مجلس السيادةينفي ما يتم تداوله حول مراجعة الجنسية السودانية    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إقصاء الزعيم!    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    السيسي: قصة كفاح المصريين من أجل سيناء ملحمة بطولة وفداء وتضحية    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    الجيش يقصف مواقع الدعم في جبرة واللاجئين تدعو إلى وضع حد فوري لأعمال العنف العبثية    تشكيل وزاري جديد في السودان ومشاورات لاختيار رئيس وزراء مدني    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    أحلام تدعو بالشفاء العاجل لخادم الحرمين الشريفين    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك    دبابيس ودالشريف    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا يجب توحيد جناحي الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال الآن: رسالة مفتوحة للقائد عبدالعزيز آدم الحلو ورفاقه .. بقلم: ناصف بشير الأمين
نشر في سودانيل يوم 19 - 06 - 2019

إن الخلافات التي أدت إلى تقسيمِ الحركةِ الشعبية لتحريرِ السودان –شمال لها أبعادٌ فكرية لا يمكن إنكارُها أو القفزُ فوقها، مثلما لها أبعادٌ سياسية وتنظيمية، ولكن ينطلق هذا المقالُ من فرضيةِ أنه تمكن مواجهتُها والوصولُ إلى أرضيةٍ مشتركة حولها إذا توفرت ثلاثةُ شروط: (1) فكريا: قناعةُ الطرفين بأنه وبالرغم من نقاطِ الخلافِ فإن ما يجمعُ بينهما، وهو المنطلقاتُ الأساسيةُ لرؤيةِ السودانَ الجديد، أكبر بكثيرٍ من قضايا الخلافِ التي تفرق بينهما؛ (2) الإرادةُ السياسية التي تستند إلى رؤيةٍ استراتيجية تدرك جيدا احتياجات الواقع الوطني وتحدياته الجسام، وتغلب التناقضَ الرئيسي في هذه المرحلةِ المصيرية التي تمر بها بلادنُا على أي تناقضات ثانونية أو معارك جانبية (3) الاستعدادُ الجدي والصادقُ لدى قياداتِ الطرفين لتغليبِ مصلحةِ البلاد العليا أولا ومصلحة الحركة الشعبية وقاعدتها الشعبية العريضة ثانيا على مطامحِهم وأيضا مراراتِهم الشخصية، وقدرتهما على تجاوز ماهو شخصي وعابر لمصلحة ما هو عام واستراتيجي.
إن الدعوةَ لتوحيد جناحي الحركة الشعبية تأتي انطلاقا من تقديرات موضوعية ترى فيها ضرورةً تقتضيها احتياجاتُ وتحدياتُ الواقعِ الوطني والثورةِ السودانية في هذه اللحظات المصيريةِ من حياةِ شعبنا، وفي ظلِ هجوم الثورة المضادة الهادف إلى القضاءِ على ثورة شعبنا وإعادة انتاج النظام القديم في عبوات وماركات جديدة، وليس تعبيرا عن رغبات ذاتية أو عاطفية أو حتى تحقيقا لمصلحةٍ حزبية ضيقة. سياسيا واستراتيجيا، يحتاج جناحا الحركة للتوحدِ سواء أن تطورت الأوضاعُ في البلادِ نحو نجاحِ الثورة وعبورِها نحو الحكمِ المدني والتحول الديمقراطي، وهو الاحتمالُ الراجح، أو في حالِ نجاح عناصر الثورة المضادة في جرِ البلاد نحو العنفِ والاحتراب. في السيناريو الأول، تحتاج الحركةُ إلى بناءِ كتلةٍ تاريخية تمثل قوةً سياسية مؤثرة قادرة على العملِ مع حلفائِها في قوى الثورة على حمايةِ وتأمين الثورة وتحقيق التحول الديمقراطي الكامل، وقادرة أيضا على انجازِ مهام التحول والانتقال الكامل إلى العمل السياسي السلمي بالسرعة اللازمة خلال الفترة الانتقالية، وعلى كسبِ ثقة الناخبين مستقبلا في كل أرجاءِ السودان، وفي السيناريو الثاني، تحتاج الحركةُ الشعبية لإعادةِ توحيد قوتها العسكرية لتحويل ميزان القوى لصالحها على الأرض في ظلٍ متغييرات كثيرة داخليا وخارجيا، أيضا دون إهمالِ مهام الانتقال للعمل المدني السلمي وسط الجماهير.
