لماذا يرفض الشعب السلطة الحاكمة ويرفض فى ذات الوقت المعارضة النظام عاجز عن البقاء فى الحكم والمعارضة عاجزة عن اسقاطه البلد بحاجة لجبهة وطنية عريضة لتحرير الوطن من الدكتاتورية العسكرية والمدنية فى مثل هذا الوقت من كل سنة ترد د البلد فى احتفائية مثيرة للملل الاناشيد الوطنية وتجتر ذكريات مرحلة تاريخية لا تزال راسخة فى ذهنية الذين اطال الله عمرهم من معاصرى تلك المرحلة والتى انتهت بتحرير السودان من الاستعمارالانجليزى او ما يسمى بالاستعمار الثنائى شكلاولكن يبقى السؤال الذى لم يسأله احد وان الاوان ان نضعه على طاولة البحث بعد ان خبرت البلاد ستة مراحل من الحكم الوطنى تقاسمتها الانظمة المدنية والعسكرية وكلما قدمته هذه المراحل انها كانت تسير بالسودان من سئ الى اسوأ. الامر الذى يطرح السؤال(هل الاستقلال نهاية حكم اجنبى سئ ام بداية حكم وطنى اسوأ ) هذه المراحل الستة من الحكم وان تقاسمه بالتساوى العسكرممثلين بثلاثة انظمة عسكرية استاثرت بثلاثة ارباع فترة الحكم الوطنى وثلاثة انظمة حكم مدنية لما تبقى من فترة الحكم الوطنى الا ان كل المراحل الستة اتفقت على امر واحد وهى انها فرضت على السودان حكما دكتاتوريا تبادله العسكر ودكتاتورية مدنية تمثلت فى هيمنة الطائفية او احزاب عقائدية شمولية الفكر مما يطرح السؤال الذى انا بصدد البحث عن اجابة له واعيده للااهمية: هل الاستقلال هو نهاية حكم اجنبى سئ ام بداية حكم وطنى اسوأ؟ وبدأ اقول اذا كان المعيار ان نزايد باننا ننعم بالحرية شكلا بلامضمون ففترة الاستعمار تبقى الاسوأ لاننا لم ننعم بالحرية بمفهومها العام والمتداول عالميا الا بعد التحرر من الاستعمار حتى لو كانت بلا محتوى حقيقى ولكن ان كنا نتحدث عن المضمون والذى يتمثل فى مردود الحرية التى تحقق الاستقرار والامان ورفاهية المواطن وترفع مستواه المعيشى وخدماته الضرورية لابد ان نعترف بان الاستقلال كان بداية جكم وطنى اسوا. ولعل اغرب المفارقات فى مراحل الحكم الستة ما شابها من تداخل ربما لم يكن مالوفا او متعارفا عليه فى العالم حيث ان مراحل العسكر الثلاثة لم تخلو من شراكة المدنيين من الطائفية وقيادات الاحزاب العقائدية بل المدنيين هم المبادرين باقحام العسكر فيها كما ان مراحل المدنيين لم تختلف عن فترة العسكر فى ان تسودها دكتاتورية لا تختلف الامن حيث الشكل بين دكتاتورية البندقية والاجهزة الامنية فى الانظمة العسكرية ودكتاتورية الطائفية. والعقائدية فى المراحل المدنية. اما المفارقة الاكبر فان كل مراحل الانتقال من مرحلة لاخرى تقفز للحكم ترفع شعار الديمقراطية حيث انه ما من بيان عسكرى (رقم -1-) بثته الاذاعة السودانية اعلانا بانقلاب عسكرى الا وكان رافعا شعار الديمقراطية ثم ما ان يثور الشارع فى وجه العسكر الا وكانت رايته الديمقراطية هذه الفرية التى لم يترجمها اى حكم عسكرى او مدنى الى حقيقة على ارض الواقع وان كان هناك ما يفرق بين الموقفين فان السلطة عند العسكر هى التى تصادر الديمقراطية بالقوة اما فى الحكم المدنى فتصادرها الطائفية بالهيمنة على الحركة السياسية على المستوى الحزبى وتبقى المحصلة النهائية واحدة (لاديمقراطية فى السلطة ولا حكم للشعب بارادته الحرة فى الحالتين لتبقى الساقية مدورة بين الدكتاتورية العسكرية و الدكتاتوريةالمدنية وليبقى المواطن والديمقراطية هما الضحية .