عجباً أن تطلب قوى إعلان الحرية والتغيير من الشباب الخروج للشارع قبل وبعد توقيع الوثائق مع المجلس العسكري ثم لا تعرض عليهم الوثائق التي يريدون التوقيع عليها قبل التوقيع ليشاركها الشباب بآرائهم. والأعجب من هذا كما أشار كثيرون هو أن يوقّع جزء من قوى إعلان الحرية والتغيير على وثيقة ضعيفة باسمها ويضطر الجزء الآخر منها إلى إصدار البيانات التي تنفي علمها بما تمّ. والحقيقة هي أن الذي وقّع على الاتفاق هو جزء من نداء السودان (حزب الأمة، والمؤتمر السوداني، وجزء منشق من الحزب الجمهوري)، والذين أعترضوا على الإتفاق هم قوى الإجماع (المكون من عدة أحزاب منها الحزب الشيوعي، وحزب البعث) والجزء المغيب من نداء السودان (وهي الحركات العسكرية المنضوية تحتها). هكذا وضع الموقعون، من نداء السودان، قوى الإجماع والحركات المسلحة أمام الأمر الواقع بقبول الإتفاق، والإكتفاء بإصدار بيانات تشرح موقفها، مع تفضيل خيار البقاء ضمن قوى إعلان الحرية والتغيير، وذلك حتى لا ينفرط عقد تحالف القوى وينفتح الباب واسعاً للثورة المضادة، التي تنتظر إنشقاق قوى إعلان الحرية والتغيير على أحرّ من الجمر، لإجهاض الثورة. ويعتقد كثيرون، والله أعلم، أن السيد الصادق المهدي قد مارس ضغطاً على قيادة حزب المؤتمر السوداني للتوقيع على الإتفاق من خلف ظهر قوى الإجماع والأحزاب والكيانات المنضوية تحت قوى إعلان الحرية والتغيير. لقد تبين للجميع الآن أن الإتفاق السياسي الذي تم التوقيع عليه ضعيف لا يرقى لمستوى تضحيات الثوار والزخم الثوري الموجود في الشارع اليوم، بل أن هناك بوادر قيام تكتل سياسي جديد مناهض للاتفاق يهدد بالتظاهر والإعتصام. فمعظم البنود الهامة أو المفصلية في الإتفاقية مبنيّة على وثيقة دستورية غير موجودة أساساً، أو غير متفق عليها في أحسن الأحوال، ومن أخطر بنودها أنه يترك أمر الجيش والقوى النظامية الأخرى حصريّاً تحت سلطة المكون العسكري في مجلس السيادة فقط، وليس تحت سلطة مجلس السيادة، ولا تحت سلطة رئيس مجلس الوزراء. وفي رأيي المتواضع، إن هذه المشكلة بالذّات من الصعب تداركها وإصلاحها في الإتفاق الدستوري الذي مازال في رحم الغيب. ورغم هذا الأداء المرتبك فإن قوى إعلان الحرية والتغيير ما زالت تطلب من الجماهير أن تخرج للشارع لتقف معها وتشكل أداة ضغط لتنجز الإتفاق الدستوري. والواقع ان الجماهير أساساً كانت موجودة في الشارع ولم تستطع قوى إعلان الحرية والتغيير الحصول على إتفاق يتناسب مع حضورها وزخمها وتضحياتها. ليس هذا فحسب، بل فات عليها أهمية توقيع الوثيقتين معاً في وقت واحد حتى يكون الإتفاق شاملاً وتكون الصورة مكتملة. وحسناً قد فعل الحزب الشيوعي، فقد أثار بيانه الفضول عند الجميع لقراءة وتشريح الإتفاق السياسي الموقّع، فتبين عُواره، ويمكننا أن نقول أن ما يقوله البعض بأن الحزب الشيوعي يريد أن تكون الإتفاقية بلغته وعباراته، يجافي الحقيقة التي عرفها الجميع من مشاركات الحزب في كل جلسات التفاوض السابقة عن طريق ممثله الأستاذ يوسف صديق. كذلك يمكن أن نقول إن الذين وقّعوا على الوثيقة يحرفون موضوع النقاش من بنود الإتفاق الهزيل إلى بيان الحزب الشيوعي، وهذا غير مفيد في تدارك الأخطاء. كذلك نقول لمن يرى أن معظم ما أراد الحزب تضمينه في الإتفاق السياسي موجود فيه بطريقة ما، إن البنود التي تشير للأمور بطريقة مائعة أو مواربة غير مفيدة ولا تصلح لعقد إتفاقات يستبين كل طرف فيها ما له وما عليه بصورة قاطعة لا تحتمل التأويل. وقد نكون منصفين إذا قلنا إن الإتفاق الذي كان ممكناً ويتوقعه الثوار، في أسوأ الأحوال، يقع بين بيان الحزب الشوعي المتمسك جداً والإتفاق الموقّع المتهاون جداً بمطالب الثوار. الآن، لا ينفع البكاء على اللبن المسكوب، والمطلوب هو الخروج من نفق هذا الأداء المرتبك لقوى إعلان الحرية والتغيير. على الذين وقعوا على الإتفاق السياسي أن يعملوا مع بقية مكوّنات قوى إعلان الحرية والتغيير على دراسة الإتفاق السياسي جيداً وتحديد مواطن الضعف فيه دون مكابرة، ثم العمل على وضع وثيقة دستورية تتدارك كل الأخطاء، ثم عرض الوثيقة المقترحة على شباب الثورة لإستصحاب آراءهم وتحفُّظاتهم قبل عرضها على المجلس العسكري والجلوس معه. ثم بعد ذلك الطلب من الجماهير للخروج للشارع لفرض إرادتها. ولا يحق لأي جهة، مهما كانت، أن تطلب من الجماهير أن تخرج للشارع وتعرض نفسها للضرب والقتل وهي لا تُشركها في ما تقوم به من عمل، ولا تطلعها على وثائق وإتفاقات توقعها باسمها (بإسم الجماهير). عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.