إن الثورات الشعبية الكبرى التي تتجاوزُ مجردَ التغيير السياسي إلى أفقِ التغيير الاجتماعي والثقافي ليست من الأحداث السياسيةِ العادية والنمطية، وإنما تنتمي للحوادثِ التاريخية الكبرى التي قد لا تتكرر في حياةِ الشعوب إلا مرة واحدة في كل قرنٍ أو ربما قرنين أو يزيد، ويرى كثيرُ من المتابعين في ثورة شعبنا الحالية كلَ مقوماتِ واحتمالات الثورة الشعبية التي تهدفُ إلى التغييرِ السياسي والاقتصادي والثقافي. وتحتاج هذه التحولاتُ الكبرى إلى قادةٍ حقيقين على قدرِ هذه التحولات والتحديات والمهام التي تطرحها، وعلى رأسها التصدي لمهمةِ بناء الكتلة التاريخية اللازمة لنجاح الثورة في اسقاطِ وتفكيك النظام القديم أولا، ولتأمينها وضمان تحقيق أهدافها ثانيا. لقد أحدث انقسامُ الحركةِ خللا استراتيجيا لغير مصلحة الثورة ولمصلحةِ قوى الثورةِ المضادة والنظام القديم، انعكس على بنيةِ التحالفات المعارضة وقوى التغيير عموما وتوازن القوى داخلها وتوجهاتها، وبذات القدر فإن توحيدَ الحركةِ سيحدث تغييرات كبيرة في موازين القوى ويضاعف من حظوظِ اكمال مهام الثورة والتحول الديمقراطي وتفكيك مؤسسات دولة التمكين والفساد، ويعيد الحركةَ الشعبية إلى وضعها الطبيعي في قيادةِ قوى الثورة والتغيير الديمقراطي السلمي. وسيشكل ذلك الخطوةَ الأولى الضرورية لبناءِ الكتلة التاريخية لقوى السودان الجديد التي يتوقف عليها نجاحُ الثورة في تحقيق كامل أهدافها والانتقال نحو الحكم المدني وبناء سوادان المستقبلِ والمواطنة المتساوية.
بالرجوعِ لقضايا الخلاف، نجد أن غالبيتَها قد تجاوزتها تطوراتُ الأحدثِ، خصوصا بعد اندلاعِ الثورة، ولم يعد هناك معنى للتمسكِ بها من ناحيةٍ عملية. فالثورة خلقت واقعا جديدا وفتحت آفاقا جديدة للحرية والسلام ووضع حد لسياسات التهميش والاقصاء، لكن مع ذلك يحاولُ هذا المقالُ الوقوفَ سريعا على أهمِ قضايا الخلافِ التي أدت إلى تقسيمِ الحركة الشعبية:
1. المطالبةُ بممارسةِ حقِ تقريرِ المصير لجبال النوبة والنيل الأزرق
يجب الانطلاقُ من الاعترافِ بحقيقتين: أولا: من منظور حقوق إنساني، لا خلاف حول أن حقَ تقرير المصير هو أحدُ حقوق الإنسان الأساسية، ولكن تنشأ الصعوبةُ عند الانتقالِ للحديث حول الأشكال المختلفة لهذا الحقِ وشروط ممارسته؛ ثانيا: أن مفهومَ السودان الجديد قد أصبح خاضعا لتأويلات وتفسيرات مختلفةٍ تخضع بدورِها وبطبيعةِ الحال لمصالحَ وأجندةِ المأولين والمفسرين. يرى من يتبنون الدعوةَ لممارسة هذا الحقِ بأن المطالبةَ بتقريرِ المصير لإقاليمٍ بعينها تشكلُ جزءاً لايتجزأ من رؤيةِ السودان الجديد، والغرضُ من ذلك هو إضفاءُ نوعٍ من الشرعيةِ على هذه المطالبةِ، من خلالِ الزعم بأن مصدرَها هو رؤيةُ السودان الجديد. بالمقابل يرى العديدون، ومنهم كاتب هذه السطور، أن مفهومَ السودان الجديدِ لا ينطوي على أي مضامين عرقيةٍ أو عنصرية أو إنفصالية، وإنما يمثلُ إطارا لمشروعٍ جديدٍ للبناءِ الوطني وبناء الدولة قائما على ركائز الحريةِ والكرامة الإنسانية وحقوقِ المواطنة المتساوية بلا تمييز، وإن المساهمة الرئيسية للشهيد د. جون قرنق والتي ميزت فكره وشكلت جوهر أطروحة السودان الجديد هي المناداة "بالوحدة" القائمة على أسس جديدة أهمها الاعتراف بالتنوع الإثني والثقافي والديني في السودان وحسن ادارته، ولا يتم ذلك بطبيعة الحال دون احداث تغييرات جذرية وشاملة في المركز وليس الأطراف. ووفقا لذلك، فإن الدعوةَ لممارسة حقِ تقرير المصير ليست من المبادئ الأساسيةِ لرؤيةِ السودان الجديد، وهذا ما يفسرُ ببساطة عدمَ ظهورِه في أدبياتِ الحركة الشعبية إلا في العام 1991، بعد 9 سنوات من تأسيسِها، وفي ظلِ ظروفٍ معروفة، لا نرى معنى أو فائدةً تُرجى من الخوضِ في تفاصيلها في هذا السياقِ، ولأغراضِ هذا المقال، والتي تقتضي تجاوز الخوض فيها والتركيز على كل ما من شانة أن يساعد في الوصول إلى أرضية مشتركة بين الموقفين.
