذكائها بأفعال غير محسوبة العواقب. ونعني بالمؤسسات الوطنية الخمس المؤسسة العسكرية ( وتشمل الجيش بوحداته المختلفة بما فيها قوات الدعم السريع، وجهاز الأمن والمخابرات، والشرطة)، إلى جانب التنظيمات المسلحة، والأحزاب السياسية، والكيانات الدينية، ومنظمات المجتمع المدني. وعلينا ألا ننسي أن مذكرة قوي الحرية والتغيير المرفوعة بتاريخ 5 أبريل 2019 أعطت شرعية للمؤسسة العسكرية للتدخل في الشأن السياسي. وهو ما يدل على أن المجتمع السوداني يحفظ للجيش مكانته كحارس وضامن لوحدة البلاد. وهو ما أكدته حمايته للمواطنين في بداية الاعتصام ورفضه استخدام العنف ضدهم. مما اكسبه الاحترام والتقدير. ومن المفارقة أن الفض العنيف لنفس الاعتصام الذي حماه الجيش من قبل هو ما سيؤدي لإدانة المجتمع الدولي الذي دعا مجلس الأمن الدولي لجلسة طارئة حول الأوضاع في البلاد بتاريخ اليوم الثلاثاء الموافق 4 يونيو. وسيؤدي لإثارة النقمة عليه من قبل الشعب إذا لم تتم محاسبة كل من تورط في سفك دم حرام بغير حق. نسأل الله تعالى الرحمة لكل الشهداء الذين قدموا أرواحهم فداءً لحرية الوطن، وندعو بعاجل الشفاء للجرحي المخضبين بدمائهم الزكية. ومع الوضع في الإعتبار أن بلادنا كمعظم الدول الإفريقية النامية والأقل نمواً، الموبوءة بالأمية والتخلف الحضاري ونقص الوعي السياسي. والتي تسيطر عليها المؤسسة العسكرية منذ ما بعد الاستقلال في خمسينيات القرن الماضي وحتى اليوم. فإنه من الصعب إقناع القادة العسكريين الآن بالعودة إلى ثكناتهم، وبالإلتزام بحدود إختصاصهم المهني القائم في جزء منه على الحياد السياسي، والولاء للدولة وليس للأحزاب والافراد. ومع ذلك فإنه بعد ثلاثين عاماً من حكم المشير عمر البشير، وقبلها ستة عشر عاماً من حكم المشير جعفر النميري، وقبلها ستة اعوام من حكم الفريق إبراهيم عبود. وهي فترة تبلغ في مجملها حوالي إثنين وخمسين عاماً من جملة ثلاثة وستين عاماً هي عمر إستقلال السودان. أصبح الشعب لايثق في قيادة العسكر للدولة. ويرغب بشدة في منح فرصة للمدنيين. فالمؤسسة العسكرية ليست هي الوحيدة المؤهلة لإدارة الدولة. خصوصاً بعد أن يإس الشعب بناءً على تجاربه السابقة من أن يؤدي حكم قادة العسكر إلى أي إصلاح اجتماعي أواقتصادي أوسياسي. وتأتي الدعوة للحكم المدني بالرغم من ضعف الاحزاب السياسية. والذي كان نتيجة حتمية لقصر الفترة التي مارست فيها الحكم. والتي لا تتجاوز أحد عشر عاماً موزعة على ثلاث فترات ( ديمقراطية) على مدى اكثر من ستين عاماً. مما جعل الأحزاب تعتمد على ( كاريزما) رئيس الحزب أكثر من اعتمادها على برنامج سياسي واضح. إن ما يجرى في بلادنا من أحداث وإضطرابات هو نتاج لصراع قوى داخلية متنافرة. تتمثل في مكونات سياسية وعسكرية وطائفية وقبلية منغلقة على ذاتها. إلى جانب أيادي إقليمية ودولية تعمل على تنفيذ أجندتها الخاصة بمشروع الشرق الأوسط الجديد وما يسمى بصفقة القرن الأمريكية عبر أذرع محلية تدعمها بشكل مباشر أو غير مباشر. مما جعل بعض القوى المحلية في المنطقة تلعب دوراً أكبر من حجمها بكثير. ولتفويت الفرصة على المتربصين بالبلاد من الداخل والخارج، ومنعهم من سرقة وطننا علينا أن نتجاوز مصالحنا الشخصية والحزبية الضيقة إلى رحاب المصلحة الوطنية الواسعة. وما لم نتحمل جميعاً مسؤولياتنا الوطنية، وإلتزمنا بوحدة الصف، وتماسك المكونات الوطنية للنسيج الاجتماعي، فستكون خياراتنا محصورة بين الدكتاتورية العسكرية المستبدة أو الطائفية الحزبية الفاسدة. ولا يجب أن يكون ذلك قدرنا. فنحن شعب يمتلك الوعي الذي يجعلنا قادرين على كسر القيود التي تمنعنا من إقامة نظام ديمقراطي دستوري حر. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.