بحمد الله، تم اليوم الاربعاء 17 يوليو التوقيع على وثيقة الاتفاق السياسي بين المجلس العسكري و قوى اعلان الحرية و التغيير. و الذين لا يرون الاشياء من الداخل، ربما قد لا يتصوروا قيمة هذا الانجاز في ظل اختلاف الرؤى و فقدان الثقة بين الطرفين، و الضغط السياسي و الاعلامي، على المستويين الوطني و الدولي. الاتفاق السياسي حتى الان هو الاطار السياسي العام الذي استنادا عليه ستتأسس بقية التفاصيل الدستورية، و ايضا الاعلان الدستوري سيكون هو الاطار الدستوري الذي سيحتاج لتفصيل اوفى في وثائق قانونية، موضوعية و اجرائية، تساعد في وضع الاعلان الدستوري في نطاقها العملي و التنفيذي. بالنظر للجانب الملئ للكوب، تعد هذه الوثيقة اول وثيقة وطنية بعد اندحار النظام الدكتاتوري، تعكس مستوى من الارادات السياسية لقيادة التحول السياسي في السودان. ظل الاطراف السياسية خلال الفترة الماضية يدخلون و يخرجون، في اجتماعات مغلقة و مفتوحة، و يلتقون بوسائل الاعلان و يصدرون البيانات، الا انهم مطلقا لم يجرؤوا على توقيع وثيقة تعكس مستوى التوافق بين الاطراف المعنية. اذن هذه هي اول وثيقة تصدر على الاطلاق تحمل توقيع الاطراف. و بقراءة الجانب الملئ من الكوب، بموجب هذه الوثيقة السياسية، تتأسس الشراكة السياسية للفترة الانتقالية بين المجلس العسكري و قوى اعلان الحرية و التغيير. هذه الشراكة كانت في اكثر من مرحلة، غاب قوسين او ادنى، اقرب الى الاندحار، و الذي بدوره كان سيقود الى تفجر الاوضاع السياسية و تعقيدها لا سيما اذا ظهرت في الافق بوادر توافق بين المجلس العسكري و اي قوى سياسية اخرى غير اعلان الحرية و التغيير. اذن هذه شراكة لصالح التغيير، و ان جاءت دون طموح العديد من الفاعلين و المراقبين، و لكنه خطوة في الطريق قابلة للزيادة و التحسين و التجويد، من خلال التعاون و تفعيل روح الشراكة. هذا الانجاز الاولى يبدو انه قد جاء مدفوعا بقوة دفع دولية، و هذا في حد ذاته ايجابي للغاية، بمعنى ان لهذا التحول، و بصورته تلك، اصدقاء و اصحاب مصلحة، يساندونه و يحمونه، لذا ضغطوا باتجاه تسريع اجراءات التوقيع، وقفوا شهودا على الوثيقة. الذي يجب ان نستوعبه من توقيع تلك الوثيقة، ان تلك الوثيقة ليست هي المنجز النهائي و الاخير لمطالب الثوار او القوى السياسية، او فلنقل انه لا تلبى طموح الشعب الذي ظل ينتظر طويلا. و لكن الصحيح بجانب ذلك القول، ان التغيير سيظل مسيرة طويلة، تحتاج لنقطة انطلاق، و نرجو ان يكون ذلك التوقيع هو نقطة الانطلاق. ستظل المهام كثيرة و صعبة وفق ظروف السودان الراهنة. حتى يتحقق للشعب السوداني طموحاته، على الاصعدة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و غير ذلك، سيحتاج الى اجراءات طويلة من الاصلاح التشريعي و المؤسسي، و في توظيف الكفاءات و المقدرات، و هذه مهمة الحكومة الجديدة. الا ان ارادة التخريب و التعطيل ستكون مترصدة و متربصة و متسترة خلف المؤسسات القديمة و قوانينها، لذا لا يمكن ان نقول ان المسيرة خالية من المصاعب. بحمد الله قبل يومين من هذا الاتفاق الاخير، تمكنت الفصائل العسكرية و القوى السياسية المدنية من التوصل لاتفاق – لا اعرف تفاصيله – حول موضوعات السلم و الحرب. و اعتقد ان مسالة ترك موضوع تخصيص مقاعد الهيئة التشريعية سيفتح المجال رحبا من اجل ادراج تلك الفصائل في مؤسسات صنع القرارات المستقبلية للسودان، و بالتالي سيسهم وجودهم في رسم طريق السلام في السودان. بالطبع مازالت هناك قوى اخرى من الفصائل المسلحة لم تتندرج في ذلك الاتفاق لا سيما فصيل الحلو و عبد الواحد نور، و لكن الارادة الجماعية نحو انهاء الحرب و تاسيس السلام اصبحت واضحة في تصريحات الجميع. نقطة مهمة، لكنها لم ترى النور في كل الوثائق، ربما لحساسية تناولها في هذه المرحلة، و هي مسالة اصلاح القطاع العسكري و الامني، و الحديث الذي يجب ان يستوعبه المجلس العسكري ان القطاع الامني ( الجيش و الشرطة و الامن و الدعم السريع و غير ذلك من مليشيات منسوبة للقطاع الامني)، يحتاج لاصلاح شامل بحيث تكون اهداف هذا القطاع منسجمة مع اهداف الدولة الديمقراطية الجديدة، و في اصلاح هذا القطاع – بجانب الاصلاحات الاخرى في القطاعات الاخرى – فيه مصلحة لاستقرار السودان، و مصلحة للقطاع الامني باستعادة دوره الوطني المنشود. بوصفي ناشط في المجتمع المدني، و اعمل بجد من اجل تفعيل دوره في المرحلة الراهنة و المستقبلية، ارى من الضروري ان تنفتح الطاقات للمجتمع المدني للقيام بدور هام لانجاز مهام المرحلة الانتقالية، و ان يقوم بدور المراقب لتنفيذ متطلبات المرحلة الانتقالية. هذا الدور لا يمكن ان يكون بدون الغاء القوانين، و حل المؤسسات، التي ظلت تعيق بشكل منظم من حرية التعبير و حرية التجمع السلمي و التنظيم. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.