للمضي في هذا الإتجاه، جاء في خطاب استقالة القائد عبد العزيز الحلو المقدمة لمجلس تحرير إقليم جبال النوبة / جنوب كردفان بتاريخ 7 مارس 2017 الآتي:
"أن الحركة الشعبية لتحرير السودان لا زالت تعمل من أجل بناء سودان علمانى ديمقراطى موحد على أسس العدالة و المساواة و الحرية. و إذا تعذر ذلك و تمسك المركز بثوابته المتمثلة فى تحكيم قوانين الشريعة الإسلامية و كل القوانين الأخرى ... واستمرار الإبادة بشكليها الثقافى و الحسى، فإن شعب النوبة، قد سبق أن طالب بحق تقرير المصير فى مؤتمر كل النوبة فى عام 2002 عندما تأكد من أن الاتفاق الإطارى لمشاكوس لم يلغى الشريعة الإسلامية فى الشمال و الذى يمثل أداة الاضطهاد الأولى. و ذلك المطلب بحق تقرير المصير ليس منقصة أو عيب أو جريرة .... و هو أداة للتحرر حتى من المركزية الداخلية عندما تفقد عقلانيتها و تتحول لمستعمر كما تم فى حالة جنوب السودان." كذلك نقتبس من الخطاب؛ "...وافقت على طرح الحكم الذاتى شريطة أن يظل الجيش الشعبى واقفا لمدة 20 سنة، حتى يتم التأكد من تنفيذ الاتفاقيات و التحول الديموقراطى، و بعدها يمكن ننظر فى خلق جيش سودانى جديد حسب نموذج الترتيبات الأمنية فى اتفاقية السلام الشامل 2005."
وفقا لما وردَ في هذا الخطاب، فإن الموقفَ الاستراتيجي للحركة الشعبية – قيادة عبدالعزيز الحلو هو "بناء سودان علماني ديمقراطي موحد على أسس العدالة و المساواة و الحرية"، وأنها وافقت على طرحِ الحكم الذاتى شريطة أن يتم التأكدُ من تنفيذِ الاتفاقيات والتحول الديموقراطي. وإن المطالبةَ بممارسةِ حق تقرير المصير تأتي فقط كخيارٍ أخير في حالةِ الفشل في تحقيقِ الخط الاستراتيجي (الفشل في إحداث التغيير في المركز)، و"تمسك المركز بثوابته المتمثلة فى تحكيم قوانين الشريعة الإسلامية وكل القوانين الأخرى ... واستمرار الإبادة بشكليها الثقافى و الحسي." وبالتالي لم يعد ما يدعو للتمسكِ بهذه المطالبة في ظلِ هذه الثورة العظيمة والاحتمالات الراجحة للتحول الديمقراطي وبناء الدولة المدنية التي تحترم سيادةَ حكم القانون وحقوقَ المواطنة المتساوية، وبالتالي لم تعد هذه القضيةُ الرئيسية موضوع خلاف - من ناحيةٍ عملية - بين جناحي الحركة. فإذا كانت الحركةُ الشعبية– قيادة عبدالعزيز الحلو قد وافقت على طرحِ الحكم الذاتي (بديلا للمطالبة بحق تقرير المصير) في ظل النظام السابق بشرطِ تنفيذ الاتفاقيات والتحول الديمقراطي وبقاء الجيشِ الشعبي، كما هو مذكور أعلاه، فمن باب أولى أن توافقَ على ذلك في ظلِ ظروف الثورة الشعبية وآفاق الانتقال لنظام جديد. ويمكن مع ذلك تضمينُ قضية الحق في تقرير المصير أو الحكم الذاتي في أجندةِ المؤتمر القومي الدستوري الذي سيعقد في الفترةِ الانتقالية.