مردود هذا الوضع الغريب ان العالم يشهد لاول مرة فى تاريخه دولة عسكرية يجمع اغلبية شعبها على رفض حكمها مهما تدثرت بثوب الديمقراطية وفى ذات الوقت يقف الشعب رافضا القوى السياسية المدنية المعارضية التى ترفع شعار الديمقراطية والعاجزة عن استردادها من العسكرلانه يعرف انها شعاريخفى فى دواخله الدكتاتورية المدنية.. وضع غريب ان تكون الحكومة عاجزة عن الحكم والمعارضة عاجزة عن اسقاطها لان الشعب فاقد الثقة فى كليهما وغير راغب في اى منهما ذلك لانه وبعد تجاربه العديدة ومراحل الحكم الستة ترسخت فيه قناعة تامة بانه لاخير فى حكومة قوامها دكتاتوريةالعسكر ولا خير فى حكومة قوامها الدكتاتورية المدنية تحت هيمنة الطائفية ولانه كما قال المغنى الشعب فى الحالتين ضائع. فالشعب يرفض السلطة الحاكمة ويرفض المعارضة فاى وضع هذا وماهو مخرج الوطن فى حالةمعقدة كهذه. ولعل الجانب الاخطر فى هذا التصعيد للحكم الوطنى ان لغة العنف اصبحت هى السائدة فى دولة لم تعرف العنف فى السياسة طريقه اليها اذا استثنينا تداعيات قضية الجنوب التى جاءت خاتمتها انسلاخ جزء عزيز من الوطن كنتيجة طبيعية لمسئوليات القوى السياسية التى تعاقبت على الحكم عسكرية ومدنية وان تفاوتت نسب المسئولية وكانت بداياتها من مرحلة الحكم الوطنى الاول الذى اهمل التعامل مع القضية فى وقت لم يكن الجنوب يطلب اكثر من كفالة حقوقه فى دولة فدرالية ثم تصعيدها عسكريا فى مرحلة حكم الجنرالات عندما لجأوا لحسم القضية عسكريا فى اول حكم انقلابى عندما صعد انقلاب نوفمير تصفية التمرد بالعمل المسلح لتتدرج مطالب الجنوب حتى بلغ سقف المطالب الانفصال فى عهد الانقاذ والذى توجوه اخير بما اسموه الاستقلال ليكون الاستقلال الثانى فى دولة واحدة بعد ان تواصل لعب الادوار السالبة من مرحلة لاخرى بلغت اوجها فى مرحلة الانقاذ والتجمع الديمقراطى الذين انساقوا بسبب صراعهم من اجل السلطة بين من لايمانع فى ان يبقى فى السلطة حتى بتمذيق الوطن وبين من لا يمانع عن التعاون مع من يعمل من اجل تقسيمه وتحقيق مطامعه اذا كان هذا يعود به للسلطة كماكان حال التجمع فكان ان اسلما امرهما لعدو السودان ولعل اهم افرازات هذه الصراع ان السودان مهدد بمزيد من التفكك فى اكثر من منطقه. ويالها من مفارقة ان يتفق الضدان على محاربة التامر الخارجى لتقسيم السودان بعد ان لم يعد بيدهما مجتمعين ما يواجهان به التامر الخارجى بعد ان احكم قبضته على مفاصلومفاتيح السودان فلقد انتهى الامر واصبح التامر هو القابض على مفاتيح الدولة. وحتى نكون موضوعيين فى التقييم فانه لابد من الاعتراف بان المدنيين اكثر مسئولية من العسكر وذلك لسببين: اولهما انهم فشلوا فى بناء الحكم الوطنى على مؤسسية ديمقراطية لعلة فى مكوناتهم الطائفية