2. قضيةُ الاحتفاظِ بالجيش الشعبي لتحرير السودان بعد الوصولِ إلى اتفاق سلام
إن بناءَ جيشٍ وطني مهني واحد بعد سقوطِ النظام والانتقال نحو الحكمِ المدني الديمقراطي اصبح مطلبا وطنيا وإحدى مطلوبات التحول الديمقراطي. كما تشكلُ الترتيباتُ الأمنية المطلوبة لبناءِ جيش وطني مهني واحد وبعقيدةٍ قتالية جديدة إحدى الآليات الأساسيةِ لحل مليشياتِ المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية والتي تشمل مليشياتِ الجنجويد والدفاع الشعبي ومليشيات هيئة عمليات جهاز الأمن وكتائب الظل...إلخ، وينطبق ذاتُ الشيء على حركاتِ الكفاح المسلح. تقدم هذ الثورةُ فرصةً عظيمة لوقفِ كل الحروب في جميعِ أنحاءِ السودان وتحقيق السلام والتحول الديمقراطي كحزمةٍ واحدة، والاستفادة من دروسِ أخطاءِ الماضي عندما تمَ الفصلُ بين عمليةِ التحول الديمقراطي وتحقيق السلام بعد نجاحِ الثورة واسقاط دكتاتورية نميري في 1985. ولا يتحققُ ذلك إلا من خلالِ الوصول إلى اتفاقياتِ سلام تخاطب الجذورَ السياسية والاقتصادية والثقافية للتهميشِ والتي قادت إلى الحروبِ، ومن خلالِ ذلك الوصول إلى عقدٍ اجتماعي جديد لدولة مدنية ديمقراطية تحترم حقوقَ المواطنة المتساوية. وتأتي الترتيباتُ الأمنيةُ بعد الوصولِ إلى اتفاقياتِ سلامٍ تخاطب القضايا السياسية والإنسانية للحرب ترضي جميعَ الأطراف. في الواقع لا يوجد اختلافٌ كبير بين موقفي طرفي الحركة الشعبية حول قضيةِ مصير الجيش الشعبي بعد الوصولِ إلى اتفاقٍ يضمن تحقيقَ السلام والتحول الديمقراطي، وذلك بالرغم من اللغطِ الكثيف الذي اُثير حولَ هذه القضيةِ بالذات واستخدامِها كسلاحٍ لتخوين طرفٍ معين والطعن في صدقِ ولائه ومبدئيته. يتفقُ الطرفان من ناحيةٍ مبدئية على الدخول في ترتيباتٍ أمنية تنتهي بتكوينِ جيشٍ وطني مهني واحد بعقيدةٍ قتاليةٍ جديدة بعد حلِ كل الجيوشِ والمليشيات الموجودة حاليا، وينحصر الخلافُ بينهما في الفترةِ التي يجب التي تحتفظ فيها الحركةُ الشعبية بجيشها كضامنٍ لتنفيذ أي اتفاقيةِ سلامٍ يتم التوقيعُ عليها. وفي حين عبرت ورقةُ الترتيبات الأمنية التي تم ايداعُها لدى الوساطةِ الأفريقية عن موقفِ الحركة الشعبية - قيادة مالك عقار والتي تقترحُ المحافظةَ علي الجيش الشعبي لتحرير السودان لمدة 15 عاما بعد الوصول إلى اتفاقِ سلام، ترى الحركةُ الشعبية لتحرير – قيادة عبدالعزيز الحلو أن يبقى الجيشُ لمدة 20 عاما، وكما ورد في خطابِ استقالة القائد عبد العزيز الحلو: ""...شريطة أن يظل الجيش الشعبى واقفا لمدة 20 سنة، حتى يتم التأكد من تنفيذ الاتفاقيات و التحول الديموقراطى، و بعدها يمكن ننظر فى خلق جيش سودانى جديد حسب نموذج الترتيبات الأمنية فى اتفاقية السلام الشامل 2005."
3. القضايا التنظيمية والإدارية
هناك قضايا تنظيمية وادارية كثيرة كانت موضوعَ خلافٍ بين الطرفين. دون الدخول في التفاصيل، لا شك أن هناك غيابا للمؤسسيةِ والكثير من الاختلالات التنظيمية وأوجه القصور داخل تنظيماتِ الحركة، وأن هناك أجهزةً رئيسية ظلت معطلة على رأسها مجلسُ التحرير القومي، وكان غيابُ المؤسسيةِ وعدمُ الالتزام بالأطر النظامية أحدَ العوامل التي ساعدت على الانقسامِ بالطريقة التي حدث بها. ويتحمل الطرفان المسؤوليةَ عن كل ذلك كل بقدرِ مسؤولياته التنظيمية والإدارية قبل الانقسام، ولا يمكن تحميلُ المسؤولية لطرفٍ دون الآخر، ويجب أيضا الوضعُ في الإعتبارِ أن هناك عواملَ موضوعية ساهمت في هذه الاختلالات التنظيمية وعلى رأسها قيامُ الحربِ الثانية في 2011 بعد وقتٍ وجيزٍ من فك الارتباط مع الحركة الشعبية الأم في جنوبِ البلاد.
مهمةُ بناء الكتلة التاريخية: الشعبُ يريد بناءَ السودان الجديد
بعيدا عن قضايا الخلافِ، فإن رؤيةَ السودان الجديد هي ملكٌ لكلِ السودانين دون تمييز وخاصةً القوى الاجتماعية الثورية التي تكافحُ من أجلِ بناء سودان المواطنة المتساوية والسلام والحريات العامة والعدالة الاجتماعية. مع ذلك ظلت هناك حواجزٌ تحول دونَ وصولِ هذه الرؤيةِ لكل المجتمعاتِ السودانية المختلفة وبالتالي تحول دون بناءِ الكتلة التاريخية التي يتوقف عليها تحقيقُ التحولِ الديمقرطي وبناءِ الدولة المدنية الديمقراطية. فقد ظلت هناك قياداتٌ سياسية من الهامشِ تعتقد أن رؤيةَ السودان الجديد ملكيةُ خاصة بهم دون غيرهم واستمرت تروجُ لهذا الفهمِ، ولم تكن مصادفة أن يشتركَ معهم بنشاط المدافعون عن السودان القديم من أصحابِ الإمتيازات في الترويج لذاتِ الفهم. لذلك و في مقابلِ المجموعات التي تعتبر هذه الرؤيةَ ملكيةً خاصة بها، برزت مجموعاتٌ أخرى ترى أن هذه الرؤيةَ موجهةً ضدها او ضد مصالحها. وقد استثمر أصحابُ الامتيازات في المركز في هذه التناقضاتِ واستمروا يوظفونها بغرضِ منع عملية بناء كتلةٍ تاريخية لقوى السودان الجديد. تحتاج الحركةُ الشعبية لإجلاءِ رؤيتها وتطويرها وتمليكها للجماهير كمشروعٍ للبناءِ الوطني يشمل كلَ السودانيين ولمصلحتهم جميعاً. ولا يمكن للحركة الشعبية بجناحيها أن تتصدى لمهمةِ توحيد قوى السودان الجديد وبناء الكتلة التاريخة إذا كانت عاجزة عن توحيدِ نفسها وإجراء الاصلاحات السياسية والتنظيمية الضرورية للانتقال لمرحلة التحول الديمقراطي والعمل السياسي السلمي.
قضيةُ الديمقراطية والتحول الكامل للعمل السياسي السلمي
إن أولى المهامِ والتحديات التي ستواجه الحركةَ الشعبية بجناحيها بعد سقوطِ النظام والانتقال نحو الحكمِ المدني الديمقراطي هي التحول إلى حركةٍ سياسية مدنية تعتمد بشكلٍ رئيسي على العملِ السياسي السلمي وسط الجماهير لتحقيق أهدافها، وتلتزم بقواعد النظام الديمقراطي وتعمل على غرسها في تربةِ البلاد وحمايتها وتطويرها بحيث لا يتم الوصولُ إلى السلطة إلا عن طريقِ انتخابات حرةٍ ونزيهة. لقد جاءَ في خطابِ استقالة القائد عبدالعزيز آدم الحلو انه:
"...لا يجوز تأجيل النضال أو تركه و تحميل مسؤوليته للأجيال القادمة .. لأنه سوف لن تكون هناك أجيال قادمة مع سياسة الإبادة الجارية حاليا اذا قمتم بتأجيل الحرب، خاصة و أن بيننا من يقول ويروج بأننا لن نستطيع أن نهزم النظام ونحقق السودان الجديد دفعة واحدة. لذلك علينا أن نوقع أى اتفاق و نذهب ونعمل لتحقيق التغيير من الداخل عبر العمل الجماهيري والاعلامي والنضال السلمي. يجب تفويت الفرصة على هؤلاء، وأن لا تنخدعوا لهم...."