ويسال عن هذا الفشل الحزب الوطنى الاتحادى الذى كان امل السودان فى حزب وطنى سودانى رافض للدكتاتورية العسكرية ومتحرر من الطائفية بعد ان هزم طائفة الختمية انتخابيا لما انسلخت عنه الا انه بعودته لحضنها حتى لايفقد الحكم فاسلم امر البلد للطائفية لتحكم قبضتها على الحكم المدنى وثانيا لان المدينين هم الذين اقحموا العسكر فى لعبة السلطة لحسم صراعاتهم الداخلية فمامن انقلاب عسكرى اطاح بالحكم المدنى الا وكان طرفا فيهاو داعما له قوى مدنية.فانقلاب 17 نوفمبر كان دعوة لاستلام السلطة من رئيس الحكومة عن حزب الامة وحظى بتاييد زعيمى الطائفتين ثم كان انقلاب 25مايو فى حضن اليسار منتقلا لليمين ومدعوما من الطائفتين ثم كان انقلاب 30يونيو الحالى محسوبا على اليمين والاسلاميين.مدعوما اليوم من الطائفتين اذن بالنظر الفاحص لمراحل الحكم العسكرى الثلاثة فانه ليس فيها ما يمكن تصنيفه بانه حكم عسكرى صافى مثلا كما حدث فى مصر.فى 53. ومهما يكن ما اقوله قاسيا فان الاستقلال ماكان ليتحقق للسودان لولا الخلاف بين الشريكين اللذان يستعمرا ن السودان وعرفا بالاستعمار الثنائئ بين من يطمع فى تحقيق وحدة وادى النيل ممثلافى الحزب الوطنى الاتحادى وحليفه طائفة الحتمية وبين جزب الامة الذى يدعو للاستقلال تحت التاج البريطانى وتنصيب زعيمه ملكا على السودان تحت رحم هذا الواقع شهد السودان مولد اكبر حزبين كلاهما ولدا تحت حضن الخارج ولم يكن مولدهما سودانيا اغبشا صافيا حيث ان الحزب الوطنى ولد فى مصرتحت رحم وحدة وادى النيل بينما ولد حزب الامة تحت رحم ورعاية الانجليزوكلاهما بقى فرعا لمن ولد تحت مظلته واذا كان السودان شهد بعد ذ لك مولد احزاب اخرة فى مراحل مختلفة فان مولدها لم يختلف عن مولد احزاب الطائفتين حيث ان مولد الاحزاب العقائدية سواء الحزب الشيوعى او الحركة الاسلامية بعد فترة منهما فكلاهما ولدا من الخارج اكثر من ان يولدا من رحم الداخل وكماكان حال الحزبين الكبيرين خاضعان لطرفى الاستعمار الثنائى فالاحزاب العقائدية ولدت تحت رجم طرفى الحرب الباردة والصراع بين المعسكرين المتصارعين الغربى والشرقى لهذا يمكن القول بكل ثقة ان السودان عبر مسيرته التاريخية لم يعرف حزبا سودانيا خالصا مولدا ونشأة حتى الان. لكل هذا فان ما يشهده السودان اليوم من تهديد لمستقبله ووحدته وبعد ان سادته لغة العنف وتعددت فيه جبهات القتال التى ترفع السلاح صغرت او كبرت فان ما يحتاجه السودان اليوم وبالحاح جبهة رفض وطنية عريضة لتحريره من الدكتاتورية العسكرية والمدنية ولاعادة صياغته مؤسسيا ديمقراطيا لا يسوده العنف ومحقق لطموحات كل ابنائه على قدم المساواة لكل مناطقه ومختلف عنصرياته محافظا على وحدته وقادرا على بناء دولة حديثة محررة من الارث السئ السالب لتاريخ العسكر ولاحزابه التى لاتقل سوءا ببناء واقع جديد ولكن هل يمكن تحقيق جبهة وطنية رافضة بهذا المستوى.وحتى ذلك الوقت اقول (يا حليل الانجليز)كان عهدهم هو الافضل, ويبقى هذا سؤالا يبحث عن الاجابة . alnoman hassan [[email protected]]