لقد كان التحليلُ الذي تضمنه الخطابُ محقا في جزءٍ منه، ولكنه أخطأ أيضا في جزءٍ آخر منه؛ كان محقا في التعبيرِ عن القناعةِ بأنه يمكن لشعبِنا هزيمةُ نظام الإسلام السياسي وأن ذلك ليس مستحيلا، وقد اثبتت ثورةُ شعبنا أنه تمكن هزيمةُ النظام وإسقاطه بالكامل، وكان مخطئا في الاستهانة بالعملِ الجماهيري السلمي وسط الجماهير وأن التغييرَ لايمكن أن يحدثَ عبر العملِ الاعلامي والجماهيري والنضال السلمي في المركز، وهو أيضا ما اثبتته هذه الثورةُ وبما لا يدع مجالا للشك.
سوف يتطلب التحولُ التامُ للعملِ المدني السلمي إجراءَ إصلاحاتٍ سياسية وتنظيمية واسعة تهدف إلى التأكيدِ على مركزيةِ قضية الديمقراطية في برنامج الحركة وفي علاقاتِها التنظيمية الداخلية وبناء وتقوية مؤسسات الحركة. لم تنشأ الحركةُ الشعبية فى الأصلِ كحركةٍ سياسية جماهيرية مفتوحة، وإنما كحركةِ تحرر تعتمد الكفاحَ المسلح وسيلةً لتحقيق أهدافها. وبالرغم من انفتاحِ الحركة اللاحق على العملِ السياسي السلمي وتبنيه في دستورها، كان لهذه البدايات تأثيرُها الكبير على التطوراتِ اللاحقة في الحركة عموماً وعلى الموقف من قضيةِ الديمقراطية على وجهٍ خاص سواء في برنامجِ الحركة أو ممارساتها وعلاقاتها التنظيمية الداخلية، ومهمة تحقيق التوازن الضروري بين العناصر السياسية والعسكرية داخل الحركة. إن تكوينَ حركاتِ التحرر التي تضع المكونَ العسكري في المقدمةِ يجعل منه العنصرَ المهيمن بحكم طبيعة التراتبيةِ العسكرية القائمة على الخضوعِ للأوامر العليا، وينعكس ذلك سلبا على ممارسةِ الديمقراطية الداخلية. يُضاف لذلك، وكما وردَ في ورقةِ نائب رئيس الحركة الأستاذ ياسر عرمان (نحو ميلاد ثاني لرؤية السودان الجديد 2017)، لم تأخذ الحركةُ، خاصة فى البدايات، قضايا حقوق الإنسان كمكونٍ رئيسي فى ممارستها، وقد ألحق ذلك تشوهاتٍ بالتجربة، وبعد اتفاقيةِ السلام 2005، لم تعط الحركةُ الإهتمامَ المطلوب لقضايا التحول الديمقراطي، وركزت جلَ إهتمامها على تنفيذِ الجوانب التى ستؤدي الى الإستفتاءِ على حق تقرير المصير، كما لم تتمتع الحركةُ بالحساسية المطلوبة تجاه كثيرٍ من الممارساتِ المخالفة لحقوق الإنسان التى ارتكبتها أجهزةُ المؤتمر الوطني أثناءَ الفترةِ الإنتقالية. إن الحركة الشعبية بجناحيها مطالبةٌ الآن بإجراءِ إصلاحاتٍ واسعة وتحول ديمقراطي حقيقي موازٍ داخل تنظيماتها، وينطبق ذاتُ الشيء على كلِ القوى الوطنية الديمقراطية التي تعملُ من أجلِ انتصار الثورة وتحقيق التحول الديمقراطي، لأن فاقدَ الشيءِ لايعطيه. إن الالتزامَ الجدي بالديمقراطيةِ والمؤسسية هو الضمانُ الوحيد لوحدةِ التنظيم، أي تنظيم، ومصدرُ قوته وفعاليته الحركية، وذلك لأن الديمقراطيةَ تقدم الياتٍ لتسوية الاختلافات والتباينات الداخلية وتمنع تطورَها نحو الانقساماتِ كما حدث في الحركة الشعبية.
ناصف بشير الأمين
19 يونيو 2019
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.